مسيحيو سوريا خائفون من بلوغ مصير مسيحيي لبنان والعراق

 

سوريون يسيرون في قرية الجديدة المسيحية في ادلب

واجه المسيحيون في الشرق الأوسط الحصة الأكبر من الاضطهاد، نتيجة للتغيير السياسي في الشرق الوسط في السنوات الأخيرة. واليوم يشعر مسيحيو سوريا أن مصيرهم لن يكون أفضل ممن سبقوهم، ويستعدون لدرب جلجلة جديدة.

لميس فرحات/ Elaph

بعد سيطرة مقاتلين سوريين من جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة على بلدة معلولا المسيحية التاريخية، يقول المراقبون إن المسيحيين الذين يبلغون نحو 10% من سكان سوريا قد يتعرّضون للإبادة أو الهجرة الجماعية، في حال سقط نظام الأسد، ما يجعلهم أكثر عرضة للاضطهاد.

وتقول أثراء، وهي أم سورية فرّت أخيرًا من قريتها على الحدود السورية العراقية إلى الأردن مع زوجها واثنين من أبنائها: “أريد أن يبقى الرئيس بشار الأسد في السلطة، لأنه كان جيدًا مع المسيحيين”. وأضافت: “بشار أعطى حرية دينية للمسيحيين، فلم يكن ينقصنا شيء. أما اليوم فنتوقع أن يحدث لنا ما حدث لمسيحيي العراق”.

تحديات تهدد المسيحيين

من مصر إلى لبنان وسوريا، يخشى كثير من المسيحيين من أن صعود الإسلام السياسي والتشدد المتزايد يمكن أن يكون له أثر غير متناسب على الأقليات المسيحية المحاصرة بالفعل، كما هي الحال في العراق على مدى العقد الماضي. وغادر ما يقرب من نصف مسيحيي العراق، الذين يبلغ عددهم مليون نسمة تقريبًا، ويشكلون في بعض الأحيان 20 % من اللاجئين العراقيين، على الرغم من أنهم يمثلون 5 % فقط من إجمالي عدد سكان البلاد.

وفي مؤتمر حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب استضافه الأردن في الأسبوع الماضي، شدد أكثر من 50 من قادة المسيحيين البارزين، فضلًا عن عدد من كبار علماء الدين الإسلامي، على ضرورة الحوار بين الأديان للمساعدة على قمع الطائفية المستعرة.

سلط المؤتمر الضوء على الدور الذي لعبه المسيحيون في المجتمعات العربية منذ ألفي عام، وحتى في عصور ما قبل الإسلام، باعتبار أن الخطر الطائفي لا يهدد الأفراد فقط، بل المجتمعات ككل، في حال بدأت موجة تهجير المسيحيين. وقال البطريرك الأرمني نرهان مانوكيان من القدس: “يرزح الوجود المسيحي اليوم تحت تهديد الكثير من التحديات التي تهز أركان الثقافة العربية، والمكون المسيحي داخلها، خصوصًا مع ارتفاع منسوب الهجرة، ما يؤثر سلبًا على المسيحيين العرب”.

شتات عربي

كان مفيد صاحب إستديو تصوير في بغداد، حتى زاره رجال وضعوه أمام ثلاثة خيارات: أن يتحوّل إلى الإسلام، أو يدفع مبلع 70 ألف دولار كجزية تفرض على غير المسلمين، أو يُقتل مع عائلته. وبدلًا من هذه الاقتراحات الثلاثة، فضّل مفيد الفرار وزوجته إلى الأردن، حيث لجأ إلى كنيسة الآباء اليسوعيين، التي يديرها الأب ريمون موصلي، من الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وينتظر مفيد اليوم، مع مسيحيين عراقيين آخرين وعائلاتهم، للحصول على تأشيرات هجرة، لبدء حياة جديدة في الغرب.

ويحلم رضا وشفيقة بالعودة إلى منزلهما في جرمانا السورية، التي اضطرا للرحيل منها بعدما وصلتهما رسالة مفادها: “كل ما تملكه من مال هو ملكنا، زوجتك أيضًا ملكنا لنتمتع بها، وأطفالك لنا لنقتلهم. كل هذا حلالنا”. وبعدها احترق متجر رضا لبيع الخمور، فهرب مع زوجته وابنه أنس إلى الأردن، حيث يحاولون الاستقرار منذ أكثر من سنة، على أمل العودة في أقرب وقت ممكن عندما يسود الأمن في البلاد، بغضّ النظر عمّن يحكم سوريا. لكن رضا قلق من تكرار أمثلة بلدان أخرى، حيث اكتسبت القوات الإسلامية السلطة بعد الإطاحة بالأنظمة العلمانية.

وأشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى صعود الإسلاميين في العراق وليبيا ومصر، إذ يواجه الأقباط في مصر، الذين يشكلون ما يقرب من 10 % من المصريين، أعمال عنف وخطف وقتل، وتتعرّض كنائسهم للحرق منذ انتفاضة العام 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. وقال رضا: “إذا سيطر الإخوان في سوريا، لن تعود البلاد كما كانت، سنصبح مثل لبنان حيث لكل طائفة منطقة خاصة بها”.

أمة أو دولة؟

في الواقع، واحدة من المسائل الأكثر إلحاحًا اليوم هي موقع المسيحيين في دولة يعتمد دستورها وقانونها بشكل أكبر على الشريعة الإسلامية. وأكد القادة المسيحيون العرب في المؤتمر في الأردن في الأسبوع الماضي مرارًا وتكرارًا على ضرورة المساواة في حقوق المواطنة بين المسلمين والمسيحيين، معربين عن مخاوفهم من بعض التفسيرات الإسلامية لمفهوم الأمة، أي الأمة العالمية من المسلمين العابرة للحدود السياسية.

قال غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك الروم الملكيين في أنطاكية وسائر المشرق، في معرض حديثه عن سوريا: “عبارة الأمة تلغي مفهوم الوطن والطابع التعددي للدولة”.

ولأن كل من المسلمين والمسيحيين يضطرون للتعامل مع الاضطرابات الهائلة في المنطقة، قال الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وأحد العلماء المسلمين الأربعة الذين حضروا مؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين في الأسبوع الماضي، قال إنه يدين الهجمات على الأقباط وإحراق الكنائس وإذلال المسيحيين في مصر. أضاف: “هذا انتهاك كبير، ليس فقط على الصعيد الإنساني، ولكن على الصعيد الإسلامي أيضًا. لا بد من القضاء على هذه المأساة التي يذهب ضحيتها إخواننا في مصر”.

وسط كل هذه الاضطرابات، يحاول المسيحيون التمسك بإيمانهم ليستمدوا منه القوة. فعلى الرغم من الخوف ومشاعر عدم اليقين، يأمل مسيحيو سوريا في أن يكون مصيرهم أفضل من مصير غيرهم في الدول المجاورة.

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *