أجُـرأة أم أصالة في سـيادة المطـران إبراهـيم إبراهـيم السامي الإحـتـرام !

قـرأتُ المقال : ( المطران مار إبراهـيم إبراهـيم يفـتـتح المقـر الجـديد لجـمعـية مار ميخا الخـيرية في ديترويت ) .

فـتهانينا لأبناء ألقـوش الغـيارى وهُـم فـرحـين بسيادته يفـتـتـح ويـبارك مقـرّ ــ جـمعـية مار ميخا الخـيرية ــ الجـديـد في ديترويت الـكـبرى آملين للعاملين في الجـمعـية الـتـوفـيـق والإزدهار.

 

من جانبنا لا يسعـنا إلاّ أنْ نـقـدّم الشكـر الجـزيل لسيادته وهـو يعَـبِّـر عـن سـروره بإفـتـتاحه هـذا الصرح الخـيري ويصف مَهَـمة العاملين فـيه بـ ( الإنسانية والعـظـيمة ) ويُهـيب بأبناء ألقـوش الغـيارى ويشجـعـهم لـيمتـد نشاطهم إلى ما إستـطاعـوا إلـيه سـبـيلا حـين قال : (( يفـرشـوا محـبتهم إلى كـل المدن والـقـرى المجاورة لألقـوش مثـل بطـنايا وتـللسقـف وتـلكـيف ، لأنـنا شعـب واحـد وهـو الشعـب الـكـلـداني وقـوميته كـلـدانية عـلى مـرّ التأريخ ولا مزايـدة عـلى ذلك )) .

إنّ الكـلمة التي ألـقاها سيادته بهـذه المناسبة أمام الجَـمع بحُـبور والموثـقة في المقال المنـشـور ، تعـكـس ليس فـقـط الأصالة ! وإنما الجـرأة في الإصرار عـلى الأصالة التي ــ قـد ــ تـغـيـب عـنـد آخـرين . إنه قائـد كـنسي نعـم ، ولكـنه في ذات الـوقـت كـلـداني جـريء في تـصريحه ، نعـم هـو في بلاد المهـجـر ولكـنه في زمن تراجـعـتْ الجـرأة عـنـد آخـرين مثـله في بـلـدان المهـجـر أيضاً ، وْ يا حـيف .

إنّ شهامة أهالي ألقـوش الموروثة من شجاعة آبائهم ومن التراث الكـلـداني لأجـدادهم ، ومن جانب آخـر قـبولهم بشارة الإنجـيل منـذ إنـطلاقـتها الأولى وتشـبَّعـهم بإيمانهم المسيحي العـميق عَـبر قـرون ، كانت نبراساً ينير الـدرب أمامهم .

إن الـثـقافة الإنجـيلية التي غـذتْ البشرية بالقـيم الإنسانية والألـقـوشـيّـين من بـينها ( إذهـبوا وتـلمِـذوا جـميع الأمم …. أحـبـوا أعـداءكم … مَن أراد أنْ يخاصمك ويأخـذ ثـوبك فإتـرك له الرداء أيـضاً …… ) صارت خـميرة في قـلوبهم وخـزائن فـلسفـية مشعة في الـفـكـر الـباطـني عـنـدهم ، مهَّـدتْ لهم وأهـَّـلـتهم لقـبول وتبـنـّي أفـكاراً ذات واجهة أممية لامعة ، وسواءاً ( يـدرون أو لا يـدرون ، إعـتـرفـوا أم لا ! ) جـعـلتهم مستـعـدّين لها والمناداة بها ، من أجـل إزالة الـفـوارق بـين أبناء البشر خـليقة الله وجـعـل المسكـونة وطـناً واحـداً مؤقـتاً للجـميع .

إنّ كـلاماً جـريئاً كالـذي قاله سـيادة المطـران إبراهـيم إبراهـيم الكـليّ الـوقار إنما ينبع من مشاعـره القـومية الراسخة في قـلبه ، وقـناعـته الكامنة في فـكـره ، ورغـم بُعـده عـن أرض الآباء بسبب مقـتـضيات الحـياة وحاجات أبناء شعـبنا الكـلـداني المنـتـشر في بقاع الأرض ، إلاّ أنه ينـطـلق من إيمانه بما ورثه من أجـداده وإعـتـزازه بتأريخه ، ولا غـرابة في ذلك لأنها هـويته وكـيانه ، نـقـول ذلك لأن هـناك غـيرَه ـ وبكـل أسف ـ كـثيرون في بقاع العالم ليس بمقـدورهم ، بل لا يتجـرّؤون عـلى قـول رُبع الحـق الـذي قاله… إنْ لم نـقـل شيئاً آخـراً !! ولـو كان بمقـدورهم !… لـَـكـُّـنا محـظـوظـين .

 

قال سيادته : (( نحن أحـرار في إخـتيار مذهـبنا وهـو المذهـب الكاثوليكي للكـنيسه الجامعة الأم ، والكـل أحـرار في إخـتيار المذهـب الذي يريده ، فلا نـفـرض عـلى الآخـرين أي مذهـب لا يؤمنون به…… إنَّ أتباعَ المذهـب الأرثـدوكـسي أحـرار ، وكـذلك المذهـب الـنسطوري أحـرار أيضا في معـتـقـدهم ، ولكـن لا نـقـبل إطلاقاً أن يفـرضوا عـلينا ما يؤمنون ، ولن نـقـبل الـتـدخل بشؤونهم أو تـدخلهم بشؤونـنا ، ولكـن يجـب عـلينا أن نعـمل عـلى بث روح المحـبة والأخـوة بـين جـميع هـذه المذاهـب )) .

إن المطـران مار إبراهـيم إبراهـيم في قـوله هـذا إنما يشـير إلـينا نحـن أبناء الكـنيسة الكـاثـولـيكـية الكـلـدانية تحـت مظـلة مار ﭙـطـرس المكـلـف تـكـليفاً مِن قِـبَـل الرب يسوع أنْ يرعى خـراف الـرب ! وفي ذات االوقـت يعـلن سيادته إحـترامه للجـميع أينما كانـوا ويقـدّر إخـتـياراتهم بحُـريَّـتهم ولا يُـملي عـليهم أوامرَ أو فـروضاً مباشرة أو غـير مباشرة ، مثـلما لا يقـبل ، ونحـن جـميعـنا معه لا نـقـبل ، أن يأتي ضابط من فـصائل أخـرى ويُـملي عـلينا إيعازاته داخـل ثـكـنـتـنا وضد إرادتـنا ، فـنحـن نـميِّـز صوت راعـينا .

 

ولا بـد من التعـليق : يا سـيـدنا ! نحـن نحـب الجـميع بل حـتى أعـداءنا وذلك ليس فـضل منا ولا منـيّة نـُحَـمـِّـلها عـلى غـيرنا وإنما هي وصية ربنا واجـبة عـلينا وهـذا هـو إيمانـنا ، ولكـن هـل هـناك مَن يستـطـيع أن يفـرض شيئاً عـلينا ؟ وهـل هـناك مَن يتجـرّأ عـلى الـتـدخـل في شـؤونـنا ؟ بل إنَّ مَن تعـبث فـرشاته بلوحـتـنا أو تلعـب أصابعه خـلف أبوابنا ، فـفي نهاية المطاف سـيخـتار بنـفـسه ، مَـوقعاً لـنـفـسه خارج تخـومنا ، فـنحـن تـرَبَّـينا أحـراراً وَ سادة في دارنا ، فـمتى ما شاء أحـد من بـين صفـوفـنا أنْ يزيغ عـن رتـلـنا ! ما عـلينا إلاّ أنْ نـكـرمه قـيافة عـبـيرة ، ونملأ صرته خـرجـيَّة كـثـيـرة ، ونـشـيِّعَه إلى حـيث يشاء بهـيـبة جـديرة ، ملـوّحـين له ـ تحـية وداع ـ بأكـفـنا المنـبسطة الـقـديرة ، سواءاً كان بسيطاً مثـلنا أو إبن سـيـدة أميرة ، متمنين له حـياة سعـيدة وآفاقاً منيرة ، كـما أوصى أفلاطـون عـن كـل غـريب يرفـض مدينـته الفاضلة المثيرة .

لـقـد تمنى سـيادة المطران إبراهـيم إبراهـيم أمنية صادقة بلغة جـميلة محـفـزة ( ﮔـول وفـعـل ) طالباً من أعـضاء الجـمعـية أن يـبحـثـوا لهم عـن مقـر أكـبر يليق بمكانة شباب ألقـوش الكـلـدانية ، بـديلاً عـن الموقع الحالي ، متعـهـداً بكـرَمه ومتحـمَّلاً نـصف كـلفـته وقال : (( أرى أن هـذا المكان ضيق وغـير واسع لـذلك أطلب منكم أن تـفـتـشوا عـن مكان أكـبر يليق بمكانكم المحـترم وسأعـطـيكم نصف المبلغ وعـليكم الباقي )) إن هـذا الكـرَم ليس إلاّ إيماناً وترجـمة منه لـقـول الرب : مجاناً أخـذتم مجاناً أعـطـوا ! .

اليوم وليس غـداً ، نحـن بأمس الحاجة إلى ملاحـين لمركـبنا في بحـر ليست أمواجه أمينة ، إلى قادة صامدين أمام رياح الزمن ومطـبات الحـياة اللـئيمة ، لـيأخـذوا بنا نحـن رعـيتهم إلى شواطىء سليمة . إنَّ خـير تـوجـيه لـنا قـرأناه بهـذا الـصدد وتعـلـَّـمْـنا منه ، هـو ذلك التي أشار إليه مار ﭙـولس إلى أهـل أفـسس قائلاً لهم : (( تـبَـصَّـروا في سيرتـكم وإجـعـلوها سيرة العـقلاء لا سـيـرة الجـهلاء ، وإنـتهـزوا الفـرصة السانحة لأن هـذه الأيام سـيئة ، فإياكم أن تكـونـوا من المغـفـلين ، بل إفـهـموا ما هي مشيئة الرب )) . إن المعادن لا تـُـفـحـص بخـيوط من حـريـر بل عـلى نار سعـير ، وعـنـدها يظهـر الخـفيُّ منها والكامن فـيها ، بل عـنـد لـيِّـها وبَـرمها وعـصرها وكـبسها ! تـُـكـتـشف ماهـيتها والفـقاعات الهـوائية التي في داخـلها . مرة أخـرى ، شـكـراً لسيادة المطران إبراهـيم إبراهـيم الجـزيل الإحـترام ….. وإلى حـياة سـعـيـدة في المقـبل من الأيام .

 بقـلم : مايكـل سـيـﭙـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *