الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن الجزء التاسع


الكلدان المسيحيون في المناطق اليمنية

كانت اليمنُ محطَّ انظار المُبشِّرين بالمسيحية منذ بزوغ نجمِها، ويشهدُ على ذلك الآباءُ والمؤرخون الشرقيون والغربيون (أعمال الآباء اللاتين/لِمين ص 230) كما يؤكِّدُ المؤرخون ومنهم (سقراط ك1 الفصل 15 ونيقيفوروس ك2 الفصل40 وروفينوس ك1 الفصل9) بأنَّ متى الرسول بشَّر في الحبش وبحسب ادعاءِ الكتبة المُحدِثين بأنَّ تسمية الحبش تُطلق على اليمن أيضاً لأنَّ اليمن ظلَّت تحت الحُكم الحبشي مدة طويلة، والكثير من قبائل السواحل الحبشية دخلت الى اليمن واستقرَّت فيها. ولذلك ربما قد دُعيَ سكّانُ اليمن قديماً بالحبش على عهد المؤرخَين هيرودوتس واسطرابون. وهناك الكثيرُ من الكتبة لا يُوافقون على قيام القديس متى بتبشير عرب اليمن وإنما بشَّرَ حبشة افريقيا.

 

تقول بعض التقاليد بأن الرُسُل توما ومتى وبرتلماؤس، هم الذين قاموا بتبشير مناطق الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، وهناك مَن يقول بأن المسيحية دخلت الى اليمن عن طريق الحبشة في أواخر الجيل الثالث أو أوائل الجيل الرابع، بينما يعتقد المؤرخ الألماني”نولدكه” بأن سوريا وبلادَ ما بين النهرين كانتا المنبعَ الأول لدخول المسيحية الى نجران واليمن. وهيمَنت اللغة الكلدانية على الصلوات الطقسية (مِن الخطأ القول اللغة السريانية، لأنها نتاجُ تحريف للغة الكلدانية، قام به بعضُ المونوفيزيين اليعاقبة المتأخرين ومِن بينهم إبن العبري) ولكنَّ ما يُؤسفُ له بأنَّ المسيحية النصرانية لم تستطع لمَّ شمل جميع القبائل العربية الجنوبية أو حتى غالبيتها تحت رايةِ كنيسةٍ يسودُها نظامٌ وانضباط متينان.

 

وتأكيداً لنفوذ المسيحية النصرانية الى اليمن من جهاتِ الشمال وبشكل خاص من العراق، هو مسعى ملوكِ الفرس الى محالفة ملوكِ اليمَن للإستعانة بهم على رَدِّ غارات الرومان، مِمّا شجَّعَ مسيحيي المملكة الفارسية الكلدان للدخول الى اليمَن (منشورات لاند2 ص 76). وكانت القوافل في ذهابٍ وإيابٍ من العراق الى اليمن وبالعكس، فهل كان للكلدان النصارى أن يتأخروا أو يُهمِلوا هذه الوسائط لنشر المسيحية في الجنوب؟ وفي تقليد الكنيسة الكلدانية ما هو شائع بأنَّ رسولَي الكلدان مُتلمِذَي المشرق أدَّي وماري توَجَّها ايضاً الى سكَّان الخِيَم من بلاد العرب والى نجران وجُزُر بحر اليمن (المؤرخ الكلداني ماري/ بطاركة كُرسِيِّ المشرق ط. روما وعمرو/ المجدل ص 1).

ومِن الجدير بالذكر بأن طبقة ً ثرية كلدانية نسطورية قادمة مِن بلاد فارس ومنذ الجيل الخامس كانت قد أحكمت سيطرتَها على نجران، وكانت تؤدي الجزية لملك الدولة الحميرية الثانية، بيد أن الإضطهادَ الذي شَنَّه الإمبراطوران البيزنطيان  (يوستينوس الأول 518 – 527 م) و (يوستِنيانوس الأول 527 – 565 م) على المونوفيزيين قلبَ المعادلة َالديمغرافية، حيث تدفَّق المونوفيزيون بكثرةٍ الى منطقة نجران، فشكَّلوا الغالبية َمقارنة ًبالنساطرة، وقاموا بتأسيس أبرشيةٍ مونوفيزية  يعقوبية إرتبطت ببطريركيةِ الإسكندرية.

 

اليهود بالمرصاد

 منذ انتشارالمسيحية في نجران كان اليهودُ لها بالمرصاد، بحسب قول المؤرخين العرب كالمسعودي والطبري وابن هشام في سيرة الرسول، فتصدّى النصارى لليهود ودارَ بينهما خصامٌ ونزاعٌ منذ اواسط القرن الميلادي الثالث، وبلغ صداه الى كبار رجال الدولةِ وملوكِها، ويُضيفون بأنَّ ربّانيَّين من يثرب استطاعا تهويدَ التُبَّع احمد أبا كرب وحذا حذوَه أهلُ رعيته فتهوَّدوا مثله، وتبع خطاه من بعدِه بعضُ اولاده.  

ولكنَّ النصرانية فازت على اليهودية في عهد عبدُ كُلال بن مثوب الذي تولّى المُلكَ في اواخرالنصف الثاني من القرن الثالث أي منذ عام 273-297م كما ورد في (تاريخ العرب/لكوسان دي بِرسِفال1 ص 107) أما حمزة الأصفهاني في (تاريخه الفصل 131 ط. بطرسبُرك) فقد قال بأنَّه تولَّى الحُكمَ لمدة 74 سنة وليس 24. وقد أجمع المؤرخون على تديُّنِه بالنصرانية.حيث جاء في قصيدةٍ حميرية:

أم أين عبدُ كُلالٍ الماضي على          دين المسيح الطاهرالمسّاحِ

 

قام يهودُ نجران بتحريض الزعماءِ اليمنيين على قمع ِنصارى نجران الذين دعوهم بأصحابِ الدين الجديد، قائلين لهم بأن فسحَ المجال لتغلغلِهم، سيُشكِّلُ خطراً على استمرار وَحدتِهم ويُقلِّصُ مِن نفوذهم، وجرى ذلك على عهد ملك صنعاء ذي نؤاس “مسروق” الذي كان قد إعتنقَ اليهودية وهامَ بها الى حَدِّ التعصُّبِ القاتل، فدعا مسيحيي نجران الى نبذ مسيحيتهم واعتناق اليهودية، فأبوا طاعتَه في اتِّباع ضلاله واستعدوا لمُقاومتِه والدفاع عن دينهم وبلدِهم تحت راية زعيمهم “الحارث”. ولكنَّ”ذا نوّاس”راح يسعى الى ايجاد حُجَج ٍ للإنتقام مِن مسيحيي نجران، وحدث أن يهوديَين تعرضا للقتل مِن قبل النجرانيين، فاتخَذ َمِن هذا الحدَث ذريعة ٌ لصبِّ جام غضبه على أهالي نجران المسيحيين النصارى، علاوة على كونِه حاقداً عليهم بشدةٍ متناهية لإتهامِه إياهم بالمُوالاةِ للأحباش أعدائه، فعمل بهم قتلاً عام 523م حتى بلغ عددُ القتلى عشرين ألف قتيل بينهم 400 راهب. وفي رواية إبن اسحق جاء فيها: <بأنَّ ذا نوّاس دخل نجران بالمكر، حيث امر بحفر أخاديد (وقد اشار إليها القرآن) وأضرم بها النيرانَ ورمى فيها عشرين الفاً من النصارى أو يزيدون، ماتوا في سبيل ايمانهم مع الحارث رئيسهم>. وتقول بعض المصادر بأن هذا الرقمَ مُبالَغ ٌ به، باعتبار أنّ المجموعَ الإجمالي لمسيحيي نجران في ذلك العام لم يكن يتجاوز العشرين ألفاً، وقد أشار القرآنُ الى هذه المذبحة الرهيبة، ولقَّبَ ضحاياها بـ (أصحاب الاخدود).

 

وقام بنقل خبر الجريمة النكراء التي ارتكبَها ذونوَّاس بحق مسيحيي نجران، رجُلٌ نجرانيٌّ استطاع النجاة يُدعى”دوس ذو ثعلبان”هرب وأبلغ قيصرَ الروم بما جرى. فأمرَ القيصرُ النجاشيَّ”ألِصبان” ملكَ الحبشة بمعاقبة اليهودي ذي نوّاس، فتأثر النجاشيُّ ولم يسكت على هذا الفعل الرهيب، واتخذَ مِنه سبباً للتدخل عام 525م فأعدَّ جيشاً وارسله تحت قيادةِ ارياط وإبرهة الأشرم واجتاحَ جيشُهما اليمن عن طريق البحر الأحمر بتشجيع مِن الروم ودعمِهم فاستولوا عليها، وقد إنتابَ ذو نؤاس يأسٌ هائلٌ، دفعه الى خوض ِ البحر بحصانِه فمات غرقاً، وبموتِه إنقرضت المملكة ُ الحميرية. وغدت اليمنُ تحت حُكم الحبشة لأكثر من نصف قرن ومَلَكَ عليها “ارياط 525-531م”. وإنَّ أحد الحميريين المدعو”ذو جدن” حاول بعد موت ذي نوّاس الإمساك بزمام الأمور، ولكنه سقط صريعاً بيد الأحباش.             

أما اليمن فلم تبقَ تحت حكم النجاشي الحبشي إلا ستة أعوام تحت حكم أرياط حيث ثار ضِدَّه قائد مسيحي يُدعى”إبرهة”عام531م فحرَّرَ اليمنَ من حُكمِه ولكنَّه بقي حليفاً وفياً للملك البيزنطي. ويُروى بأن مكة كادت تسقط بأيدي هذا القائد المسيحي الثائر عام 542م. ولو لم يُخفِق وللأسف في مسعاه، لكانت الأوضاعُ التي مَرَّت بها بلادُ الشرق مُشرقة ًوخاليةً مِن المصائب والأهوال التي عصفت بها عبرالقرون اللاحقة وحتى يومنا هذا. وخلف إبرهة إبنُه “يكسوم 570-572م” ثمَّ اعقبه “مسروق 572-575م” حيث انتهى حكمُ اسرة إبرهة بغزو الفرس للبلاد عام 575م، وتنصيبِهم حاكماً عربياً عليها هو”مهدي كرب” بن سيف بن ذي يزن، وعيَّنوا له مستشارين إداريين فُرس. وما إن تمرَّدت اليمنُ على الفرس، حتى عاوَدوا غزوها ثانية ًعام 597م وضمّوها الى مملكتِهم كمقاطعةٍ فارسية ونصبوا عليها حاكماً عام 597م اسمه”وهرَز”  وخلفه”بَدهان” وفي زمنه احتلَّ المسلمون اليمن فاتحين. هذا ما ورد في تواريخ بعض الكتبة المُسلمين نقلنا مُلخَّصه بايجاز.                                                                                                                          

وباحتلال الفرس لليمن أصبحت اليمنُ ساحة ًمفتوحة لتسرُّبِ الكلدان النساطرة مُواطني المملكة الفارسية ليُعزِّزوا نشر نصرانيتهم النسطورية التي كانوا قد سبقوا الى بثِّها فيها. وكانت الكنيسة ُالكلدانية النسطورية في هذه الأثناء قد إستقرَّت امورُها في بلاد ما بين النهرين، وازداد وعيُها برسالتِها التبشيرية لنشرها شرقاً وغرباً. وفي منطقة نجران تواصلَ الوجودُ الديني المسيحي بمُختلف أشكالِه ومِن دون أن تطالَه مُضايقاتٌ حادة، ومِن بين أساقفة نجران بحسب ما يذكره المؤرخون العرب “قُس بن ساعِدة” الذي إنبهرَ محمدٌ بفصاحتِه لدى سماعِه إيّاه يخطبُ ذات يوم في سوق عُكّاظ  بالحجاز.

 

وما رواه المؤرخون المُسلِمون عن نصرانية اليمَن يؤيدُه المؤرخون اليونان والنصارى أمثال: تيئوفيلوس في (تاريخه2 ص346 ط. بونّا) ويوحنا اسقف آسيا في (تاريخه2 ص 83) ويوحنا ملالا في (تاريخه ص 434 ط. بونّا) وكُلُّ هؤلاء تطرَّقوا الى ما جرى بين ملك الحبشة المدعو الِسباس أو”ألِصبان” وذي نوّاس”دَمِنوس” اليهودي اليمني بسبب جريمته في قتل نصارى نجران، وعن دور القيصر الروماني يوستينوس الذي اوعز الى ملك الحبشة للإقتصاص من الظالم. وفي ظِلِّ فترة حُكم ملوك الحبش على اليمن بلغت النصرانية اوجَ النجاح والتقدُّم، فجعلوا من نجران قبلة للدين المسيحي بعد أن رُويت ارضها بدماء الشهداء، فشيَّدوا مزاراً أصبحَ مدعاة جذبٍ  للعرب من مختلف الأنحاء، وقد انفقوا الكثيرَعلى تزيينه بمختلف أنواع الحلي، وقد ذاع صيتُ المزار حتى دُعيَ “كعبة نجران” وكعبة اليمن، وصار يُضرَبُ به المثل.

 

النصرانية في مناطق جنوب الجزيرة العربية

أما في المناطق الجنوبية الاخرى مِن البلاد العربية الواقعة على سواحل الخليج العربي وفي جزرالبحرين وقطر وعُمان والإحساء والكويت، فكان دخولُ المسيحية النصرانية إليها مبكِّراً، كما عُثرَ على آثار مسيحيةٍ نصرانية في منطقة حضرموت وضواحيها قبل ظهورالإسلام، وقد قامت على الضفة الشرقية مِن الجزيرة العربية وفي جزيرتَي سُـقطري وعُمان ستُّ أبرشياتٍ كلدانية، وتشيرُ بعضُ المصادر الى كون حاكم عُمان مسيحياً. وقد إنتقلت الأفكارُ المسيحية النصرانية عن طريق المُبشرين القادمين مِن أرض ما بين النهرين الى”نجد” الواقعةِ في قلبِ الجزيرة والتي كانت تحكمُها قبيلة كِندة الشهيرة، ومِن صُلبها خرج الأميرُ أمرؤ القيس. ويُقال بأن عددَ مُناصري المسيحية النصرانية كان كبيراً في اليمامة ولا سيما بين أفراد أقوى القبائل فيها”قبيلة بني حنيفة” وتقعُ اليمامة جنوبَ شرقيِّ الحجاز. ومِمّا تقدمَ ذِكرُه، نجد حضوراً مسيحياً نصرانياً ظاهراً جرى انسيابُه مِن بلاد الكلدان (بين النهرين) باتجاهِ نجدٍ والسواحل الخليجية، وعن طريق نجران واليمن عِـبرَ المحيط الهندي كانت المسيحية النصرانية تستعدُّ للتوغل الى مناطق آسيا الجنوبية وأفريقيا. والتقاليد العربية ذاتُها تروي ذِكرياتٍ كثيرة ًعن الحضور المسيحي النصراني في عموم المنطقة العربية، وتُشير الى أسماءِ فروع للقبائل تشهدُ على انتمائِها المسيحي.

يروي إبن خلدون في (تاريخه ج2 المطبوع في مصر ص252-253) بأنَّ دولة مستقلة ملكت “اسماء” بعد الميلاد الى حين احتلال الحبشة لليمن وغدت حضرموت تحت حكمها، فدخلت إليها النصرانية مع الفاتحين الحبش، بل ربما كانت النصرانية قد سبقتهم إليها، بدليل كون قسم كبير من أبناء قبيلة كِندة يسكنون في حضرموت، وكانوا يدينون بالمسيحية النصرانية. ويذكر بطليموس في (كتاب جغرافيته ك16 الفصل4) عِدَّة مدُن ساحلية لحضرموت تزخر فيها اسواق تجارية يرتادها الروم وتُجّارٌ نصارى قادمون من مختلف الأنحاء، فكان أهلُها يختلطون بهم ويدينون بدينهم. وفي كتاب (طبقات إبن سعيد/ فصل الوفادات) ذكرَ وفداً لحضرموت كان أحد أفراده كليب بن سعد فقال هذا البيت من الشعر:

أنت النبيُّ الذي كُنّا نُخبِّرُهُ     وبَشَّرَتْنا بكَ التوراةُ والرُّسُلُ

 

وكان بعضُ هؤلاء النصارى يسكنون الجزُر المجاورة وقد تنصَّروا قبل ظهور الإسلام بزمن طويل. حيث جاء في مذكرات المؤرخ الرحّالة قوزما في (مذكراته ص 169): وفي جزيرة”تابروبانا”التي يُسمّيها الهنود”سيدليبا”هي جزيرة سيلان ويُسمّيها العرب”سرنديب” ببحر الهند. فيها كنيسة للنصارى يُديرها الإكليريكيون ويَؤمُّها المؤمنون، وكذلك في ملَّبار الشهيرة بجني الفلفل. وفي جزيرة كاليانا اسقفٌ يُرسَمُ في بلاد فارس ويُرسَل إليها. وفي جزيرة ديوسقريدس وهي “سوقطري القريبة من سواحل العرب” يسكنها جَمٌّ غفيرٌ من النصارى، يأتيها إكليريكيون من بلاد فارس لتأدية الخدمة الدينية. وفي رسالة للقديس فرنسيس كسفاريوس كتبها لدى سفره الى الهند مَرَّ بسوقطري، ذكر فيها بأنَّ بقايا النصارى كانوا متواجدين في سوقطري حتى القرن السادس عشر، وقد طلبوا منه البقاء عندهم ولكنَّه لم يستطع.

 

والى الشمال من حضرموت وعلى ساحلَي بحر العجم وبحر الهند تقع”عُمان” دخلتها النصرانية بواسطة مُبشِّرين قَدِموا إليها من العراق، وتذكر مجامع الكنيسة الكلدانية النسطورية أسماء اساقفتها منذ القرن الخامس مع تاريخ جلوس كُلٍّ منهم. ويُطلقون عليها” مازون” وبهذا الأسم سمّاها العرب، ويُشير إليه ياقوت الحموي في (مُعجم البُلدان4 ص 521) ومن هؤلاء الأساقفة يوحنان عام 424م وداود عام544م وشموئيل عام 576م واسطيفانوس عام 676م. وكان ملوكُ عُمان من آل ازد. ويُشير صاحب كتاب الأغاني الى وجود اديُرة في عُمان. ويذكر إبنُ الأثيرفي (تاريخه1 ص 234) <بأنَّ قيسَ بنَ زهير، لمّا تنصَّر ساح في الأرض حتى انتهى الى عُمان وفيها ترهَّب>.

 

وعلى ساحل خليج العجم والى الشرق من جزيرة العرب تقع البحرين التي يزخرُ في بحرها اللؤلؤ الشهير. كان سكّانُها في الجاهلية بنوعبدالقيس إحدى قبائل العرب المعروفة في نصرانيتِها. لسكّان البحرين عاداتٌ متوارَثة عن اسلافهم أباً عن جَد حتى أيامنا، تحَدَّث عنها السُّيّاحُ الألمانُ الذين زاروا هذه البلاد حديثاً ومنها: رسمُهم علامة الصليب على جباهِهم أو وَشمِها على أماكن من جسمِهم. إكرامُهُم الخُبزَ تذكيراً بالقربان المقدس. وعند ظهورالإسلام كانت البحرين وجارتُها الإحساء رازحتين تحت حُكم الفرس، وكان العاملُ المُعيَّن عليها المنذر بن ساوي أحد ابناء قبيلةِ تميم.

 

جاء في  (كتاب المجامع الكنيسة الكلدانية النسطورية ص 189 و448) بأنَّه كان للكلدان في بلاد البحرين اساقفة ولا سيما في قطر المعروفة “ببيث قطرايي” وفي مجمع ساليق العاشر للكنيسة الكلدانية النسطورية المنعقد عام585م برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرُزُنّي، صَدَرَ ضمن أعماله توجيهُ ايعاز الى أهالي البحرين بالمحافظة على قدسية يوم الأحد والإنقطاع عن العمل فيه، وإنْ كان الأمرُ عسيراً عليهم يُعفَون عن ذلك بمقتضى الضرورة. وكانت البحرين حافلة بالكنائس والأديُرة. أما قصبةهَجَر التابعة للبحرين فكان لها اسقف إسمُه”شموئيل” وردَ ذِكرُه في مجمع ساليق التاسع المعقود عام 576م برئاسة الجاثاليق حزقيال (كتاب المجامع ص 387و482).

 

أما اليمامة فكان معظم سكّانِها قبلَ مجيءِ الإسلام من بني حنيفة التي يشهدُ على نصرانيتِهم المؤرخون المسلمون.انظركتاب ارنولد (الإسلام والنصرانية ص 54) وكان يحكُمُهم الملك”هوذة بن علي” ووقع في أسره يوماً قوم من بني تميم، فأطلق سراحَهم يوم عيد الفصح بحسب ما ذكره إبن الأثير في (تاريخه ج1 ص 260 ط. مصر). فقال الشاعر الأعشى بيتاً لمدحِه على فِعله:

بِهِم يُقَرِّبُ يومَ الفصح ضاحيةً      يَرجو الإلهَ بما أسدى وما صَنَعا

 

ومِن الشواهدِ على نصرانية اليمامة، مُقاومة أهلها لأتباع مُحمدٍ بقيادةِ مُسيلِمة الذي ألصقوا به تهمة الكَذِب، لكونه نصرانياً هو وزوجته سجاح التغلبية. وكان لمُسَيلِمة كتابٌ شبيهاً بقرآن محمدٍ وأسمى منه تعبيراً، وكان يتلو آياتِه على غِرار ما كان يتلو محمدٌ قرآنه، فخشيَ مُحمَّدٌ وأصحابُه خطرَه عليهم! وقد ذكر ذلك عبدالمسيح الكِندي في رّدِّه على الهاشمي (ص 87 ط. اوكسفورد) فتآمروا عليه وأرسلوا إليه قوماً اغتالوهُ ليلاً.

 

النصرانية في مناطق الجزيرة

لقد تحدَّثنا عن النصرانية في اليمن وبما اتحفتنا به المصادر التلريخية، وقد آن لنا أن نتحدَّث عن مناطق الجزيرة ذاتِ السهول الرحبةِ والمقاطعاتِ الواسعة تقع بين بلاد الأرمن وديار الشام، تتسع فيها بوادي يرويانِها دجلة والفرات وعدة انهار اخرى اهمُّها الخابور، كانت في الماضي البعيد مطمعاً لصراع الأمم القديمة للهيمنة عليها، نظراً لتميُّزها بتُربةٍ خصبة تُعطي غلاَّتٍ وافرة وخيراتٍ غزيرة، انتصبت فيها مُدنٌ كثيرة وشهيرة كانت ذاتَ شأن في الأزمنة الغابرة نذكر منها: آمد، دارا، دُنيسر، رأس العين، الرِقَّة، الرُّها، طورعبدين، قرقميش، قرقيسيا، سعرد، ماردين، ميافارقين. واسم الجزيرة يشمُلها جميعاً.

 

وبقدرما كانت الجزيرة مطمعاً مغرياً للأقوام منذ القِدَم، بالقدر ذاته كانت مطمحاً للقبائل العربية الحضرية منها والبدوية على السواء، هامت بها لغزارةِ خيراتِها وكثرةِ نِعَمِها، حيث رأت فيها ما يُلائمُ عَيشَها البسيط ومُنتجعاً لمواشيها، يتنقلونَ فيها على هواهم دون حسيبٍ اورقيب إلا رضا امراءِ قبائلهم. إنَّ انتشارَ القبائل العربية في مناطق الجزيرة يدُلُّ عليه اسمُ المنطقة المتسمةِ به مثل: باعربايي، جزيرة إبن عُمَر، دياربكر، ديارربيعة، ديار مضر، فاسماء هذه المناطق تُشيرُ الى هويةِ سكّانها. فجزيرة إبن عُمر تعني مدينة واقعة على دجلة، سمّاها الكلدان بازبدي ولكنَّها نُسبَتْ الى إبني عمر “اوس وكامل إبني عمر بن اوس التغلبي” بحسب رواية خلكان، ويظهرأنَّ اسمَها ارتبط باسم أبيهما. أما باعربايي أو بيث عربايي يشمل إسمُها ثلاثة أمكنة تمكَّن العربُ من الإستيلاءِ عليها وأسَّسوا فيها مدينة بالقرب من نصيبين.

وبخصوص ديارات بكرٍ وربيعة ومُضر، فقد كفَّ ووفَّى في وصفها ياقوتُ الحموي في (معجَم البُلدان2 ص 636-638) فقال عن دياربكر: < إنها بلاد واسعة تُنسَبُ الى بكرٍ بنِ وائل… بن نزار بن مُعَدٍّ بن عدنان، وحَدُّها ما غَرَّبَ من دجلة من بلاد الجبل المُطِلِّ على نصيبين الى دجلة، ومنه حصن كيفا وآمد وميافارقين. وقد يتجاوزُ دجلة الى سعرد وحيزان وحيني وما تخلَّل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل>.

 

وعن ديارربيعة قال: <إنَّها بين الموصل الى رأس العين ودُنَيسر والخابور جميعهُ وما بين ذلك من المُدُن والقرى وربَّما جمع بين دياربكر وديارربيعة وسُمِّيَت كُلُّها ربيعة فإنَّهم كُلُّهُم ربيعة. وهذا اسمٌ لهذه البلاد قديمٌ، كانت العرب تحُلُّهُ قبل الإسلام في بواديهِ واسم الجزيرة يشمُل الكُلّ>.

 

وقال عن ديارمُضَر: < هي ما كان في السهل بقربٍ من شرقيِّ الفرات نحو حَرّان والرقَّة وشمشاط وسروج وتلّ موزَن>.

 

صمود الإسلام بعد رحيل مؤسسه

كانت وفاة محمدٍ رسول الإسلام في عام 632 م وهو عام الهجرة العاشر، دون أن يتركَ وراءَه ذرية ًمِن الذكور ولا مِن الإناث أيضاً سوى إبنته فاطمة زوجة إبن عمِّه علي. وحيث إنَّ الإسلامَ وقتَ رحيل مؤسِّسِه كان لا زالَ حديثَ العهد، فقد دَبَّ الخلافُ بين دَفَّتي أتباعه”المُهاجرين”و”الأنصار” حول الخلافة. وبعد أخذٍ وردٍّ توَصَّلَ الطرفان الى مبايعةِ أبي بكر لبعض الإعتبارات مِنها: كونه الأكبرَ سِنّاً بين المُسلمين، والأكثرَ قرباً الى الرسول وكان أصغرَ مِنه بثلاث سنوات أي مِن مواليد عام 573م وهو والدُ عائشةٍ زوجةِ الرسول! والأهمَّ مِن ذلك كان الرسولُ قد خَوَّلَ أبا بكر قبل مرضِه أن يتولّى إمامة َالمُسلمين في صلاتِهم، ونُظر الى ذلك بأنه تلميحٌ مِن الرسول الى تَفضيله لأبي بكرعلى بقية الصحابة، هذا بالإضافة الى تميُّز أبي بكر بالعِلم والصدق وحُسن التدبير وثباتِ العزيمة.

لم تكن العقيدة ُالإسلامية قد ترسَّختْ في أذهان عربِ الجاهلية، فلم تستطِع صقلَ عاداتِهم القبلية كالتعَصُّبِ والأنانيةِ والزعامة. لذلك فبعد موتِ محمدٍ مؤسِّس العقيدةِ برزتْ حركاتُ الإرتداد، قادَها متنبِّئون ظهروا بين القبائل حاولوا تقليدَ محمدٍ، وسَعوا الى لَمِّ شمل قبائلِهم تحت رئاستِهم، فارتدَّت أغلبُ القبائل العربية عن الإسلام، باستثناء أهل المدينةِ ومَكة والطائف، ودخلَ الإسلامُ في مرحلةٍ بالغةِ الخطورة. فما كان مِن أبي بكر إلا أن أمرَ بقتال هذه القبائل عقاباً على ارتدادِها عن الإسلام، فشَنَّ عليها المُقاتلون المُسلمون حرباً لا هوادة َفيها بقيادة خالدِ بن الوليد الذي كان لسيفِه الفضلُ الأكبرُ في توحيد الجزيرةِ بأكملها خلال سنتين، فسُمِّيَت تلك الحروب بـ”حروب الردَّة” وبُرِّرَ شَنُّها بأنَّ الإسلام كان بحاجةٍ ماسةٍ إليها وهو في مرحلة نشأته الفتية خوفاً على زواله.

ويبدو أن هذا الخوف ترسَّخ في أذهان المسلمين فيما بعد بأنَّ الإسلام لن يقوى على الصمود والثبات بدون تشريع قانون يحميه، فعمدوا الى سَنِّ قانونٍ عُرف بـ”قانون الردَّة” يُجيز لكُلِّ مُسلمٍ بقتل المُرتدِّ عن الإسلام وللقضاء الإسلامي حَق الحكم بالإعدام على المُرتد. ألا يعني هذا بأنَّ الإسلامَ بدون قانون الردَّة لا يستديم مهما كان عددُ المنتسبين إليه كبيراً، وإلا بماذا يُفسَّر استمرارُ هذا القانونُ سارياً حتى اليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً وعدد المُنخرطين بالإسلام بمُختلف الوسائل يُقارب المليار من البشر؟

أهلُ الذِمَّة

لقد أطلق المُسلمون على اليهود والمسيحيين تسمية أهل الذمة، وفرضوا عليهم الجزية لرفضهم الدخول الى الإسلام، وبالرغم مِن التزامهم بدفع الجزية كان الكثيرُ مِن الوُلاة والأمراء المسلمين يُثقلون كاهلهم بما يزيدُ عن الحد المقرَّر،  بالإضافة الى المُعاملة القاسية التي كانوا يُمارسونها تجاههم ويسطون بين الحين والآخر على دورهم للسلب والنهب ويعملون بكنائسهم الهدم، فبإزاء هذا الإجحاف إضطرَّ المسيحيون للقيام بالإنتفاضات دفاعاً عن حقوقهم المهضومة، فقد انتفض مسيحيو الشام والجزيرة ولبنان وأرمينيا، وجرت مجابهات مع المسيحيين المُنزوين في الساحل الأفريقي والمغرب، وثار المسيحيون الأقباط في مصر ضِدَّ الوالي الأموي. ولدى استيلاء العباسيين على الحكم رأوا في تلك الثورة حافزاً مُساعداً لإحتلال مصر، وقام العباسيون بإعفاء بعض الأقباط مِن الضرائب وتخفيفها عن البعض الآخر، ولكن ذلك كان إجراءً موقتاً، فسرعان ما أعيد فرضها ثانية وزادوا في التشديد على الأقباط أكثر مما كان يفعله الأمويون، حتى أنهم ربطوا بناء كنيسةٍ جديدة بموافقة قاضي مصر. وأمر أبوجعفر المنصور بإعادة فرض الضريبة على بعض المسيحيين الذين إرتدوا الزيَّ الرُّهباني لكي لا يُشمَلوا بدفع الضريبة، وكان رَدُّ فعلهم إحتجاجاً ثورياً في الأعوام 750 و767 و773 م .

 

وعن مسيحيي الجزيرة والشام، فقد كان العباسيون يتهمونهم ظلماً بالتواطؤ مع الروم لمجرد كون عقيدتهم الدينية واحدة، وبسبب ذلك يقول فاروق عمر (العباسيون الأوائل2 ص 165 – 167) كان والي الجزيرة العباسي  يَتخذ تدابيرَ احترازية، فارضاً بعضَ القيود على المسيحيين الـقاطنين في المناطق الـمُتاخمة للحدود الشمالية. ويُضيف المصدر السابق في (الصفحة 170 – 171) “وبالرغم مِن كون علاقات الدولتين العباسية والبيزنطية متوترة في عهد الـمنصور، وذاتَ تأثيرٍ في سياسته تُجاه أهل الذِمة. ومع ذلك، فالدلائل كُلُّها تُشير الى وجود عددٍ كبير مِن الذمّيين في وظائف الدولة الإدارية والمالية، وكذلك في المهن الاخرى كالطب والهندسة، كما كان الذمِّيون يُظهرون براعتهم في الترجمة العربية وفي الكتابة والعـلوم “.

                                                                                                                                                                                                            

وفي جبل لبنان قامت عدة ثورات أهمُّها ثورة بندارالمسيحي عام 759 – 760 م، حيث أعلن نفسه ملكاً على منطقته، والمسيحية ديناً رسمياً لسُكانِها. بيدَ أنَّ إنتفاضته لم تصمُد أمام قوات الغزو الإسلامي، فاضطرَّ لعبور الحدود والإلتجاء الى الروم، أما سكان جبل لبنان فتَمَّ تهجيرُهم بأمر صالح بـن علي والي الشام، ووُزعوا على مُختلف مناطق البلاد الشامية.

 

عوامل نجاح الغزو الإسلامي

 العامل الأول: كان الضعف والتفكُّك الذي دَبَّ في أوصال المملكتين الغريمتين الرومية والفارسية الحاكمتين على مُعظم العالم القديم قبل ظهورالإسلام بأجيال طوال، وذلك مِن جرّاء الحروبِ السجال المتواصلة بينهما، والتي أدَّت بطبيعة الحال الى إرهاق كاهل شعوبهما واستنفاذ قدراتهما مادياً ومعنوياً وبشرياً، فاشمأزّوا مِنها ومِن تبعاتِها.

 

 العامل الثاني: هجرة القبائل العربية مِن موطنها في الجزء الجنوبي مِن الجزيرة العربية(اليمن) واستيطانُها في أرض ما بين النهرين والديار السورية، وإنشأؤهم دويلات فيها.

 

العامل الثالث: كان بروزُ الخلافات العقائدية في الكنيسة الكلدانية المشرقية نتيجة البِدَع التي ظهرت في الغرب المسيحي واكتوى بنارها الشرقُ المسيحيُّ رغم بعده عن مصدرها، ونتيجة لتغلغلها في أوساط الكنيسة المشرقية، إنشطرت هذه الكنيسة الى شطرَين. فتبنّى البدعة َ النسطورية الأغلبيةُ الساحقة من مسيحيي بلاد وادي الرافدين(العراق) والبلاد الفارسية الكلدان، أما البدعة َ المونوفيزية فـتبنّاها القلَّة من إخوتهم الكلدان المُنشقين ومسيحيو سوريا ومصر، وأصبحَ كِلا الطرفين المسيحيَين النسطوري والمونوفيزي مُنشقَين في نظر كنيسةِ الغرب الجامعة فـتعرضا لعِداءِ ملوك بيزنطة واضطهادِ ملوك الفرس ووَفقاً للظروف ورجحان القوة بين الدولتين البيزنطية والفارسية، وباتَ هذا الإنقسامُ الكنسي المشؤوم مصدرَ ضعفٍ لأبناء الكنيسة المشرقية عموماً.

 

العامل الرابع:إهمال الروم تحصينَ المنافذ الحدودية للبلدان الواقعة ضمن نفوذهم، وما زاد في الطين بلَّة، قطعُ هرقل الملك البيزنطي الجَراية (إستحقاق المُجَنَّدين اليومي) المُخصصة لقبائل الشام العربية القاطنة في جنوب البحر الميِّت على الشريط  الذي يصل المدينة بغزة، وذلك مباشرة بعد معركة مؤته التي إنتصرت فيها تلك القبائلُ على جيش رسول الإسلام الذي أرسله لمقاتلتِهم عام 629م.  فأحدثَ هذا الإجراءُ ردَّ فعل سلبي لدى القبائل تُجاهَ الروم، أضِف الى ذلك الشعورَ القومي الذي إستيقظ لدى أبناء القبائل العربية المُقيمين في فلسطين وبلاد الشام والمناطق الشرقية الاخرى نحو العرب الفاتحين، ونظرتهم إليهم بأنهم قومٌ مِن بني جِنسهم، تربطهم بهم رابطة ُالعِرق والدم والعادات والتقاليد، مِما لا يتوفر بالمتسلطين الأجانب والأعاجم الغاصبين، فكان الفتحُ الإسلاميُّ بالنسبةِ إليهم ثورة ًاجتماعية سياسية هدفها إستعادة َالمجد الغابر الذي كان لتلك البلاد، والنهوض بها مِن سَقطتها بأيدي الغرباء وسَطوتهم لأكثر مِن ألف سنة، بدءاً بالأخمينيين والإغريق والروم والفرس الفرثيين والساسانيين… ويقول فيليب حتّي في (تاريخ العرب المطول ص 194) بأن الجزية َالتي فرضها الفاتحون العرب المسلمون على أبناء البلاد التي سَلخوها عن دولتي الفرس والروم، كانت أقلَّ مِن التي كانت مفروضة ًعليهم مِن قبل السُلطات السابقة. وانفتحَ أمامَ الأقوام المغلوبةِ على أمرها بابُ الحرية، فصاروا يُمارسون عقائدَ أديانهم دون حرج .

 

لم يَكن الدافعُ الديني وحدَه الذي حَفَّزَ جماعاتِ البدو الذين كانوا يُمثِّلون الرقم الأكبر في جيوش الفتوحات، بل الإفتقارُ المادي أيضاً، للإندفاع الى ما وراء حدود البادية الجرداء، والتغلغل الى مناطق الخِصبِ ومواطن الكلأ في بلدان الشمال. وهذا ما أثبتته حملاتُ الغزو الاولى التي كانت تهدف الوصولَ الى ثغور تتفق وعقلية القبائل الثائرة، وهي السطو والسلبُ والنهبُ والعودة بأكبر نصيبٍ مِن الغنائم، وليس الإحتلال والإستعمار والإستيطان، إلا أن هذا النجاح الذي حالفَ الغزاة الجُدُد، حملَ أولياء الأمر على تنظيم الفتوحات! إذًاً بدأَ الإسلام بالإنتشار ديناً، ثمَّ تحوَّلَ الى سياسةٍ ودولةٍ وأصبح بعد ذلك إجتهاداً وثقافة. والى الجزء العاشر قريباً

 

الشماس د. كوركيس مردو

في 26/1/2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *