اختراق الفكر القومي الكلداني من قبل الحزب الآشوري .. كيف ولماذا ؟

 

habeebtomi@yahoo.no 

 

الحزب الآشوري كان له بدايات ضعيفة في تضاعيف اواسط القرن الماضي ، وكان وجوده محصوراً في المساحات التي يتواجد فيها الآشوريون المنتشرون في ارجاء المعمورة ، وبشكل مكثف في اميركا واستراليا  بعد ان عصف بهم الدهر وهجروا مناطقهم في معاقلهم في جبال هكاري وأروميا ، وكانت محطتهم الأولى في العراق ، ومن ثم الى بلاد المهجر ، إن هذا الواقع قد دفع بهذا القوم الى تشكيلات عائلية وعشائرية ولكن بعد عقود ستتطور تلك التجمعات الى تنظيمات للمجتمع المدني ومن ثم الى احزاب قومية سياسية .

 سوف تبقى هذه التنظيمات اسيرة التقوقع والمحدودية في جسمها التنظيمي وفي خطابها القومي الآشوري الى ان  تتبلور تنظيمات قومية سياسية تمزق شرنقتها الآشورية وتعكف على التدثر بغطاء الآصرة الدينية  المسيحية . وكان الرائد في هذا التوجه هو حزب الزوعا حيث أدرك هذا الحزب ومن ومن بعده تنظيمات اشورية أخرى بأن حراكهم سيبقى مشلولاً مع استمرارية التقوقع ، فكانت المبادرة للأنفتاح واحتواء الآخر  . وقرر هذا الحزب بحدسه بأن شعبنا الكلداني يمثل خير خزين للتوجه نحوه ، فهذا الشعب مستقر في وطنه العراقي دون مشاكل وهو يعتز بهويته الكلدانية فكان لا بد من الألتفاف عليه بخلق جسر مبني على تسمية هجينة قطارية ليس لها مثيل في التاريخ ولا في الخريطة الأثنوغرافية لشعوب الأرض او على الكواكب الأخرى إن كان هنالك حياة .

 الحركة الديمقراطية الآشورية تمجد الهوية الآشورية وتأسيسها يرتكز على الفكر القومي الآشوري ، لكنها من باب تسييس الفكر القومي ، استسهلت تمرير النظرية الميكافيلية في ان الغاية تبرر الوسيلة ، فاخترعت كذبة مفادها ان الكلدانية عبارة عن مذهب كنسي ، ولم يحاول احد نفي هذه الكذبة الشنيعة ، في وقت ان الكل يعلم بعدم وجود مذهب كنسي مسيحي بهذا الأسم ، فالمذاهب الكنسية ، هي النسطوري والالكاثوليكي والبروتستانتي والأرثوذكسي ،وكان الشعب الكلداني المعتنق  للمسيحية في العراق على مدى قرون يلقب بواحداً من الألقاب :

اولاً : الكلدان النصارى .

 ثانياً : النساطرة الكلدان .

 وفي كلا التسميتين هناك إشارة واضحة الى هوية قومية كلدانيــة اصيلة، إن كان بالنسبة الى معتنقي الدين المسيحي : الكلدان النصارى أو معتنقي المذهب النسطوري من الأمة الكلدانية .

، وهكذا كانت انطلاقة الحركة الديمقراطية الآشورية ، في الأحتفاظ  باهدافها الآشورية المتزمتة ، لكنها رفعت شعارات مرحلية لاستيعاب هذا المكون فأوجدت شعار يعتبر جذاباً في مسألة التوحيد فكان الكلدآشوري . الجدير بالذكر ثمة منظمة اتحاد الطلبة والشبيبة الكلدوآشوري تابع للزوعا ، وهنالك منظمة كلدوآشور التابعة للحزب الشيوعي العراقي ، فهذا الأسم تغدق به الزوعا لشعبنا الكلداني وهي تحتفظ بتسميتها الآشورية وبفضائيتها الآشورية فهل هنالك نفاق وكذب ودجل اكثر من ذلك ؟

لماذا تحتفظون باسمكم الآشوري ؟

 وإن تمسك الكلدان باسمهم الكلداني فهم مقسمي الأمة وممزقي الوحدة القومية ، فهل هنالك اكبر من هذا النفاق في وضح النهار ؟

اما القطب الآخر الآخر وهو المجلس الشعبي ، الذي دأب منذ اليوم الأول لتأسيسه الى تمجيد كل ما هو آشوري وتمزيق كل ما اسمه كلداني ، فنبدأ بالكنيسة التي اغدق عليها الأموال بشكل يبدو انه مدروس فعند توزيع الأموال بشكل انفرادي لهذا القس او ذاك المطران ، بمنأى عن مركزية المؤسسة الكنسية المتمثلة بالبطريرك ، حيث كان ينبغي ان تمنح تلك الأموال للكنيسة حتى لو كان من خلال لجنة من التكنوقراط ، والكنيسة كانت تعرف بما هو الأهم ومن ثم المهم في صرف تلك الأموال ، لكن المجلس وزع الأموال للابرشيات فكان الأستقلال الذاتي لتلك الأبرشيات ولم يعد يهمها الأوامر المركزية وهكذا نرى هذا الأنحلال في جسم الكنيسة الكاثوليكية لشعبنا الكلداني ،وسببه يعود بكثير من جوانبه الى تصرف المجلس الشعبي بشكل متعمد او غير متعمد فالنتيجة كانت واحدة وهي تمزيق مؤسسة الكنيسة ليس اكثر .

سيكون من المفيد هنا ان نقتبس شيئاً من كتاب ” المسيحيون واليهود في التاريخ الأسلامي ” تأليف فيليب فارج ويوسف كرباج ، ترجمة بشير السباعي ص 278 وهو يتكلم عن الظروف بعد 1965 حيث الهجرة من الشمال الى بغداد بسبب ظروف الحرب المحيطة في المنطقة حيث ورد :

((( .. إن نصف المسيحيين سوف يرحلون في اقل من عشرين سنة عن محافظتي نينوى ( الموصل )    ودهوك متجهين الى العاصمة حيث تتجمع في عام 1965 نسبة 51%  ( ملاحظة : مسيحيي بغداد سنة 1947 كان 37059 نسمة ليرتفع هذا الرقم الى 127140 نسمة سنة 1965 ) . ويستطرد نفس المصدر يقول : إما الآشوريين النساطرة فسوف يعانون خلال فترة ما بين الحربين من المهانات على ايدي الأتراك كما على ايدي العراقيين ، فالنساطرة الذين انحازوا الى الروس والحلفاء في سنة 1914 ـ 1918 قد قدموا بعد ذلك يد العون الى سلطة الأنتداب البريطانية سعياً الى الحفاظ على نظام تزعزعه الأنتفاضات الشيعية والكردية بشكل متواصل ، يجدون انفسهم ملزمين بتقديم الحساب للسلطات الجديدة ، وإذ يتعرضون للمذابح .. فإنهم يشقون طريقهم الى المنفى …

 ويستطرد نفس الصدر الى القول  :

 أما الكلدانيون فإنهم لا يتعرضون لمثل هذا المصير ، لكنهم يتركون هذه المنطقة التي تتميز بانعدام الأمن متجهين الى الأستقرار في بغداد ))) انتهى الأقتباس .

إن هذا الواقع هو دليل على عدم انتعاش الحزب الآشوري على الساحة العراقية إلا بعد نيسان 2003 فيمكن الزعم ان هذا الحزب كان منتعشاً في دول المهجر فحسب ، لكن بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي ، لم يكتف هذا الرجل بمنح السلطة للحزب الآشوري ، لكنه إهمل متعمداً الحزب الكلداني ، فكان السبب رجحان كفة المعادلة لصالح الحزب الآشوري . وهذا الحزب لم يصدق نفسه من النعم المنهالة اليه من السماء من سلطة وثروة ووسائل اعلام فدأب يستخدمها مبكراً لتقويض وتدمير اي فكر قومي كلداني او سرياني والى اليوم هو ماض في هذا الطريق متسلحاً بتلك الأمكانيات .

وظّف هذا الحزب ماكنته الأعلامية وأمواله التي هي اساساً لمساعدة المسيحيين وليس لدفن الفكر القومي الكلداني ، لكنهم مرروا خرافة مفادها ان اي دعوة لقومية كلدانية هي مدعاة لتمزيق الوحدة القومية ولتمزيق صفوف المسيحيين في العراق ، وهكذا انطلت هذه اللعبة الشنيعة على كثير من أبناء شعبنا الكلداني بحيث باتوا يخشون من المجاهرة بفكرهم الكلداني خوفاً على معيشتهم او لتجنب غضب الحزب الآشوري المسيطر .

 وليس ثمة فرق بين الزوعا والمجلس الشعبي في هذا المجال ، إنهما صنوان يتناكفان لمحاربة الكلدانية فالزوعا تاريخها في هذا المجال معروف وقرينها المجلس الشعبي يحاول بكل الطرق بما فيها الألتفاف على المنظمات الكلدانية فيحاول تفريغها من محتواها القومي الكلداني ، ولسنا بحاجة الى  سرد الأمثلة .

إن الحزبان التؤمان لا يقبلان باي نقد ، وكل صوت قومي كلداني يعمل لتمزيق الأمة ، بل لا يقبلون باية مبادرة كلدانيـــة للتقارب والتعاون ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ناشدنا الأخوة في منظمة الزوعا في النرويج بأن نقوم بفعالية مشتركة لاستنكار الأعتداءات التي طالت المكون المسيحي في الموصل . فجوبهنا بغضب من هذه المنظمة ، فنشروا رسالة غاضبة عكست فكرهم الأقصائي ، ومن ذلك اليوم فإنهم قد زعلوا ونظمو ا مقاطعة حتى على سلامنا ، رغم انهم من اصدقائنا الأعزاء . فهل وصل الحزب الآشوري بموقع لا يستطيع احد ان يخاطبهم ؟

 إن هذه العقلية التفوقية الأقصائية متغلغلة في الفكر الآشوري لكل ما هو كلداني ، فهم المناضلين وغيرهم خونة . إن ماكنة الأعلام الآشوري قد قطعت شوطاً من النجاح في تمرير هذا الزعم ، وتمكنوا من اختراق الفكر القومي الكلداني وتحييده  في مفاصل كثيرة ، فالمحصلة عندهم ان الفكر القومي الكلداني يعمل على تمزيق الأمة في حين يباركون الفكر القومي الآشوري مهما بلغ من التعصب والأقصاء والتزمت .

ولا بد من القول إن شعبنا الكلداني قد وعى لهذا الفخ ، ودأبت في الآونة الأخيرة اصوات كثيرة تكسر جدار الصمت ، وتتجاوز حاجز الخوف ولم تعد الخشية تجبرهم الى السير بجانب الحائط ، وها نحن  نقرأ كتابات بأقلام حرة تسطر كلاماً منصفاً بحق الشعب الكلداني إنهم يجاهرون وبأعلى الأصوات :  فالتحيا قوميتنا الكلدانية ، وسوف تحيا بفضل ابنائها الحريصين على ديمومتها على التراب العراقي .

 حبيب تومي / اوسلو في 20 / 06 / 10

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *