الإنسان في فلسفة الكلدان

  

يعتبر بيروسز (Berosus ) أول من روّج لفلسفة الكلدان وعلومهم الفلكية بين فلاسفة اليونان، ومن بينهم افلاطون الذي تأثر كثيرا بالفكر الفلسفي الكلداني. الأفكار الواردة في هذه المقالة تتناول بإيجاز بعض أفكار كاتب مجهول الهوية يحمل الحرفين (L. O. ). استند هذا الباحث في تقديمه للفلسفة الكلدانية على تراجم إنكليزية لنصوص لاتينية تناولتها ثلاثة عشر دراسة منشورة في كتب محفوظة في المكتبة البريطانية يعود تاريخها للفترة ما بين الربع الثالث من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. يخبرنا الباحث في مقدمة بحثه بأن تعليم الفلسفة في الحياة الكلدانية كان تقليدا عائليا، على عكس تعليمها من على المنابر الإغريقية (اليونانية)، وكأنه تعليم بالوراثة، مما يقتضي إعفاء الأبناء من القيام بأعمال تقل شأنا عن تعلم الفلسفة بيتيا. ويسمي الباحث هذه الفلسفة لاهوتا لأنها تحتم على من يمارس طقوسها التأمل في أربعة عوالم، هي: (1) العقل الأول: ويتخصص بعالم المُدركات السرمدي الذي لا بداية له ولا نهاية. ويسبق هذا العالم خالق الكون، وفيه رؤساء الملائكة وآلهة غير مقيدة بزمان أو مكان وآلهة الكواكب. وهذا العالم يسمو فوق المُدركات الحسية. (2) العقل الثاني: وهو العالم السامي الذي له بداية ولكن لا نهاية له ويعبر عن كينونة فكرية منتجة وآليات العمل الذهني. ويُعتقد بأن الملائكة تحرسه. (3) العقل الثالث: وهو عالم الأرواح الأثيري الزائل، عالم الأرواح البشرية، الذي له بداية محكومة زمنيا ونهاية حتمية. (4) العالم البدائي، وهو عالم المخلوقات الكونية المادية المؤلفة من عناصر أولية ونارية، ومنها الملائكة التي في أدنى السلـّم.

 

كان الكلدان يعتقدون بأن هذه العوالم التي يتألف كل واحد منها من ثلاثية ينجم عن اتحادها عنصر رابع يسمى بأسمها مجازا (كقولنا في “الله” الآب والإبن والروح القدس) تفضي إلى ثلاثة مبادىء يتألف منها معدن الإنسان اللامادي، وهي: (1) الروح المدركة أو الإلهية. (2) الروح الفكرية أو العقلانية. (3) الروح اللاعقلانية أو العاطفية. وتطرأ على هذه الروح الثالثة تغييرات وتقلبات وهي آيلة للفناء بموت الجسد. ومن هذا التصور الكلداني لمكونات الانسان رسم افلاطون ثلاثيتة المشهورة في التركيبة النفسية للإنسان فجعل المبدأ الكلداني الثاني أولا وحدد مكانه في رأس الإنسان وقسم المبدأ الثالث المتعلق بالعواطف إلى قسمين، هما الروح العاطفية المتخصصة ببعض العواطف والسجايا، كالجـَلـَد مثلا، ومكانها القلب، في الوقت الذي اعتبر الروح العاطفية الثالثة عبارة عن ترجمة لمؤهلات القلب والمتمثلة بالرغبات والشهوات والميول والنزعات وحدد مكانها في محيطي المعدة والطحال.

 

تفيدنا الموعظة الكلدانية الأولى بأن الروح الإلهية هي نار ساطعة وأزليتها مرهونة بقدرة “الآب”، كما أنها “خليلة” للحياة. ومن الممكن فهم قوة الروح الإلهية بشكل محدود جدا وذلك باللجوء إلى صناعة خيال جامح أو عندما تتوقف الروح العقلانية عن الاستجابة للعواطف. وتفيدنا الموعظة الثانية بأنه من الجائز أن تتأرجح الروح الفكرية أو العقلانية بين الآلوهية واللاعقلانية، أي بين الموعظتين الأولى والثالثة. وحالة التأرجح هذه يحسمها الإنسان، فمن سعى لتحقيق غاياته من خلال العواطف والنزوات لا يرقى إلى مستوى الآلوهية، بينما من تقشف في ملبسه وانتصر على الشهوات يسمو بفكره إلى العُلى ويغنم القداسة. وتتخذ الموعظة الثالثة نهجها المادي من النجوم والكواكب وتدور في فلك القمر بينما تشكل الأرض مركزها. وتنصح المواعظ إجمالا، وعددها 324 ، تنصح الإنسان بأن يرفع عينيه إلى السماء أملا في نيل حياة سرمدية. وخلاصة القول، فأن الفلسفة الكلدانية التي عرضناها بشكل مقتضب جدا سعت للبحث عن الحقيقة الكامنة وراء الماديات وصولا إلى الجمال الروحي.

 الأردن في 18/4/2010

You may also like...