يوم الشهيد وثورة شارب الشاي

خلال دردشة مع صديق لي وهو سرياني ، سألني عن تاريخ محدد من الممكن اتخاذه مناسبة قومية كيوم للشهيد للمكونات الثلاثة ” الكلدان والسريان والاثوريين ” ، فكان جوابي وهو رأي الخاص كالتالي ، بما اننا نسلك في عدة اتجاهات مذهبية وقومية ولكن تجمعنا نحن الأحياء خيمة واحدة وهي الخيمة المسيحية ، فلماذا لا تكون تلك الخيمة هي التي تجمع ذكرى شهداءنا ايضآ  ؟ ، إذ هناك الاضطهاد الاربعيني الذي شنه الملك الساساني شابور الثاني ( 309 – 379  ) على المسيحيين والذي ذهب ضحيته مئات الالاف من ابناء شعبنا ، ومن بعد شابور الثاني عانى المسيحيون من اضطهادات ومذابح من بعض خلفاء العرب المسلمين والمغول والتتار والعثمانيين في تركيا عام 1915م التي لا زالت اطلال قرانا وبلداتنا وأديرتنا صامدة وشاهدة على عمق المآساة وعلى عمق الجريمة التي تعرض لها المسيحيين بمختلف اتجاهاتهم القومية والمذهبية ، وتلتها الاضطهادات والتهجير ومسلسل القتل على الهوية المسيحية التي تعرض لها شعبنا المسيحي بكافة اتجاهاته القومية والمذهبية في العراق بعد عام 2003 والمستمرة الى يومنا هذا ، ألا تستحق كل تلك الاضطهادات وكل ذلك التشريد وكل تلك الدماء المسيحية البريئة التي اريقت أن نختار تاريخآ محددآ ضمن واقعة من كل تلك الاحداث التي جرت على عموم شعبنا المسيحي بكافة اتجاهاته القومية والدينية ونعلنه تذكارآ سنويآ للشهداء المسيحيين الكلدان والسريان والاثوريين ، هذا إذا أردنا أن نتجاوز الخصوصيات القومية الفردية التي لكل من المكونات الثلاثة المذكورة وإذا أردنا أن نتخذ تاريخآ جامعآ لا يثير أية حساسية قومية او طائفية او مذهبية .
وفي غمرة حديثنا عن شهداءنا وحول امكانية تحديد تاريخ جامع لتخليد شهداء الكلدانيين والسريان والاثوريين من دون تحيز او عنصرية او اجبار أو فرض واقعة خاصة وتعميمها على الجميع قاطعنا احد المتكئين الى جوارنا ويبدو انه ضاق ذرعآ بنقاشنا قائلآ بنبرة المتذمر ( بشرفي انتو بطرانين ، خلي بالأول المسؤولين ( … ) يسلمون على بعضهم  بعدين تعالوا وتكلموا بالمثاليات الافلاطونية وحطوا الشهداء بالنص ، عمي انسى الله يرحم والديكم ، ودفع ثمن الشاي الذي لم يكمل شربه وخرج وهو يدمدم ) .
 لا اخفي ان تلك المداخلة العنيفة والغير متوقعة قد قلبت جو المقهى من ضجيج الدومينو والطاولة وصراخ اللاعبين الى جو يسوده الصمت والسكون ومن الطبيعي ان يكون اكثر الناس تأثرآ بهذا المشهد هو أنا وصاحبي حيث جلسنا مبهوتين مذهولين لِما حدث الى ان أفقنا على قهقهة البعض ، ومما أثار استغرابي وتعجبي هو ان  الحديث عن الشهداء ويوم الشهيد قد اصبح حديث معظم المتواجدين في المقهى بحيث أخذ الموضوع اتجاهات مختلفة وكل حسب رأيه أوانتماءه الطائفي ، فمنهم من أراد جعل ذكرى المذابح التي حدثت في تركيا ( سيفو ) تذكارآ قوميآ شاملآ خاصة انها قد اخذت بعدآ دوليآ بعد اعتراف بعض البرلمانات الاوربية بها ، ومنهم من تمسك بأحداث سميل والمذابح التي تعرض لها الاثوريين فيها ، ومنهم من رأى وجوب اعتماد التاريخ الذي وقعت فيه المذابح التي تعرض لها الكلدان في قرية صوريا الكلدانية كيوم للشهيد ووجب المطالبة بتضمين الدستورين العراقي والكوردستاني بندآ خاصآ لتخليد شهداء الكلدان اسوة بباقي شهداء المكونات الاخرى ، كذلك العمل على انشاء نصب تذكاري لشهداء الكلدان في الدول والمدن والمناطق التي يكون فيها لشعبنا كثافة سكانية تستطيع ان تحقق هكذا مطلب قومي .
في الحقيقة ان كل الاراء والمواقف المختلفة التي اوردناها لم تكن جديدة او غير متوقعة ولكن ما فاجأني حقآ هو حديثين اثنين ، الأول لصاحبي السرياني الذي قال وكأنه يخاطب الجميع ، بما ان اغلبكم قد اخذ المنحى الطائفي لتحديد يوم الشهيد ، فاسمحولي ان اسير في ذات المنحى وأعلن لكم  انني كقومي سرياني اطالب بأن يخلد يوم استشهاد المناضل الشهيد يشوع مجيد هداية رئيس الهيئة التنفيذية لحركة تجمّع السريان المستقل كيوم للشهيد السرياني ، ثم تناول ورقة من داخل كتاب وبدأ يقرأ النص التالي الذي اخذته منه فيما بعد  (الحركة تنظيم سياسي (سرياني) ذو توجه قومي ديمقراطي وطني. وهو ضرورة موضوعية حتمتها طبيعة المرحلة الراهنة. وجاء كنتيجة لنضج الوعي القومي لدى(السريان). شعار الحركة،هو ( وحدتنا القومية …..ضمان لحقوقنا القومية ) ، ثم اردف قائلآ ، هذا هو نص كلام الشهيد يشوع مجيد هداية عن حركة تجمع السريان التي اصبحت ( الحركة ) في عهده فعلآ مركز استقطاب قومي للسريان  وبسبب هذا التوجه القومي السرياني اغتيل الشهيد يشوع مجيد هداية وليس بسبب فعل ارهابي عشوائي كما يدعون ، لأن اغتياله كان علنيآ ومقصودآ وموجهآ لشخصه تحديدآ وتم في  داخل بلدته بغديدا المسيحية التي يحرسها عشرات بل المئات من الحراس المسيحيين ، أي كانت عملية مدبرة ومخطط لها ولم تكن ارهابية عشوائية ، فإذا كان الاثوري يخلد شهداءه الاثوريين الذين سقطوا في سميل ، وإذا كان الكلداني يخلد شهداءه الكلدانيين الذين سقطوا في صوريا ، فالأولى بنا وحقا علينا نحن السريان ان نخلد يوم استشهاد الشهيد القومي يشوع مجيد هداية في 22/11 من كل سنة وان نتخذه مناسبة قومية ويوم للشهيد السرياني ، وما ان انتهى من كلامه هذا حتى علا تصفيق شديد من بعض الحضور …
أما الحديث الثاني الذي لم أألفه من قبل فقد جاء من احد الحاضرين الذين عرفته فيما بعد بأنه شماس في احدى كنائس شعبنا حيث قال ما معناه ، بما ان كل يبكي على بلواه وعلى شهداء طائفته ، فلماذا لا يكون لنا يومين للشهيد ، يوم خاص للشهيد القومي للمكون الواحد مثل يوم الشهيد السرياني في 22تشرين الثاني ويوم الشهيد الاثوري في 7آب ويوم الشهيد الكلداني في 16 سبتمبر ايلول ، وهذا لا يتعارض مع تخليد نا لذكرى جامعة نتخذها كيوم للشهيد للمكونات الثلاثة كأن تكون أية من الإبادات الجماعية التي تعرض لها عموم شعبنا وبمختلف اتجاهاته القومية والمذهبية بسبب مسيحيته سواء تلك التي حدثت في تركيا عام 1915  او تلك التي شنها شابور الثاني او غيرها التي لا تثير أية حساسية قومية او طائفية . 
حقيقة لقد نال هذا الكلام استحسان البعض ولكن الكثيرون لم يوافقوه الرأي بل طالبوه بأن يبقي ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، وهناك من طالبه بعدم الخلط بين الدين والشأن القومي وكما قال احدهم ” ربما يكونوا جميع شهداء ابناء شعبنا مسيحيين ولكن ليس كل الشهداء المسيحيين من ابناء شعبنا ” .
الى هنا توقفنا أنا وصاحبي من متابعة الحديث وقررنا المغادرة ، وبعد ان دفعنا حساب ما تناولناه شكرنا الجميع وغادرنا ، وإذ نحن في الطريق اعترفنا بأن الرجل الذي خرج متذمرآ من جدوى الكلام عن الشهداء ويوم الشهيد الذي دار بيني وبين صاحبي في بداية حديثنا كان محقآ في تذمره ، لأن الذي جرى فيما بعد داخل المقهى ما هو الا نموذج مصغر يعكس واقع الحال الذي فرضته التنظيمات والاحزاب الاشورية على سلوكيات ابناء المكونات الثلاثة ، فلولا العقلية الاقصائية والمؤامراتية التي تحكم العمل السياسي والقومي لدى  التنظيمات والاحزاب الاشورية لما كان هناك شعور بلزوم رد الفعل الدفاعي وفي اكثر الاحيان رد الفعل الغاضب  وحتى المعادي لحماية الخصوصيات الذاتية والقومية لدى الكلدانيين والسريان ، واعترفنا ثانية بأن الرجل كان محقآ في ثورته وغضبه عندما وصف محاولاتنا لاختيار واقعة قومية لتعم على الجميع أو لتكون ذكراها كيوم للشهيد للمكونات الثلاثة ما هو إلا جدل افلاطوني عقيم ومضيع للوقت ، لأنه من المستحيل دمج او صهر أية من الثوابت القومية التي للمكونات الثلاثة في بوتقة واحدة  ومن المستحيل ايضآ احتواء أو اختزال تلك الثوابت والخصوصيات القومية في لون طائفي عنصري واحد كما يحاول ادعياء الوحدة المزيفة واصحاب التسميات القطارية تكريسها وفرضها على الكلدان والسريان .
كل المجد وكل الاكرام لشهداء شعبنا الكلداني

منصور توما ياقو
30 تموز 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *