التحديات التي تواجه أمير قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني

 

أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني

بعد أشهر من التكهنات والشائعات، قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتسليم الحكم رسميا لإبنه وولي عهده الشيخ تميم، وذلك في عملية انتقال للسلطة جرى الترتيب لها منذ مدة ليست بالقصيرة.

ففي كلمة متلفزة وجهها صباح الثلاثاء للشعب القطري، وتطرق فيها لضرورة تمكين الشباب من أداء دورهم في بناء مستقبل البلاد والحاجة للتغيير، دشن الأمير حمد عملية انتقال السلطة التي سيغادر بموجبها المسرح السياسي الذي هيمن عليه لعشرين سنة تقريبا. وسيغادر المسرح ايضا رئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم.

وكان دبلوماسيون ورجال اعمال كبار قد تسلموا في الأسابيع الماضي رسائل وايماءات خجولة تخبرهم بأن تغييرا ما يجري الإعداد له، وان هذا التغيير سيحصل قبل حلول شهر رمضان. وهو ما حصل بالفعل.

“فراغ يصعب ملؤه”

والآن وقد وقع التغيير فعلا، وبعد انقضاء فترة اليومين التي سيبايع فيها القطريون أميرهم الجديد، يتوجب على الأمير تميم ذي الـ 33 عاما أن يحول انتباهه إلى جملة من التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.

ومع أنه من الظلم أن يوصف الشيخ تميم بأنه مبتدئ في سبل التعامل مع الشؤون الدولية، فإنه لم يواجه إلى الآن أي مشاكل وقضايا مهمة بدون مساعدة ودعم والده وجهود وزير الدولة للشؤون الخارجية خالد العطية – اضافة بالطبع إلى الوجود القوي لرئيس الوزراء ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتنحى حمد بن جاسم في تغيير وزاري سيعلن عنه لاحقا.

سيترك غياب حمد بن جاسم فراغا يصعب ملؤه، فهو من أفضل الديبلوماسيين الذين جادت بهم هذه المنطقة من العالم بعمله الجاد وحصافته وشخصيته الجذابة. كان حمد بن جاسم يتوفر على كل الصفات التي يحتاجها لاقناع الآخرين.

وفي حقيقة الأمر فإن موهبة الدبلوماسية صفة ذاتية تتعلق بشخصية المرء بنفس قدر تعلقها بالخبرة المكتسبة. وبالنسبة للشيخ تميم، فقد تعلم الكثير من فنون الدبلوماسية بسرعة وقد يصبح أميرا عظيما، ولكن النفوذ الذي تتمتع به قطر على المسرح الدولي سيضمحل حتما بمغادرة حمد بن جاسم في الوقت الذي تتعرض البلاد فيه لانتقادات متزايدة.

فمنطقة الشرق الأوسط، التي كانت يوما ما تكن الصداقة لقطر ومنفتحة على نفوذها، تنظر اليوم إلى الإمارة الخليجية نظرة ريبة وشك بل وحتى بخوف وكراهية. ففي منطقة الخليج، فقدت البحرين والإمارات الثقة التي كانتا توليانها لقطر وتحالفاتها ومبادرتها السياسية.

وتشعر دولة الإمارات بشكل خاص بغضب إزاء تنامي علاقة قطر بحركة الإخوان المسلمين، وبدأت بالعمل على تقويض النفوذ القطري في كل المجالات.

ويأمل بعض القطريين في أن يعمل الأمير تميم على تصحيح علاقات البلاد مع الدول الخليجية المجاورة وإعادة البلاد إلى كنف مجلس التعاون الخليجي في السنوات القادمة.

اما في ليبيا وتونس ومصر، فقد انقلب الرأي العام ضد قطر بالرغم – أو ربما بسبب – مليارات الدولارات التي ضختها الدوحة في هذه البلدان إبان ثورات “الربيع العربي” التي أفضت إلى الإطاحة بالانظمة في هذه البلدان الثلاث. ولكن استمرار قطر في دعم الأنظمة الإسلامية التي أمسكت بزمام الحكم في ليبيا وتونس ومصر أغضب الكثيرين.

ففي ميدان التحرير بالقاهرة، أحرق المتظاهرون الاعلام القطرية، وأصبح القطريون مثار تندر واستخفاف وتهجم لتدخلهم في شؤون مصر السياسية والمالية. فالكوميدي الساخر باسم يوسف مثلا تطرق إلى القطريين غير مرة لهذه الأسباب.

كما تعاني قناة الجزيرة الفضائية، التي كانت يوما ما درة التاج القطري، من هذا “الانقلاب” العربي على قطر، إذ خسرت خمسة ملايين من مشاهديها تقريبا. وتنتقد الجزيرة الآن لتحيزها وافتقارها للدقة التحريرية – أي انها أضحت ذراعا للحكومة القطرية بدل أن تكون هيئة إعلامية مستقلة.

ولكن سوريا تبقى التحدي الأعظم الذي يواجه القطريين. فبعدما كانوا يوما واثقين بأن نظام الرئيس بشار الأسد زائل لا محالة بفضل الضغوط الدولية والأسلحة التي يمدون بها المعارضة، تبدو الحرب الآن وقد انقلبت لصالح نظام دمشق.

وفي حالة انتصار الأسد وقواته، ستكون نتائج ذلك على قطر – التي دعمت المعارضة عسكريا وماديا وأنفقت 3 مليارات دولار في ذلك السبيل – وخيمة حقا إذ سيتضرر موقعها ونفوذها بشكل كبير فيما لو أنزل نظام الأسد هزيمة كبرى بالمعارضة.

وفي ذات الوقت، ما زالت علاقات قطر بالدول الغربية مزيجا من الفوضى والتحالف. فقطر بحاجة للدعم العسكري والاستخباري الغربي، لاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية. ولكن الغرب ينظر إلى النوايا القطرية بشيء من الشك والريبة وانعدام الثقة، إذ تشعر واشنطن وحلفاؤها بالقلق إزاء العلاقات التي بناها القطريون مع الإسلاميين المتشددين في ليبيا وسوريا ومع حركة حماس الفلسطينية.

ومع ذلك، فليس هناك شك من أن الأسرة القطرية الحاكمة ستحافظ على علاقاتها القوية بالغرب، خصوصا وأنها حريصة على الاحتفاظ بقوة ردع لإيران. ولكن قطر لن تصبح أبدا الحليف المطيع كما قد يتمنى الغرب، كما لن يشعر الغرب بالراحة إزاء ارتباطات قطر مع القوى الإسلاموية.

توازن

وبالرغم مما يقال عن طبيعة الشيخ تميم المحافظة وولعه بالإخوان المسلمين، ليس ثمة أدلة ملموسة تثبت ذلك عدا الشائعات والأقاويل التي تتسم بها السياسة الخليجية. ومهما كانت معتقدات وميول الشيخ تميم الشخصية، فإنه من غير المرجح أن تؤثر على السياسة القطرية.

السبب في ذلك أن التوجه العام للسياسة القطرية ثابت ولا يمكن تغييره بسهولة. فرؤية 2030 التي تمثل الخطوط العريضة للتنمية في قطر يترأسها الشيخ تميم (بمساعدة والدته الشيخة موزة ووالده الأمير حمد) تتبع برنامجا تحديثيا واضحا.

كما أن إقامة دورة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 ستتطلب اجراء اصلاحات اجتماعية وقانونية خصوصا فيما يتعلق بحقوق العمالة الوافدة وموضوع انشاء الملاعب ومشاريع سكنية لايواء الأعداد الكبيرة من العمال الوافدين.

وقد أنفقت قطر بالفعل مليارات الدولارات في سبيل تحقيق هذه الأهداف، ولن يتمكن الشيخ تميم من التخلي عن هذه المشاريع الجبارة حتى لو أراد ذلك.

مع ذلك، فالقطريون شعب محافظ، وسيتعين على الأمير الجديد إيجاد توازن بين رغبة الشعب في الإبقاء على التقاليد القديمة من جهة والتوجه نحو تحديث البلاد من جهة أخرى.

ومن المثير للاهتمام أن الشيخ حمد أكد في الكلمة التي القاها صباح الثلاثاء على ثقته في “ولاء الجيل الشاب لتراثه العربي والإسلامي.” ستكون تلك عملية توازن دقيقة على الشيخ تميم القيام بها بحساسية اذا كان يريد أن ينجح في قيادة البلاد في طريق التنمية.

دعوات الإصلاح

ولكن هناك ثمة موضوع لا يمكن تجاهله بسهولة، ألا وهو موضوع الإصلاح الدستوري وإجراء اول انتخابات للمجلس الإستشاري القطري. فالمجلس الحالي هيئة معينة تنتهي صلاحيتها في الثلاثين من الشهر الجاري – ولو ان هذه المدة جرى تمديدها قبيل خطاب التحي بقليل.

وقد تعرضت قطر لكثير من الإنتقاد لدعوتها للتغيير في مناطق اخرى من العالم العربي وتجاهلها الموضوع نفسه فيما يتعلق بقطر ذاتها. فمع أن القطريين (يبلغ عدد سكان الدولة 250 الف نسمة) يعيشون في بحبوحة، وان الديمقراطية لا تدعو اليها إلا أقلية صغيرة، فإن جيران قطر لا يستطيعون هضم هذا التناقض بالذات.

الوقت وحده كفيل بتحديد ما إذا كان الشيخ تميم سيقرر المضي قدما في التغيير نحو التعددية، ولكن مما لاشك فيه أن هذا الخيار سيعزز تطلعات قطر الإقليمية وسيرفع من مكانة الأمير الجديد في صفوف الشباب العربي الداعي للإصلاح.

ومما لا شك فيه أيضا أن الدعوة لاجراء انتخابات في وقت مبكر من ولايته ستعزز سمعة الشيخ تميم بوصفه أميرا ملتزما بتحقيق الرخاء لبلده في المدى الطويل.

ومن المرجح أن يكون الشيخ تميم رجلا يحافظ على الإرث الذي خلفه والده، فمن غير المعقول أن يسلم الشيخ حمد مقاليد الحكم طوعا لانسان ليس على شاكلته.

فالشيخ تميم، الذي تربى منذ نعومة أظفاره على قيمة العمل الجاد والتفكير المنفتح، ليس من المرجح أن يجنح بعيدا عن الخط الذي اختطه والده. ومع ذلك، سيكون من المثير حقا رؤية الكيفية التي سيتعامل بها الأمير الجديد مع منطقة غير مستقرة وبلد يمر في مرحلة تحول اجتماعي جذري، كما سيكون من المثير رؤية مدى التزامه بالاصلاح الديمقراطي.

 bbc العربية

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *