الاستفتاء وحق تقرير المصير

منذ زمن ليس بالقريب، وباسم حق تقرير المصير، بدأت بعض الشعوب، التي كانت تتعايش في وحدة سياسية واحدة، تتحلل من تلك الوحدة لتشكل دولاً مستقلة خاصة بها، مثلما حصل للاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والسودان. واليوم، لا تزال العديد من المجموعات، بغض النظر عن كونها أقليات أو أغلبيات، ترفع شعار حق تقرير المصير تمهيدا لانفصالها، أو استقلالها، بعد أن تمكنت منها حالة الشعور بالاضطهاد والتهميش السياسي والاجتماعي والاثني والديني، متجاهلة قناعة المجموعات الكبرى، المسيطرة، بأنها فعلا تمارس هذا الاضطهاد والتهميش.

فكوردستان هي احدى تلك المناطق التي ناضلت واعطت شهداء منذ تاسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي من اجل حرية ابنائها ، وقد حصل انفراج نسبي في علاقتها مع المركز بعد 2003 ، وهذا ما لم يرق للمركز الذي بدأ يحاربها اقتصاديا وسياسيا ويحيك المؤامرات تلو المؤامرات لكي يضيق عليها ويعيدها صاغرة  الى احضانه، وخصوصا في عهد حكم المالكي الذي قطع عنها ميزانياتها واتفق اقليميا ضدها وسلم ما يحاديها من مدن لاشرس تنظيم ارهابي في العالم ، لتنشغل بالدفاع عن حدودها وحمايتها وتستنزف اقتصاديا، في حين كان المالكي منشغلا بخلافاته مع معارضيه مستميتا للبقاء على الكرسي  طالبا ولاية ثالثة ليكمل الخراب الذي بدأه منذ توليه السلطة في العراق، وبعده لم يستطع خليفته العبادي تقليص الفجوة وحل الخلافات مع الاقليم بل استمرت تلك الخلافات باقل وطأة اعلاميا ، رغم محاولة الاقليم تذليلها بطرق الحوار السلمية متنازلا عن الكثير من المناصب السيادية في المركز كمكون ثاني بعد العرب في العراق ، وعليه جاء قرار الاحزاب الكوردستانية ليضع حدا لمعاناة شعب عاش الظلم مئات السنين  في بلده ، فوقف الشعب الكوردستاني  بمختلف مشاربه القومية والدينية والفكرية والمذهبية بيد واحدة مع قيادته ليخطوا الخطوة الاولى نحو تقرير المصير ويعلن استفتاء شعبي في الخامس والعشرون من ايلول القادم وهو حق دستوري اعلنه سيادة الرئيس مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان  قبل يومين ليكون المفتاح السلمي لتقرير المصير بعيدا عن السلاح والعنف والحروب .

وعلينا اليوم ان نعي معنى هذا الاستفتاء لنكون حريصين على انجاحه لنثبت للعالم باننا شعب يحب الحياة ونستحق العيش بحرية لنبني ونعمر بلدنا كوردستان ونحارب الارهاب والتطرف ونسير بمنهج ديمقراطي حقيقي ، مستفيدين من تجارب الشعوب التي وصلت اعلى القمم في المجالات كافة .

فالاستفتاء هو مقياس ارتباطنا بارضنا ومحبتنا لها واثبات لوجودنا،  فلا انفالات ولا قطع ميزانيات ولا وجود لقيادات العمليات ولا فرسان ولاحروب ولا حرق قرى، بل هناك حدود ادارية لدولة مستقلة يحميها ابطالها البيشمركة ويعيش ابنائها متاخين متحابين .

 بقلم لؤي فرنسيس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *