اقليم كوردستان والموقف من المسيحيين

     يتكون المجتمع الكوردي من مجموعة الافراد الذين يتحدثون اللغة الكوردية ،وأما المجتمع الكوردستاني فهم مجموعة الافراد الذين يعيشون على ارض كوردستان ويتكون من اقوام مختلفة وهم الكلدان الذين يعدون سكان الارض الاصليين والاثوريين والارمن والتركمان والعرب وباكثرية كوردية ،ويدينون باغلبية اسلامية وثم مسيحية وايزيدية وكاكئية.وقد عاشوا تاريخيا جنبا الى جنب وانصهروا لعوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسية ليكونوا المجتمع الكوردستاني المعاصر بمختلف اديانه وطوائفه وقومياته.
    ولما كانت الاغلبية في المجتمع الكوردستاني هم الكورد ،فأذا زمام الامور والمبادرة في التكافل والتكافؤ الاجتماعيين تبدأمنهم لتحقيق مجتمع يعيش تحت ظلال السلام والحرية بكل ميادينها واتجاهاتها ومستوياتها ،وعليه المعني في هذه المقالة هو المجتمع الكوردي لوضع رؤية سوسيولوجية في طبيعته وتركيبه واثر ذلك في تعاطيه مع غير الكورد في المجتمع الكوردستاني.
      عاش الكورد تاريخيا دون وجود دولة ذات سيادة تدار من قبلهم لتنظيم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،فهم تعرضوا للغبن والظلم لعدم الاكتراث من الميثاق الدولي في تقسيم تركات الدولة العثمانية بعد الحرب الكونية الاولى ,مما سبب ذلك في تشتتهم بين دول المنطقة وباكثرية في تركيا والعراق وايران(والى جانبهم ايضا الكلدان سكان المنطقة الاصليين)،ومنذ البدء حاولت هذه الدول سياسة التتريك والتفريس والتعريب ،محاولة بذلك محو الهوية الثقافية والحضارية والقومية للكورد،ولما كان الموضوع الذي اتطرق اليه يخص كورد العراق فاذا التأكيد سيكون منصبا عليهم.
    بدأت البادرة الاولى في تاريخ الكورد المعاصر للنهضة في الاقرار لنيل حقوقهم من الدول الخاضعة لها من قبل كورد العراق فبعد محاولات سياسية سلمية فاشلة مع الحكومة المركزية في بغداد قبل عام 1961 من القرن الماضي وشعورهم بالاحباط ، بادرت نخبة واعية من الكورد وفي مقدمتهم العائلة البارزانية باعلان الثورة المسلحة لنيل حقوق الكورد،فبدأت الشرارة الاولى للثورة في شهر ايلول من عام المذكور.وفي رايي لاتزال هذه الثورة قائمة الى ان يتم تحقيق كامل الحقوق في دولة مستقلة ليس على حساب الاراضي العراقية فحسب وانما ان تشمل كل الدول حيث يعيش الكورد.
       يعد التغير السياسي الذي بدأ في المنطقة منذ عام 1991 عاملا اساسيا في زعزعة المنطقة الشرق اوسطية برمتها،ولكن كان متغيرا ايجابيا تجاه المجتمع الكوردي بحيث استطاع الكورد من استغلال المتغيرات الحاصلة لمنفعتهم لنيل حقوقهم فاصبحت قضيتهم اكثر شمولية ومعروفة في السياسة العالمية،فمنذ 1992 بدأ الاستقرار يعم كوردستان العراق دون سواه من المناطق العراقية ،وتعد الان من اكثر المناطق الشرق اوسطية اسقرارا وأمنا وسلاما .
     بدأت النهضة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية،فوضع الدستور العلماني بمحاوره واصدرت لائحة حقوق الانسان .وعلى اثرهما تشكلت الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وانتشرت سياسة قبول الاخر، واسست الجامعات التي تعد مؤشرا اساسيا في تقدم المجتمع البشري وتحسنت كل ميادين الحياة وبفترة قصيرة  قياسية،ولكن مع وجود بعض الثغرات سوى السياسية اوالخدمية اوالاقتصادية (لست الان بصددها) تحقق التعايش السلمي في المجتمع الكوردستاني،واصبحت منطقة الاقليم ملاذا آمنا للمسيحيين الذين تعرضوا الى ابشع صنوف الاضطهاد في المناطق العراقية الاخرى.
    ومع كل التغيرات الايجابية التي حدثت في كوردستان العراق على مختلف الاصعدة،تفاجأ الجميع بالاحداث المفجعة في الثاني من كانون الثاني لسنة 2011 التي جرت في قضاء زاخو وسميل ومدينة دهوك واماكن متفرقة اخرى من محافظة دهوك،تلك الاحداث التي تمثلت بالاعتداءات المباشرة على ممتلكات المسيحيين والايزيديين التجارية،وذلك من قبل جماعة اثيرت مشاعرها وعواطفها بشحنات انفعالية مصدرها الفكر الديني بدليل انها حدثت بعد صلاة الجمعة وانطلقت من المسجد،ومهما يكن مصدر هذه الفتنة الدينية الا انها احدثت شرخا كبيرا في الاوضاع المستقرة والامنة في اقليم كوردستان واصابت المعتدى عليهم بالذعر النفسي والقلق الاجتماعي.
  والسؤال المهم هنا هو هل ستتكرر مثل هذه الاحداث في الاقليم الآمن؟ وفقا للنظرة السوسيولوجية والمؤشرات الميدانية ارى ولحد اعداد هذه المقالة ان هذه الاحداث ستكون محدودة جدا ولن تتكرر على الاغلب وذلك انطلاقا من المحكات الاتية
اولا: من خلال متابعة رد الفعل السياسي والاجرائي السريع والتحرك الفوري من رئاسة الاقليم وحكومته عن كثب لمتابعة الحدث،وعدم الاقتصار على الاستنكار الاعلامي كما يحدث في اجزاء اخرى من العراق ،تبين ان ذلك لم يصدع العامة من الشعب بل اصدع القيادة السياسية ايضا.فبدأ الرد سريعا،وأول هذه الردود ما تحدث به رئيس الاقليم مسعود البارزاني (ساضطر لحمل السلاح بنفسي لحماية المسيحيين)،تلك العبارة التي لها وقع نفسي كبير ذو انعكاسات توحي بالتأمل السلمي والاهتمام الجدي من قبل الكورد للحد من الاعتداءات على المسيحيين وغيرهم. فكانت عملية الايعاز من قبل رئاسة الاقليم في تشكيل لجنة على الفور للتحقيق في الحادث مؤشرا آخرا عى رد الفعل الايجابي ,ومن ثم اخذت اجراءات وتغييرات ادارية في محافظة دهوك والتي اشتملت المناصب الادارية التي كانت السبب في الخلل الامني في المحافظة .
ثانيا:التوجه العلماني العام في الحكومة الكوردية استنادا الى دستور الاقليم الذي يحتوي على عدة بنود تؤكد على حرية الفرد في الانتماء الديني ،وحرية اتباع الديانات المختلفة في ممارسة طقوسها وانشطتها علنيا،وقد رفع الاقليم منذ البداية شعارا( الدين لله والوطن للجميع ).
ثالثا:ان الغالبية العظمى من الاحزاب السياسية في اقليم كوردستان هي احزاب علمانية في مبادئها وفلسفتها، وعليه ان مواقفها تجاه مثل هذه الظواهر ستكون بموضوعية متناهية،العكس من الاحزاب في الحكومة المركزية حيث ان غالبيتها هي دينية طائفية تستند على مبدأ الغاء الاخر.
رابعا:لاتزال المفاهيم العشائرية سائدة في الاقليم والتي تساعد على شد الروابط الاجتماعية ،مثل النخوة والشهامة والوفاء والعصبية القبلية وحماية افراد العشيرة، حيث ان كل عشيرة كردية تتحمل مسؤوليتها تجاه المواطنين المسيحيين ضمن حدودها الجغرافية بحكم التقاليد والقيم العشائرية التي لا تزال تتحكم في سلوك المواطن الكوردي،وفعلا ظهرت عدة مواقف انطلاقا من هذا المبدأ الاجتماعي من شيوخ ووجهاء العشائر الكوردية في المنطقة.
خامسا: كل التقديرات السياسية الموضوعية تشير هذه الايام الى ان الكورد سيفاجئوا العالم باعلان الدولة الكوردية في ليلة وضحاها ،لان الاوضاع التي تمر بها المنطقة عموما والعراق بشكل خاص مهيأة لاعلانها،فالعرب منشغلون بثوراتهم الخريفية وليس الربيعية بنظري والحكومة العراقية المركزية منشغلة في صراعاتها على الكراسي ،ولعله ان سياسة الاحزاب في بغداد المبنية على مبدأ الغاء الاخر بسبب النعرات الطائفية القاتلة ادت الى ضعف الحكومة والسلطة القضائية وانتشار الفساد الاداري والمالي بحيث لم يشهد تاريخ العراق المعاصر اسوء من هذه الاوضاع،وعليه وفقا لمبدأ اعلان الدولة سيحرص الاقليم على ديمومة الاستقرار الامني والسياسي وسيادة القانون والحرية الفردية وتطبيق بنود لوائح حقوق الانسان لكي يظهر الكورد في صورة حضارية انسانية متطورة امام الحكومات العالمية لتنال رضى الدول العظمى المهيمنة على السياسة الدولية،ومن هذا المنطلق ستقضي على كل فتنة من هذا القبيل وتبتر جذورها على الفور.
سادسا:نجح الاقليم وبرهن للعالم على انه قادر على تطبيق الديمقراطية واستقلالية القضاء  بشكل افضل من الدول المجاورة والحكومة المركزية،وهذه تساعد على انتشار المفاهيم الانسانية وقبول الاخر على ماهو عليه لاكما يجب.
سابعا :ان الاحزاب المعارضة في الاقليم لاتستند على ارضية جماهيرية واسعة وبما فيها الاحزاب الدينية مقارنة بالحزبين الكبيرين في الاقليم واللذان يمتازان بفلسفتهما العلمانية والصدى الجماهيري الواسع ،وعليه فان تأثير الاحزاب المعارضة على الجماهير الكوردية شبه معدوم،فسوف لن تنجح اية محاولة من قبل الاحزاب الدينية المعارضة لزعزعة الامن والاستقلرار .
ثامنا :لااتوقع من الكورد ان يتجاهلوا دور المسيحيين في الثورة الكوردية منذ انطلاقها ولحد الان ،فهم تعرضوا الى ما تعرض له الكورد من الاضطهاد والتشريد وسلب الحقوق ،وهم ايضا حملوا السلاح الى جانبهم للدفاع عن االثورة الكوردية.
تاسعا:ليس من صالح الاقليم ان تستمر الاضطرابات فيه ،وفقدان الامن والطمأنينة،لانها ستكون عائقا للاستثمار الاقتصادي من قبل الشركات الاجنبية التي لاتستطيع ابرام عقودها في الاقليم في جو يتسم بفقدان الامن والاستقرار,وعليه ستسرع حكومة الاقليم الى القضاء على مثل هذه الحوادث.
عاشرا:الاهم من كل ماذكرت هو ان عملية تعرض الكورد الى الاضطهاد والغبن وسلب الحقوق والممارسات اللاانسانية التي وقعت عليهم تاريخيا من قبل الاكثرية من العرب والفرس والاتراك ومحاولة امحاء هويتهم القومية ،ستكون كل هذه الاوضاع عاملا مؤثرا ومنبها لسلوكهم لكي لايتخذوا نفس المواقف تجاه الاخرين الاقلية في الاقليم تلك الاقلية التي تعد السكان الاصليين للاقليم.       
         

You may also like...