استنكارٌ و شجبٌ و تظاهرٌ، ثم ماذا بعد ذلك؟

منذ سبع سنوات و معانات شعبنا المسيحي في العراق في استمرار و تزايد ، هذه المعاناة شملت القتل و الخطف و الإغتصاب و التهجير و تفجير الكنائس و ذبح رجال الدين ، و آخرها تلك التي نفذت بحق طلابنا الجامعيين العزل من بلدة قرقوش وهي تفجير ثلاثة حافلات كانت تنقلهم من بيوتهم الى جامعة الموصل، و التي راح ضحيتها عدد من الشهداء وحوالي مائتا جريح.
و بعد كل حادثة اجرامية من الحوادث المذكورة اعلاه ، تمتليء المواقع الألكترونية بالإستنكارات و الإدانات من قبل احزابنا السياسية و مؤسساتنا القومية و المدنية المختلفة ، من جمعيات و اتحادات و اندية و غيرها ، بالإضافة الى الشخصيات الدينية و الكتاب و المثقفين. كما نرى خروج الآلاف من ابناء شعبنا في مظاهرات في بلداتنا في العراق و في بعض عواصم الدول الغربية تندد بهذه الأعمال الإجرامية.
هذه الإستنكارات و التظاهرات ربما تعبر عن ما في صدورنا من الم و حسرة تجاه معانات ابناء شعبنا في هذه الظروف العصيبة ، وقد تساهم في مواساة ذوي الضحايا الأبرياء و تخفف من آلامهم و أحزانهم ، الاّ انها بالتأكيد ليست الحل لوقف العنف و الإجرام ضد ابناء شعبنا المسالم، ولا هي الوسيلة لصد المجرمين عن ممارسة أفعالهم الشنيعة و معاقبتهم عليها ، بل ربما تصبح رسالة للإرهابيين و القتلة على نجاح مخططاتهم الاجرامية و الإستمتاع بها بقدر ما يحملون في رؤوسهم من عقول عفنة و افكار آسنة.

وسط هذه الهجمات الوحشية المتعاقبة على المسيحيين العراقيين و سكانه الأصليين ، و التي قد تكون خلفها اكثر من طرف أو جهة ، و وسط غياب الأمن و القانون في العراق ، وانشغال الحكومة و الأحزاب المتنفذة بمصالحها الحزبية و الطائفية ، فإذا كان المواطن المسيحي لا حول ولا قوة له سوى التعبير عن معاناته بالإستنكار و التظاهرات السلمية ، فإن على قادته السياسيين تقع مسؤولية ايجاد وسيلة لإخراجه من هذه المعانات ، و هؤلاء القادة يجب ان لا يكتفوا هم أيضاً بالشجب و الاستنكار ، و انما هم مطالبون بالعمل الجدي نحو تدويل قضية شعبهم من أجل توفير الحماية الدولية لمن تبقى من المسيحيين العراقيين، و المطالبة ايضاً بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبت بحقهم.
و هنا أود الإشارة الى ان السياسيين المسيحيين الذين يدعون بإمتلاكهم لوثائق مهمة حول المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المسيحيين، ولديهم أدلة حول تورط جهة او جهات معينة في هذه الجرائم ، يجب ان لا يضعوا رؤسهم في الرمال كما تفعل النعامة ، ولا يحتفظوا بهذه الوثائق الى ان تتخمر، و انما عليهم الكشف عنها بكل شجاعة، ثم تقديمها اليوم قبل الغد الى القضاء الدولي لكي ينال مرتكبي هذه الجرائم جزائهم العادل ، و بعكسه فإن الذي يتستر على المجرمين و القتلة و الجهات التي تقف خلفهم ، اقل ما يوصف به هو الخيانة لشعبه المسيحي ولدماء شهدائه ولوطنه العراق.
ان تدويل المسيحيين العراقيين لقضيتهم هو حق شرعي لهم ، بل هو الحل الأوحد و الأخير لهذا الشعب المسالم للخروج من هذه الأزمة القاتلة ، التي لو تركت دون حل و استمر الوضع على ما هو عليه ، سنشهد حتماً هجرة جماعية أخيرة تسد الستار عن الوجود المسيحي في بلادهم و بلاد اجدادهم العراق.

فبعد معانات المسيحيين في جنوب و وسط العراق ، وهجرتهم الى حيث قراهم و قرى أجدادهم في محافظة نينوى و دهوك و اربيل ، نجد بأن الظلاميين و القتلة بدأوا بتوجيه حقدهم الى البلدات المسيحية في سهل نينوى. لذا فالحل الأمثل هو ان تستلم القوات الدولية فقط مسؤولية حماية منطقة سهل نينوى الى ان يستقر وضع العراق الأمني ، و ان تتشكل في الوقت عينه محكمة خاصة للتحقيق في الجهات التي تقف وراء هذه الأعمال الإجرامية ، و خاصة العملية الإجرامية الأخيرة التي ارتكبت بحق طلابنا الجامعيين يوم 2/5/2010 ، و التي كان موقعها بين نقطتين للتفتيش! .
الا يستحق الأمر التحقق من كيفية وصول السيارات المفخخة الى هذه المنطقة المحصنة؟.

المسيحيون العراقيون ليسوا أقل معانات من الشعوب الأخرى التي تدخّل المجتمع الدولي و مجلس الأمن لمساعدتها ، كما حدث في دارفور ولبنان و تيمور الشرقية .
لذا فإن السياسيين المسيحيين ، وكذلك البرلمانيين المسيحيين في بغداد و اقليم كردستان ، و اعضاء مجالس المحافظات ، هم أول المطالبين بالتحرك و بسرعة بهذا الإتجاه لإنقاذ ابناء شعبنا الذي اعطاهم ثقته ، و بعكسه فإن أية جهة أخرى خارجية غير مستعدة للدفاع عنّا ما لم نكن نحن أول المدافعين عن أنفسنا.

سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *