إشكالية رئاسة اقليم كوردستان والموقف المسيحي العام حول ذلك

 

لا نأتي بجديد إذا قلنا ثمة حالة صحية في تداول السلطة في اقليم كوردستان ، واستطاع هذا الأقليم بعد ان تمتع بمساحة كبيرة من الأستقلالية السياسية والأقتصادية والأجتماعية ان يقطع اشواطاً كبيرة في دروب الأستقرار والتعايش المدني السلمي ، ورغم عدم استقرار المدن العراقية بما فيها العاصمة العراقية بغداد فقد استطاع الأقليم ان ينتهج سياسة مختلفة عن السياق السياسي في عموم العراق الأتحادي . إن المناخ التعايشي واختيار المنهج الديمقراطي في الأنتخابات وفي عملية التداول السلمي السلس للسلطة وفقاً لما تفرزه صناديق الأقتراع ، كل ذلك اوجد مناخات ملائمة لقدوم وتنافس الشركات والمستثمرون والتجار واصحاب الأعمال للعمل والأستثمار في الأقليم إن كان في مساهمة بناء الخدمات والبنية التحتية للمواطن ، او في المشاريع الأنمائية والخدمية وفي شتى المجالات العمرانية والزراعية والتجارية والسياحية والصحية وغيرها ، وهكذا انتعش الأقليم اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً في ظل تلك الحركة الدؤوبة من اجل بناء الوطن ، والإنسان يشعرون بأهمية الحياة وعظمتها ، ونتمنى ان يكون العراق برمته كما هي كوردستان .

لقد وقعت في السنين الأخيرة حالات التصعيد وتعطيل الحياة العملية السياسية ومعها تعطيل الحياة المدنية والأقتصادية بتحريك الشارع بالمظاهرات والأعتصامات اي بالعودة الى الشعب وهذا ما اقدم العسكر في مصر الى إزاحة رئيس منتخب ديمقراطياً حينما توجه الملايين من ابناء الشعب الى الشوارع ، ورغم عدم اهلية خطوات العسكر إلا ان الخطوة جاءت ملبية ومعبرة عن آمال الشعب ، وقد عبر الشعب عن استيائه من الرئيس مرسي المخلوع ومباركته لخطوة الجيش بخروجه بمظاهرات جماهيرية لا سابقة لها ، في سنة واحدة من حكم الرئيس الدكتور محمد مرسي انزلقت البلاد الى مختلف الأزمات الأقتصادية والأمنية ، إذ فشل فشلاً ذريعاً في ادارة شؤون البلاد وكان هذا اكبر استفتاء لعزل الرئيس ونظامه ، وتعيين رئيس محكمة العليا كرئيس مؤقت للبلاد .

هذا هو قرار الشعب ولا إرادة فوق إرادة الشعب وفي مسألة تمديد ولاية الرئيس مسعود البارزاني لمدة سنتين حسب مقترح الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي جرى الأتفاق عليه في البرلمان الكوردستاني ، لكن الأحتمال الآخر يقضي بالعودة الى استفتاء الشعب وهو يستطيع ان يدلي بصوته بكل حرية ، فكردستان اليوم لا زالت بحاجة الى مكانة وكارزمية الرئيس مسعود البارزاني .

وفي الحقيقة فإن النظام الرئاسي في كوردستان فيه بعض الخصوصية التي تعتبر ضرورية في الظرف الراهن . ونستطيع إجراء مقارنة بين النظام الرئاسي في اقليم كوردستان والنظام الرئاسي في مصر وايران .

في كوردستان تتمتع السلطة التنفيذية ( الحكومة ) بمساحة كبيرة من الصلاحيات ، ورئيس الأقليم لا يتدخل في شؤونها ، وهو يتدخل في حالات تفاقم خلافات بين الحكومة والمعارضة خاصة حينما تصل الأمور الى طريق مسدود ، وفي الحقيقة ان الرئيس مسعود البارزاني حسب رأيي المتواضع هو زعيم اكثر مما هو رئيس ، خاصة حينما يعرب عن افتخاره بلقب ( البيشمركة ) اكثر من افتخاره بلقب الرئيس .

اما الحكومة في مصر فليس لها اي تأثير في المجرى السياسي في الدولة ، لقد بقي هشام قنديل رئيس وزراء مصر لمدة سنة منذ مجئ الأخوان لحكم مصر عن طريق الأنتخابات وبعد ذلك عزلهم عن طريق قرار جماعي من الشعب الذي عبرت الملايين منه ، بضرورة تنحيتهم من الحكم لأساءتهم استخدام السلطة . المهم بقي الدكتور هشام قنديل بلا صلاحيات ولا يستطيع تمرير قرار يفيد الشعب بل كان الأهم تمرير قرارات تخدم الأخوان وهو الحزب الحاكم . لقد كان رئيس الوزراء في مصر موظفاً تابعاً للرئاسة وليس رئيس الوزراء يحكم وفق اجتهاده والذي كان يترتب ان يكون الرجل الثاني في الدولة المصرية .

اما في ايران فرغم انه نظام رئاسي وله شبه كبير بالنظام الرئاسي الأمريكي ، إلا انه حكم ثيوقراطي بامتياز إذ ان المرشد الأعلى يمسك بيده زمام الأمور ، وحتى رئيس الجمهورية الذي من المفترض ان يكون الشخص الأول في الدولة عليه ان يفوز بمباركة المرشد الأعلى قبل الموافقة على ترشيحه ، فالمرشد الأعلى له حق الفيتو على اي شخص حتى لو كان رئيس الجمهورية الذي يصار الى انتخابه مباشرة من قبل الشعب ، عموماً إنه يقف في رأس الهرم التنظيمي للنظام السياسي في الدولة الأيرانية .

وحين المقارنة في بتوزيع السلطات في اقليم كوردستان نلاحظ وجود توافق ووضوح وتوازن بين مختلف الأجهزة والسلطات ، وكل يعرف حدوده ويعمل ضمنها .

وتفيد آخر الأخبار عن قبول الرئيس البارزاني في تمديد ولايته لمدة سنتين والذي جاء بناء على مقترح تقدم به الحزب الحليف الأتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني وهنا يقول البارزاني :

«لم أكن أبدا عاشقا للسلطة والمناصب، واليوم لا أريد أن أبدل تاريخي النضالي من أجل تحرير كردستان بأي شيء آخر، فالإنسان يعرف بنضاله وتضحياته من أجل شعبه ووطنه، وليس بالمناصب والعناوين الوظيفية والإدارية، وقد وقعت قانون تمديد ولاية البرلمان حتى لا يحدث أي فراغ قانوني ودستوري بالإقليم>> .

ويختم البارزاني قوله :

«احتراما مني لأصوات معظم الكتل البرلمانية ولعدم إحراجهم، أعلن لشعب كردستان أنني سأحمل هذه الأمانة إلى حين انعقاد الدورة الرابعة للبرلمان، ومن الآن أطالب رئاسة البرلمان القادم بالعمل خلال فترة لا تتجاوز سنة واحدة لتحقيق التوافق حول مشروع الدستور وتحديد آليات انتخاب رئيس الإقليم، وأن تنظم الانتخابات الرئاسية حينذاك لكي نسلم هذه الأمانة لمن يحصل على ثقة الشعب».

أجل ان البارزاني أراد انهاء الجدل الدائر حول هذا الموضوع ، لكن يبدو للمراقب ان علاج هذا الموضوع كان بمنأى عن الأسترشاد بمصالح الشعب الكوردي بل كان يصب في خانة المعارضة السلبية بدلاً من المعارضة الأيجابية التي تكون مصلحة الوطن هي المنارة التي تسترشد بها بدلاً من المصالح الحزبية .

البارزانيون والمكون المسيحي

هنالك من يسأل عن الأسباب التي تجعلني ادعو لمزيد من التقدير والأحترام للبارزانيين ، فأقول للقارئ الكريم اجل ثمة اسباب تدعوني الى ذلك وأرجو ان تمهلني قليلاً لأشرح وأقول : في الماضي القريب هنالك محطات تاريخية تجمع بين المسيحيين والبارزانيين ، واعتقد ان هذه المكانة هي نفسها بالعلاقة الطيبة مع الأيزيدية والمندائيين والأرمن ، وبشان المسيحيين نورد بعض المواقف التي ورد ذكرها في كتاب مهد البشرية<1 > وكان ذلك في في زمن عبد السلام البارزاني ( 1876 ـ 1914 ) وفي ص130 نقرأ :

كان ( عبد السلام البارزاني ) يؤمن بالمساواة التامة بين الكردي المسلم والمسيحي على حد سواء ، لكننا نخشى ان الموظفين الأتراك على العموم لا يستحسنون منه هذا السلوك .

وبسبب عدالة هذا الرجل كان محبوب من قبل القرويين ولم يقبل اي منهم بإفشاء سره حينما اختفى بين ظهرانيهم فيقول المؤلفان ص 132 :

وهنا جنى الشيخ ( عبد السلام البارزاني ) ثمرة معالمته الكريمة للقرويين فلم يخطر ببال احد من رعيته مسيحيين كانوا ام مسلمين ان يخونه ويسلمه الى اعدائه . وفي هذا الوقت بالذات لقيناه لأول مرة وهو متنكر في ثياب خلقة وليس معه غير تابع واحد وهو مختف في إحدى القرى المسيحية فيما يلي إمارته .

وفي ص144 نقرأ :

.. مسكينة قرية ( أردل ) فهي منسية منعزلة تسبح في ظلام الفقر والجهل وهي اصدق مثل للحياة البشرية السائدة في القرى المسيحية التي يملكها الكورد في الجبال . .. لكن والحق يقال ان ( اردل ) تستحق التهنئة من عدة نواح ، فأهلها يقرون انهم لا يجدون للشكوى من الناحية السياسية لأن صاحب القرية وهو آغا ( سورايي ) فيكون سيدهم الأعلى والحالة هذه شيخ بارزان الذي عرف بلقب ( شيخ النصارى ) لأنه يعامل النصارى وأتباعه المسلمين على قدم المساواة . وتسامحه هذا جعلهم ينعمون بالأمن والحصانة من الأضطهاد من النهب والسلب .

وهذا السلوك استمر في عهد الشيخ احمد البارزاني ، ومن ثم في عهد المرحوم ملا مصطفى البارزاني ، الذي ازال الفوارق بين المسلم والمسيحي في مسألة الأستشهاد . ولا شك ان الرئيس مسعود البارزاني يسير في نفس الطريق في موقفه العادل من مسألة الأقليات الدينية بشكل عام ومن المسيحيين بشكل خاص .

من هذا المنطلق التاريخي ومن معطيات موضوعية في الوقت الحاضر في الجانب السياسي والأجتماعي فإن الأقليات الدينية بشكل عام تقف مع القيادة البارزانية ، وهذا ليس سراً بل نمارسه بشكل علني صريح وموقف اعضاء البرلمان المسيحيين في برلمان كوردستان يبين بشكل واضح وقوف هؤلاء الأعضاء مع الحكومة ومع الخطاب العام للرئيس مسعود البارزاني . لكن اكرر هنا ان الحقوق القومية والسياسية للكلدان في اقليم كوردستان ليست على ما يرام . ويطالهم الغبن والتهميش في مجال الحقوق القومية والسياسية .

د. حبيب تومي / اوسلو في 18 / 07 / 2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر <1> دبليو . أي . ويكرام ، أدكار . تي . اي . ويكرام ” مهد البشرية ، الحياة في شرق كوردستان ” نقله الى العربية جرجيس فتح الله المحامي . من منشورات التآخي .بغداد ، سنة 1971

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *