احداث آب في ذكراها ال20 في الاتحاد السوفياتي وتداعياتها الداخلية والدولية(5)

الولايات المتحدة الامريكية في ظل النظام الدولي الجديد أعطت أولوية في سياستها الخارجية للقوة في تنفيذ مشاريعها التوسعية في العالم ومنها اسقاط الانظمة من خلال اعمال عسكرية وفق استراتيجية جديدة وقد دشنت ذلك في إفغانستان والعراق . وهذه السياسة هي من وجهة نظري تعني فرض مرجعية جديدة في العلاقات الدولية في ظل العولمة الرأسمالية وأداتها العسكرية حلف شمال الأطلسي , ولنتوقف عند تجليات هذه السياسة في العراق وفي منطقة الشرق الاوسط .

احتلال العراق من اهم التداعيات الدولية لانهيار الاتحاد السوفياتي :

في سابقة دولية خطيرة وفي أجواء داخلية وإقليمية ودولية مختل فيها التوازن لصالح الولايات المتحدة الأميركية فقد أدارت الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة مع العراق بالتخبط والأضطراب والتفرد في إتخاذ القرارات . فبعد أن كانت تبرر الضربات الجوية والحصار المفروض على الشعب بذريعة فرض إحترام الشرعية الدولية التي جسدتها قرارات مجلس الأمن ,وفيما يتعلق منها بالقضاء على أسلحة الدمار الشامل وتارة أخرى إنها تصنف عدد من الدول بأنها تشكل ( محور الشر) . وهي بذلك تسعى إلى البحث عن تجاوب عربي وأقليمي ودولي لتمرير سياستها . وفي ظلل هذا الوضع الدولي المضطرب وغير المستقروغياب التوازن, لقد تفردت وبدون العودة ثانية إلى مجلس الأمن لوجود معارضة من روسيا والصين وحتى دول في حلف الناتو مثل فرنسا وألمانيا .وأقامت تحالف مصغر مع بريطانيا وإشراك رمزي من بعض الدول وشنت الحرب على العراق في 20-3-2003 وأسقطت النظام في 9-4-2003 وإحتلت البلد . إن إسقاط نظام دكتاتوري يمارس البطش والعنف ضد الشعب هو شأن داخلي يضطلع به الشعب والجيش , أما شن الحرب وغزو البلد وإحتلاله بأسم الشرعية الدولية فهو يعتبرعدوان على قواعد القانون الدولي وضد ميثاق الأمم المتحدة (لأن الولايات المتحدة لم ترجع إلى مجلس الأمن ثانية عندما إتخذت قرارها بالحرب).  وبعملها هذا إنها أي الولايات المتحدة قد تحولت إلى الحاكم والمرجعية على العالم وجعلت مجلس الأمن والأمم المتحدة تأتي بالدرجة الثانية . وهي بهذا العمل ليس فقط قد همشت مجلس الأمن ومعظم القوى الدولية والتأثير على أدوارها في السياسة الدولية وإنما قد وجهت رسالة إلى القوى الصاعدة وكل دول العالم , أن قراراتها الأستراتيجية لا يمكن إلا أن تنفذ . ((فالحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية ضد دول عديده هي خطوة تنبثق منطقياَ من القرارات التي إتخذها حلف الناتو في دورته التي عقدها في واشنطن عام 1999 . إذ بدأ في أعقاب ذلك تحطيم النظام الدولي الذي قام في أعقاب مؤتمر يالطا , والأخلال بكامل توازن القوى الذي نشأ في العالم بعد الحرب , وهذا يعني إلغاء الدور القيادي الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بصفتهما الجهتين الضامنتين لهذا النظام )) ([1]) .

بعد سقوط النظام الدكتاتوري من خلال الحرب حلت الفوضى محل الديمقراطية الموعودة :

صحيح أن النظام  قد إنهار وسقط وتحرر الشعب العراقي من قمعه وظلمة وبطشه وحروبه .لكن تطور الأحداث في العراق تؤكد أنه منذ ذلك التأريخ احتلال العراق في 9-4-2003 الى هذه اللحظة عام 2011 والشعب العراقي يعيش حالة مخاض عسيرة ويمر في ظروف وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية غاية في التعقيد والخطورة والتي هي بلا شك ناتجة عن خيار الحرب والتدخل العسكري والأحتلال وإستحقاقاته . من خلال النظر إلى الأستراتيجية الأمريكية الجديدة وبالمعاينة إلى واقع الأحداث في العراق نجد ان ما يحصل في العراق هوتطبيق عملي لنظرية (الفوضى الخلاقه ) التي اوجدتها السياسة النيوليبرالية . صحيح أن النظام قد تغير بأعتباره هدف رئيسي للهجوم العسكري الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية , ولكن الذي تم بالفعل هو تحطيم وهدم الدولة العراقية وحل الجيش , والفراغ الذي حصل يؤكد ذلك ولم يملؤه سوى الفوضى . ان قوى الأحتلال العسكري وقوى الأرهاب و المحاصصة الطائفية والقومية والتدخلات الأقليمية هي وراء هذه الفوضى . وان الديمقراطية الامريكية الموعودة والتي طبلت لها القوى المستفيدة من الحرب , وهي قوى المحاصصة الطائفية والقومية ماهي الا سراب وشعارات تسويقية وتضليل اعلامي .

بالنظر للواقع العراقي يمكن معاينة ومعرفة نتائج الاحتلال :

شكل الاحتلال مخاطر جسيمة للشعب والوطن : منها هيئ الاحتلال بيئه للارهاب وساعد على نمو الجماعات المتطرفة المسلحة وغذى العنف الطائفي والديني . وزاد من التدخل الاقليمي المفرط في شؤون البلد الداخلية بما يخدم مصالح الدول الاقليمية بحجة حماية أمن حدودها.والتدخل في شؤون البلد الداخلية يعد تقييداَ لحريته وإعتداء على سيادته واستقلاله .ومن نتائج الاحتلال ايضاَ هوسيادة ظاهرة الميليشيات وعصابات المافية والسطو والاغتيال والتصفيات الجسدية وتهريب الاسلحة والمخدرات وعدم سيطرة الدولة على الحدود . وبروز ظاهرة الهجرة والنزوح واللجوء إلى دول أخرى . مع ضعف واضح في اداء الحكومات المتعاقية في ضعف توفير الخدمات لأبناء الشعب وغياب فرص العمل وزيادة الحرمان وغياب العدالة في توزيع الدخل وضعف عمليات التنمية والأعماروفقدان الامن والاستقرار مع ضعف الحكومة في فرض سلطة القانون . وانتج لنا الاحتلال حكومات قائمة على المحاصصة الطائفية والقومية ليس فقط إنها خلقت صعوبات بل ان هذه المحاصصة وضعت عراقيل قوية أمام بناء الدولة العراقية الجديدة الدولة الديمقراطية العصرية .وانهمكت هذه القوى في الصراع على السلطة و الموارد والمصالح الذاتية . مما ادى الى إستشراء الفساد وغياب الأستثمار, مع تدميرالبنية التحتية لدرجة وصول البلد لحالة الانهيار الاقتصادي واستمرار الازمة السياسية بدون حل  دستوري وقانوني .  وهذا سبب يجعل البلاد معرضة لدورات العنف وعدم الأستقرار . وان قوى المحاصصة الطائفية والقومية بسبب صراعاتهاعلى السلطة السياسية ومصالحها الفئوية , قد همشت الدستور وصادرت الحقوق والحريات الديمقراطية مع غياب حقوق الانسان ,وكأن البديل عن النظام الدكتاتوري هو إعادة توزيع للسلطات بين الطوائف .

من المسؤول عن احتلال العراق :

اولا:النظام الدكتاتوري بأسم السيادة الوطنية فقد حكم العراق لعقود طويلة بالحديد والنار ,وإرتكب مجازربحق الشعب وإنتهاكات لحقوق الأنسان من إضطهاد لحقوق القوميات الأثنية والاحزاب السياسية . الى الحروب مع دول الجوار ومنها احتلال دولة الكويت وما نتج عن هذه المغامرة  من ضحايا بشرية وعقوبات فرضت على البلد منها حصار اقتصادي لمدة 12 عام , علماَ ان النظام الدكتاتوري لم يكن نظاماَ شرعياَ فقد جاء الى السلطة بوسائل غير شرعية من خلال انقلاب عسكري . وبدعم وتشجيع في حالات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الحرب الباردة ,فقد مارس النظام الدكتاتوري سياسة القوة والعنف والقسوة بحق المعارضين والخصوم السياسيين وصادر الحريات والحقوق وحول البلد الى سجن كبير ومارس عمليات الابادة الجماعية . النظام من خلال قمعه لشعبه وسياسته الخارجية العدوانية وسلوكة الاستفزازي في التعامل مع بعض الأزمات التي خضعت للتدويل , والتي على ضوئها صدرت قرارات بأسم الشرعية الدولية ,هذا السلوك هيئ أرضية لعزلته الدولية و فسح المجال للتدخل في شؤون البلد الداخلية , فكان احتلال البلد هو نتيجة لسياسات النظام الخاطئة وسلوكه الاستفزازي المدان .

ثانياَ: الاحزاب السياسية ( قوى المحاصصة الطائفية والقومية) التي تقود البلد الآن هي تتحمل مسؤولية الاحتلال ايضاَ . في فترة النضال ضد الدكتاتورية برز اتجاهان الاتجاه الاول كان يقوده الحزب الشيوعي العراقي حيث كان يدعوا الى ان عملية التغيير ان تتم من الداخل من خلال تحالف واسع لتعبأة الشعب واشراك القوات المسلحة في عملية التغيير. مع الحصول على دعم وتضامن دولي سياسي واعلامي من المجتمع الدولي والتوجه للامم المتحدة لمطالبتها برفع الحصار عن الشعب العراقي وحماية حقوق الانسان بوسائل غير عسكرية .الاتجاه الثاني الذي ضم كل قوى المحاصصة الطائفية والقومية حيث ان هذه القوى في الغالب هي مع خيار التدخل العسكري الخارجي . فبدلاَ من ان تتوجه هذه القوى ذات الخطاب السياسي المزدوج الى الامم المتحدة ومجلس الامن فقد اختارت التوجه الى الولايات المتحدة الامريكية وطالبوها بالتحرك العسكري لاسقاط النظام وبعضهم قدم معلومات استخباراتية للولايات المتحدة واعتبروها انها زعيمة العالم وانها الحاكم المطلق الصلاحيات في العالم , والقادر على حل الازمات الداخلية بدلاَ من الامم المتحدة ومجلس الامن . وقبل غزو العراق خولت الولايات المتحدة الامريكية نفسها الحق في سن قانون بما يسمى ( قانون تحرير العراق ) . الحزب الشيوعي العراقي أدان هذا القرار بأعتباره  مصادرة لحق الشعب ونضال احزابة الوطنية في تقرير مصائربلدهم الداخلية وتغيير النظام الدكتاتوري الاستبدادي داخلياَ من خلال الخيار الوطني الديمقراطي . الا ان قوى المحاصصة الطائفية والقومية زمرت وطبلت لهذا القرار وكان هذا هو بداية ارتهانها للمشروع الامريكي . ان هذه القوى هي حقاَ تشكل قوى الاحتلال الامريكي في العراق فخدعت نفسها وخدعت جماهيرها بترويجها للمشروع الامريكي بأنه يحقق الديمقراطية ويضمن حقوق الانسان والحريات العامة في العراق . ولكن الواقع اكد انها شعارات تضليلية وما عرفه الشعب من هذه القوى هو صراعها على مصالحها الذاتية وكل ممارساتها هي انتهاك للحقوق والحريات وبناء سلطة محاصصات وطوائف بدلاَ من بناء دولة مدنية ديمقراطية .في حين نرى ان الاستنتاج الذي خرج به الاتجاه الاول الذي مثله الحزب الشيوعي العراقي حيث اعلن قبل الاحتلال بان التدخل العسكري الخارجي سوف لن يجلب الديمقراطية التي يريدها الشعب ووقف مع هذا الراي كافة قوى اليسار والديمقراطية واكدت تجربة العراق صحة هذا الراي .

ثالثاَ : في ظل الأحادية القطبية في النظام الدولي الجديد . مارست الولايات المتحدة الأميركية دورزعيمة العالم من خلال إحتكارها للقوة العسكرية والأقتصادية والتكنولوجية والأعلامية والدبلوماسية , وإستخدامها لهذه القوة في العلاقات الدولية . نتيجة إنهيار التوازن الأستراتيجي في غياب الأقطاب الأخرى والتحرك بأسم القانون الدولي . أن الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية لقد أعطت أولوية للقوة في تنفيذ مشاريعها التوسعية في العالم واحتلال دول وخلق ذرائع لأعمالها العدوانية .

احد اهم اخطر نتائج الاحتلال هو خصخصة الامن :

في ظل النظام الدولي الجديد نظام العولمة الامريكية كل شيئ يخضع لعمليات الخصخصة بما فيها المجال الامني وخصخصة امن المواطن . وتجسد ذلك في الواقع العراقي بعد الاحتلال حيث ظهرت شركات الحماية الامنية , بعد ان انتشرت في البدأ في القارة الافريقية . ان شركات الأمن الخاصة تلعب دوراَمهماَ في تنفيذ السياسات الجيوسياسية لدولة الاحتلال او الدول المالكة لهذه الشركات المتعددة الجنسية الاسباب عديدة ومنها على سبيل المثال . عند حل الجيش كما حصل في العراق قامت هذه الشركات الامنية بحماية ودعم قادة الكتل التي افترست الدولة العراقية بعد الاحتلال وبلا شك امريكا كانت ولا تزال تعول على هذه الكتل لاجل دعمها واسنادها وحمايتها لضمان مصالحها في العراق والمنطقة . وهناك اسباب اخرى منها هو من خلال هذه الشركات الامنية تضمن دولة الاحتلال والدول المالكة للشركات في التدخل في شؤون البلد والاستمرارفي بيع السلاح من خلال عقود للتدريب والتسليح , وما يهم هذه الشركات هو ان يبقى البلد غير مستقر وان الامن منفلت فيه لتمارس هي دورها . واهم شركات الامن المنتشره في العالم اضافة للشركات الامريكية فهناك شركات امن بريطانية وفرنسية واسرائيلية ومن جنوب افريقيا. في العراق بعد الأحتلال في عام 2003 دخلت هذه الشركات في عقود في بغداد من أجل الحماية . ومنها شركة (Black Water) وأن هذه الشركات لاتحترم حقوق الأنسان ولا القانون الدولي ((حيث قام بعض أفراد هذه الشركة في يوم 17-9-2007 على إطلاق النار على مواطنين في ساحة النسور ببغداد وقتلت 17 مواطن وأصيب 30 بجراح))([2]). ومن وجهة نظري يمكن القول أن شركة ( بلاك ووتر) انها تعد أحد أدوات الجبيش الامريكي وال CIA وحلف الناتوفي العراق , لهذا لها وضع خاص لأن أفرادها أشبه مالديهم حصانة وعدم المثول أمام القضاء العراقي , وقد أحيل 5 من عناصر الشركة للمحاكمة في الولايات المتحدة . والأخطر من ذلك فأن تواجد هذه الشركات وتحركها بحرية يعد إنتهاكاُ لمبدأ سيادة الدولة العراقية وهذا بلا شك بموافقة كتل المحاصصة الطائفية والقومية . كما أن خصخصة الأمن بهذه الطريقة يكون عاملاُلأثارة الصراعات الداخلية في ظل غياب الاستقرار وغياب القانون . والاخطر من ذلك بوجود هذه الشركات الامنية قد أسست هذه الكتل ميليشيات مسلحة لها مع عجز الحكومة على حل هذه الميليشيات الى الآن بسبب المحاصصات الطائفية وهذا اخطر ما يواجة امن المواطن العراقي وضمان حقوقة وحرياته التي ضمنها الدستور . أن شركات الأمن قد ظهرت في هذه البيئة الجديدة للنظام الدولي الذي يسود فيه نظام القطب الواحد والعولمة الامريكية واحتكاراتها الاقتصادية المتعددة الجنسية العابرة للقارات .

( يتبع)

25-9-2011

 

You may also like...