الأفلاس الثقافي …الأقلام الصفراء

ما أن وطأ الإنسان وجه الأرض كانت له رغبات واحتياجات متنوعة، ومع تطوره، تحققت هذه التطلعات خلال انتقاله من حياة الترحال والتنقل بين بيئات بدائية إلى حياة الاستقرار وبناء البيوت ونشوء المدنيات والحضارات وتزايدت احتياجاته وتشبعت في مجالات الحياة كافة، المعيشية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وأصبحت المصالح الشخصية وما يتعلق بها من مصالح العائلة والقبيلة هي العامل المؤثر والمحرك الأساس له. ومن منطلق هذا العامل كون علاقته ورسم أبعاد سلوكياته العامة والخاصة على صخور وألواح  طينية ومعظم مبانيه، واستمرت هذه الحالة تتفاعل في جميع شؤونه على مر التاريخ. فقد كانت الكتابة في بداية عهدها عبارة عن صور ورموز توحي تماما بما رسم فيها، و إحدى أهم وابرز مراحل تحول الإنسان الحضاري، وأولى النقلات النوعية التي منحته صفته الإنسانية، ومما يؤكد أهمية الكتابة، هو التصنيف التاريخي الذي أعطاه علماء التاريخ للمراحل التي قطعها الإنسان في حياته عبر العصور حتى وصل لحضارته الحديثة. وقد تطورت الكتابة بمراحل تطورية تبعا لتطور مجتمعاتها. فالكتابة هي وسيلة فعالة ينتج عنها الفهم والحركة، وراقية إذا أبقيناها راقية الأسلوب واختيار المنبع لها للتعبير عن تفاعلات الحياة من جميع جوانبها ومكوناتها المختلفة… هي استدعاء للقارئ إلى نوع من إثارة الحساسيات أو الاستفزاز أو التوجيه أو التنوير، واخطر الممارسات الكتابية تلك التي تموه على عقل قارئ وقد تحجب عنه ضوء الحقيقة في ما يكتبه من أفكار وأراء. وهكذا في عهود السلاطين وعهود الدكتاتوريات المقترنة بالاستبداد والفساد تلجأ الحكومات إلى توظيف بعض المثقفين حملة القلم إما بالشراء وإما بالإغراءات المادية وخلافها إذا كانوا من الذين يؤمنون بأفكارها وذلك لتزييف الحقائق وفبركة الوقائع وإلباس الحق بالباطل ومهاجمة الخصوم والمعارضين وتجميل وجه النظام القبيح. 
في مجتمعنا العراقي المعاصر تحولت أدوات الثقافة وفاعليها، لدى البعض من حملة الأقلام إلى أدوات وفاعلين ينتجون ثقافة استهلاكية لا يحتفظ بها احد، نوع من الثقافة للاستهلاك المحلي ( أقلام مأجورة ، أقلام نفعية )، أن كان ذكوري أو أنثوي على نطاق واسع بين حامليه. تارة بتجنيد أقلامهم على صفحات الجرائد والصحف وتارة على صفحات المواقع الالكترونية. ففي المجال الثقافي والإعلامي أصبح الكمبيوتر هذا الجهاز العجيب النافذة التي يطل من خلالها ملايين البشر إلى عالم المعلومات المتمثل بشبكة الانترنت. فهناك ( أقلام صفراء) ظهرت علينا مؤخرا تتصيد في المياه العكرة يتخذون من منبر الكتابة من على صفحات المنتديات وسيلة لإيصال أغراض شخصية من تزلف للنافذين والمسئولين ومجاملات. فكان من نصيب شعبنا المسيحي العراقي كلدان وسريان وأشوريين حصة من الأقلام الصفراء، هذه الظاهرة القديمة الجديدة تتسع دائرتها مع الزمن، ويزداد حجمها مع تكاثر الناس، وتعمق جراحها، وينتشر نتنها مع الريح ويكبر هولها في العقول والصدور. تنتشر هذه الأقلام وفق تصورات مسبقة وخطط  مرسومة تختلف من حين إلى آخر بين الكاتب والمستفيد، وهي علاقة مباشرة ومتجددة، توفر المعلومات والتفاصيل، فنجد في النهاية خيوط منفعة تربط  بين الطرفين عبر تحديد هذه العلاقة. وتكون هذه العلاقة على قمة الأوليات وبمثابة المفتاح المناسب الذي يدخل به الكاتب عالم السياسة وفق مسار محدد مسبقا باتفاق سري غير معلن بين حامل القلم والطرف الثاني المتمثل إما في شخصية اعتبارية أو معنوية أو جهات متنفذة ذات أهمية في المجتمع. إذ يتوجب على الكاتب توظيف قلمه في تجميل صورة الطرف الذي يتفق مع طروحاته ، أي يسعى لتسليط الضوء على محاسنه وإظهارها وإبرازها بوضوح للمتلقي والقارئ والابتعاد عن مساوئه من جهة أخرى، و فرض رؤى فكرية معينة على الطرف الأخر.
يا سادتي الكلمة أمانة لم أقرأ يوما أو اسمع أن الأخلاق تختلف مع الثقافة!! وبعد.. إلا يحزنكم أن يكون ما قلته موجودا ورائجا بين حاملي الأقلام الذين لا هم لهم إلا المنفعة الشخصية أو مراقبة الصائد لفريسته!! مستغلين ظروفا متشابكة غير طبيعية يمر بها الشعب العراقي عموما والمسيحي على وجه الخصوص. إن اتساع مجال حرية التعبير جعل من مثل هذه الظواهر تنتشر بين بعض الكتاب، ولعل فتح منابر وملاحق خاصة بالآراء والمواقف على صفحات الانترنت جعلت أيضا أصحاب هذه الأقلام ينشرون مواضيع تمدح فلانا أو تعظم علا ّنا ، يكسبون من وراء ذلك نقاط لصالحهم تعزز هدفهم في الالتفات إليهم واحتضانهم، وهذا الكلام لا يعني أننا ضد ما ينشر على صفحات المواقع الالكترونية، ولكن الاختيار والانتقاء الصائب لمواضيع تتناول الايجابية والسلبية والذي يخدم المسيرة الثقافية والإعلامية ضرورة واجب أخذها بعين الاعتبار أثناء النشر. إن الثقافة النفعية ( المصلحة ) لا تنسجم مع مبادئ الحقوق الثقافية وحقوق الإنسان والنضال الشريف، ولكن قد تعطل مسيرة نشر الإعلام الحر النزيه الصادق والموضوعي الذي يحترم تاريخه قليلا، وقد تبعد المسار الفكري والإبداعي الحقيقي عن الطريق المستوي، لذلك وجب مواجهة هذه الظاهرة وفضح هذه السلوكيات بكل السبل، وهذا الأمر متروك للإعلام المكتوب بصفة عامة، وعلى وجه الخصوص المواقع الالكترونية في هذه الظاهرة التي تنتشر هكذا كتابات فيها. أما أن لأصحاب الأقلام الصفراء أن يفيقوا من تواطئهم وينفضوا الغبار عنهم ويفكروا تفكيرا عميقا.wadizora@yahoo.com
2010 06 22

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *