الجمهورية التركية الإسلامية؟ بقلم محمد مندلاوي

 

نحن هنا لسنا بصدد حيثيات الانقلاب المشبوه الذي لا قائد له؟ والذي وقع في الخامس عشر من تموز الجاري في جمهورية تركيا الطورانية. ولا نرجم بالغيب ولا نضرب الودع ونزعم بأن خيوط الانقلاب حيكت من قبل رجب طيب أردوغان في أقبية جهاز مخابراته الـ”ميت” سيئة الصيت كما توقعت حدوثه صحيفة “واشنطن تايمز” في إحدى تقاريرها في أوائل شهر نيسان, أي ثلاثة شهور قبل وقوع الانقلاب.., مشيراً بأن أردوغان بصدد انقلاب وهمي بهدف السيطرة بشكل أكبر على مقاليد السلطة. وسبق تحليل الصحيفة الأمريكية المذكورة بشهر واحد, أي في  شهر آذار موقع  سبوتنيك Sputnik”” الروسية, حين نشر خبراً عن سيطرة الجيش التركي على بعض الأمور السياسية, تمهيداً لانقلاب عسكري.. . وكذلك لا نتهم نزيل “بنسلفانيا” المدعو فتح الله غولن أن له يد في تنفيذ انقلاب الهواة؟. لكن الذي بدأ يقلق العالم كثيراً ويقض مضاجعهم, هي تلك الأعمال الانتقامية الوحشية التي جرت في شوارع وساحات تركيا بعد إخماد الانقلاب المشبوه, الانقلاب الذي ليس له قائد؟؟!!. لقد شاهد العالم من خلال وسائل الإعلام المتعددة, ما جرى من جرائم بشعة وانتهاكات صارخة بعد فشل الانقلاب.. ضد كل شيء غير إسلامي في تركيا؟؟ بل الأدق ضد كل شيء غير إخواني (الإخوان المسلمون) الجماعة الإسلامية.. التي خرجت الجماعات الإرهابية من تحت عباءتها. نحن نتساءل, ما علاقة المكتبات غير الإسلامية في تركيا بالانقلاب المذكور , حتى تحرق وتدمر على أيدي الهمج الرعاع!! أليس منفذي هذا العمل الأخرق كأنهم يقولوا للعالم المتحضر أن الإسلام يعادي العلم والمعرفة؟؟. ويعيد إلى الأذهان, قول الخليفة الثاني حين سؤل عن مصير (700) ألف مجلد في مكتبة الإسكندرية, عندها كتب لواليه على مصر عمرو بن العاص قائلاً له:” إذا كانت هذه الكتب لا تحتوي على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها وإذا كانت هذه الكتب تنافي ما جاء بالقرآن فهي ضارة ومؤذية لا يجب حفظها إذاً ففي كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود” وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية” جاء هذا الكلام في كتاب ( المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) لـ (أحمد بن علي المقريزي) ج1 ص 159. هنا نتساءل ثانية, ما علاقة المدارس التربوية بالانقلاب الفاشل حتى يأمر أردوغان بإغلاق (1000) منها!!. حتى المؤسسات الخيرية أمر بإغلاق (1200) منها!!. ثم ما علاقة الموظفين والمعلمين والقضاة وسلك الشرطة وكناسي الشوارع والطرقات بالانقلاب المشبوه حتى يتم اعتقالهم وتعذيبهم وفصلهم من أعمالهم!!. ما علاقة النساء المستطرقات بالانقلاب حتى يضربن ضرباً مبرحاً في الشوارع العامة!!, وما علاقة مؤيدي أردوغان المهوسون بفرض الحجاب على النساء عنوة في شوارع تركيا بعد الانقلاب الفاشل إذا هم ليسوا إخوانجية!!. ما علاقة الصحف اليومية بالانقلاب.. حتى تمنع  أكثر من (26) صحيفة من الصدور!! هل أن رؤساء التحرير ومحرري الصحف التركية جنرالات في الجيش التركي, كي يودعون في المعتقلات الرهيبة بتهم واهية لا أساس لها من الصحة!!. أم هذه الأعمال الوحشية المتسم بالقسوة والشدة مقدمة إخوانية لتهيئة الأرضية المناسبة لتطهير البلد من جميع الأفكار غير الإسلامية؟, يريدوا بهذه الصرامة والأسلوب الفظ إرهاب المواطنين حتى يفسحوا الطريق أمام الفكر الإخواني ويصبح أردوغان المرشد الأعلى والولي الفقيه للجمهورية التركية الإسلامية. كما يقول المثل العربي: يرونهم الموت حتى يرضوا بالسخونة. وبعد هذا الانقلاب الإسلامي غير المعلن, يتخيل السلطان أردوغان أنه يستطيع أن يحكم البلد بنظام اللون الواحد إلى نهاية المطاف؟؟. دعونا نتساءل مجدداً, ما علاقة أنصار الديمقراطية بالانقلاب.. حتى يعتقلوا بطرق مهانة ويودعوا السجون دون محاكمة!!. وما علاقة المعارضة حتى تغلق مقراتها!!. خلال الأيام القليلة التي تلت الانقلاب.. اعتقل الآلاف وسرح عشرات الآلاف من العمل, طبعاً الأعداد قابلة للزيادة, و وجهت لهم تهم معدة سلفاً ألا وهي المشاركة في الانقلاب..!!, هل أن انقلاباً يشارك فيه هذا العدد الضخم والكم الهائل من جميع فئات الشعب يقضى عليه بهذه السهولة!!, ويستسلم القائمون به من أفراد الجيش المدجج بالسلاح الفتاك والدبابات المتطورة خلال سويعات قليلة لبعض أفراد الشرطة وبعض مناصري أردوغان حاملي الهراوات!!. حتى أن أعضاء داعش داخل المدن التركية لم يتركوا المناسبة تمر دون أن تكون لهم مشاركة فعالة في هذه الأعمال المفتعلة, لقد باركوا لأردوغان فشل الانقلاب.. على طريقتهم الخاصة, حين جاءوا بأحد الجنود المشاركين بالانقلاب.. وذبحوه قرباناً لبقاء سيدهم أردوغان على دست السلطة!!. أليس جميع هذه الأعمال غير الإنسانية التي تلت الانقلاب المشبوه, تقول لنا أن رجب طيب أردوغان حول تركيا إلى جمهورية إسلامية دون الإعلان عنها رسمياً؟؟!!. لقد سبق لي قبل عدة شهور كتبت مقالاً تحت عنوان (جمهورية عنصرية ولدت في غفلة من الزمن على كتف البوسفور بدأت الآن تحتضر) والآن نقول بكل ثقة: لقد دخلت تركيا الطورانية في مرحلة الاحتضار الحقيقي, وجاء وقت قراءة الفاتحة على روحها..؟؟. فلا يستطيع أردوغان وحزبه الطوراني الدموي إيقاف عجلة التاريخ التي بدأت تدور في اتجاهها الصحيح, فمهما فعلوا من جرائم يندى لها جبين الإنسان, لا يستطيعوا الوقوف في وجه تيار إخوة الشعوب الجارف, قد يعيقوا مسيره لبعض الوقت وذلك من خلال نشر الديماغوجية و إعلان حالة الطوارئ حتى يصبح أردوغان الحاكم المستبد و الآمر الناهي في عرض البلاد وطولها. ومن بركات إعلان حالة الطوارئ أنه يمنح السلطات الأمنية اعتقال أي مواطن في الشارع وسجنه دون محاكمة لمدة تصل لـ 30 يوماً. ألا أن هذه الأعمال التي تتعارض مع المدنية و المنافية لقيم الحضارة لا تستطيع أبداً أن تمنع عجلة التطور البشري من الوصول إلى هدفها النهائي المنشود الذي بات حتمية تاريخية لابد منها عاجلاً أم آجلاً.

محمد مندلاوي

22 07 2016

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *