السناتور الامريكي ريك سانتورم وصدى النهضة الكلدانية

 تعد بلاد النهرين مهد الحضارات، تلك الحضارة التي بدأها الشعب الكلداني، وهذه حقيقة تاريخية لا يختلف اثنان في صحتها، تلك الحضارة التي وضعت الاسس الاولى للمعرفة العلمية بجوانبها المختلفة، وقدمت للبشرية سبل التقدم والرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. مرت السنون، وتوالت العصور فاختلف عطاء الامة الكلدانية متأثرا بمتغيرات الاوضاع السياسية. وبالرغم من فقدانهم للسلطة والحكم، فان عطاء الفرد الكلداني استمر بشكل وآخر في مختلف العصور التاريخية، ذلك العطاء الذي جعل من الكلدان امة حية لم تندثر، بل حافظت على خصالها في الحكمة والمعرفة والصبر والتأني.

وبعد أن شعر الكلدان بعد التغيرات السياسية عام 2003 في العراق انهم محاطون بدسائس ومحاولات لمحو هويتهم القومية ومكانتهم ووجودهم بين الشعب العراقي، تكاثفوا وتآزروا المخلصون من ساستهم ومفكريهم وبمساندة رجال الدين من الاساقفة والكهنة الذين يرون ان الامة الكلدانية لابد ان تنهض، وعليه بادروا للتخطيط السليم لاحتواء هذه الازمة المفتعلة. (ولا تعني الدعوة الى النهضة، انعدام عطاء الامة الكلدانية، انما النهضة للحد من متغيرات التي تحاول النيل منها واحباطها في مكانها).

تكاثفت جهود المخلصين الاوفياء لوضع اسس هذه النهضة، وبمرور الايام نقطف من ثمارها داخل البلد الام، او في المهجر لتغذي الروح المعنوية لشعبنا الكلداني، فلم يكن البيان البطريركي في رفض تمثيل يونادم كنا لشعبنا الكلداني، وقبله بيان السينودس الذي الغى التسميات الغريبة المصطنعة لشعبنا الكلداني، والتحام وتكاتف القوى المخلصة المتمثلة في الحزب الديمقراطي الكلداني والمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد والاتحاد العالمي للكتاب والادباء الكلدان والمجلس الكلداني العالمي والتجمع الوطني الكلداني ومنظمات المجتمع المدنية الكلدانية والمستقلين والمفكرين في مختلف ارجاء العالم ومشاركتهم الفعالة في تبادل الخبرات والتعاون على كافة الاصعدة، الا صدى هذه النهضة المؤثرة.

وأخيرا تجلى صدى النهضة الكلدانية في الدعوة الرسمية التي وجهت من قبل السناتور الامريكي السابق ريك سانتورم المرشح الجمهوري الى الكلدان عبر مؤسساتهم وتنظيماتهم الاجتماعية في الولايات الامريكية لدعمه في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة وفقا بما جاء في مقالته التي نشرها الدكتور نوري بركة في الموقع الالكتروني كلدايا نت ( وفي رسالة الكترونية وصلتني من الاستاذ نبيل رومايا ان المرشح الديمقراطي كيري بيترز في ولاية مشيكن ايضا اجتمع مع الناشطين الكلدان في نادي شنان لدعمه في الانتخابات الرئاسية)، اذ تعد هذه الحالة مؤشرا متقدما على ما حققه الكلدان في المهجر لضمان حقوقهم والتي تمتد انعكاساتها الايجابية الى الشعب الكلداني في العراق بسبب التأثير المباشر للسياسة الامريكية الخارجية على بلدان العالم الثالث ومنها بالطبع العراق الذي أهمل بكل السياقات السياسية الوجود القومي للشعب الكلداني.

ولو ان من الناحية المنطقية تتأثرالسياسة الامريكية منذ الخمسينات من القرن الماضي في علاقاتها الداخلية والخارجية بنظرية التبادل التي تعتمد مبدأ الاختيار العقلاني للعلاقات الاجتماعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية وفي مختلف نواحي الحياة، وبالاساس في تعاملها في السياسة الخارجية مع شعوب العالم المختلفة. وقد ارتبطت هذه النظرية باسم كل من (جورج هومانز) و(بيتر بلاو )، وتدعي نظريتهما في منطلقها الاساسي: (ان البشر يمارسون سلوكا يجلب لهم منافع ويشبع لديهم الحاجات المختلفة) ويعتقد علماء الاجتماع ان فكرة التبادل المنفعي تعد مصدرا من مصادر التضامن الاجتماعي، اذ أن صورة المجتمع عند هذه النظرية تتلخص في أن نشاطات البشر المتبادلة ترمي الى الحصول على الحد الاقصى من المنفعة، وهي تركز في ذلك على العقلانية التي يتبعها افراد المجتمع في تقرير أفعالهم، فهم يسعون الى اختيار تصرفاتهم وعلاقاتهم على اساس التبادل المنفعي، فالانتخابات للرئاسة الامريكية هي مظهر من مظاهر هذه العلاقة. فهنا الشعب الكلداني يكون طرفا من المعادلة العلائقية والمرشح الطرف الاخر، فيسعى الطرفان لتحقيق أهدافهما من خلال تكامل هذه العلاقة.

أما هنا ليست المسألة هي مدى مصداقية الوفاء بالوعود من جانب المرشحين للرئاسة اثناء فوزهم، انما الدعوات التي اطلقها هؤلاء المرشحين للشعب الكلداني في الولايات المتحدة الامريكية لمساندتهم ودعمهم لتحقيق فوزهم، هي دليل واضح على تأثير البرامج التي اطلقها مؤتمر النهضة الكلدانية الذي عقد في مدينة سان دييكو الامريكية في العام الماضي بهمة منظمات المجتمع الكلداني المدنية وابرشية مار بطرس الكلدانية الكاثوليكية بمباركة روحية من راعيها الجليل مار سرهد يوسب جمو، وتلاه مؤتمر السويد.

فهي المرة الاولى التي يناشد المرشحون للرئاسة الامريكية دعم الكلدان لهم ومساندتهم، وتصريحاتهم عن الاحوال السياسية والاجتماعية والحضارية للشعب الكلداني في عراق اليوم وتقديم الدعم الكامل لهم عند فوزهم. ويعد هذا التطور حدث خطير في السياسة الامريكية لاتخاذها موقفا جديدا نحو الشعب الكلداني، وعليه سيكون هذا الحدث احتوءا للموقف الذي اتخذه وليم بريمر سنة 2003 تجاه الكلدان بتأثيرات صادرة من يونادم كنا بشكل وآخر في حينها فاستمرت الحالة كما هي عليه الان. وقد توهم هو ومن يسانده ان الكلدان يتراوحون مكانهم، لكن كما نؤكد دائما فهم أهل الحكمة والدراية والتأني في معالجة الامور.

وفي هذه المناسبة أدعو تواصل المؤتمرات الكلدانية حيثما وجدت المنظمات والمؤسسات الاجتماعية والاحزاب السياسية الكلدانية في أرجاء المعمورة، واخص بالذكر في ولاية مشيكن الامريكية حيث الثقل السكاني الكبير والتجربة والخبرة العريقة للكلدان في السياسة الامريكية، تلك الدولة المتنفذة في السياسة العالمية لتحقيق مبدأ التبادل المنفعي الذي تبنته الولايات الامريكية داخليا وخارجيا. وأتمنى من الكلدان في استراليا ان تخطو مثل هذه الخطوات للتأثير على مواقف الحكومة الاسترالية تجاه الشعب الكلداني في العراق، ويساير الخطوة نفسها الكلدان في كندا وفرنسا وغيرها من البلدان المؤثرة في التغيير السياسي العالمي، ولتتكاثف الجهود من الكلدان في العراق الذين لايزايدون على هويتهم ووجودهم وبناء علاقاتهم مع الاشوريين والسريان ومع كافة الاثنيات القومية في المجتمع العراقي على المبدأ الحضاري الذي تتبناه الشعوب المتقدمة، قبول واحترام الآخر والتعايش السلمي.

 

 

You may also like...