إطـلـبـوا أولاً كاهـنَ الله ! وهـذا الـمـطـران و ذلك الـﭙطـرَك يُـعـطى لـكـم (الحـلقة الأولى)

تـنـضح المياه صافـية من منابعـها لا من سـواقـيها والمبادىء تـُـقـَـيَّـم بمن يحـياها لا بمدّعـيها ، والقـوانين تــُسَـنّ للأسباب التي تـوجـبها وليس تـرفاً بها . سألتْ أمٌ مربِّـياً قـديراً متى تـبـدأ بتربـية طـفـلتها ؟ فأجابها : عـشرون سنة قـبل ولادتها . إنَّ الـعِـبرة واضحة للـقارىء بل وحـتى الخـيول يُسأل عـن أصلها ومنـشـئها ومربّـيها قـبل المتاجـرة بها وزجِّها في ساحات سِـباقها ولا غـرابة في ذلك ! أليس الرب يقـول : الأثمار الجـيـدة شجـرةٌ جـيدةٌ تـصنعُها ، والمجهـولة من ثمارها نعـرفها ؟ أليس معـنى ذلك إسألـوا عـن أصلها ومنبعـها وجـذورها ثم عـن بـيئـتها وحارثها وساقـيها … ؟

ومَن ينـكـر ذلك نـنـكـره ولن نكـون بحاجة إلى كـرمته ولن نـثـبت فـيها ولا نـنـتـظـر أثـمارها لا هـم يحـزنون ، ولكـنـنا الـيوم في دوّامة ضاعـت فـيها السفـينة وملاّحـوها ، وفي صراعات إنـدثـرتْ معها الـقِـيَم وقادتها ، وفي طاحـونة سحـقـتْ فـيها المبادىء وحامليها ، فأنبَـتـتْ لـنا الأرض أدغال السياسة بـمُروِّجـيها يتخـبَّـط فـيها جهلاؤها ، ولهـذا كـتبتُ قـبل أكـثر من إثـنـتي عـشرة سـنة في جـريـدتـنا عـما كـلـدايا / سـدني مقالاً بعـنوان ( طـيور الـكـناريّ والـزرزور ) جاء فـيه :

يا صاح يا إبن الكـرام ، هـو ذا ناحـوم يطرق التابوت يسـأل أصحاب المقام :

هـل إنـتـكـس النخـيل هـل فـُـرِض اللجام ؟

هـل ذابت الجـبال الشـمّ هـل جَـبُن الهـمام ؟

أيصمت الشـحـرور ، أم سكـت الحـمام ؟

كـيف يهـلهـل الكـناري ويقـبل بالحـطام

وهـو ذو الريش الجـميل فـخـر للعـظام

يـُـغـرّد حـباً كـريماً فـيُخجـل أشباه الـكـرام .

أتـقـبل بزبوزاً وتهجـرالباز اللهام

أتسمع لـبومة وتصُمُّ للنسر الصرام .

ولكن الدهـر يَوْمان أيام وأيام

للباز والنسر والإيمان أيام .

وللبومة والبزبوز والفـلـتان أيام ،

أما حـقَّ للأجـداد أنْ قـالوا عـلى الـدوام ؟

لا تـناموا إستـفـيقـوا فـقـد تغـدر الأيام

ــ بشوپا دْ باز بزبوز ، وبشوپا دْ نشر قـوپـياثه ــ !

( بدلاً من الباز بزبوز ، وعـوَضاً عـن الـنسر ، بومة ) ولكم مني ألف سـلام .

بزبوز = فـرخ الـباز …………… قـوپـياثه = جـمع قـوﭙـتا = بـومة

إن مشكـلة الإنسان عّـبر الـدهـور ليست خارجه بل تـكـمن في ثلاث حاويات تـسبح في شـرايـينه : السـلطة لكـسب المال ، المال للمتعة ، والمتعة تعانق السـلطة في دورة مستمرة ، فـمن ذا الـذي يقاوم جاذبـيَّـتها ويخـرج عـن نـطاقها ؟ يشـتاق العـلماني إلى السـلطة كي يقـتـني المال الـذي به يستمتع في حـياته عـلى الأرض . وهـنا لستُ أقـصـد قـفـزه عـلى السلطة بطرق ملـتـوية كـما فعـل الـبعـض أيام زمان ، ولا إقـتـناءه المال بأساليـب الحـرامية كـما يفـعـل الآخـرون الآن ! ولا لهثه وراء المتعة الممنوعة الجـسـدية فلا تخـلـّـونا نحـﭽـي يا إخـوان ! وإنما أقـصد وصوله إلى مراكـز وظـيفـية وأعـمال مرموقة تجارية تـدرّ عـليه وارداً محـترماً شـريفاً مغـسولاً في الـدوائر الضريـبـية ! يستخـدمه للإستمتاع في حـياته الـيومية ، إنها سُـنـّة الحـياة ولولا دَورتها هـذه الطبـيعـية لـتـوقـفـتْ وتوَقـفَ الإنسان معها كالأصنام الحجـرية .

إن مَهاماً عـظيمة وأهـدافاً راقـية تـنـتـظـر كـل حامل مبدءٍ تـدعـوه إلى ترك صخـب العالم وهـيجان تـطـوّره ليتبع ويتابع رسالـته الحـقة التي دُعيَ إليها بل دعا نـفـسَه بنـفـسِه لأجـلها ، فإذا كان صادقاً عـليه أن يعـرف الحـق أولاً وعـنـدئـذٍ يحـرّره الحـق من دنس إنحـرافها ! وإلاّ فـليتـركها ويركـب حاوياته الثلاث قـبل أن يخـدع نـفـسه ويفـضح أمره ويُـبتـذل إسمه ويحـدث ما لا تـُـحـمَـد عُـقـباه ، وإذا كان قـد فـقـد ماء وجـهه ولم يعُـد يهـمُّه الناسَ الـذين حـوله ! فالأقلام سـتـقـض مضجـعه ويطـول أرقه ، ولـيُـبـدِ شجاعـته ويكـتب ردّه دفاعاً عـن نـفـسه .

إنَّ الكاهـن بكافة درجاته ليس إلهاً وإنما هـو صاحـب رسالة سامية فـوقـأرضية له واجـبات دينية ميَّـزته بهـذه الخاصية ، إخـتار هـذا النهج لحـياته لا مضطـراً ولا مجـبـراً ….. بل مخـيَّـراً واعـياً بإرادته الـكاملة وهـو يـدري بأن من أوّلـيّاته أنْ يتجَـنـَّـب حـب السلطة ويرذل المال ومن ثم لا يتهافـت وراء الـملـذات من مأكـل ومشرب وملبس وأهـمها الجـسـديات ، نعـم إنه إنسان مثـلـنا ولكـنه إنْ لم يخـتـلف عـنا فـكـلـنا كـهـنة ! وعـنـئـذ يصح قـول كاهـنـنا الـقـديم حـين سمعـتُ كـرازته وهـو يقـول ( كـل شيء محـرّم عـليكم محـرم عـلينا ، وكـل شيء مباح لكـم مباح لـنا ! ) بشرفـكم هـذا قـس ؟ . لـقـد نـذر الكاهـن نـفـسه ليـبشِّـر ويتـلمـذ ويخـدم مثـلما خـدمَ المسيحُ ومن حـقه أن يرتاح كـما إرتاح المسيح ، ينبـذ المال مقـتـدياً بالمسيح وإذا إحـتاجَ ! يـدفع الضريـبة بالطـريقة التي ( إلى الروماني ) دفـعـها المسيحُ ، ويصون جـسده من الـتـلـوُّث شأنه شأن المسيح ! أليستْ هـذه صفات تلميـذ المسيح ؟ فإنْ لم يكـن نـوراً ، سـتـظـلم صومعـته ليلاً وما أدراك ما الليل ! وإن لم يكـن ملحاً لطعامنا سـيـصبح وعـظه فاهـياً مرفـوضاً عـنـدنا وإذا كان قـد إبتـليَ وتاقـتْ نـفـسه إلى تـلكَ ! فـليتـنحّ جانباً . إنه واحـدٌ من بـين الكـثيرين المدعـوين إلى غـربال واسع الـثغـور يسقـط منه العـديـدون أما المخـتارون الصامدون الأبرار فـقـليلون ، في أيام شـرّيـرة يستعـدّ فـيها الـعـدوُّ الجـبار ، لـيزرع الـزؤان ليلاً كالغـدّار ، في حـقـل المخـتار ولن تـطـهِّـرَه مياه الأنهار .

فـمَن هـو كاهـن الله ، وأين هـو كاهـن الله ؟ ليس الأب الفلاني ذو الجـبّة الفـضفاضية ، ولا سيادة المطران العلاني ذو الصليـب المرصع بالـقـطع اللـؤلـؤية وإنما هـو ذلك الـذي يَرى صورته في الآيات الإنجـيلية ويسمع صوته في أقـوال مار ﭙـطـرس المـدوّية وينزل من كـرسـيّه ليغـسِّـل أرجـل أتباعه مثـلما عـمل المسيح بتـواضعـية ويـبحـث عـن الـضالِّ من خـرافه في التجـمعات الكارتـونية ، ويقـف إلى اليمين من صليـب سـيِّـده فـوق القـمة الجـلجـلية ، إنه ذلك الـذي لا يفـكـر في القـطع الـورقـية ولا يعـبـد صناديق الفـقـراء الخـشـبـية ، فإذا سجَّـل رقـماً في مصرف ! صار حسابه له هـو المسيحـية ، فـعـن أيّ ﭙـطـركٍ تـتكـلمون ! وأنتم عـن كاهـن الله بهـذه الـصفات لا تبحـثـون بجـدّية ؟.

ملاحـظة : في الساعة الرابعة من بعـد ظـهـر يوم الجـمعة 11/1/2013 بتـوقـيت سـدني كان مقالي (( إطـلـبـوا أولاً كاهـنَ الله ! وهـذا الـمـطـران و ذلك الـﭙطـرَك يُـعـطى لـكـم ــ الحـلقة الأولى )) منشـوراً أولاً عـلى الصفـحة الرئيسية من موقع ( ألـقـوش . نـت ) الأغـر وذكـرتُ فـيه أن مشكـلة الإنسان هي : السلطة والمال والمتعة ! عـرفـتها من خـبرتي أو تعـلمتها من غـيري ، ثم تـوالى نشر المقال في مواقع أخـرى . وبعـد ثلاث ساعات حـضرتُ محاضرة للأب يوسف توما في قاعة كـنيسة مار توما الرسول وكانـت بعـنـوان ــ الـتـطـرف ــ فـذكـر ثلاثة أسباب له : السلطة والمال واللـذة ، لـذا إقـتـضى الـتـنـويه للقارىء العـزيز

 بقـلم : مايكـل سـيـﭙـي / سـدني ــ 11/1/2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *