من لم يطلع على الحقائق اليوم لابد عارف بها غدا

  

الوعي هو ميزة الإنسان، عبر الممارسة والمعرفة والإدراك، الإنسان يرى العالم عبر وعيه الذي يتشكل في العالم نفسه، انه موقف الإنسان في الإجابة على كل التساؤلات المرتبطة بحياته ووجوده والى وعيه وإدراكه لأفكاره ومشاعره، وحين ينضج وعي الإنسان يصبح مدركا لمحيطه وزمانه وما يوجد من مصادر ومعلومات تاريخية وجغرافية وغيره من العلوم، كما يصبح مدركا للفرص والتحديات والإمكانات المتوفرة في ذلك المحيط، ومن المهم أن نلاحظ أن وعي المرء بكل ذلك قابلا للحوار والمراجعة.

كما أن عالم اليوم يموج بالكثير من التطورات والتغيرات والمستجدات على مختلف الأصعدة والمستويات، وعند مراجعة ما يجري على الساحة السياسية العراقية بعد سقوط الصنم وزوال النظام الدكتاتوري البائد، وبعد معاناة هذا الشعب بكافة مكوناته العرقية والدينية والمذهبية الذي انتظر طويلا ليحل النور ويذوق طعم الحرية والمساواة والديموقراطية .. تتفشى ظاهرة الإقصاء والتهميش والنيل من الآخر وبناء المجد منطلقا من مفهوم امتلاك الحقيقة والحلول القطيعة دون سواه وفرضها عليهم، ومن خلال المتابعة المستمرة لأوضاع الإثنيات والأقليات الدينية وما تعانيه من قتل وتهجير، وبلا أدنى شك القومية الكلدانية العراقية أصابها القتل والتهجير والتهميش والإقصاء، نعم صحيح كل الأطياف الأخرى أصابها ما أصاب الكلدان ولكن بنسبة اقل ما تعرض له الكلدان، هذه الإثنية الأصيلة تجتاز مرحلة عصيبة تمر بها في تاريخها المعاصر، إنها فترة زاخرة بالأزمات، تتسم بالخطورة، فتشير إلى وجود مشكلة أو مشاكل.

وليس من شك في أن مفهوم الوعي القومي لدي الكلدان، هو مفهوم إنساني، حين تصبح الهوية ملجأ وملاذا في مواجهة الأفكار والأطروحات الشمولية بمختلف أشكالها، وما أحوجنا نحن إلى قبس النور القومي نستضيء به، والى صحوة الوعي القومي الكلداني .. الوعي القومي الذي اقصده، هو وعي فكري وثقافي وفاعل جماهيريا .. إن وعي الذات، وأدراك الحاضر، والاطلاع على الماضي، وفعله الحاصل، هو حاجة مستقبلية، والوعي القومي الكلداني تعبير عن تنبيه ذاتي في السياق التاريخي، والحقائق التاريخية الموثقة لكفيلة بدحض كل الافتراءات والادعاءات.

تُعدّ حضارة بلاد الرافدين حسب الوثائق التاريخية من الحضارات العالمية القديمة، بدأ من العهد السومري والأكادي ومرورا بالعهد البابلي والأشوري والعهد الكلداني حيث أسسوا الدولة البابلية الثانية، ويعد حكم الكلدانيين من العهود المجيدة والزاهرة في تاريخ العراق القديم وعلى وجه الخصوص في ظل حكم الملك نبوخذنصر الذي دام ما يقارب 40 عام، لقد كانت بابل عاصمة الدولة الكلدانية حضارة فكرية تقدس العلم والتعلم وتعتبر العلم والثقافة إنما هي إلهية المصدر.. فأي حضارة تلك التي كانت تقدس القلم؟ إنها بابل العظيمة التي ذكرها الكتاب المقدس.. بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين (” اشعياء 13- 19″) .. إنها بابل صاحبة الجنائن المعلقة الشهيرة التي بناها الملك نبوخذنصر الكلداني.

لطالما قلنا وما زلنا نقوله تكرارا ومرارا إن ضحالة المعرفة التاريخية والاجتماعية والسياسية وسط كثير ممن يوصف بالمثقفين، والأمر لم يقف عند حد الضحالة، بل تجاوزها إلى مرحلة تعمد إزالة وجود الأخر عن قصد، وهو ما يسميه علماء الاجتماع بالقصور الذاتي، وهو يأتي دائما نتيجة لجهل أو تجاهل عن عمد واقع تاريخي واجتماعي لغرض سيطرة لونية ثقافية محددة، ولقد أشاروا إلى ذلك من على منابر الصحف الالكترونية والقنوات الفضائية والجرائد عدد من الأساتذة والأكاديميين وعلى وجه الخصوص النخب الثقافية والسياسية من أبناء الشعب الكلداني.

 
إذا فالوعي له أهمية استثنائية في التفكير لأنه وعن طريق إدراك الواقع يساعدنا على إدراك المفاهيم..السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا البعض يزوّر التاريخ ويغسل الأدمغة وينشر مغالطات تاريخية؟ لماذا ينفون بقاء الكلدان واستمرار وجودهم في بلاد الرافدين موطنهم الأصلي؟ أين يريدون أن يصلوا؟ فالأسلحة والجيوش ومشروعات الإبادة فشلت في إبادة حضارة وثقافة الكلدان في قديم الزمان، بل استطاع الشعب الكلداني أن يحقق الانتصار والتحرر من الذل والعبودية وموثوق بالوثائق التاريخية.

 

 يقول العالم والمؤرخ البريطاني الشهير ” ارنولد توينبي ” في الدولة الأشورية: ( فقد ماتت هذه الدولة مختنقة في دروعها التي تفننت في ابتكارها عندما أغوتها قوتها، فكانت غطرسة القوة سببا في زوالها واندثارها وهي في أوج قوتها، فقد سحقها المستضعفون الذين كانت تزدريهم وتستخف بقدراتهم، لقد هلكت هذه الدولة الباغية عندما فقدت القدرة على تقويم مسارها مع العلم إن القدرة في تقويم المسار هي في الأساس قدرة أخلاقية وليست قدرة تكنولوجية ).

وفي هذا السياق فإن مفهوم التاريخ هو تلك المعرفة المرتبطة بالماضي الإنساني، فالتاريخ لا يرتبط بالأوهام بل هو معرفة ترتبط بماضي الإنسان ما دام التاريخ هو في أساسه معرفة بالماضي، وبمرور الزمن الإنسان تأهل تاريخيا لامتلاك الوعي تجاه نفسه وتجاه العالم من حوله، إذن فقضية الهوية معقدة للغاية، ولا يمكن حلها باليات الحسم ألظرفي، وما زلنا نقول انتم لستم على صواب فيما تحاولون فرضه على الكلدان، فقد تناما الوعي القومي والإحساس بالذات لدى الكلدان، أليس الشعور القومي هو الذي يتحرك في ضمائر الشعوب ويحركهم ويحدد ممارساتهم وتصرفاتهم الأساسية؟ فالمشروع الشمولي ومحاولات التهميش والإقصاء للقومية الكلدانية فشل تماما أمام حركة الوعي الجماهيري الكلداني، ولم يعد ممكنا التحايل على الواقع المعاصر بدعاوي الحرص على وحدة أو مشتركات، وبالتالي بات من الضروري مناقشة هذا الواقع بوضوح وليس على شعارات طنانة رنانة وأجندات سرية خاصة، لأن من لم يطلع على الحقائق اليوم لابد عارف بها غدا.
 
 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *