أسباب الحملة على الكلدان

يتعرض الكلدان بشخص كنيستهم الكلدانية العريقة لهجمة شرسة أشتدّت حدّتها في الآونة الأخيرة أثر البيان الذي أصدرته بطريركية بابل على الكلدان راعية شؤون الكلدان ثالث قومية في العراق ويمثلون أكثر من 75% من مسيحيي العراق بسبب قولهم ( لا ) للمؤامرة الخبيثة التي حيكت ضدهم بالتدخل في شؤون مرجعيتهم وطبيعة عملها من قِبَلْ نفس الجهات التي عملت في السابق وتعمل حاليا بجهد متميّز لغرض ألغاء أسمهم القومي الكلداني بأستكثارهم عليهم تبوّء منصب رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى لشخصيّة لا تأتمر بأوامرهم , فأنبرت أقلام مأجوريهم تنفث سموم حقدها على هذا المكوّن الذي يمثّل ضمير العراق والذي يضع العراق في حدقات عيونه منذ أن ظهر على أرضه , تُرى , هل هناك أسباب لكل هذا الحقد على الكلدان ؟ دون شك هناك العديد من الأسباب لهذا التآمر نستطيع أجمال البعض منها .

1 –  طبيعة الشخصية الكلدانية .
تتميزالشخصية الكلدانية بميلها الى العطف والتعاون والمحبة والضمير الحي مع الجميع بغضّ النظر عن العلاقة التي تربطه سواء كانت القومية أو العشيرة أو الديانة .
يذكر الدكتور – أحمد سوسة – في كتابه ” التاريخ القديم ليهود العراق ” الفصل الثالث , صفحة 128 تحت عنوان ” اليهود في بابل في زمن الكلدانيين 612 – 539 ق.م , عن اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر الى بابل , حين سَمَحَ للأسرى أن يصحبوا عائلاتهم , ونقلوا معهم أمتعتهم وممتلكاتهم ومواشيهم , وأنه وهب لليهود أخصَبْ مقاطعاته , وأسكنهم فيها مثل منطقة ” تمنر ” (نيبور) التي كانت تُعَدْ من أغنى مقاطعات بابل وكذلك منحهم الحرية الدينية في ممارسة طقوسهم الدينية , فأستفاد اليهود من هذه الأمتيازات , فأصبح في صفوفهم الكثير من الذين تمرّسوا على أساليب الحكم والسياسة , وتعترف المصادر اليهودية أن اليهود في بابل أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل , ويذكر ذلك كتاب التوراة ( العهد القديم ) على لسان النبي أرميا في .
29 : 2- 4 ((2 – أبنوا بيوتا وأسكنوا وأغرسوا جنّاتٍ وكُلوا ثمرها 3. خُذوا نساءً ولِدوا بنين وبنات وخُذوا لبنيكم نِساءً وأعطوا بناتكم لِرِجالٍ فَيَلِدْنَ بنين وبنات وأكثروا هناك ولا تَقِلّوا 4 . وأطلبوا سلام المدينة التي سَبَيْتُكُمْ أليها وصلّوا لأجلها الى الرب لأنه بِسَلامها يكون لكم سلام )) .
وبعكس ذلك تماما كان قد حصل لليهود الذين سباهم الآشوريون , حين نَقَلوا الأسرى اليهود الى مناطق جبلية وعِرة ونائية موزّعيهم في عدة مناطق متباعدة عن بعضها كي لا يتسنى لهم التجمع والتكتل في مكان واحد .

2 – الكلداني يعتبر نفسه مسؤولا عن هذا الوطن .
 يَعتبر الكلداني نفسه الأب والأم الشرعية لهذا الوطن ( العراق ) الذي ظل حيّا رغم جميع الأحتلالات والمآسي التي ألَمَّت به على مدى تاريخه الطويل , وسوف يظل هكذا لأن الذي رعاه ويرعاه هو الذي خَلَقَه ومنه أنطلق معظم الأنبياء والأولياء الذين رَوَتْ دمائهم ترابه الطاهر, وهو الأب والأم الحقيقية للطفل ( العراق ) الحي الذي وَرَدَ ذكره في الكتاب المقدس سفر الملوك الأول الأصحاح الثالث الأعداد ( 16 – 26 ) وفحواه هو :- أمرأتان أحتكمتا الى الملك ( النبي ) سليمان كان قد توفي طفل أحداهما , وحاولت الأم الذي مات طفلها أن تأخذ الطفل الحي الذي ليس لها , فكان حكم الملك ( النبي ) سليمان أن يأتوا له بسيف ليشطر الطفل الى شطرين ويوزعه بينهما , فأندفعت الأم الحقيقية متوسلة للملك قائلة له (( كلا يا سيدي أعطوها الولد الحي )) أما المرأة المُدّعية فقالت (( لا يكون لي ولا لها – أشطروه !!! ) .
أليس هذا ما يجري في عراق اليوم فيستميت الكلداني وكل من يحمل في جسده جينات أجداده الكلدانيين العظماء في أبقاء هذا العراق موحّدا غير مشطور , بينما يحاولون الآخرون ( الغرباء ) عن هذه التربة تقسيمه وشطره تحت مختلف التسميات ؟؟ ولذلك فالكلداني يتحمل من أجل ذلك , الأضطهاد والتهميش والتطاول على تاريخه وجغرافيته وحتى على رموزه من رجال كنيسته الكلدانية المجاهدة حتى الأستشهاد . ومع ذلك فالكلداني يحترم أختيار غيره مهما كانت قوميته أو مذهبه أو دينه , وكل ما يريد هو أن يحترم الغير كذلك أختياره وقوميته ومذهبه ودينه بغض النظر عن قِدَم هذه القومية سواء كانت (200  أو 2000 ) سنة كما قال سيادة المطران مار شليمون وردوني , وأن يكفّ أمثال سعادة وزير البيئة سركون لازار الذي يظهر أن سعادته قد أكمل عمل وزارته في تنظيف بيئة العراق من السموم والأوساخ والقاذورات والألغام واليورانيوم المُخَصَّب , وأصبحت بيئة العراق بمستوى بيئة سويسرا أو كندا , ولم يبقَ ما يشغل وقت فراغ سيادته سوى التدخل في شؤون الوقف المسيحي وكيفية القيام بعملهم .

3 –  أخلاص الكلدان وتضحياتهم في سبيل وطنهم – العراق .
يتطاول بعض المتخاذلون من الذين أجبنوا وهربوا من ساحات الدفاع عن هذا الوطن حين تعرضه للأعتداءات من الأعداء , يتطاولون على رجال الكلدان وغيرهم من المسيحيين الذين خدموا في جيش العراق العظيم منذ تأسيسه في 6\1\ 1921 , وهؤلاء سيبقون نجوما مضيئة في سماء قواته المسلحة الباسلة مع أخوتهم من أبناء القوميات والديانات الأخرى , والذي يعرف بسالتها أعداء العراق قبل أصدقائه , وفي مختلف مراحل الحكم الوطني , مئات من هؤلاء البواسل يجب أن تبقى أسمائهم في ذاكرة الكلدان والمسيحيين كافة جيلا بعد جيل , فعلى سبيل المثال هناك أسماء مثل اللواء الركن أنيس وزير الذي كان وزيرا للأشغال في حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم , واللواء أفرام هندو (السرياني) الذي زجّه عبد السلام عارف في السجن بعد نجاح ثورة 14 تموز بسبب أصراره على عدم خيانة الملك الذي كان قد أقسم بالولاء له يوم تخرجه من الكلية العسكرية , وهو في السجن , لم تفارقه مسبحة الوردية الذي كان يصلي بها دائما , وحالما عرِفَ به عبد الكريم قاسم جاء أليه في السجن وأعتذر منه وأخرجه , ومنهم أيضا اللواء جليل جزراوي واللواء نعيم جرجيس والعميد عبد السلام جميل وغيرهم بالمئات (( ذكرت أسماء الضباط الذين أنتقلوا الى الأخدار السماوية فقط دون الأسماء التي لا تزال في الحياة , أطال الله بأعمارهم جميعا ))  أليس هو الآن الزمن الرديء الذي يتطاول المتخاذلون على هؤلاء وغيرهم من الأبطال الكلدان الذين خدموا البلد عن طريق هذا الجيش العظيم بكل أخلاص وشرف , وجميعهم دون أستثناء كانوا محل تقدير وأعتزاز سواء من رؤسائهم أو مرؤوسيهم , وهي خدمة يتشرفون بها لأنها خدمة وطن وليس خدمة أشخاص كما هم يعملون الآن , أنه الحقد الذي أعمى بصيرتهم , وألا كيف لا يلاحظون أن معظم القادة الكبار في الجيش الحالي هم من الضباط من الجيش السايق , وأذكر أحدهم الفريق الركن أحمد هاشم عودة ( قائد عمليات بغداد الحالي ) الذي كان قائدا لأحد الفرق العسكرية سابقا ويحمل عدة أنواط شجاعة .

4 –  وطنية الكنيسة الكلدانية
تعرّضت الكنيسة الكلدانية بشخص رؤسائها الروحيين الأجلاّء حالها كحال أبناء رعيتها الكلدان , الى مختلف الهجمات والأضطهادات بسبب موقفها الثابت في وطنيتها وحرصها على وطنها العراق , فهذا غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلّي الذي لا يُفَرِّق بين أبناء وطنه مهما كانت ديانتهم , وتصريحاته تثبت ذلك , ولعلها كانت السبب في الهجمات المتعاقبة والتي أشتدّت حِدَّتها في الآونة الأخيرة من أشخاص يتخذون أسلوب ممارسة السياسة نفس أسلوب لاعبي اللعبة التي يطلق عليها ( سي ورق ) بالفهلوة والغش والخداع والأبتزاز والضحك على الذقون مبرهنين على أن السياسة التي يمارسونها تعتمد على هذه المبادىء البعيدة على الأقل عن الروح المسيحية التي يدعون أنهم يؤمنون بها , ومع الأسف فقد تتلمذَ على أيديهم وتخرّج من مدرستهم هذه مجموعة من النفعيين الذين لا يترشّح عن أفكارهم وأقلامهم أقل ما يُقال عنه قلّة الأدب , وصاروا حتى لا يفرقون بين رموز دينية لم يصدر عنها أية أساءة لأحد سوى ما يمليه عليهم واجبهم من الدفاع عن أبنائهم . ولعل الآباء العظام لكنيستنا الكلدانية في القرون الأولى للمسيحية من أمثال القديس مار ماروثا والقديس الشهيد مار شمعون بَرْ صَبّاعي كانا على علم لما سوف يتعرّض له أبناء الكنيسة من هذه النماذج فثبّتوا ذلك في ترتيلة الشهداء لمساء يوم الأثنين التي تقول .
 

(( مارَنْ سخورْ بومهون دناشي رَشّيعي , دلا نمَللّون عَولا عَلْ بنَيّا دعيدتا ))
وترجمتها :
(( يا رب أغلق أفواه الآثمين , لألا يتكلمون بالشر على أبناء الكنيسة  ))

بطرس آدم

You may also like...