التهميش والحملة الإعلامية الظالمة ضد الكلـدان الى متى ؟

قبل الف سنة ، بالتمام والكمال ، من اليوم كان المؤرخ قاضي صاعد الأندلسي قد ذكر الأمة الكلدانيــــــــــــة وإنها  من  المكونات الأصيلة في بلاد ما بين النهرين منذ سحيق الأزمنة والذي اشتهر بالثقافة والعلوم لا سيما في علم الفلك ، وفي كتابه التعريف بطبقات الأمم <1> يكتب قاضي صاعد الأندلسي (1029 ـ 1070 م ) ص162 بشأن الأمم التي عنيت بالعلوم فيصنف الهنود بالمرتبة الأولى والأمة الفارسية في المرتبة الثانية والأمة الكلدانيـــــــة بالمرتبة الثالثة ويكتب :

أنها أمة قديمة الرئاسة نبيهة الملوك .. وكان من الكلدانييــن علماء جلة وحكماء وفضلاء يتوسعون في فنون المعارف من المهن التعليمية والعلوم الرياضية والإلهية .. وكانت لهم عناية بأرصاد الكواكب وتحقق بأسرار الفلك .. واما عن ترتيب الأمم القديمة فإن صاعد الأندلسي الذي توفي قبل حوالي (الف سنة) إذ يقول ص 142 بأن الأمة الثانية وهم الكلدانيـــــــون ويقول كانوا شعوباً منهم الكربانيون والآثوريون والجرامقة وهم اهل الموصل والنبط وهم اهل سواد العراق وكانت بلادهم في وسط المعمورة ايضاً وهي العراق والجزيرة التي ما بين دجلة والفرات .. الخ ولا اريد الإسهاب في هذه المقدمة في الأقتباس من هذا الكتاب التاريخي الذي يعتمد عليه الكثير من الباحثين في امور الشعوب القديمة ومنهم الشعب الكلداني العريق ذات التاريخ المجيد وباني الحضارة في  بلاد ما بين النهرين .

بعد هذه المقدمة التي تبين عراقة الشعب الكلداني والتي ذكرها المؤرخ صاعد الأندلسي قبل اكثر من الف سنة اي قبل ان اتحاد كنيسة المشرق النسطورية مع روما عام 1445 بحوالي خمسة قرون كان هنالك ذكر للامة الكلدانيـــــــــة الأصيلة ، ولا املك هنا ترف المساحة في هذا المقال القصير لكي استرسل في اقتباس الحقائق التاريخية من المصادر الأخرى .

وقد يسأل القارئ الكريم ما علاقة هذه المقدمة بالحملة الإعلامية الظالمة على الشعب الكلداني ، والجواب على هذا السؤال سيأتي في سياق هذا المقال .

إن حقيقة الوجود التاريخي للشعب الكلداني ليس الى نكرانه سبيل بحقائق تاريخية ينبلج نورها هادئاً مطمئناً ، وكانت عوامل تهميش الكلدان هي نفسها تلك التي تهمش وتلغي المكونات الأخرى كالأكراد والآثوريين والسريان والأرمن والتركمان .. بحسب غلاة الفكر القومي العربي ان كل من يقطن العراق العربي ينبغي ان تكون قوميته عربية على غرار ما قام به كمال اتاتورك بأتركة قاطني الدولة التركية بعد سقوط الدولة العثمانية .

المهم بعد سقوط النظام في نيسان عام 2003 اصبح الهدف الذي عمل من اجله الجميع هو إحقاق حقوق كل المكونات العراقية الكبيرة والصغيرة دون تفرقة او تمييز .

إن الروح الوطنية والأنسانية وكرامة الأنسان وحقوقه في حرية المعتقد والأنتماء تقضي بأن لا تشكل حقوق الشعب الكلداني استثناءاً لتلك القاعدة ، أي ان ينال الشعب الكلداني حقوقه القومية والدينية والأنسانية اسوة بالمكونات الأخرى من السريان والأرمن والعرب والأكراد والمندائيين والشبك والأيزيدية وكل المكونات العراقية الأخرى .

لكن الشعب الكلداني قد تم إقصاءه بشكل متعمد يدعو الى الغرابة والدهشة والسبب يعود الى إبقاء مصيره منوطاً بما تقرره الأحزاب الآشورية المتنفذة القريبة من دائرة صنع القرار منذ امتطائها الدبابة الأمريكية لأسقاط النظام  . ونحن الكلدان نبارك للاخرين تمتعهم بحقوقهم بما فيهم الأشوريين ، لكن الذي لا نقبله ونستنكره بشدة هو التعامل اللاإنساني مع شعبنا الكلداني ، باعتباره شعب مسيحي وهو يحصل على حقوقه تحت وصاية الأحزاب الآشورية ( المسيحية) وهذه الأحزاب مع الأسف لا زالت تعتمد على الغلو العنصري والذي انتهى مفعوله ، حيث اثبت هذا الغلو بأنه يكبل الحريات ويناقض مبدأ التسامح ويطمس الثقافة ويشوه التفاعل الإنساني السليم ، وتجربة الحزب الهتلري والبعث وغيرها ماثلة امامنا  .

إن هذا الربط المجحف لمصير الشعب الكلداني مع الأحزاب الآشورية بدعوة وجود خلفية دينية مسيحية مشتركة قد الحق اشد الأضرار بهذا الشعب الأصيل ، فحرم من حقوقه القومية وحجبت عنه الثروات التي يستحقها كباقي المكونات العراقية ، وأصبح تابعاً لتك الأحزاب التي غالبها يحمل شعارات قومية متعصبة إقصائية بحق التطلعات القومية للانسان الكلداني .

من هنا لم يقتصر الأمر على إلغاء حقوق الشعب الكلداني والعمل على طمس تاريخه ودفن قوميته الكلدانيــــــــة بل تشن حملة إعلامية منظمة ضد هذا الشعب ويُعمل على تمزيق كنيسته ( ولدي دلائل على ذلك ) وفوق ذلك هنالك حملة إعلامية منظمة ضد تاريخ هذا الشعب والتي يمكن تلخيصها بهذه النقاط :

اولاً : ـ  التعتيم الإعلامي على كل المقالات التي تبرز التاريخ الكلداني وتظهر الوجه المشرق لهذا التاريخ فيجري إهمال تلك المقالات ، وهذا يشمل مؤلفاتهم من الكتب حيث تقوم دور النشر التي تخص المسيحيين عموماً بنشر كل ما يخص المكون الآشوري مع حجب او عرقلة اي مؤلف يمجد الشعب الكلداني .

ثانياً :ـ إسكات الأصوات التي تنادي بالقومية الكلدانية ، والعمل على تكميم افواههم والعمل على كسر اقلامهم وطمس مقالاتهم والتعتيم عليها وحجبها عن النشر بكل الطرق والوسائل ، ناهيك عن إرسال رسائل فيها العنف اللفظي والشتائم وبشكل موجه ومنتظم ضد كل كاتب كلداني يجاهر ويفتخر بقوميته الكلدانية ، وتصل هذه الحالة حينما التقي بأحد اصدقائي الكلدان يقر امامي بقوميته الكلدانيـــــــــة لكن يضيف بأنه لا يريد ( وجع رأس ومشاكل ) مع هؤلاء المتعصبين فتراه ينأى بنفسه عن الصراحة والمجاهرة بقوميته الكلدانيـــــــــة ، اليس ذلك إرهاب فكري ؟ ام هنالك تعبير آخر لهذه الحالة ؟

ثالثاً :ـ المواقع التابعة للاحزاب الآشورية لا تقبل بأي مقال يذكر ويحترم القومية الكلدانيــــة ، ومقابل ذلك فإن المواقع الكلدانية لا تمانع من نشر المقالات التي تمجد القومية الآشورية وليس لهم اي تحفظ على ذلك . والغريب خلق هذه الكراهية والحقد ضد الكلدان ، ومثال على ذلك كان موقع القوش نت لمشرفه الأستاذ عادل زوري الذي كان يديره بحيادية عالية وهو الموقع الكلداني الأصيل الذي يفتخر بانتمائه الكلداني وكان يرفرف في واجهته العلم الكلداني ، لكن مع الأسف بعد تغلغل الفكر الزوعاوي على إدارة هذا الموقع اختفت الأعلام الكلدانية فجأة ، وكأن هذه الأعلام ليست رمزاً اصيلاً لتاريخ بلاد الرافدين ، وليس هذا فحسب بل يجري حجب مقالات لكتاب كلدان اجلاء ، في اي موقع  يسيطر عليه الفكر الشمولي المتعصب  فيجري محاربة الفكر القومي الكلداني وكأنه فكر تكفيري .

رابعاً : ـ فضائتي عشتار التابعة للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، وفضائية آشور التابعة للحركة الديمقراطية الآشورية ، والمواقع التابعة لهذين الكيانين ( لا نقول حزبين لكي لا تصلنا كلمات عتاب ) فإن إعلامهما لا يقبل بحرف واحد يمجد الفكر القومي الكلداني ، ولهذا يجري التعتيم على هذا الفكر وعلى التطلعات القوميــــــــة الكلدانية بكل السبل ، رغم الزعم بأننا شعب واحد .

الجانب الأكثر ايلاماً في هذه الهجمة على الكلدان وقوميتهم هو ( المبررات) وهي تسويق وحدة شعبنا ، فلا حقوق شعب ولا مبادئ حقوق الأنسان ولا ديمقراطية ولا احترام مشاعر الآخر ( الكلدانيين ) قبل تحقيق الوحدة ، وهذه الوحدة حسب منظورهم تكمل بعد الخضوع للاحزاب الآشورية وترديد ما تمليه هذه الأحزاب من مصطلحات وشعارات  ومن تشويه لحقائق التاريخ ، او ان الوحدة لا يمكن تطبيقها إلا على اشلاء القومية الكلدانية .

يقول المرحوم المناضل توما توماس في رسالته الى السيد نبيل دمان<2> :

((((((( إن من هم كلدان لا يمكن تبديلهم بجرة قلم الى اشوريين كما يحلو للاخوة الآشوريين ذلك ، إنها تعقيد للعمل القومي والوحدة وإنها آمال البعض بإحداث إنقلاب في التاريخ … ))))))) .

اما المرحوم الدكتور الأب يوسف حبي فيقول <3> :

((((((( ويبقى وجاجبنا الدائم في البحث عن الأصالة والجذور لتعميقها وإعطاء كل ذي حق حقه ، وللكلدانيين إصالة وإبداع سجلهما التاريخ بكل حق ، ويضيف ص 3 أما النقطة الأولى فتتعلق بأصل الكلدانيين ، اقولها وأعتز بانتمائي الكلداني .. ))))))) .

نحن نفتخر بانتمائنا الكلداني ولكن دون تعصب ولا نقبل بإلغاء القومية الكلدانية تحت مبرر تحقيق الوحدة بين ابناء شعبنا المسيحي إنها شعارات فارغة وتوجهات حزبية ضيقة وأطماع سياسية ليس إلا .

إن محاربة الكلدان وتهميش حقوقهم في العراق الأتحادي وفي اقليم كوردستان يعني ان بوصلة العراق تؤشر الى اتجاه غير سليم ، فكيف يجوز تهميش مثل هذا الشعب العريق على ارضه ؟ الكلدان في الوطن العراقي يشكلون فسيفساء جميل تجتمع فيهم الهويات العراقية ، إنهم على صلات طيبة مع جميع المكونات ، لقد اشتركوا في الأحزاب الحكومية منذ العهد الملكي وانخرطوا في الأحزاب السياسية المعارضة وفي الأحزاب السرية الممنوعة وانخرطوا مع فصائل الثورة الكوردية لتحقيق حقوق الشعب الكوردي ، وعملوا بمختلف المهن والصناعات  وفي التجارة والزراعة والسياحة وفي مجالات الفن والموسقى ، إنهم ملح المجتمع العراقي ، وبعد كل ذلك ليس معقولاً ان تهمش حقوق هذا الشعب وتدفن هويته في غياهب النسيان .

إن الشعب الكلداني مع بقية مسيحيي العراق اصبحوا اليوم على شكل جيوب بشرية تصارع من اجل البقاء والأحتفاظ بهويتها خوفاً من الأضمحلال وهم بين مطرقة الأخوة في الدين الذين يرومون دفن القومية الكلدانية باسم الوحدة المسيحية ، وسندان الأكثريات التي تهيمن على الأمور بفعل ميكانزم الديمقراطية وبعد ذلك كان تهميش هذا القوم على خلفية نتائج الأنتخابات .

لا اخفي تفاؤلي وثقتي بشعبي الكلداني وبأصدقاء هذا الشعب من النخب السياسية في الأحزاب العربية والكوردية وحتى اوساط معتدلة من الأحزاب الآشورية ، ان يستعيد هذا الشعب العريق الأصيل مكانته المحترمة اللائقة في وطنه العراقي وفي اقليم كوردستان .

أخيراً اقول :

إن احترام التنوع الأثني والديني واللغوي والفكري والسياسي والقومي .. امر مطلوب في اي مجتمع يدعي الديمقراطية والتحضر ، وليس هنالك اي مبررات لتهميش حقوق اي لون من تلك الألوان بحجة المشتركات الدينية او القومية . الأحترام يجب ان يشمل الجميع دون تفرقة او تمييز .

حبيب تومي / اوسلو 03 / 04 / 12

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

1ـ العلامة القاضي ابو القاسم صاعد بن احمد بن صاعد الأندلسي ” التعريف بطبقات الأمم” مؤسسة انتشارات هجرت ، طهران 1376 هجرية .

2 ـ رسالة من المرحوم توما توماس الى السيد نبيل دمان مؤرخة في 22 / 04 / 1995 م

3 ـ مقدمة بقلم المرحوم الأب يوسف حبي لكتاب حكمة الكلدانيين القسم الثاني لؤلفه الدكتور حسن فاضل جواد ، بيت الحكمة ، بغداد 2001 م .

You may also like...