وداعا أم كادح / باسل شامايا

                                                                                                                          لقد كان للحزن عنوانٌ بارز على صفحات 28/9/2011 ، حيث جاء الموت كالبرق مسرعا ليخطف من بين الأهل والمحبين روحا نقية صافية ، يأخذها بعيدا بعيدا الى عالم موغل بالرهبة والوحشة والسكينة ، لا يسمع فيه ضجيج الصغار ولا يحمّلك شيء من هموم تفاصيل الحياة ، قد تخنقني كلماتي وقد ينفذ مداد قلمي ألما على رحيل إنسانة طموحة غيورة في حبها للوطن  .. غيورة في حبها لتقاليدها وتراثها وانتماءاتها الوجدانية . هكذا رحلت أم كادح       ( غنية )هذه المرأة التي مزجت بين حبها للوطن وبين تحملها رحيل ابنها الشاب ضحية من ضحايا الإرهاب ، عرفناها منذ زمن بشجاعتها ومواقفها ، كانت امرأة قوية صلبة تحملت اوصاب الزمن الغادر وأعباء الحياة العصيبة في تربية أولادها ، وأحيانا كانت تتحمل ذلك لوحدها دون أن يشاركها بتلك المسؤولية شريك حياتها لأنه كان مطاردا من قبل أزلام النظام الرجعي العميل ، اضطر لمغادرتها قسرا واختار ارض كردستان بعيدا عن عيون المرتزقة لمقاومة نظامهم الجاثم على صدر العراق ، كانت السنون تمضي وهي تداري جراحاتها بعيدة عنه ، ملاحقة من قبل أولئك الأوباش ، ومع كل تلك المضايقات والأيام العصيبة المحفوفة بالشدة والحاجة إلى كل مقومات العيش ، كانت ترتشف حلاوة الأمل في وطنها المرهق الذي أتعبته الأيام كما كانت حتى أيامها الأخيرة ، تئن عل همومه وأشلاءه وجراحاته التي راحت تتمنى له ضماد ودواء ، رحلت حاملة معها عشقها الأزلي لأرضها التي سلبت بعد ان وطئت فيها أقدام الجناة  .  اعتادت ان تزرع الأمل في قلوب من يشاركونها الصعاب ، خصوصا اسرتها وزميلاتها الرابطيات اللواتي اجتمعن تحت راية الدفاع عن حقوق المرأة التي صودرت حقوقها على امتداد الزمن ، آمنت بالحياة الحرة الكريمة ، وآمنت كل الايمان بالحياة الخالية من الاستغلال والخوف والإرهاب ومن المحاصصة المقيتة والفساد بكافة أشكاله تمنت دوما أن يعيش شعبها بجميع شرائحه الاجتماعية بالمحبة والتعاون والإخاء . كانت امرأة أبية تحلم بحياة هانئة خالية من الذل والعبودية ، تسعى دؤوبة متمردة على التقاليد البالية تلك التي تحد من نشاط المرأة وتجحفها وتغبنها حقها في الحياة الحرة بل وتجعلها مواطنة من الدرجة الثانية ، تنحصر مهمتها في البيت فقط وتحديدا في  ( تربية الأطفال ) ، كانت تثور غضبا على كل من يفكر بمغادرة العراق ولا تتهاون مع اولئك الذين  يحرضون على الهجرة ، هذا السرطان الذي راح ينخر في الجسم العراقي الاصيل ، فتدعو كل من يتفق معها لمقاومة الظروف القاسية وتجاوزها والتي كانت تقول دوما ( انها ظروف آنية ) حتما ستزول مع انبثاق فجر العراق الجديد ، وتعمل على تثقيف قريناتها للمساهمة الفاعلة في بناء االوطن السعيد الى جانب الرجل لكي تترفرف على ربوعه رايات المحبة والسلام والاستقرار ،  كان نصيبها من الارهاب ابنها الشهيد(فلاح ) الذي غادرها قبل الأوان قربانا للوطن ولم تكن ردود الفعل عندها بتلك الخسارة الفادحة  الا  لعناتها للإرهاب الذي سرق منها فلذة كبدها .. كانت ترفض وبشدة ان يواسيها احد على رحيله وتعارض كل من يقول لها (البقاء في حياتك ) لأنها كانت تقول وبحسرة : ارجوك لا تقل ذلك لأن ولدي لم يمت ، انه حي في قلوب الجميع استشهد والشهيد خالد لا يموت .  كانت سباقة في تلبية دعوات منظمات المجتمع المدني في حضور مختلف النشاطات الثقافية والفنية والاجتماعية .. قادت حركة  المرأة من خلال رابطة المرأة العراقية في القوش حينما تم انتخابها سكرتيرة للرابطة  منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاث سنوات ، وراحت تعمل بكل نشاط ومثابرة ونكران الذات الى جانب زميلاتها في الرابطة من اجل إنعاش هذه الحركة التي كان لها دور متميز في بلدتنا العزيزة .. وأخيرا رافقها المرض وأضناها واقتحم حياتها السعيدة مع رفيق دربها وثمارها وبراعمها الصغار الذين حاولوا مرارا دون جدوى انتشالها من ذلك الوحش الذي راح ينخر في جسدها مادا  مخالبه الحقيرة في مساماته حتى أغمضت عينيها اغماضتها الأخيرة غارقة في بحر من النوم الطويل الذي لا صحوة منه ، وأسلمت الروح الى دون عودة تاركة كل شيء للذكرى .  لك الذكر الطيب ايتها السيدة الفاضلة المثابرة ولنا الحزن والالم على خسارتك وفراقك الابدي . 
  
 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *