أفـكارُنا ومنـطلقاتـنا من أستـراليا إلى مؤتمر سان ديـيـﮔـو – الأمة الكـلـدانية ومصيرها اليوم/مشاعـلُ مؤتمر النهـضة الكلدانية تـضيء/ 30/3 – 1/ 4/2011 (3)

إنّ أمة ذاتَ تـراثٍ مجـيد وحـضارةٍ غـنية تـركـتْ بصماتها عـلى ثـقافة الأجـيال البشرية عَـبرَ التأريخ الطويل كأمتـنا الكـلـدانية الأصيلة ، هي بحـق أمّـة جـديرة بالإهـتمام وتستـحـق كل الخـير . الكل يعـلم أنّ الكـلـدانَ قـبل وبعـد إيمانهم بالمسيح ، تـعـرّضوا إلى حـملاتِ إبادة جـماعـية منـَـظمة وغادرة عَـبر العـصور من قِـبل الخلان والجـيران وحـتى البعـيدين إمتـدّتْ إلى يومنا هـذا ، مما إضـطـر البعـض من هـذا الشـعـب الحـضاري المسالم إلى التشبثِ والإحـتـماء بالأماكن المستـعـصية من أرضه الوطـنية مَن إستـطاع إلى ذلك سـبـيلاً من أجـل النجا  ة ، ثم إنـتـشارِ قـسمٍ منه في بلدان العالم حـيث أرض الله الواسعة . إن شـعـبَـنا الكـلـداني في عـراقـنا وعـلى أرض آبائـنا ، وكأسلافه القـدامى قـبل آلاف من السنين يتعـرض اليوم إلى أنواع مخـتـلفة من الإضـطهادات كالقـتل والإخـتـطاف والإبتـزاز والإهانات والتـشريـد والإغـتـصاب والتـفـرقة والظلم أمام أنـظار السلطات التي تـغـض النـظـرَ عـن كل ذلك ، سواءاً بسبـب ضعـفها وعـجـزها عـن مواجـهة ومعالجة الأزمات أو بسبـب إشـتـراكِها غـير المباشر بتلك العـمليات . (( إنّ النوحَ والرثاءَ عـلى نهر بابل لن يُـجـديَ نـفعاً اليوم ، ولكن ماذا يمكن أن نعـمل ل  شعـبنا الكـلـداني كي يـبقى حـياً ولا يُـمحى من الخارطة الديموغـرافـية لبـيث نهرين العـراق ؟ !! * )) .

 

عـلى الصعـيد الداخـلي لأمتـنا :

 

إن شعـبَـنا الكـلـدانيَّ المؤمنَ والمتواضعَ يجـلّ رؤساءَ كـنيستـنا ويَسمعـُهم بإنـتباه ( هذه طبـيعة عـفـوية لشعـبنا لا ينكـرها أحـد ) ويعـتبرهم الأولى بالولاء ، فـمثلما غـرزتْ كـنيستــُـنا الإيمانَ في نـفـوسنا وحافـظـتْ عـلى حـيوية لغـتـنا داخـل جـدران الكـنيسة ، أقـول بإمكان كـنيستـنا مواصلة التأكـيد عـلى الإفـتـخار بلغـتـنا بـين أبناء شعـبنا خارج هـياكل الكـنيسة وفي بلدان المهـجـر بالدرجة الأولى وفي المحادثة بـين أفـراد الأسرة داخـل البـيت عـلى الأقـل وخاصة غـبطة ﭙـاطريركـنا الكاردينال دلـّي الجالس سعـيداً يعـرف لغة السورث ،     بعـض أصحاب السيادة أساقـفـتـنا الأجلاّء فـضـَّـلوا ﭙـطريركـاً يعـرف السورث ! ، ويمكـنهم إيصال توصيتهم هـذه إلى حـيث يوجـد الكـلـدان للإعـتـزاز والحـفاظ  عـلى إسم قـوميتـنا الأصيل – الكـلدانية – دون سِـواه من الأسماء الغـريـبة ، الذي لو لا عـظمَـتــُه لـَـما تــَـسَـمـَّـتْ به كـنيستــُـنا تأريخـياً وآزرَتـْه كـنيسة روما في حـينها . إنّ ذودَ آبائنا الروحانيّـين الموقـرين ودفاعـهم عـن شعـبهم الكـلداني وحـقـوقه ليس أمراً جـديداً بل هـكـذا كان عَـبر الزمن ومع تـنـوّع السلطات المحـلية ، وليس بالضرورة أن يوصف كـفاحهم هـذا بالنشاط السيا    ي ( وإنْ كـنا في معـترك سياسي ) وإنما ينحـصر في إطار كـَـدّ وتـعـب الأب من أجـل أسرته ومستـقـبل أبنائه ليس إلاّ ، أما الأمور السياسية البحـتة كالإنـتـخابات مثلاً فـليخـُـضـْها العـلمانيّـون كي تـتكامل الخـطوات وتـتـظافـر الجـهـود سوية من أجـل محـصلة أفـضل . إنّ آباءنا الروحانيّـين وهـيـبتهم مُصانة ، يمكـنـُهم العـملَ جـنباً إلى جـنب القـوى العـلمانية المنادية بحـقـوقـنا اليوم والمتمثـلة بتـنـظيماتـنا الكـلدانية الأصيلة التي تـرفـض التسميات الدخـيلة ، و بنـُـشطائها المعـروفـين والغـيورين عـلى أمتهم . أما أبناء شـعـبنا الكـلداني مِ  حـوَر مقالنا ، فـبالإضافة إلى كـونهم أعـضاء في جسم الكـنيسةِ لا بل هم الكـنيسة نـفـسُها ، فإنهم لـُـبنات الصرح الكـلداني وروحُ الأمة وعـزتـُها ومعـدنـُها الذي لا يصـدأ ، يُـعـَـوَّل عـليهم بقاء هـيكلِ أمتهم الكـلـدانية شامخاً بثباتهم عـلى مبادئهم الأصيلة وصمودهم أمام إغـراءات الدهـر ، مستـرشـدين بقـيادتـنا الكـنسية حـيثما يتـطـلـّـب الأمر وبممثـلي تـنـظيماتـنا السياسية والإجـتماعـية وبالقـوى الفـكـرية المستـقـلة ذات الوجـود في الساحة ، مؤكـدين أنْ لا خـوفَ عـلى مكانة رجال الدين الأفاضل ومواقعهم في المجـتمع .

 

عـلى الصعـيد المحـلي للكـلدان في العـراق :

 

أولاً : الكـنيسة

 

إن أفـضلَ الحكـومات في العـراق وعَـبر الأجـيال كانـت تــُـقـَـطـِّـرُ لنا إستـحـقاقاتـنا القـومـية بصفة مَـكـْـرَماتٍ شخـصية وبالمنـِّـية قـطرة فـقـطرة ، أما اليوم فالأمر إخـتـلفَ كلياً فـقـد سُـلِـبَـتْ منا تلك الإستـحـقاقات و إنـتــُـزعَـتْ عـنا حـقـوقــُـنا الوطـنية وضاع الأمانُ في حـياتـنا اليومية ، بالإضافة إلى التـخـطيط المنظـَّم مجهـول الهـوية لتهجـيرنا من أرض آبائـنا وساحاتـنا القـومية . إنّ الظروفَ والعلاقاتِ الدولية قـبل خـمسين أو مائة سنة تـغـيَّـرتْ في عـصرنا الحاضر ، فـقـد برزتْ بـين الشعـوبِ علاقات جـديدة وإنبثـق  ـتْ بـين الأقـطار روابط حـديثة وتأسّـستْ عـند الحـكـومات منـظمات عالمية أثبتـتْ وجـودها وفـرضتْ صوتـَها في المحافل الدولية ، وهـذا يعـني أن الواقعَ والمقايـيسَ تـغـيَّـرا اليوم ، فـصار صوتُ أنينِ الشعـوبِ المظلومة يُـسمع ، ونـداءُ قادةِ الكـيانات الشعـبـية الضعـيفة يُـلـتـفـَـتُ إليه ، وأفـكار الشخـصيات المستـقـلة أصبحـتْ تــُـقـرأ وتـتـرك أثـراً ، وبهذا تـهـيأتْ الفـرصُ أمام قـيادة المجـتمعات الصغـيرة لإبـداء رأيها وإيصال صوتِها إلى مَن يهـمه الأمر سواءاً كان يتـقـبَّـله أم لا . فإذا كان صوت كـنيستـِنا الكـلـدانية مسموعٌ بصورة

  أو بأخـرى عـنـد السلطات المحـلية في العـراق ، وحـضراتــُـكم في غـنى عـن ذكـرِ أمثلة سـمّـيل في الثلاثينات ومحاولة تـدريسِ القـرأن لطلابنا في السبعـينات من القـرن الماضي ، أقـول إذا كانَ صوتُ كـنيستـنا مدوّياً هـكـذا البارحة ، فـكم بالأحـرى اليوم ونـحـن نـحـيا في زمن الظروف الدولية الجـديدة التي أشـرنا إليها ؟ وفـحـوى الكلام أن إمكانيات كـنيستـنا تعـدّدتْ ، ومساحة حـركـتِها توسَّـعـتْ ، وقـدرة مكـبراتها الصوتية إرتـفـعـتْ ، مما يؤهِّـلها أن تلعـبَ دورَها بكـفاءة أكـبر إنْ هي شاءتْ ، إعـتماداُ عـلى المناخات العالمية ومقايـيسها التي

  نعـيشها اليوم ، إنها العـولمة التي لم تـعـد السباحة عـكـسها مُجـديَة . ولنـتـذكـَّـر تيمورَ الشرقـية وكـوسوﭭـو وجـنوبَ السودان أمثلة تــَـمْحي اليأسَ وتبعـثُ الأملَ ، بالإضافة إلى الثورات العـلنية للشـعـوب المضـطهَـدة وإنهـيار الدكـتاتـوريات المتسلطة عـلى رقابها التي نشاهـد لها أمثـلة حـية اليوم ، وفي شـوارع الدول العـربـية ، دون الحاجة إلى التـخـطيط للإنقلابات السرّية الكلاسيكـية .

 

ثانياً : التـنظيمات السياسية والإجـتماعـية

 

لم يعـد خافـياً عـلى أحـد أن أزمنة كـَـمّ الأفـواهِ ولـّـتْ ، وأيامَ غـضّ النـظر عـن صيحات الشعـوب المُـعـّـذبة ذهـبَـتْ إلى غـير رجعة ، وعـبارات ( حـظرالتجـمعات ) ، ( مراقـبة المراسلات ) ، ( ممنوع تأسيس التـنـظيمات ) ، أقـول إنَّ هـذه أصبحـتْ مصطـلحاتٍ بالية ومن حـكاياتِ العـصور الحـجـرية ، كل ذلك بفـضل تـكـنولوجـيا الإلكـتـرونيات العـصرية ، وما رافـقها من زيادة الوعي والثـقافة والعِـلم لدى الشعـوب التي أدّتْ بها إلى التـفـكـير بالمنطق السليم ومعـرفةِ حـقـوقِـها التي لا تــُمـنـَـح إنْ لم تــُـطالـَـبْ الحـكـومات بها ، وهـذا دفع الشعـ  وبَ إلى تأسيس الأحـزاب والتجـمُّـعات المدنية لتعـمل عـلى إستـرجاع حـقـوقـها المسلوبة من السلطات الظالمة والغاصبة لإستـحـقاقات شـعـوبها – الأكـثريات والأقـليات – عـلى حـدّ سواء ، بالطرق الشرعـية السلمية مع إيصال أصواتها إلى التـنـظيمات العالمية المهـتمة بحـقـوق الإنسان للحـصول عـلى قـوة دافعة إضافـية ومؤثــِّـرة . وهـكـذا كان الشعـب الكـلداني ، حـين رأى أن الفـرصة سانحة وضرورية ، أسس تـنـظيماتِه السياسية وجـمعـياتِه المدنية الثـقافـية والإجـتـماعـية التي تـعـمل بالإتجاه الذي أشرنا إليه ، جـنباً إلى جـنب المؤسسات الكـنسية . إنّ واج  ـبَ هـذه التـنـظيمات هـو الإستـمرار بالعـمل النضالي السلمي والقانوني مع السلطات المحـلية وأحـزابها السياسية المتـنـفـذة بهـدف بناء الوطن من جـهة ، ومن جـهة أخـرى فـك الحـصار عـن حـقـوق شعـبنا الكـلـداني المنـطقـية الأسيرة والذي هـو الشعـب الأصيل في العـراق ، وتـثبـيت ذلك في دسـتـور الدولة .

 

عـلى الصـعـيد العالمي :

 

إن مِن بـين أبناء شـعـبنا الكـلـداني المنـتـشرين في بقاع العالم اليوم ، رجالٌ متمـكــِّـنـون ومقـرّبون من العاملين في المؤسسات الحـكـومية في البلدان ذات التأثيـر عـلى المجـتـمع الدولي – إنْ لم نـقـل هم أعـضاء فـيها – وبالأخـص أميركا وبريطانيا وفـرنسا ، وبإمكانهم إيصالَ الصوتِ الكـلداني إليهم وعـن طريقهم يمكـنهم التأثير عـلى الحـكـومات المحـلية حـيث يعـيش الكـلدان ، كي يحـصَلَ عـلى حـياة كـريمة وحـرية آمِنة وحـقـوق سليمة وفـقاً لِـما تـقـِرّه المواثيقُ والمعاهـداتُ الدولية ، وهـنا نـكـون بحاجة إلى تشكـيل لجان تـقـوم بهـذه المهـمة .     لا نـنـسى أنّ نـفـوذ كـنيسة روما  واسع ومكانة رئيسِها الأعـلى قـداسة الحـبر الأعـظم مرموقة وكـلمتـَه تـؤخـذ بنـظر الإعـتبار ولا يُـستـهان بها في المحافـل الدولية ، وخاصة ما لكـنيستِـنا الكـلدانية مِن علاقات دينية طيّـبة ووثيقة مع الـﭭاتيكان ، وعـليه فإن  أساقـفـتـَـنا الأجلاءَ وﭙاطريركـنا الموقـر ، ليسوا فـقـط مُـطالـَـبـين وإنما يمكـنهم القـيامَ بأدوارهم بالإتجاه المطلوب – دون أن يعـني ذلك سلوكاً سياسياً كما أشَّـرتُ في أعـلاه – .

 

وأخـيراً ، فإن التـثـقـيفَ الذاتي للفـرد الكـلداني والتوجـيه العائلي للأبناء ، له دورُه الفعال وتأثيره الإيجابي القـوي عـلى بنائه في مجـتـمعـنا النامي ، ونأمل أن نـصِـلَ بشعـبنا إلى الشواطىء الآمنة محـلياً وعالمياً ، والله هـو المتـكـَـلُ عـليه .

 

ومضة  !! * : في لقـطة ونحـن واقـفـون مع سيادة المطران سـرهـد جـمّـو في أروقة خارج قاعة المؤتمر ، صار أحـدهم يتـذمّـر من حالة الكـلدان ويشـكـو ويلقي اللوم عـلى هـذا وذاك … فـردَّ عـليه سيادة المطران قائلاً : (( يكـفي البكاء والرثاء ، بل قـل ما الذي يمكـنـنا عـمله اليوم )) . وهـنا إستـوقـفـْـتــُه وقـلتُ له : سـيِّـدنا ، كأنك في فـكـري ، فـفـتـحـتُ له فـوراً مـلف أوراقي وعـرضتُ أمامه هـذا المقال الذي تـقـرؤونه الآن ، وأشـّـرتُ عـلى هـذه العـبارات فـيه : (( إنّ النوحَ والرثاءَ عـلى نهر بابل لن يُـجـديَ نـفعاً اليوم ، ولكن ماذا يمكن أن نعـمل لشعـبنا  الكـلـداني كي يـبقى حـياً ولا يُـمحى من الخارطة الديموغـرافـية لبـيث نهرين العـراق ؟ !!* )) ، فإلتـفـتَ إليّ المطران وقال : ألا تـدري إذن ، لماذا قـبَّـلتــُـكَ ثلاث مرات حـين وصلتَ إلى سان ديـيـﮔـو ؟ 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *