إدعاء أن كلدان اليوم ليسوا كلدان الأمس أما الآثوريون فهم أحفاد آشوريي الأمس!

 

من كتاب: الكلديون/ الكلدان منذ بدء الزمان*

المؤلف عامر حنا فتوحي

من صفحة 114-116

بينا في الموضوع السابق وبما لا يقبل الشك بأن التسمية الكلدانية قد تسيدت الساحة الرافدية منذ عصر الملك البابلي الشهير نبوكيدوري أوصر) الأول (نبوخذنصر الأول ١١٢٤ – ١١٠٣ق.م) الذي أنتصر على الملك العيلامي خولتي لوديش في واحدة من أشهر معارك التاريخ وأصعبها، حتى أن الملوك البابليين والآشوريين/ العموريين على حد سواء كانوا يعدونها من المآثر الوطنية الخالدة، في تلك المعركة التي كان فيها الكلام الفصل لأمير الجند وقائد العربات الملكية الكلداني (رتي مردوخ) من إمارة بيث كرزيابكو الكلدانية.

ومع أن معظم الملوك الكلدان بدافع الحرص الوطني لم يستخدموا في مسلاتهم ومراسلاتهم تسمية الكلداني والكلدانية القومية وإنما أستخدموا المصطلح الأقليمي (بابل) تأكيداً منهم على مسألة المساواة بين جميع مواطني الدولة البابلية، ومن ضمن هؤلاء الملوك ملوك سلالة بابل الحادية عشر/ السلالة الإمبراطورية (الشهيرة بتسميتها الحديثة … الإمبراطورية الكلدانية)، إلا أن بعض الملوك كشفوا لعوامل تعبوية عن إنتمائهم القومي كرد فعل موضوعي للظروف التي كانوا يمرون بها وذلك منذ فترات زمنية مبكرة، لذلك نجد أن السلالات البابلية منذ عصر سلالة إيسن الثانية كانت تحمل تسميات كلدانية، كما أن بعض الملوك تفاخروا علناً بإنتمائهم الكلداني ومنهم مردوخ أبلا أوصر وأريبا مردوخ ونابو موكن زيري ومردوخ أبلا أدينا وغيرهم من ملوك السلالات البابلية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة وفي العصرين الأخميني والسلوقي أقام الكلدان عدداً من الإمارات أو الممالك المحلية كان آخرها مملكة ميشان، ثم مملكة حيرتا التي حكمها خمسة ملوك كلدان ثم أحتوتها قبيلة المناذرة المسيحية النسطورية في حدود ٢٨٨ م في عهد الملك أمرؤ القيس بن عدي ٢٨٨ – ٣٢٨ م Umrou Al Qayis Bin Uday- وقد كانت لغة هذه المملكة ومراسلاتها الرسمية وطقوسها الكنسية تجري بقلم ولغة ممزوجة من الكلدانية الرافدية والآرامية البرابوتامية، كشفتها وبشكل لا جدال فيه شواهد القبور التي تؤكد إنحدار القلم الكلداني الحديث (مدنحا) عن القلم المبتكر في عهد الملك الشمس نبوخذنصر الأول الذي عثر عليه وولي في معبد الميناء في أور.

كما بدأت التسمية الكلدانية بأحتلال موقعها ثانية في بيث نهرين كما بينا منذ أواخر القرن الرابع للميلاد وبقيت في الإستعمال رغم شيوع التسمية الدينية سوريايي حتى مطالبة طيمثاوس الأول الموصلي بأستعادة التسمية القومية الكلدانية وهو في الحق لم يفعل بذلك جديداً، إذ تسمى الأرمن الذين يعدون من أقدم بناة الكنائس في العالم بتسمية الأرمن الكاثوليك ومثلهم فعل القبط في مصر وكذلك الروم الكاثوليك وهم أقوام لم تلغي هويتهم المسيحية عملية تقبلهم للبشارة المسيحية .

فلماذا يحق لأبناء هذه الكنائس التي لا جدال على تميزها العرقي وعراقتها التاريخية أن يجمعوا بين إنتمائهم العرقي وإنتمائهم الديني، فيما ينبغي علينا (نحن الكلدان) أن نضحي بهويتنا العرقية ونصنف طائفياً فحسب لأننا تقبلنا البشارة المسيحية؟

إن إستسهال إلغاء الآخر مسألة ينبغي أن لا تخضع للمزاجيات والمعايير المزدوجة والأهداف المبطنة البعيدة عن منطق التاريخ والثوابت الكنسية العالمية، أن مثل هذه التوجهات قد تجوز على البعض بعض الوقت لكنها لن تجوز على الكل كل الوقت!

لقد تبين من الفصول السابقة وبالدليل القاطع بأن الناطقين بالسورث (لهجة كلدانية) من الذين أسترجعوا أسمهم القومي القديم (الكلدان) إنما هم العمق القومي لبقية الرافديين الناطقين بالسورث كالسريان والآثوريين الذين هم أيضاً كلداناً (عرقاً ولغة)، لأن كليهما كان يشكل جزءاً من كل هو كنيسة المشرق القديمة التي قامت في كوخي/ بابل (الإقليم)، لكن ريادة أبناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية تتحدد في نقطة واحدة وهي أن جميع الرافديين الناطقين بالسورث تخلوا عن تسميتهم القومية القديمة كلدي/كلدايي بعد تقبلهم للبشارة المسيحية وتسموا سرياناً (سوريايي = مسيحيون) إيماناً منهم بعالمية وروحانية الديانة المسيحية، ثم تنسطر بعضهم في الجيل الخامس فيما بقي البعض الآخر محافظا على تسرينه، وفي القرن السابع الميلادي تحول بعض السريان المشارقة المتنسطرين إلى الطقس السرياني الغربي (المونوفيسي) على يد عدد من الرهبان أشهرهم الراهب يوحنا الديلمي وكان من بين من تحول من السريان المشارقة/عيتا دمدنحا الكلدانية إلى الطقس السرياني الغربي أهالي بلدات بخديدا/ قرقوش وبرطلة وبعشيقة وغيرها من بلدات، حتى عاد من تسرين وتنسطر طواعية لإستخدام الأسم العريق (الكلداني)، فيما بقي الآخرون على تسرينهم ومونوفيسيتهم أو نسطرتهم بحسب الطقوس التي صاروا يتبعونها حتى عودة المونوفيسيين للكثلكة، كما أختار البعض التسمية الآثورية المحلية (جبليون/ أطورايي) لكنيستهم عام ١٩٧٥م.

لمحصلة أن الكلدان والسريان والآثوريين هم أحفاد الرافديين الأوائل وبشكل أدق أحفاد (الكلدان الأوائل)، وهم شعب الرافدين الأصلي، بمعنى أنهم لم يفدوا من خارج الرافدين مثل الأقوام الآسيوية كالشوباريين (بناة مدينة آشور) أو الأقوام القديمة الأخرى من العنصر الهندوأوربي كالميديين والكشيين والحوريين والحيثيين واﻟﮔوتيين وفي العصور الحديثة كالتركمان والكورد والأرمن، فلماذا يحاول البعض أن يرجع أصولنا لأوائل الآشوريين الأجانب (الشوباريين) الآسيويين-الأنضوليين. ألا يكفينا تفريطاً بهويتنا القومية وانتمائنا الوطني الرافدي حتى ننزع عنا جلدنا لنرتدي جلداً أجنبياً دخيلاً؟!!

وبالتالي، بماذا يختلف هذا التوجه الذي يدعو لإلباسنا اللباس الآشوري (الشوباري) الآسيوي- الأنضولي الأجنبي عما فعله معنا المتزمتون من العروبيين والمستعربة طوال العقود الماضية عندما حاولوا أن يعيدوا تشكيل هويتنا وفق مقاييسهم الشوفينية ويرجعوا أصولنا إلى الأقوام الأجنبية البدوية الوافدة من الحجاز؟؟؟

نحن مع إحترامنا لكل الأعراق والقوميات لسنا عرباً حجازيين ولسنا آشوريين (شوبارو) آسيويين- أنضوليين، وإنما نحن بأختصار سكان العراق الأصليين، ننحدر بكل فخر عن الكلدان الأوائل (بناة أريدو وكيش وأور)، ونحن شاء البعض أم أبى رافديون كلدان دماً ولغة وتاريخاً.

الكلدان منذ بدء الزمان*: نسخة منقحة مُعدة للنشر في الطبعة الثالثة.

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *