أين ترسّبات جدتي الأمّية على ثقافة أبناء أمتي الطليعية؟


تـدور بـيني وبـين زملاء كـثيرين عَـبر الإنـتـرنيت حـوارات رشـيقة تأخـذنا أحـياناً إلى شـواطىء سـنوات الشـباب وأحـياناً تـقـذفـنا عـلى سـواحـل المراهـقة ثم تأتي بنا نحـو أيام الكـهـولة لـترسم لـنا صورة ﭙانورامية للحـياة تجـمع بـين ثـناياها محـطات إبتهاج تـقـليـدية وأخـرى كآبة زمنية وثالثة محـبـِطة يومية تـتخـلـلها آلام من نبضاتـنا القـلبية، ونسمات تبعـث الروح مجـدداً في عـروقـنا المنسية، فـيراودنا شـعـور غـريب حـين نـتـذكـر سُـمـوّ الـقِـيَـمِ في الأيام الماضية، أمام إنحـطاطها في أيامنا الحالية.

القِـيَـم مبادىءٌ لم يسنها القانون ولكـنها قانون سَــنــَّـتــْه المبادىء، إنها أعـراف نبعـتْ من طبـيعة الإنسان الخـَـلـْـقـية، تبلـورتْ في خـلجاته وإسـتـقـرّتْ في ذهـنيته فـصارت جـزءاً من تكـوينه تـناقـلها الجـد إلى أبنه ومنه إلى حـفـيـده ولأجـيال ممـتـدّة في عـمق تأريخه دونما حاجة إلى أن تصطبغ بها جـيناته. إنه إنسان إبن أمه نمى أبـيضاً في أحـشائها الـنـقـية وليس داخـل قـذارة محـفـظة نـقـود جـلـدية، تربّى بريئاً في أحـضانها الطاهـرة المرئية وليس داخـل عالم نـفايات الإجـتـماعات المخـفـية، إنه إنسان تعـلـَّـمَ القـيَم قـبل أن يعـرف الحـرف والقـلم. تـرى! ماذا حـدث لمن يقـف أمام مرآة مقـعـرة فـيرى صورته المكـبَّـرة الخادعة بألوان نادرة! يحـمل أبواقاً نحاسية يسـكـت طـنينها حـين تهـبَّ رياح من جـبال عالية، نراه لا يهـتـف إلاّ بأجـور مدفـوعة نـقـدية، ماذا نـقـول للحـرباء حـين تمطر عـليها السماء سـلوىً ورَقـية فـتـتـلـوَّن جارفة تلك المبادىء السامية إلى شـقـوق الأرض المرويّة عـنـدئـذ تـكـشف عـورتها وتـتهافـت عـلى الفـتات الراسبة عـنـد حافات غـرينية.

رحـم الله جـدتي التي لم تـكـن تعـرف من الحـياة شيئاً سـوى مخافة الله من خلال صلاتها الوردية، ضعـيفة البُـنية لكـنها أبيّة، لم تـدرس الرياضيات ولكـنها تجـيـد العـمليات الحـسابـية، تحـتـرم كـلمتها الثمينة دون أن تـذل من نـفـسها ولا تحـط من قـيمتها أمام أصحاب العـروش الزمنية، كانت صاحـبة قـيم ومبادىء لا تـزيغ عـنها من أجـل حـفـنة دراهـم معـدنية، وسـؤالـنا الـيوم: ألم تـتـرك جـدّتي بعـضاً من تـرسّـبات ثـقافـتها الأمّـية عـلى بعـض من إعلاميّـينا الذين يعـظمون أنـفـسهم داخـل قِـربة من ثـقافـتـهم الهـوائية؟ نـقـول لهم: إذا كانت قـيادتي لمركـبتي تــُغـضِب شـرطي المرور، دعه هـو يحاسـبني ولا تستـرخـص كـرامتـك أداة بـيـده فـتـكـون عـبـداً له، مثـلما قال الفـيلسـوف ﭙـْـيـيـر تيلار دي شاردن: إذا كان منهجي في الحـياة يُـغـضب الله، دعه هـو ينـبِّهني وليس أنت! ولكـن الـطـُـعـمَ مغـري يا ولـد، والمجـد لله دائماً.

 بقـلم: مايكـل سـيـﭙـي
سـدني

You may also like...