مقابلة مع سياسي كلداني مضطهد بويا كوركيس \ عنكاوا(3)

هكذا توالت الأحداث القاهرة والعسيرة والفريدة من نوعها ، هذا النموذج المؤلم الصارخ  المعاصر مع الحدث الفريد من نوعه ، عاش مأساة العصر الحديث..عصر الربع النهائي من القرن العشرين ، ينطق بذاكرته الحيّة الى حد ما ، يسرد لنا تاريخ دموي تمييزي عنصري بأمتياز ، وها نحن اليوم في عراق الفوضى الخلاقة ، وريث نظام قمعي دموي حروبي متتالي ، نجني ثمار التفرد وغياب القانون وتعريب المجتمع وتغيير ديمغرافية الأرض والمناطق جميعها ، لكل من هو خارج العروبة والعربية لباقي مكونات المجتمع العراقي ، وبناء الألفة الأيديويوجية العنصرية القومية عربية كانت أم كردية أم تركمانية أم آشورية بأمتياز ، والى جانب ذلك الدينية لأسلمة المجتمع وصولاً الى الطائفية المقيتة المدمرة ناتج للفساد الطفولي المالي والأداري ، كون الحلف العقائدي كان ولا يزال ساري المفعول وفق الربط المبدأيي العروبي والأسلامي معاً ، ولحد اللحظة شعبنا العراقي عانى و يعاني الويلات والمآسي والخراب والدمار للأنسان والحيوان والنبات والشجر وحتى الحجر ، بسبب زرع بذور السياسة الطائفية المقيتة والتعنصر القومي المشين سببه السلطة القاهرة المدمرة الشوفينية العنصرية الهدامة القاتلة  المخالفة المتناقضة مع أبسط القيم الأنسانية والحضارية والقانونية للعدالة الأجتماعية والمساوات بين ابناء وبنات الشعب العراقي الواحد .. أنها كارثة وبلاء دائم وقائم في زمن الفاشي الصدامي ، وصولاً الى ما هو حاصل وقائم ومستمر في عراق الأحتلال والدمار من زاخو وحتى الفاو.

س13: تداولت حكايات سمعناها مسبقاً مفادها ، عند أعتقالكم طلبوا منكم أعتناق الدين الأسلامي كونكم مسيحيون عرب وفق تصوراتهم وأيديوجة البعث الهدام ، ووفق منهج عفلقي معلن .. كل عربي هو مسلم وكل مسلم يجب عليه أن يتحول للعروبة ، كون القرآن نزل عربياً على محمد..ما هو رأيكم بذلك؟ وهل حصل معكم فعلاً وليس قولاً؟

ج: يبتسم قليلاً متفاجئاً بسؤالنا هذا !!! ، جاوبنا بالنص(نعم حدث معنا هذا .. بعد أعتقالنا نحن خمسة عشر معتقلاً من عنكاوا طلبوا منّا التأسلم ، وبالطبع نحن رفضنا طلبهم رفضاً قاطعاً ، مما أشتدت نقمتهم وقسوتهم وعنفوانهم وهيجانهم كوحوش مفترسة جائعة ، ليمارسوا ضدنا أسوء ما ملكت قدراتهم وقذارتهم وبشاعتهم ، بطرق متنوعة وأساليب متعددة لا يمكن للأنسان نسيانها قط.

س14:حدثنا قليلاً ماذا بعد محاكمتكم الصورية الجائرة الغير القانونية وتغيير حكمك من الأعدام الى خمسة عشر عاماً؟

ج: بعد تغيير القرار من الأعدام الى خمسة عشر عاماً أحكام ثقيلة ، تم تحويلي من محجر الأعدام الى ق3 (قاطع الثالث) في نفس معتقل أبو غريب المركزي ، حيث كان تعاملهم أفضل من محجر الأعدام.

س15: هل بأمكانكم الحديث عن أوضاعكم داخل القاطع الثالث (ق3)؟

ج:ق3 السيء الصيت يتكون من 20 غرفة في كل غرفة 8 – 10 سجين والغرف صغيرة جداً قياساً بعدد المساجين ، مما أضطرت ادارة السجن مبيتنا في الممر لأيام معدودة وهكذا دواليك مع بقية السجناء القادمين الجدد.

س16:هل بأمكانكم ذكر واقعة معينة أثارت أنتباهكم في سجن أبو غريب ق3 الذي تم نقلكم اليه فيما بعد؟

ج:بالتأكيد.. نتيجة وضعنا المتردي والسيء للغاية جداً جداً ، عندما كنّا في المحجر الخاص لقسم الأحكام الثقيلة تم نقلنا الى ق3 كما ذكرت ذلك في جوابي لسؤال 14، حيث أستقبلنا شخص كلداني كان معتقلاً في ق3 وهو من سكنة بغداد ، قدم لنا خدمات جليلة لا يمكننا نسيانها ما حيينا .. كونه أصبح دليلنا في أستخدام الحمام العام والراحة والأنتعاش النسبي بعض الوقت ، مما أعطانا وضع نفسي متميز عن السابق كونه شيء جديد يرادف حياتنا الميؤس منها سابقاً في قسم الأعكام الثقيلة ، والتي كنا محكومين بالأعدام فيه قبل تغييره الى خمسة عشر عاماً كما أسلفنا سابقاً ، فلم نكن نتوقعه ليحدث معنا هذا التطور اللاحق مرده هذا الأنسان الكلداني الشهم.

س17: وما هي حكاية الأزيدي الذي صادفكم في السجن وما هي قصة الوليمة التي دعاكم اليها وأنتم في السجن معاً؟

ج: يبتسم قليلاً هههههه ثم يبدأ بسرد القصة والحدث فيقول:

بعد يومين فقط من مكوثنا في السجن ق3 ، أمرت أدارة السجن لجميع مساجين القاطع بالخروج الى واحة السجن ، بغية أكتساب السجين قليلاً من الشمس والهواء الطلق ، وبالصدفة شاء قدرنا الألتقاء مع شخص أزيدي تم التعرف عليه في باحة السجن كونه من المكونات الأصيلة المضطهدة تجمعنا وأياه نفس المصير المجهول ، يسمى شيخ عطا السنجاري سبق وأن حكم عليه بحوادث الشمال ، ولكوننا حديثي التواجد  في القاطع ومن كلدان الشمال ، قرر أستضافتنا لوليمة غداء أحتراماً وتيمناً بكرم الضيافة العشائرية المتعارفة لمشاعر وعادات وتقاليد العراقيين النجباء ، وعليه لبينا طلبه وفق المبدأ العراقي (ما يرد الكريم الا البخيل) ومعنا الشخص الكلداني من سكنة بغداد ، وحال وصولنا ودخولنا الغرفة المتواجد بها شيخ عطا ، تم تطويقنا جميعاً من قبل الحرس على أساس نحن مجتمعين معاً ، مما جرى تعذيبنا بشكل جائر وتعسفي وبمختلف الأساليب المتاحة لديهم ، وقاموا فيما بعد بأبعاد السجين الكلداني من قاطعنا (ق3) الى مكان مجهول لم نعرف مصيره لحد الآن ، ويا ريتنا لم نلتقي مع شيخ عطا ولم نتعارف عليه.

س18:بموجب علمنا وتتبعنا للوضع العراقي عن كثب ، صدر قرار العفو العام بعد نهاية الحركة الكردستانية ، وفق معاهدة الجزائر آذار 1975 ، لماذا لم يطلق سراحكم أسوة بالبقية؟

ج:نعم تم تبليغنا بأطلاق سراحنا حال صدور العفو العام لجميع المحكومين بحوادث الشمال ، حيث سلمنا كافة المتعلقات كسجناء في أول يوم صدور القرار ، وبعد يوم تجمعنا في الساحة الكبيرة للسجن ، حيث تم فرزنا دينياً حيث نحن المسيحيين والأزيديين في مكان خاص على أساس يتم نقلنا الى مناطق سكنانا ، والأكراد المسلمون في مكان آخر من الساحة لغرض نقلهم وعوائلهم الى جنوب العراق وفق أقوالهم المفترية ، حيث تبين فيما بعد المسيحيين والأزيديين مستثنين من قرار العفو العام ، لنرجع ثانية الى ق3 للمربع الأول حيث  كُنّا لأكمال محكومياتنا المتبقة لحين صدور قرار خاص بنا عام 1979.

س19:هل هناك قصة مثيرة حدثت معكم في السجن؟

ج:بعد فترة من تواجدي في ق3 أقرع باب الغرفة حيث تواجدي من قبل حرس السجن ، طالباً مقابلة شخص مجهول الهوية بالنسبة لي، تبين فيما بعد أنه مسيحي عرفني بأسمه (نيسان) مطلق سراحه بعد أيام لأنتهاء مدة محكوميته ، سبق وكان متعهداً لحانوت السجن ، طالباً بيعه لي فأتفقنا على سبعة دنانير ليس حباً بالربح  بالنسبة لي ، بقدر خدمة السجناء من جهة وقتل وقت الفراغ من جهة أخرى ، وهكذا أستمريت في الحانوت لحين نقلنا الى قسم السياسيين ، لتنتهي خدماتي الشخصية للمساجين العاديين في ق3.

س20:ذكرت سابقاً في الحلقة الأولى بأنك أكملت الصف الخامس الأعدادي في السجن، وحسب معلوماتنا المتوفرة لدينا ، مفادها السجين السياسي يستثنى من الدراسة في السجن ، كيف حدث ذلك ومتى؟

ج:نعم هذا صحيح 100% ، ولكن الذي حدث معنا فيما بعد هو الآتي:
سجن أبو غريب كان فيه مدرسة من المرحلة الأبتدائية وحتى التخرج من المدرسة الثانوية ، أضافة الى  دورات مهنية مختلفة الأختصاصات لجميع السجناء العاديين بأستثناء السياسيين كونهم غير مشمولين بالدراسة ، أنتقاماً منهم بأعتبارهم معارضين للنظام الأستبدادي القمعي الجائر ، ولكن من حسن حظنا تم دمجنا مع السجناء العاديين لمدة سنة ونصف فقط ، وفي هذه الفترة أستغليت الفرصة وأكملت الخامس الأدبي بنجاح ، ومن ثم درست في قسم الكهرباء وحصلت على شهادة مهنية في الكهرباء ، وأجتازيت دورة في النجارة بنجاح وحصلت على الشهادة أيضاً ، كما دورة أخرى لأتقان الطباعة باللغتين (عربية وأنكليزية) حاصلاً على شهادات موثقة محتفضاً بجميعها لحد اللحظة وهي بحوزتي ، وبعد ذلك تم نقلي الى قسم السياسيين لتحجب عني الأستمرار في مواصلة وأكمال دراستي داخل سجن أبو غريب ، كما أسلفت في جوابي السابق.

س21:كيف أنهيت المرحلة الأعداية (السادس الأدبي) بأعتبارك سجين سياسي محكوم ومتواجد في قسم السياسين؟

ج:نعم أنت محق .. فلم أتمكن من أكمالي السادس الأعدادي في السجن بسبب نقلي الى قسم السجناء السياسيين كما أسلفت في الجواب السابق أعلاه ، ولكن بعد أطلاق سراحي من السجن بقرار العفو العام من قبل السلطة البعثية بما يسمى (قرار مجلس قيادة الثورة) أطلق سراحي في 21 \آب \عام 1979 متضمن تعييننا في دوائر الدولة حسب الشهادة المتوفرة لكل شخص(سجين أعفية عنه) ، لذا قدمت شهادتي المدرسية لأدارة المدرسية المسائية في أربيل كوني أجتازيت الخامس الأعدادي ، وبعدها حصلت على الشهادة الأعدادية قسم الأدبي بتفوق في الأمتحان العام (بكلوريا السادس الأعدادي) ، ومن ثم قدمت شهادة تخرجي من الأعدادية الى جامعة صلاح الدين \أربيل – كلية الحقوق تفاجأت برفض طلبي .. عارفاً السبب كوني مستقل وغير منتمي لحزب البعث الحاكم بالأضافة كوني محكوم بتهمة سياسية وسجين سابق، وكما تعلم كان الشرط القسري لقبول الطلبة في الكليات هو الأنتماء لحزب السلطة في الحصول على مقعد دراسي في عراق البعث الصدامي الجائر.

س22: لماذا أختاريت كلية الحقوق بالذات وأنت سجين مطلق سراحك بقرار خاص من سلطة جائرة قمعية؟ وأنت بالذات تناقض وبالضد من مسيرة البعث؟

ج:نتيجة الظروف القاهرة والمؤلمة والقاسية والعسيرة جداً في المعتقل والسجن ، حلمت وانا شاب يافع متطلع نحو حياة مدنية قانونية تمنح كل ذي حق حقه طالبة تنفيذ واجباتنا كمواطنين ضمن المجتمع العام ، تحقيقاً للعدالة والمساواة في المجتمع العراقي ، وفي ذلك الوقت فهمت الحقيقة المطلوبة مني كأنسان لتنفيذ واجباتي  ومبدأيي لتحقيق العدالة الأجتماعية بين أفراد الشعب الواحد ، وتبين فيما بعد وبحكم الواقع كانت بالنسبة لنا تخيلات عامة وأحلام شبابية لاتمت للواقع بصلة في تحقيق حكم القانون المنصف  نحو مستقبل آمن واعد.

س23:وماذا عن الوظيفة الحكومية؟هل تم تعيينك فعلاً عند خروجك من السجن وفقاً لقرار العفو العام في 21\8\1979 كما ذكرته أعلاه؟

ج:نعم بعد خروجنا من السجن وفق قرار مجلس قيادة الثورة في آب 1979 والمتضمن تعييننا في الوظائف الحكومية ، وفق التحصيل العلمي والدراسي لكل سجين مع أحتساب فترة التعيين منذ أطلاق سراح السجين قبل التعيين خدمة وراتب ، وعليه قدمت أوراقي  كخريج مرحلة الثالث المتوسط في دائرة الزراعة كأداري (كاتب) في قسم الدواجن في أربيل ، وفي المساء كنت أواصل تكملة دراستي الثانوية في المدرسة المسائية \ أربيل ، كما أسلفت سابقاً حتى أجتازيت الأمتحات العام (بكلوريا السادس الأعدادي الأدبي) بتفوق ومعدل يؤهلني لدخول كلية الحقوق في جامعة صلاح الدين ، ولكن حلمي لم يتحقق كوني مستقل حزبياً وغير منتمي لحزب البعث الصدامي الجائر.

حكمتنا:( من سعى وجد ، ومن زرع حصد ، ومن ثابر حصل ، ومن تجدد جنى ، ومن ناضل جاد ، ومن قارع كسب.)

(تابعونا)

منصور عجمايا

15\5\2016

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *