الحضارة واللغة الكلدانية في لغة سومر (الجزء الاول ) بقلم مرقس اسكندر



إن برج بابل اعتُبر رمزاً اسطورياً عالمياً انطلقت و(تبلبلت) منه جميع لغات العالم!
جميع كتب التاريخ تتفق على ان العراق (بلاد النهرين) منبت أول حضارة على الارض، الى جانب الحضارتين المصرية والسورية. ابتدأ النشاط البشري الملموس في حدود (100-60 ) ألف سنة ق.م، حيث ظهرت آثار الجماعات الأولى من انسان (نياندرتال) في منطقة الرطبة وحوض الموصل وكهف شنايدر. وعبر العصور الثلاثة التي اصطلح عليها المؤرخون (العصر الحجري القديم، والأوسط، والحديث) تطور نشاط الانسان الأول في العراق وبدأ انتقاله التاريخي من الالتقاط والصيد إلى الزراعة والتدجين وتطوير بعض الادوات الضرورية. وفي العقدين الأخيرين من الألف العاشر ظهرت القرى الزراعية التي كشفت طبقاتها الأولى عن نشاط زراعي حيواني منتظم وكشفت عن استقرار اجتماعي. يعتبر (الفخار) من أبرز المبتكرات التي لها أهميتها. وشاع استخدام المعادن وتطور النمط العمراني بتطور المباني وتطور تلوين الخزف وتطورت المعابد وتطور الفن واتسع انتشار مراكز الاستقرار الاجتماعي في وسط العراق ونموها السريع. ثم ظهر الدولاب الذي يصنع به الفخار وبدأت الحضارة العراقية تأخذ طريقها إلى خارج العراق.
وفي فجر التاريخ ( 3000ق.م) تعززت مكانة المعبد ودوره الاجتماعي والاقتصادي الذي ارتبط بتطور القرى الزراعية. وقد توج هذا التطور بابتكار الكتابة إذ عثر على أول نموذج لها بهيئة صورية تعود إلى سنة 3000ق.م في الطبقة الرابعة من موقع مدينة الوركاء. وقد وجدت الكثير من هذه الاختام الاسطوانية في سوريا ومصر وعيلام وأواسط أنضوليا، وهذا يدل على مدى تأثير الحضارة العراقية ومنذ وقت مبكر،على عموم الشرق الاوسط .

الاساس الحضاري
إن (مرحلة الحضارة العراقية القديمة) قد دامت حوالي 3000 عام، أي بين(3000) قبل الميلاد، حتى سقوط بابل (آخر دولة كلدانية قديمة) في القرن السادس ق.م وعرفت بـ (حضارة بلاد النهرين). ومقر هذه الحضارة هو العراق الحالي، بالاضافة الى أجزاء أخرى تابعة له جغرافياً وحضارياً (( في سوريا ـ منطقة الجزيرة ـ كذلك في ايران (الاحواز)، ثم في جنوب تركيا ـ أعالي النهرين)). ولكن هذه الحضارة النهرينية كانت من القوة والتأثير انها شملت كل الشرق الاوسط وأصبحت اللغة الاكدية والكتابة المسمارية هي المتداولة بين دول العالم القديم، مثلما حال الانكليزية في العصر الحالي.
منذ الربع الاخير من الالف الرابع ق.م برزت جماعتان رئيسيتان هما (السومريون) و (الكلدانيون )،) , في عهود لاحقة. وعلى الرغم من تركز السومريين في المدن الجنوبية مثل أريدو وأور في محافظة ذي قار والوركاء في محافظة المثنى، وتركز الكلدانيين في كيش في محافظة بابل وسبار في محافظة بغداد وبعض المواقع في محافظة الانبار فقد امتزجت كلتا الجماعتين وتفاعلتا في كل المدن العراقية القديمة. وربما كانت القيادة السياسية للكلدانيين ثم للسومريين ومن بعدهم للكلدانيين والسومريين مرة أخرى.
ان الكلدنيون والسومريون قدموا الكثير من الانجازات الحضارية للأنسانية وتُعد (الكتابة المسمارية) من أعظمها، ثم المدرسة ونظام التعليم، كذلك تكوين أُسُس النظام السياسي ومجلس الشورى وسن اولى القوانين والشرائع الطامحة لتحقيق العدالة. فمنذ عهد الحاكم السومري (أوروكاجتيا) الذي كثف خطابه الإنساني في القانون بعبارة (جئت لأخلص الضعيف من القوي ولن أدع أحد ينام وهو جائع). وصنع السومريون والكلدانيون الاساطير و(ديانة الكواكب) التي شكلت أساس الاديان السماوية. أما في مجال الادب فأن ملحمة كلكامش وملحمة الخليقة الكلدانية وتموز وعشتار والطوفان تعد من اولى الابداعات الادبية الكبرى. كذلك قاموا بجمع الالواح وأبدعوا أول أسس الترجمة والقواميس ذلك إن مكتبة الملك الآشوري (آشوربانيبال) التي سرقت من مدن الاوسط والجنوب تشير إلى استنساخ ألواح المعرفة القديمة وتأسيس نظم الفهارس المكتبية. أما في مجالات الفكر والعلوم، فقد وضع الكلدنيون قوانين ومكتشفات مهمة في مجال علوم الكيمياء والطب والفلك.
السومريون، أصلهم وحضارتهم
ظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة ق.م. لكن جذور السومريين تعود الى الألفية السادسة ق.م. حيث ظهرت اولى معالم الحضارة العراقية التي اطلق عليها الآثاريون (الحضارة العبيدية) نسبة الى (تل العبيد ـ جنوب العراق قرب الناصرية)، ثم تطورت الى الحضارة السومرية.
أما الجدل الحامي منذ قرنين حول (أصل السومريين) و(من أين أتوا) فهو جدل مصطنع لأنه لا معنى له، فهو يتعلق بكل شعوب العالم. لهذا فأن الميل العام أصبح لصالح الفرضية القائلة بأن السومريون هم سكان العراق الاصليون منذ سحيق التاريخ. والادلة المعقولة على هذا انه لم يعثر حتى الآن على أي أصل لغوي أو تقارب واضح مع أية لغة في العالم. رغم كل الفرضيات القائلة بأن اللغة السومرية، بما انها لغة مقطعية غير تصريفية، فأنها تشبه في بعض النواحي اللغات (الالطو ـ تركية) مثل التركية والفنلندية والهنغارية…
ان آثار السومريين تدل على انهم كانوا يعيشون في كل أنحاء العراق، لكن مدنهم ودويلاتهم قامت أولاً في السهل الجنوبي العراقي، لأن خصوبته وغناه البيئي سمحت بهذا الانجاز الحضاري التاريخي. في هذا السهل قامت المدن الاولى مثل أور وأوروك ونيبور ولارسا ولجش وكولاب وكيش وإيزين وأريدو وأدب. في هذه المدن كانت بدايات التخطيط للسيطرة على الفيضانات وانشاء السدود وحفر القنوات والجداول. في هذا السهل كانت شبكة القنوات معجزة من معجزات الري مما جعل السومريين بناة أقدم حضارة في التاريخ.
لقد عاش السومريون في جميع أنحاء بلاد النهرين، وقد ظهرت معالمهم في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. لكن حضارتهم تركزت في جنوب العراق (أرض شنعار) أي (جنة عدن) كما يسميها الكتاب المقدس، حيث يتفرع نهرا دجلة والفرات وجداولهما العديدة، إضافة الى ما يخلفانه جراء فيضانهما في أهوار أو مستنقعات جنوب العراق، حيث تزدهر حولها الزراعة وتنمو في ربوعها الأشجار والنباتات. يعتبر السومريون، أو (ذوي الرؤوس السود) كما يسمون انفسهم، أول صنّاع الحضارة على الارض حيث أقاموا المدن ونظموها لأول مرة، وبنوا المعابد وأنشأوا المدارس والمكتبات، بعد ان أبدعوا في اختراع الكتابة المسمارية واللغة السومرية التي سرعان ما انتشرت في جميع حواضر الشرق الأدنى القديم والتي أوصلتهم الى أسباب الحضارة والمعرفة.
وقد أنتج السومريون أدباً رائعاً وشعراً جميلاً امتاز بالعفوية والرقة والتعبير الصادق. وقد دونوا هذا الأدب الإنساني على الرقم الطينية التي صنعوها من الطين النظيف المتوفر على شواطئ الأنهار وفروعها الوفيرة.
ان أول حاكم سومري قدرَّ لأخباره أن تجد سبيلها الى التدوين ووصلتنا، كان الملك (ايتانا) أمير(مدينة لكش) في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد، وخلف لنا بعد ذلك أسطورة (ايتانا والنسر). كما يذكر ملكاً سومرياً آخر وهو(كلكامش) صاحب الأسطورة البديعة التي عرفت بأسمه، وكانت حياته وكفاحه من أجل مدينته اوروك، قد سجلت في قصيدة أخرى مطولة تصور صراع كلكامش مع ملك كيش (أكا) الذي انتهى بانسحاب جيش ملك كيش عن أرض أوروك عام ( 2700ق.م) تقريباً. وأعطت ألينا حضارة سومر أيضاً قصة طوفان نوح (زيو سودرا) وقصائد أخرى بعضها سجلت قديماً في زمانها والبعض الآخر دُوِنَ بعد قرن من الزمن تقريباً. ومن حسن الحظ ان التراث السومري وجد معظمه بفضل (مدينة سيبار) التي ضمت مكتبة ضخمة لا تقل عن مئتي ألف رقيم، وجد فيها ما يقارب من مئة وثلاثين الف رقيم.
من المعلوم انه منذ القرن التاسع عشر والكشف عن الحضارة العراقية اختلف العلماء حول حقيقة السومريين وانقسموا إلى فريقين، أحدهم يعتقد بوجود الشعب السومري بدليل وجود اللغة السومرية. أما الفريق الآخر فقد رأى أنه لا يوجد دليل واضح على وجود السومريين كشعب، وأن اللغة السومرية كانت لغة سرية من ابتكار الكلدانيين أنفسهم وكانت هذه اللغة تستخدم لأغراض دينية وشعائرية.:
((من خلال ما تقدم يتضح لنا إن الافتراض بوجود شعب سومري، يستدل على وجوده من وجود اللغة التي أطلق عليها اسم اللغة السومرية ومن أسماء الأعلام المصاغة بهذه اللغة، يثير من الأسئلة والإشكالات أكثر مما يجيب عليه. ويتضح لنا أيضاً انه لا توجد أدلة سوى اللغة على وجود السومريين باعتبارهم قوماً عاشوا مع الكلدانيين أو سبقوهم على أرض جنوب بلاد الرافدين. وحتى في مجال الكتابة أصبح جلياً إن الدراسات العلمية الرصينة لا تميل إلى قبول الرأي القائل أنها من اختراع السومريين. ومن هنا فأننا نميل بدليل ما تقدم، إلى الاعتقاد بعدم وجود شعب يختلف قومياً عن الكلدانيين بهذا الاسم. وأما اللغة السومرية فلدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نذهب إلى أنها لغة وضعت من قبل الكلدانيين لغرض التدوين قبل أن يتمكنوا من ابتكار وسيلة لتدوين اللغة االكلدانية نفسها. ونرى أن اللغة السومرية بالشكل التي وضعت فيه لم تكن قابلة للتحدث بها، كما سنوضح لاحقاً ولكنها ساعدت الكلدانيين على التوصل إلى المقطعية، بعد المرحلتين الصورية والرمزية)) ص32
الكتاب يورد العديد العديد من الادلة والشروحات التي تؤكد هذه الفكرة، منها:
• الدليل الوحيد على الوجود المفترض للسومريين هو وجود اللغة السومرية ولكن هل يمكن أن نستدل على وجود شعب من لغة خاصة بالتدوين فقط ولا تستعمل في التخاطب. ان الاختلافات بين السومرية والكلدانية ليست كافية لنفي ارتباط اللغتين. ان السومرية هي البداية لما طُوِّر لاحقاً على يد الكلدانيين ..((بدأ الناس بكتابة ما ينطقون به بشكل رموز بدائية ثم طوروا تلك الرموز .. أي أنه طبيعي أن تتم تلك النقلة بغض النظر عن صاحبها))..
• هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها العلماء الغربيين بالتلاعب بالحقائق المتصلة بمعطيات تاريخية وأثرية، ولا هي المرة الأولى التي يحاولون فيها نسب المنجزات التي قدمها ابناء الرافدين إلى غيرهم من الشعوب:
من الادلة الواضحة على هذا التلاعب المقصود، عندما اضيف زوراً أسم السومريون في كثير من الرقم حيث ورد أحياناً (الشعب السومري) وأحياناً (أرض سومر)، في تراجم العلماء الغربيين الذين نقلوا الكتابة من المسمارية إلى اللاتينية، ثم منها أخذ كل العلماء والباحثون في أصل اللغة والحضارة.
ولكن عندما عاد الباحث إلى الرقم الأولى التي تناولتها الترجمة، حتى اكتشف فيها خديعة كبرى هي أن هؤلاء العلماء، قاموا بزيادة صغيرة، فقط أضافوا (كلمة سومر وسومري) حيث ناسب ذلك. انه كلام مثير ولكن الرقم موجودة ويمكن التأكد منه. أن الرقم تذكر مثلاً عبارة: (خمس جرار إلى الأرض).. لكن ترجمة (كريمر) تقول: (خمسة جرار إلى أرض سومر).. وهكذا…
• أن ما سمي بالأدب السومري لم يدون قبل العصر الكلداني القديم أي أن السومريين قد تم ذكرهم بعد اختفاء وجودهم المفترض بأكثر من خمسمائة عام! أي إن علم اللغة السومرية يقع بالأساس خارج العصر السومري حيث استمر التدوين بها من قبل الكلدانيين لأكثر من ألف عام بعد انتهاء السومريين.
• (!.
حتى الآن لم يتم العثور على أية أصول يقينية أو علاقة واضحة ومؤكدة مع أي لغة أخرى. إن اللغة السومرية لغة منعزلة ولا تعود إلى أي عائلة لغوية قديمة أو حديثة معروفة. وهذا يؤكد انها مصطنعة وليست طبيعية.
• ان العقيدة الدينية لسكان بلاد النهرين لا تدل على وجود شعبين مختلفين (سومريوكلداني ) بل شعب واحد بعقيدة دينية واحدة. ولا يتناقض ذلك أنه أطلق أسماء سومرية وكلدانية على عدد من الآلهة التي عبدوها. كذلك كانت مجالات الأدب باللغتين متطابقة ما يدل على تماثلها، وفي أحيان كثيرة يكون النص الأدبي نفسه مدونا ً بكلتا اللغتين. ولم تكن هناك عملية نقل بين أبواب الأدب التسعة المتطابقة في النصوص السومرية والكلدانية هي : قصص الآلهة والأبطال، الترانيم، المراثي، الرسائل الأدبية، المناظرات والحوارات، أدب الحكمة، أدب السحر، الهزل والهجاء، ونصوص متفرقة.
• كانت بناية كل معبد تشيد في العصور التاريخية ويتوجب أن تحمل إسما ً باللغة السومرية واستمر هذا العرف الى أواخر عصور تلك الحضارة. ونظرا ً لما لأبنية المعابد من أهمية وقدسية فلم يكن ممكنا ً أن يستمر الكلدانيون في تسمية معابدهم بأسماء سومرية إذا كانت هذه لغة شعب آخر.
• ثم هنالك المقاطع الرمزية التي وجدت في السومرية من دون أن تكون لها قيم صوتية وهذا ما يثبت أنها قد دخلت الى السومرية من اللغة الأصلية وهي الكلدانية كما نعتقد على يد أصحابها الذين ابتكروا اللغة السومرية لغرض التدوين.
• ظهرت في نصوص السومرية أسماء للهجات متعددة أو تفريعات للغة السومرية، وبعد التدقيق تبين إنها ليست لهجات وإنما طرق استعمال مختلفة للغة السومرية. وبذلك يمكن التأكيد على أن السومرية لغة ابتكرت لترسم على الألواح أكثر من كونها لغة محكية أمكن اختراع الكتابة لها.
• ذكرت النصوص المسمارية أسماء الأقوام القديمة ولكنها لم تشر للسومريين، ونجد فيها ذكرا ً للكلدانيين / / العيلاميين / الكاشيين / / المصريين، وحتى أقوام بعيدة مثل الهنود وحين ترد كلمة سومري في النصوص السومرية فإنها تدل على معنى (كاتب اللغة السومرية) وليس سومري القومية!
• لاحظ الباحث ان أسماء الاشخاص باللغة السومرية والتي تعني انها أسماء سومرية، لكنها استعملت لأشخاص كلدانيين فمثلا ان (أنخدو ـ أنا) الأديبة التي كتبت باللغة السومرية والكلدانية وهي تحمل هذا الاسم السومري، وهي ابنة سرجون الكلداني . فهل يعقل أن ينجب الأب الكلداني ابنة سومرية ؟ مثال آخر من سلالة أور الثالثة التي تألفت من خمسة ملوك خلف كل منهم أباه في الحكم. أن اسمي الملكين الأولين من هذه السلالة (أور ـ نمو وشلجي) كانا سومريين أما ابن شلجي أمار ـ سين أو بور رسين فقد حمل إسماً كلدانيا ولكن حفيده (شو ـ سين) حمل إسماً سومرياً، بينما ابن الأخير (ابي ـ سين) حمل اسما كلدانيا وليس من المعقول أن يكون الملوك من قوميتين مختلفتين وهم من نسل واحد.
كل هذه الادلة تؤكد على أن السومرية هي لغة كتابة اخترعها الكلدانيون لغرض التدوين، كلغة مقدسة ومرحلة أولية حتى توصلوا فيما بعد الى تدوين لغتهم الأصلية.
المصدر: حقيقة السومريين، ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية. / الدكتور نائل حنون/ دار الزمان ـ دمشق 2007 / عدد الصفحات 422
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطوار اللغة السومرية
(عن دائرة المعارف البريطانية2006 )
وهي إحدى اللغات العازلة (أي التي تعتمد على استعمال الصيغ المبنية بدل التصريف في الدلالات النحوية)، وأقدم لغة باقية بشكلها الكتابي. وقد ثبت أنها كانت قيد الاستعمال في بلاد ما بين النهرين عند حوالي 3100 قبل الميلاد، وازدهرت خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. وعند حوالي 2000 قبل الميلاد أستُبدلت السومرية بصفتها لغة دارجة باللغة الكلدانيةوبيد أنها (أي السومرية) بقيت قيد الاستعمال بشكلها المكتوب حتى نهاية عمر اللغة الكلدانية تقريباً عند حوالي بداية العهد المسيحي. ولم تتوسع اللغة السومرية كثيراً إلى ما وراء حدودها الأصلية في جنوب بلاد ما بين النهرين؛ وكان كل العدد القليل من متكلميها الأصليين لا يقاس إذا ما قورن بالأهمية والتأثير اللذين أبدتهما تلك اللغة في تطوير حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات القديمة الأخرى خلال كل مراحل تطور تلك اللغات.
تاريخها
يمكن تمييز أربعة أدوار مرت بها اللغة السومرية: اللغة السومرية المماتة archaic Sumerian ، واللغة السومرية القديمة أو الكلاسيكية (الفصحى) Old or Classical ، واللغة السومرية المحدثة New Sumerian ، واللغة السومرية المتأخرة Post-Sumerian .
مواصفاتها
لم يكن بالإمكان معرفة أصل اللغة السومرية بصورة أكيدة. فقد قورنت مجموعة اللغات الأورالية -الآلتية (التي تشتمل على اللغة التركية)، واللغة الدرافيدية Dravidian والبراهيو والبانتو وعدد آخر من المجموعات اللغوية باللغة السومرية، ولكن ما من نظرية من النظريات التي اعتمدت على هذه المقارنات حازت على القبول العام. فالسومرية على ما يبدو لغة إلصاقية agglutinative ، وذلك يعني أنها تحتفظ بجذر الكلمة على حاله بينما تعبّر عن التغييرات النحوية المختلفة من خلال إضافة البوادئprefixes والدواخل (أي الإضافات الوسطية) infixes واللواحق suffixes . أما الفرق بين الأسماء والأفعال، كما هو موجود حاليا في اللغات الهندية – الأوربية أواللغات السامية مثلاً، فهو غير معروف في اللغة السومرية. فعلى سبيل المثال كلمة دَك dug حين تكون مستقلة في السومرية فهي تعني (الكلام) speech إسماً، و(يتكلم) to speak فعلاً، وهذا يبين الفرق بين الاسم والفعل من خلال النحو وإضافة اللواصق affixes المختلفة ؟؟؟؟
وتشتمل الأصوات المميزة (أي الفونيمات أو الأصوات phonemes) في اللغة السومرية على أربعة حروف (أصوات) علة vowels هي: a و i و e وu ، مع 16 حرفاً (صوتاً) صحيحاً وهي: b و d وg و n وh و kوl وm و nوp وr وs وs وs وt وz. ففي اللغة السومرية الكلاسيكية، لم يكن التقابل بين الأصوات الصحيحة b وd وg وz وبين الأصوات الصحيحة p و t وk وs بين أصوات صائتة (أي تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها) وبين أصوات غير صائتة (أي لا تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها)، ولكن بين أصوات صحيحة لا تختلف في الإصاتة وبين أصوات مشفوعة بنفحة هواء (أي مصحوبة بنفحة هواء عند نطقها). كما أن الصوتين شبه اللينين (شبه الحركتين غير تامتين) y وw كانا يعملان كصوتي علة منزلقين.
وفي الأسماء لا يجري التعبير عن الجنوسة gender . أما العدد فيشار إليه باستخدام إحدى الإضافات: (مي) meو (مي+أش) me +esh ، و(هيا) hia، أو بالتكرار، كما في كلمة (كوركور) kur+kur التي تعني (جبال). وتشتمل الصيغ المتعلقة بالاسم التي تتطابق تقريباً مع حالات تصريف الأسماء في اللغة اللاتينية على: (أَ) e للفاعل (حالة الرفع) و(آ) أو(آك) أي (of) وتعني (لـ) للإضافة (حالة الجر) و(را) ra و (شَ) she أي (to) و(for) ومعناهما (لـ) في إحدى حالات النصب عندما تكون الكلمة مفعولاً به غير مباشر و(آ) a ومعناها (في) (حالة الظرفية) و(تا) ta ومعناها (من) (from ) (إحدى حالات الجر) و(دا) da ومعناها (مع) (with )(التي تدل على المعية).
أما الفعل في اللغة السومرية، وما يرتبط به من سلسلة من البوادئ والدواخل واللواحق فهو يقدم صورة غاية في التعقيد. وتتّبع العناصر المرتبطة بالفعل نظاماً ثابتاً، أي على الترتيب التالي: العناصر المساعدة والعناصر التي تدل على الزمن وعناصر النسبة والعناصر السببية وعناصر المفعول به أو المجرور(النصب والجر) وجذر الفعل وعناصر الفاعل وعناصر الفعل اللازم الدال على المضارع والمستقبل. وفي صيغة الماضي البسيط المتعدي المبني للمعلوم يكون ترتيب عناصر المفعول به والمجرور والفاعل بشكل معكوس. ويمكن للفعل أن يميّز التعدية واللاتعدية والبناء للمعلوم والمجهول والزمنين، أي ما يدل على المضارع والمستقبل والماضي البسيط إضافة إلى الشخص والعدد.
وكانت هنالك بضع لهجات سومرية معروفة. ومن بين تلك اللهجات المهمة لهجة أمَ- كَير، وهي اللهجة السومرية الرسمية، وكذلك لهجة أمَ- سال وهي اللهجة التي غالباً ما كانت تستخدم في صياغة الترانيم (التراتيل) والرقى (التعاويذ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللغة الكلدانية
اللغة الكلدانية (لِشَانُم كلودايا ) هي لغة قديمة، ظهرت في بلاد النهرين، منذ 3000 سنة قبل الميلاد وانتشرت لتصبح لغة الكلدان المراسلات الرسمية في الهلال الخصيب وعموم بلدان الشرق الاوسط. وهي تصنف ضمن مجموعة اللغات الشرقية. تأثرت اللغة الكلدنية باللغة السومرية والتي كانت مستعملة إلى جانب الكلدانية ، ثم حلت الكلدانية محلها في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد. وبقيت اللغة الكلدانية سائدة في العراق لثلاثة آلاف عام،.
يقسم المؤرخون تاريخ اللغة االكلدانية إلى ثلاث مراحل:
ـ المرحلة \الكلدانية (من حوالي 2800 حتى 2000 قبل الميلاد)
ـ المرحلة الكلدانية الثانية (من حوالي 2000 حتى 1000 قبل الميلاد(
ـ المرحلة الآشورية (من حوالي 1000 حتى سقوط الدولة الآشورية في القرن الخامس قبل الميلاد).
الكلدانية تدوَّن بالخط المسماري الذي ورثته من السومرية، فوق ألواح الطين. وهى اللغة الوحيدة التى حفظت كتابات ترجع إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، دُوِّنَت بالخط المسمارى على ألواح من الفخار، ومن أهم هذه الكتابات: قوانين مدينة אֶשְנֻנַ (إشنونا) من بداية الألف الثانى ق.م، وقوانين حمورابى من القرن السابع عشر ق.م، ملحمة جلجامش من القرن السادس عشر ق.م وملحمة الخليقة الكلدانية ورسائل تل العمارنة من القرن الرابع عشر ق.م وغيرها.
وصلت اللغة الكلدانية إلى قمة انتشارها فى القرن السابع عندما أصبحت المملكة الأشورية فى ذروة قوتها، واستخدمتها (اللغةالكلدانية ) مناطق كثيرة فى الشرق الأدنى. حتى فيما بعد، عندما فقدتا أشور وبابل قوتهما، وأفسحت اللغة الكلدانية كلغة حديث، الساحة للغة اليونانية، أصبحت لغة الكتابة فى المراسلات والمعاملات المالية وغيرها.
أن االكلدانيين هم أول من مارس فن الترجمة في تاريخ البشرية، فلقد حفظ لنا الدهر من أدبهم ترجمات قاموا بها من اللغة السومرية إلى لغتهم الكلدانية كما حفظ لنا مجموعة من القوائم اللغوية المحتوية على شرح كلداني للكلمات السومرية النادرة أو الصعبة، فكانوا بذلك أول من مارس (علم صناعة المعجم) ولكن بصورة محدودة لأن القوائم التي عثر عليها تقتصر على طائفة معينة من الأسماء. أما في الفترة التي حكم فيها الكلدانيون بابل ، فقد وضعت قوائم لغوية مزدوجة أطول من القوائم القديمة لطول عهد الكلدانيين بالحقبة السومرية.
مميزات الكلدانية
احتفظت اللغة الكلدانية بحكم قدمها بالكثير من المفردات اللغوية والتي لا زالت تسخدم مفرداتها الى هذا اليوم..
عموماً تتميز اللغة الكلدانية القديمة وبلهجتيها الرئيسيتن بالسمات اللغوية والنحوية التالية:
1- جذور الكلمات تتكون فى الغالب من ثلاثة حروف وفى بعض الحالات أربعة حروف.
2- إشتقاقات الكلمة تكون من خلال تغيير الحركات فى جذر الكلمة ومن خلال سوابق ولواحق خاصة وكذلك من خلال إضافة بعض الصوامت (الحروف).
3- فى اللغةالكلدانية أربع حركات أساسية طويلة وقصيرة u, i, a, e
4- اختفت الحروف الحلقية والتى تعتبر ، فى معظم الحالات وتحولت إلى حركات مثل : נהר nāru , חמור imru ، על bēlu وغيرها.
5- تضاف علامة الجمع فى نهاية الكلمة، مثل اللغة العبرية.
6- تشبه الأعداد أعداد باقي اللغاتالشرق اوسطية .
7- يحل حرف الشين فى بعض الحالات، محل حرف الهاء فى العبرية مثل: היא ši ، הוא šu
8- للفعل 12 وزناً وللأزمان (الماضى، المستقبل، المضارع….) تتبع الأكَّـادية طريقة مختلفة تماماً عن باقى اللغاتالشرق اوسطية .
9- لا توجد علامة خاصة للتعريف لكن يضاف للأسماء المنكرة حرف (m) مثل amtum جارية، أَمَة.
10- يختلف تركيب الجملة الكلدانية عن تركيب جُمَل بقية اللغاتالشرق الاوسطية . فيكون الفعل فى اللغة الكلدانية فى نهاية الجملة مع إضافة حركات ā أو ū.
الكلدانية ولهجاتها
ـ ألفاظ االكلدانية لا تختلف كثيراً عن ألفاظ الشرقية عموما ، ولكنها أقرب الى ألفاظ اللهجات الحالية السائدة في العراق والشام، مثل : ز= ذ، س = ث، ص = ظ ض،1 =غ و ع و ح و 5، ش = س. وهذه بعض الامثلة:
أٌزْنُمْ = أٌذْنٌ / شُورُمْ = ثَوْرٌ / صِلُّمْ = ضِلٌّ / ًرْصًتُمْ = أَرْضٌ / بًيلُمْ = بَعْلٌ / ًدًيشُمْ = حَدِيثٌُ (أصل الكلمة الكلدانية حَدَاثٌ) / كَرْشُمْ = كَرْشٌ (أصلا ب س2) / رًيشُمْ = رَأْسٌ / شَرَّاقُمْ = سَرَّاقٌ / يِشْرِقْ = يسرق / يِدَّقْ = يُقتل
ان مفردات اللغة الكلدانية شبيه جداً بمفردات لغات الشرق الاوسطية مثلاً:
بِيتُمْ = بَيْتٌ / بِيتَمْ = بَيْتًا
بِيتِمْ = بَيْتٍ
بِيتَانْ = بَيْتَانِ
بِيتِينْ = بَيْتَيْنِ
بِيتُمْ = بَيْتٌ
بِيتَاتُمْ = بُيُوتٌ
بِيتَاتِمْ = بُيُوتٍ، بُيُوتًا………
يتبع

You may also like...

1 Response

  1. أحسنت وبارك الله فيك أخي العزيز

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *