هل يصبح حيدر العبادي نيلسون مانديلا العراق ؟

 

 

اجل العراق لم يكن متعافياً وكان ولا يزال يعاني من مختلف الأمراض والعلل ، ويحتاج الى الطبيب الحكيم الذي يشخص هذه الأمراض والعلل وبعد ذلك استخدام الأدوية الناجعة لمعالجة تلك الأمراض المستعصية . فهل يكون العبادي ذلك الحكيم ؟ وهل يكون رجل المرحلة لأنتشال العراق من واقعه المأساوي ؟ البدايات كانت سليمة وضرورية ، التخلي عن الجنسية الأجنبية البريطانية ، والأبقاء على الجنسية العراقية وعدم التشبث بالدفاع عن مفهوم الجنسيتين ، وهذه خطوة مهمة في المجتمع العراقي ، كما كان إلغاء الألقاب التمجيدية في التخاطب ، والأكتفاء بالأسماء المجردة وعنوان الوظيفة ، وبتصوري ، هذه خطوة مهمة للقضاء على الثقافة السائدة في مجتمعات العالم الثالث ، وشعبياً تعرف بثقافة ( تعرف  ويّا من دتحجي ؟ ) اي هل تعرف مع من تتكلم ؟ . وفي هذه الثقافة تجاوز فظيع على هيبة القانون والإستخفاف به ، فسيف القانون يجب ان يكون مسلطاً على رقاب الجميع دون محاباة او تمييز .

النقطة الأخرى التي التفت اليها رئيس الوزراء الجديد ، عدم تعليق صور رئيس الوزراء في الدوائر والشوارع والمباني ، كما كان لجوءه الى اختيار الوزراء من ذوي الكفاءة والخبرة وهي نقطة مهمة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،  ولكن شئ واحد سيكون عصياً  على الحل امام رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وهو معرفة وقياس عنصر الإخلاص لدى الوزير، فالإخلاص هو الركن الأساسي للقيام بالواجب بشكل مهني سليم ، والإخلاص متوقف على ضمير الأنسان لإداء واجبه بشكل سليم دون ربط ذلك بدافع المنفعة الشخصية او الحزبية ، فالواجب هو واجب ينبغي القيام به بمهنية وتجرد  بمنأى عن اي غايات او فوائد او مصالح .

لقد ورث العبادي من عهد المالكي تركة ثقيلة من المشاكل الكبيرة التي تمس سيادة الوطن وهيبة الدولة وتمزق اللحمة المجتمعية العراقية ، وتعقيد العملية السياسية ، وخلق الصراعات والعداوات بين الطبيقة السياسية .

 نتيجة هذه السياسة الطائفية الفاشلة تمزق الوطن الى كتل طائفية متناحرة ، واليوم  ثلث مساحة العراق ومدن مهمة مثل الموصل وتكريت .. خارج سيطرة الدولة العراقية . كما ان تعددية المجتمع العراقي الدينية والمذهبية والعرقية اصبحت نقمة ، وباتت المناطق المختلطة طائفياً نقاط ساخنة ومحل انتقام وقتل وتهجير . امام هذا الواقع المرير ينبغي ان يعمل العبادي على انتشال العراق من واقع التمزق والأنشطار ، لكي يعود محور الألتفاف حول الهوية الوطنية العراقية ركناً اساسياً لكل العراقيين على اختلاف اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وقبائلهم وأحزابهم ومدنهم ومناطقهم ، إنها مهمة تدور في فضاء المستحيل إذا بقيت الرؤية الى الأحداث بهذه العقلية الطائفية . والمعضلة المعقدة الأخرى هي تطهير الأراضي العراقية من سيطرة الدولة الإسلامية التي باتت معضلة اقليمية ولها امتدادات عالمية ، فهل سيفلح العبادي بالخروج من الورطة ؟

جوابي على هذا السؤال : ممكن الخروج بشرط ان يدعم الشعب حكومة العبادي وشخصية العبادي ، وهنا اريد التركيز على الكارزمية الشخصية في الوضع العراقي ، إن العراق وكل دول العالم الثالث يكون للقيادة الكارزمية اهمية كبيرة ، تجارب كثيرة امامنا وليس اقلها كارزمية مهاتما غاندي والتفاف الشعب الهندي حوله ، والثمار كانت استقلال الهند ، وبعد ذلك تجربة جنوب افريقيا حينما نجحت شخصية نيلسون مانديلا الفذة ، في تحقيق الأستقلال ووضع اسس راسخة لدولة ديمقراطية على انقاض دولة عنصرية مقسمة بشدة تقسيماً عرقياً . وتجارب الشعوب كثيرة لا مجال لسردها .

إن التفاف الشعب حول القيادة لا يمكن تحقيقه بتلك السهولة لا سيما في الظروف السياسية العراقية الشائكة ، وثمة ازمة ثقة بين مختلف المكونات ، وهنالك كثير من الشعور بالمظلومية ، كل فريق يظن انه مهمش وحقوقه مسلوبة في وطنه ، وهو يستحق اكثر مما يناله حالياً  ، لكن الحكومة تظلمه وتهضم حقوقه ، فثمة الأقليات الدينية وفي المقدمة الكلدان وبقية مسيحيي العراق والتي كانت والى الآن لا زالت مظلومة وحقوقها مهمشة ، وثمة السنة الذين فقدوا ناصية الحكم واليوم هم يشعرون بغبن شديد ، والأكراد لهم نفس المشكلة مع المركز ، اما الشيعة فلا زالوا يتصرفون وكأنهم معارضين للحكم ، فكل طرف يسحب النار لخبزته ولا احد يضحي بشئ من الحطب لإدامة شعلة النار في التنور لكي يستفيد منها الأخرون . الكل مظلومون ويطالب العراق بإنصافه وهكذا نبقى في جانب تقويض الدولة التي تظلمنا .

نحن نريد من منظف الشارع ان يكنس الشارع لكن نحن لا نساهم في عدم رمي الأوساخ في الشارع ، إن عملية التنظيف وكل مسألة كبيرة او صغيرة تتطلب تعاون الشعب مع الدولة ومؤسساتها ، إن العراق وهو بهذه الأوضاع يحتاج الى معجزة لكي ينهض من كبوته ، وهذه المعجزة تكمن في ابناء العراق ، في إخلاصهم في تفانيهم ، وعلى الجانب الثاني تبقى المهمة الملقاة على عاتق الحكومة من تقديم الخدمات وحفظ النظام وتحقيق الأستقرار .

إن تحقيق دولة مؤسساتية تفرض النظام والأستقرار وتكافح الفساد وتقضي على البطالة وتقدم خدمات جيدة للمواطن إن مثل هذه الدولة تبدو في الوقت الحاضر كالمدينة الفاضلة التي تكلم عنها افلاطون اي انها خيالية اكثر مما تكون واقعية وهذا الأستنتاج متأتي من الواقع المرير الذي يعيشه العراق وكما قلت يحتاج الى معجزة . لكن البداية بالسير نحو هذا الهدف يبدو ممكناً إذا توفرت النيات الحسنة ، وإذا اجاد العراقيون بالتضحية ببعض مصالحهم وخفظوا من سقف مطالبهم ، إن كانت هذه المطالب مرفوعة من قبل الأكراد او التركمان او السنة او الشيعة ، فكل جانب من هذه المكونات يشعر بأنه مغبون ، وكل منهم يكافح من اجل نيل حقوقه التي يعتبرها مشروعة ، وإن حقق بعض منها فهو في مثابرة دائمة من اجل نيل المزيد .

 لا احد يفكر بعراق متماسك وقوي ، إنه يريد كل شئ من العراق وهذا حقه ، اما واجب المواطنة والتضحية فقد اهمل امرها ، لا احد يريد ان يتطرق اليها .

برأيي المتواضع واستناداً على ما ينشر في الإعلام فإن بصيص الضوء بات يلوح في نهاية النفق ، فالدول المتنفذة والمؤثرة في وضع العراق : امريكا ، ايران ، السعودية ، تركيا ، باتت هذه الدول وغيرها متفقة على ضرورة ان تعيد الدولة العراقية هيبتها ، فهناك اتفاق ضمني بين هذه الدول . كما ان القوى السياسية العراقية باتت على يقين ان الدولة المدنية العلمانية هي الحل الوحيد لضمان وحدة العراق الأتحادي ، والدولة المتماسكة القوية هو الضمان الأفضل للقضاء على داعش وعلى اي صيغة اخرى للإرهاب .

إن رئيس الوزراء حيدر العبادي ، قد بدأ بداية سليمة في حلحلة الأوضاع المعقدة في العراق ، ويمكن له ان يستمر في الطريق لقيادة العراق الى بر الأمان ، وعلى القوى الأخرى التي تخلص للعراق ان تقف الى جانبه لتنظيف العراق من التطرف الديني والمذهبي ، اجل نستطيع ان نصنع من شخصية حيدر العبادي ، نيلسون ماندلا العراقي وهذا يصب في مصلحة الوطن العراقي والمنطقة ، لكي يعم ويسود السلم والأستقرار والتعايش في ربوع العراق  العزيز ، ويمكن الأقتداء بتجربة اقليم كوردستان في مسألة التعايش المدني بين كل المكونات ، إنها ثقافة التعدد وقبول الآخر ، تحت قيادة مدينة علمانية حكيمة لضمان عراق ديمقراطي مستقر ومتطور .

د. حبيب تومي / القوش في 18 / 11 / 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *