إطلبوا أولاً كاهنَ الله! وهـذا المطران وذلك الـﭙطرَك يُعطى لكم -الحلقة الثانية-

إنّ فـكـرة الـزعامة والـقائـد والرئاسة والمَلِـك وجـميع مناصب المسؤولية العامة ليست حـديثة العـهـد ولا هي طارئة عـلى الـبشرية وإنما جاءت ضرورة إجـتماعـية منـذ قـديم الـزمان وهي من علامات تـطـوّر الـفـكـر الـبشري بعـد مرحـلة المشاعة سـواءاً كانت نـوعـية هـذه القـيادة أو عـدد عـناصرها تـتمثـل في فـردية (الـزعـيم يحـكم المجـلس الـوطـني) أو في مجـموعة (المجـلس الـوطـني تحـت حـكم الـزعـيم) فالحاجة إلى الـزعامة واردة ومنـطـقـية، ولكـن الـيوم أصبحـتْ قـيادة الشعـب مهمة صعـبة لأن أبناءه صاروا كـلهم قادة في وعـيهم وثـقافـتهم فـمَن يتجـرّأ عـلى قـيادتهم؟ لـقـد أجاد ديـﮔـول/فـرنسا حـين أضاف بُـعـداً آخـراً إلى هـذه المسألة حـين قال: كـيف يمكـن لرجـل واحـد أن يحـكـم شعـباً يأكـل أكـثر من مائـتين نـوع من الجـبن! وهـنا تكـمن العـلة الكـبرى.

في الماضي كان الـوالي وكـهـنة المعابـد يـفـرضون سـلطـتهم عـلى المجـتمع المتخـلف بسهولة حـين لم يكـن أبناؤه يميِّـزون الـناقة عـن الـبعـير (مقال ساخـر سيأتيكم لاحـقاً!) وفي أيام كانـت العـروس تعـتـقـد أن قـبلة العـريس تجـعـلها حاملاً (سبق أنْ ذكـرتُ هـذا في مقال!) وفي عـهـد كان الكاهـن يـديـر مكـتب وكالة بـيع وإيجار مَنازل ملكـوت السماوات جاهـزة للتسليم وبأسعار تـتـناسب عـكـسياً مع وعي الـناس فـتـدفع أقـساطها عـلى إمتـداد العـمر وحـتى بعـد الممات وبـدون وصولات

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=438781.0!

ولكـن أية منازل! منازل أعـدّها الرب المسيح مجاناً لـنا بعـد أن وافى ثمنها من دمِه الـزاكي المسفـوك عـلى الصلـيب عِـوَضاً عـنا، تلك التي وعـدنا المخـلص بها ليأتي ويأخـذنا إليها حـيث يكـون نـكـون معه جـميعـنا، فـهل يسعـدكم أن نـتغابى أمامكم اليوم أيها السادة الـزعـماء ونحـن في زمن غـزو الـفـضاء؟ وإلاّ سنسألكم أين سـنـدات الـطاﭙـو والقـروض والديون والأختام والخـزعـبلات لـتلك المنازل! …. إصحـوا عـلى أنـفـسكم وكـونوا حـكـماء كالحـيات وودعاء كالحَـمام لـتـكـسـبوا إلى جانبكم شعـباً واعـياً تـفـتخـرون به في ديـوانـكم، ولا تحـيطـوا أنـفـسكم بنـفاخي كـور الحَـدّاد ومَجـمَرته!

وفي صدد مقالـنا فإن كاهـنـنا ومطرانـنا وﭙـطركـنا كـلـدانيّـون منـتمون إلى ﭙاطـريـركـية بابل عـلى الكـلـدان، فالموضوع إذن مرتبط بشعـبنا الكـلـداني فـنـقـول: نحـن الـيوم شعـبٌ عـلى مركـب في وسط بحـر تـتـقاذفه أمواج المَد والجـزر، فإنْ قـلنا نـنـتـظـر لـيأتي الربُّ ويُـزمجـر ويُـسْـكِـت البحـرَ، قالـوا لـنا لا تجـرّبوا الـرب إلهكم الآن …. وإنْ قـلـنا المجـذاف مضمون عـنـد منـقـذ الأمة أخـونا الجان، قالـوا لـنا خـذوا في الحـسبان أنْ ليس بالخـبز وحـده يحـيا الإنسان …. وإنْ قـلنا نـتـرك مركـبنا ونـقـفـز إلى سـفـينة يرفـرف شراعـها فـنحـتل بها البحار وأمواجها، قالـوا لـنا كـلـُّـنا سـمعان نصمـد ونصبـر ونبحـر حـتى نـصل الشطآن ولا نركـب سـفـينة الجـيران! ….. فـقـلـنا بالله آمنا، إنّ غـداً لِـناظـره لـَـقـريـب مِنا ولا بـد من مسعـف لمركـبنا ومجـيـب لـنـدائـنا.

يعـلم شعـبنا الكـلـداني بأن أواصر كـنيستـنا الكاثـوليكـية (ﭙاطـريـركـية بابل عـلى الكـلـدان) في جـيلـنا هـذا بـدأتْ بالإرتخاء بعـد إنـقـضاء عـهـد المرحـوم الـﭙاطـريـرك شـيخـو ليس بسبـب الظروف وإنما بسبب مَن جاء بديلاً عـنه في تلك الظروف، وإنَّ أيَّ تجاهـل للماضي سـيُعـمي الـبصيرة للحاضر فـكـيف بنا للمستـقـبل؟ وأصحاب السيادة مطارنـتـنا الأجلاء عـلى عِـلم بكـل صغـيرة وكـبـيرة بحال كـنيستـنا الكـلـدانية في جـميع أبرشـياتـنا ومَن يـدّعي بأنه لا يعـرف عـن حـيثيات غـيره نقـول له إنها مثـل أبرشـيتـكَ وكـفى! أما آمال شعـبنا الكـلـداني فـليست غـريـبة عـلى مطارنـتـنا الكـرماء وإذا قالـوا لا نعـرف شـيئاً عـنها نـقـول لهم لستم بشيء منها.

الـيوم نحـن بحاجة إلى ﭙاطـريـرك قائـد مثـلما كـنا بحاجة إليه قـبله وسنكـون بحاجة إليه بَعـده، ومشكـلـتـنا ليست في مَن سـيكـون! فـقـد وردَتْ لغة الإحـترام والكـياسة الأدبـية والمجاملة الأخـوية الواضحة عـلى لسان سيادة المطران وردوني حـين قال (كـل المطارنة الـكـلـدان يستحـقـون حـمل إسم ﭙاطـريـرك الكـلـدان)! كـما سـبق أنْ قال سيادة المطران ساكـو أنّ ﭙاطـريـركاً ــ نـص ونـص ــ لا ينـفـعـنا! وهـو صادق في كـلامه هـذا وفـيه يُـذكــِّـر المطارنة بالمَثـل ((لا يُـلـدغ المؤمن من جحـرٍ مرتين)) وفي سنين خـلتْ كان هـناك كاهـن قال: نـريـد ﭙاطـريـركاً يعـرف الـسورث… وهـذا الكاهـن أوّل مَن حـطـَّم السورث! أما من جانب أخـر فإن هـناك أصحاب السيادة مطارنـتـنا الأعـزاء مَن ينادي اليوم هـمساً ويقـول لا نريـد ﭙاطـريـركاً من درب الـتبانة! ولا نـدري مِن أيّ درب يريـدونه، أما نحـن فـطالما ( لـيوخ يالـد راحِ ﮔـنـوتا لسـنا أولاد راحـيل السارقة) دعـونا نـدلي برأينا ونـقـول: لا نريـد ﭙاطـريـركاً من كـوكـب الأرض.

وكـما ذكـرتُ فإن الأزمة ليست في مَن سـيكـون! وإنما الـذي يهـمنا هـو: ماذا سـيكـون هـذا الـﭙاطـريـرك؟ ما هي ستـراتيجـيته وخـططه بشأن كـنيستـنا في إلتـزاماتها الـمسكـونية الـﭬاتيكانية، لـيتـورجـيتها، علاقـتها مع الكـنائس القـريـبة منا، وما هي نـوعـية تـفـكـيره وثـقافـته وموقـفه مع التيارات الكـنسية الحـديثة، تعامله مع المتسرّبـين من كـنيستـنا، رأيه في دَور العـلمانيّـين في المشاركة الفـعـلية جـنباً إلى جـنب الإكـليروس في اللاهـوتيات والإداريات، إلتـزامه بإرشادات قـداسة الحـبر الأعـظم ﭙاﭙا الـﭬاتيكان، ثم هـل يقـتـصر إهـتمامه برعـيته الكـلـدانية عـلى تلبـية حاجاتها الإيمانية وجـمع تبرعاتها الـنـقـدية؟ ماذا ستـكـون تـوصياته إلى الأبرشـيات حـول أمورها المالية والإستـثمارية، هـل سـيفـصح عـن ميزانية الـﭙاطـريـركـية للـرعـية ليحـذو حـذوَه المطارنة بكـل شـفافـية؟ كـيف سـيعالج الإشكالات مع أصحاب السلطة العـراقـية، ماذا ستـكـون علاقة المطارنة بالتـنـظيمات السياسية اللاكـلـدانية؟ ما مصير لـغـتـنا الكـلـدانية؟ وهـنا يأتي السؤال المهم: لو أنّ شخـصاً ﭙـروتستانياً أو إنجـيلياً أراد ترك كـنيسته والإلتحاق بكـنيستـنا الكاثـوليكـية أظن أنَ غـبطـته لا يمانعه، طيب فـكم بالأحـرى يجـب أن يتـلهـف إلى إستـقـبال مطران كاثـوليكـي ﭬاتيكاني يرغـب بالإنـتماء إلى ﭙاطـريـركـية بابل عـلى الكـلـدان مثـل سيادة المطران باوي سـورو الكـلي الـوقار؟

إنّ قائمة من أسـئـلة لا تـنـتهي، تـثيرها تراكـمات سـنين طـويلة من إهـمال وتـقـصير وعـناد وتعـنـتْ وتحـدّي وتـفـرّد وتباهي وتـذمُّـر بالإضافة إلى الـطـمع والـتـزلـف والبخـل …. سـيواجـهـها الـﭙاطـريـرك المقـبل، فـمن سـيكـون بمقـدوره أن يقـف أمامها بكـل حـزم لمعالجـتها؟ وأين هـو ذلك العـريف الـذي يقـود المطارنة في نسق عـلى ساحة العـرضات ويسمعـون إيعازاته ويسيـر بهم في رتـل منـتـظم إلى طـريق الحـق والحـياة؟.

وفي موضوع بعـيد عـن مقالـنا وعـلى عـناد الـيكـرهـون أعـيـد صلاتي متسائلاً هـل من إعـتـراض عـلى أقـوال المسيح:

أيها الرب المسيح: في اليوم الثاني من تـقـديس بـيعـتـك قـلبتَ موائـد الصيارفة وكـراسي باعة الحـمام في الهيكـل…. متى 13:21 مـذكــِّـراً إياهم بأقـوال الأنبـياء إيشعـيا 6:56…. وإيرميا 11:7 فـنحـن نسألك ـ عـن أي صيارفة تـُـكـلِّمُـنا وتغـض النـظر عـن عـشّارينا! وعـن أي نوع من الحَـمام تـنبهـنا والزاجـل خان الأمانة ولم ينـقـل إليك الرسالة! تعال إلى خـيمة إجـتماعـنا لـترى فـيها أسـواقـنا! بقلاواتـنا عـلى المناضـد مفـروشة وشـكـرلماتـنا منقـوشة ومعـجـناتـنا مبروشة وحـلوياتـنا محـفـوشة وعـرفاء الخـفـر بالوشاح الأحـمر يجـمعـون فـلوسها المغـشـوشة، تعال وأنـظـر تلاميـذك صارت عـقـولهم محـشوشة؟.

بقـلم: مايكـل سـيـﭙـي

سـدني ــ 14 / 1 / 2013

 

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *