أحداث آب في ذكراها ال20 في الاتحاد السوفياتي وتداعياتها الداخلية والدولية(4)

فلاح علي

رافق إنهيار الاتحاد السوفياتي جملة من التطورات والمتغيرات السياسيةوالاقتصاديةوالاجتماعية والفكرية والمعلوماتية والتكنولوجية والاعلامية والدبلوماسية ,التي أنهت بالنتيجة مرحلة الثنائية القطبية , وظهور ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي فسح المجال لتفرد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على صعيد السياسة والأمن الدوليين وعلى أثر ذلك طرأت تغيرات عميقة على العلاقات الدولية منذ عام 1991 تأثرت فيها كل شعوب العالم .ان هذا التحول في العلاقات الدولية مثل بداية لجوهر النظام الدولي الذي تحررت فيه الرأسمالية من كل أسوار التوسع على كوكبنا والهيمنة والتفرد وتشكيل قطب احادي .

هيمنة القطب الواحد ومظاهرة :

إن النظام الدولي الجديد الذي عرفه العالم بعد إنتهاء الحرب الباردة تميزبتفرد الولايات المتحدة الامريكية في قيادة العالم وهيمنتهاعلى السياسةالدولية, وهذا يعود لأمتلاكها للقوة العسكرية والأقتصادية والمعلوماتية والتكنولوجيا والدبلوماسية والاعلامية , وأصبحت هناك هوه كبيرة بينها التي تمتلك هذه القوة و بين من لايملكها . وما نتج عنها من هيمنة وتهميش لكل دول العالم بما فيها المنظمات الدولية كالأمم المتحدة و جهازها التنفيذي مجلس الامن  حيث أصبحا غير قادرين على أخذ زمام المبادرة , وحصل إلتفاف على الشرعية الدولية وضرب المواثيق والأتفاقات التي ناضلت شعوب العالم من أجلها. إن الولايات المتحدة الامريكية لقد إنطلقت من وجهة نظري من رؤية في سياستها الخارجية على العالم أن يطيع أوامرها وتوجهاتها وإلا.وبدأت بفرض إرادتها بما يتفق ومصالحها القومية مستخدمة بذلك القوة العسكرية والأقتصادية والضغوط الدبلوماسية وتطورها العلمي والتكنولوجي . وظهرت بيئة جديدة خطيرة في السياسة الدولية تأثر فيها كوكبنا نتيجة هيمنة القطب الواحد ومن ابرز مظاهر هذه الهيمنة الامريكية : تفجرأزمات إقليمية في مناطق عديدة من العالم  مع تدخلات في شؤون الدول وغزو واحتلال وتفكيك بعض الكيانات وإعادة ترتيبها بما يخدم سياسة الولايات المتحدة وإنتهاك لسيادة الدول وبالذات النامية منها وهيمنة سياسة القوة في العلاقات الدولية , وبهذا تم إنهيارمبدأ السيادة الوطنية للدول وهذا المناخ الدولي الجديد قدهيئ الأرضية لعدم الأستقرار في الوضع الدولي وتوتر في العلاقات الدولية , وظهور الحروب والارهاب الدولي .وقد أشرت الى هذه المظاهر في الحلقة الثالثة والتي تعد من ابرز مظاهر النظام الدولي الجديد وسوف أتوقف بالشرح عند أهم مظهر اقتصادي للنظام الدولي الجديد وهو إشتداد التفاوت بين الدول الغنية والدول الفقيرة وتنامي ظاهرة الفقر والجوع في البلدان النامية .

النظام الدولي الجديد هيمنة راسمالية على العالم وتحطيم لعلاقات التكافئ الدولي:

أن حقبة العشرين عاماَ التي نعيشها الآن على انهيار الاتحاد السوفياتي أكدت احداثها ان الفراغ السياسي والعسكري والآيدلوجي والأقتصادي والاعلامي والدبلوماسي , الذي تركة انهيار الأتحاد السوفياتي والذي أدى إلى حدوث تحولات جديدة في العلاقات الدولية فسح المجال فيها للولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو للتحكم بمصائرشعوب العالم , في إطار ظاهرة العولمة الامريكية الراهنة التي جعلت من كوكبنا خاضعاً لأرادة وقوة الأقتصاد ورأس المال والقوة العسكرية التي تفردت بها أمريكا وحلف الناتو . (( أن العولمة ليس هي تقارب ووحدة إنها في الحقيقة تبذر بذور الشقاق والتناحر ولا سيما في الأقتصاد والسياسة قبل أي شيئ فهي ليست وحدة عضوية للعالم , بل هي وحدة فظة ميكانيكية ولذا فأن الأمبريالية لا تجد وسيلة للحفاظ على هذه الوحدة سوى الغلو أكثر فأكثر في إستخدام العنف , وهكذا فأن العنف والحروب ينبثقان من الطبيعة الداخلية للعولمة)) ( [1] ) .  و بهذا فمن وجهة نظري لا بد من الوصول الى الاستنتاج الهام الذي تؤكده وقائع احداث العالم هو أن السياسة الأمريكية في ظل العولمة لا تستطيع أن تخلق عالم موحد يسودة الامن والسلام تحت مظلة قانون دولي عادل ويخلق تكافئ في العلاقات فيما بين الدول, كما ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة ليس هي فقط قائمة على الهيمنة والتوسع واخضاع العالم لها من خلال القوة , وانما وهذا الاهم هولاستغلال ثروات شعوب العالم من خلال احتكاراتهاالتي تمتلك القوة الاقتصادية والقرار السياسي وبذلك فهي تتحكم بالاقتصاد العالمي فتشكل مع احتكارات البلدان الراسمالية الاخرى الاساس الاقتصادي للنظام الراسمالي . فأن هذه الاحتكارات هي القوة الدافعة لقطار العولمة المتوحشة السائر بأتجاه التوسع والهيمنة على اقتصاديات بلدان العالم وبالذات البلدان النامية .

تنامي ظاهرة الفقر والجوع ونهب ثروات الشعوب في ظل النظام الدولي الجديد:

ان الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات التي تقودها الاحتكارات الامريكية والتي تمتلك السلطة الاقتصادية فيها , من خلال امتلاكها للقوة الاقتصادية والتكنولوجية مكنتها ليس فقط في السيطرة على التجارة العالمية وانما من السيطرة في مجال إستخراج المواد الأولية من البلدان الفقيرة, والتي تشمل النفط والغازوالحديد والنحاس ….الخ من المعادن وهذا مكنها من سيطرتها على الثروات الطبيعية للدول الفقيرة وزيادة ربحية الشركات الاحتكارية وتراكم رأسمالها على حساب الدول النامية المالكة للثروات الطبيعية مما أدى الى حصول تفاوت في الثروة . فتحولت الدول النامية الى سوق تجاري لهذه الشركات وبنفس الوقت مصدرة لثرواتها بأسعار رخيصة جداَ,وبهذا اصبحت البلدان النامية تابع إقتصادي وسياسي. ففي ظل النظام الدولي الجديد نجدالسياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة الاميركية في ظل العولمة تعد من وجهة نظري تهديداَ لمصالح شعوب العالم أجمع وبالذات البلدان النامية(( لأن العولمة المعاصرة هي أعلى مراحل الامبريالية التي مازالت تحمل للشعوب الخوف والحرمان والحرب وتدشن العولمة مرحلة جديدة في مضمار إعادة تقسيم العالم , وتؤذن بتفاقم جميع المشكلات والتناقضات , والعولمة هي عملية تطوير اقتصاد عالمي متكامل لا يشكل اقتصاد كل بلد على حدة سوى حلقة واحدة من الكل العالمي الموحد وتقترن بمزيد من تفاقم التناقضات الملازمة لها , فقد تفاقمت التناقضات ذات الطابع الاقتصادي – الاجتماعي بشدة وتتمثل هذه التناقضات من حيث مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي بين البلدان المتطورة والبلدان النامية , وبين الشمال الغني والجنوب الفقير)) ([2])  . فأن هذه البلدان تتأثر بالأزمات الأقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الرأسمالي وآخرها الازمة المالية التي تعرض لها الاقتصاد الاميركي في عام 2008والتي لاتزال مستمرة الى الآن (( وذلك للتشابك للعلاقات الاقتصادية والمالية عالمياَ نتيجة عولمة الحياة الاقتصادية بطبيعتها الرأسمالية فتتحول الازمة الوطنية في البلد الرأسمالي والتي تفجرت أخيراَ في الولايات المتحدة إلى (أزمة عالمية) تجتاح مختلف البلدان , وبدون إصلاح جذري للازمة المالية مبني على التعددية القطبية في شتى المجالات , في ظل طابع عولمة أكثر عدالة من الطابع الوحشي التمييزي القائم للعولمة الاميركية فأن العالم سيبقى ضحية معاناة من الازمات الدورية المختلفة))([3] )

ففي ظل العولمة الرأسمالية ظهرت مؤسسات لها آليات تتحكم بأقتصاديات العالم وتفرض نمط معين من الأقتصاد على بلدان العالم وتخضع مساعداتها للبلدان الفقيرة  بأشتراطات ومن هذه المؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية. ومن إشتراطاتها فرض السياسات الأقتصادية على هذه الدول وفق شروط آليات العولمة . وقد نجحت هذه الشروط في تصفية دور الدولة الأنتاجي والخدماتي الذي كانت تقوم به منذ استقلال هذه البلدان في بدايةالقرن الماضي في توفير الخدمات والحاجات لشعوبها ودعم المواد الغذائية …. الخ . فتعمقت الفوارق ليس فقط بين الدول وإنما في داخل المجتمع الواحد , وزاد الجهل والفقر المدقع بصورة غير مسبوقه في الدول النامية . وبدأت مآسات هذه البلدان في ظل النظام العالمي الجديد الذي ينهب ثروات الشعوب ولم يساعدها على التنمية والبناء إلا بأشتراطات وإلايتركها وشأنها ليس في حالة الفقر فحسب وإنما المجاعة التي تهدد حياة ملايين الناس . ومن الامثله على ذلك فعلى صعيد أفريقيا تحول وضعها إلى خطير للغاية (( يبلغ عدد ضحايا الأيدزوالجفاف والقحط أكثر من 13 مليون نسمة .وهناك أكثر من 16 مليون شخص لا يجدون الغذاء الكافي , ومنهم ثمانية ملايين نسمة يعيشون في القرن الأفريقي وذلك بسبب إستمرار الحروب , ووصلت الديون الخارجية لأفريقيا إلى نحو350 بليون دولارعام 2000 ,وتسببت الصراعات والحروب الأهلية في أفريقيا بسقوط نحو أربعة ملايين قتيل))([4]) .

كما أن هناك دول آسيوية مثل باكستان وافغانستان بسبب الفقر والجهل تحولا إلى موطن للأرهاب وإلى زراعة المخدرات حيث تعتبر ((افغانستان أول دولة منتجة للأفيون في العالم الذي يتم تحويلة في المعامل الواقعة على الحدود بين افغانستان وباكستان التي كانت تسيطر عليها حركة طالبان بأعتبارة تجارة رابحة تقدربنحو ملياري دولار سنوياً وتأتي نسبة 95% من المخدرات الواردة إلى أوربا الغربية بما فيها الهيرويين الذي قد يكون المخدر الأكثر فتكاً بالأرواح من منطقة ما يسمى بالهلال الذهبي ( في افغانستان والمناطق المحيطة بها ) وكانت حركة طالبان تذعن لأنتاج الأفيون وتصديرة إلى الخارج وتستفيد من أموال المخدرات لتعزيز ترسانتها الحربية ويعيش على زراعة الخشخاش قرابة 3,3 مليون افغاني وتعتقد منظمة الأمم المتحدة أن مكافحة زراعة الخشخاش والمخدرات عامة , هي أسهل في ظل نظام ديمقراطي , فقد أخذت عملية استئصال زراعة الخشخاش في تايلاند 12 عاماً وفي باكستان 14 عاماً .))([5])  . وهذا مثال صارخ لغياب دور الدولة وغياب عمليات التنمية وهو يعد ايضاَ من افرازات الفقر والجهل والبطالة وغياب الأستقرار والسلم الأهلي حيث كثرت في هذه البلدان الصراعات فيلجأ مافيات وتجار الحروب لتمويل عمليات زراعة المخدرات والمتاجرة بها .

اما دول مريكا اللاتينية فهي تعاني من مشكلة المديونية الهائلة (( ووفقاً لأرقام البنك الدولي فأن مديونيةهذه الدول تتجاوز 800 مليار دولاروهي توازي ثلث مديونية دول الجنوب وهذا يعود إلى خدمة ديونها التي ارتفعت من حوالي 24% من حجم صادراتها إلى ما يقرب من 40% وأن هذا الرقم هو يشكل نسبة عالية لا يتحملها الأقتصاد وهذه هي أحد أسباب التعثر الأقتصادي هناك والتي أدت إلى تباطئ النمو ففي الفترة من 1999- 2000 كان متوسط معدل النمو 1,6%في حين لم يكن هناك نموسنة 2001 )) ([6]) . وهذا بلا شك يعكس ارتفاع معدلات البطالة في هذه البلدان وانتشار الفقر نتيجة التفاوت في توزيع الثروة . (( ففي الوقت الذي تصل نسبة الفقراء في البرازيل وشيلي إلى 22% فأنها تتجاوز هذا الرقم بدرجة كبيرة في الأرجنتين وذلك ناجم عن العجز عن توليد معدل مرتفع من النمو في مجتمعات تتسم بدرجة عالية من التفاوت في توزيع الدخول والثروات الذي يعد الأسوأ بين دول العالم كلها ))( [7] ). رغم أن هذه الدول تمتلك إمكانيات التقدم الأقتصادي مثل البرازيل والأرجنتين لكنها تعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية بسبب المديونية العالية والتبعية الأقتصادية .

يشكل الفقر والمجاعة أخطار حقيقية وجدية على مستوى كل بلد وهناك بلدان يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر العالمي . وهذا يعتبر من أهم التحديات التي تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين . بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفي ظل النظام الدولي الجديد الواقع تحت الهيمنة الامريكية وعولمتها المتوحشة , ولا سيما قد ضعف دور الامم المتحدة في ظل هذا النظام الدولي الجديد .   

واقع البلدان النامية قبل ظهور النظام الدولي الجديد :

على أثر ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917وتأثيراتها الدولية وما رافق ذلك من إنقسام العالم إلى قطبيين وما عرف بالثنائية القطبية ,كان هناك توازن ووجدت إسس للصراع وظهرت الدول الوطنية المستقله والتي تحررت سياسياً من السيطرة الأستعمارية وأخذت تتوجه لبناء إقتصادها الوطني القائم على التنمية والاعمار , وبدأ عدد من هذه البلدان المستقلة بعمليات تأميم ثرواتها الوطنية كالنفط والمعادن الاخرى , وانتاجها وطنياً بعقود تراعى فيها المصلحة الوطنية . وشرعت العديد من الدول قوانين للأصلاح الزراعي وقوانين للعمل ووضعت خطط خمسية لبناء إقتصادها وإضافة لتحررها السياسي , الذي ساعد على تعاظم دور هذه الدول النامية في السياسية الدولية الى ما بعد الحرب العالمية الثانية , إستطاعت أن تتحرر إقتصادياً لحد ما , وكان هناك دور للأمم المتحدة ومنظماتها الدولية في تقديم المساعدات الغير مشروطة للشعوب سواء في الكوارث الطبيعية وغيرها وساعد في ذلك أيضاً المساعدات التي قدمها الأتحاد السوفياتي لدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا الللاتينية حيث ساهم في فك إرتباط هذه الدول سواء سياسياً أو إقتصادياً مع الدول الرأسمالية وبتأثير هذه العوامل وظهورحلف وارسو لقد توقف تأثير وتوسع الدول الرأسمالية , مع ضعف هيمنتها في السياسة الدولية وعلى إقتصاديات البلدان النامية . لكن البعض من هذه الدول بحكم تبعية حكوماتها للسياسة الامريكية في فترة الحرب الباردة ناصبت العداء للاتحاد السوفياتي ووقفت في الصراع الدولي إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي ودعمتهما لأجل انهاء نظام القطبية الثنائية وذلك بتأثير من الولايات المتحدة الامريكية وقمعت هذه الدول الاحزاب الشيوعية والقوى اليسارية والديمقراطية في بلدانها ,وبذلك وقفت بالضد من التطور المستقل لبلدانها ومصالح شعوبها المتطلعة للحرية والديمقراطية والتحرروالتقدم الاقتصادي والاجتماعي , فكانت هذه البلدان هي اول الخاسرين بأنهيار الاتحاد السوفياتي ,بعد ان أسهمت في صنع النظام الدولي الجديد الذي أسر الامم المتحدة وحول العلاقات الدولية بعيداَ عن قواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة . ففي النظام الدولي الجديد ليس فقط تراجع دور الدول النامية ومنظمتها الدولية مجموعة عدم الأنحياز في السياسة الدولية بعد ان كان لها دور مؤثر في نظام القطبية الثنائية من خلال عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وموقفها الدولي المتميز. وانما تم شطبها و اسقاطها من حسابات التوازن الدولي بالكامل .لابل واخضاعها للمزيد من التهميش والاقصاء والابتزاز وزيادة أزماتها الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماهية . وتعرضها للاحتلال وانتهاك السيادة الوطنية وللحروب الاهلية . وللمزيد من الفقر والجهل والامراض والمجاعة وفتح ابواب الهجرة والتفكك وتعميق الصراعات السياسية والطائفية والاثنية في داخل مجتمعاتها .

(يتبع)

20-9-2011 .

You may also like...