مستشار محافظ نينوى لشؤون المسيحيين: تشكيل اقليم مسيحي له نتائج كارثية

نقاش | عادل كمال | الموصل | 24.11.2011

استهداف واضح ذلك الذي تعرض له المسيحيين في الموصل بين عامي 2003 و2008 ضمن موجة استهداف الاقليات في المدينة فقدوا فيه نحو 139 شخصا في حوادث متفرقة، وتعرضت العديد من كنائسهم وأديرتهم إلى الاعتداء، وفضل الآلاف منهم خيار الرحيل عن المدينة التي عاشت فيها اجيال متعاقبة من المسيحيين منذ آلاف السنين. وطوال السنوات الماضية التي تلت التغييرفي العراق عام 2003 ظهرت أصوات سياسية مسيحية تطالب بإنشاء منطقة إدارية خاصة بالمسيحيين في منطقة سهل نينوى، الى الشرق من نهر دجلة تضم مجموعة من البلدات المسيحية أهمها قرقوش وبرطلة.

“نقاش” التقت معن باسم سليم عجاج، مستشار محافظ نينوى لشؤون المسيحيين، وممثل حكومة نينوى في هيئة الأمم المتحدة، وتحدث عن مشروع المحافظة المسيحية الذي طرحته اطراف سياسية مسيحية مرات عدة وسر رفض المسيحيين الشديد له، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها شخصية مسيحية بارزة عن الوجود المسيحي في نينوى، ومستقبله في ضوء المتغيرات الجارية بأرقام موثقة.

نقاش: برأيكم من يقف وراء استهداف المسيحيين في الموصل؟

معن عجاج: المسيحيون عاشوا في نينوى مع المسلمين طوال 1400 عام، ولم يسجل التاريخ وقوع أية مشاكل بين الأثنين، وكانت العلاقات بينهما وما زالت أخوية أساسها المحبة، ووطنية يجمعهم العراق، غير أن مجاميع مسلحة تحمل اجندات خارجية دخلت البلاد بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية، استهدفت أرواح المواطنين المسيحيين وممتلكاتهم وكنائسهم في مدينة الموصل، وقتلت نحو 139 مسيحياً، كما تعرضت كنيسة الطاهرة التاريخية الى التفجير مرتين في عامي 2004 و2007 مع عدد من الكنائس الأخرى، وكانت تلك الأساليب تهدف الى فصل المسيحيين عن نسيج نينوى الاجتماعي وعزلهم في تشكيل إداري خاص بهم، أو حثهم على مغادرة البلاد، ترغيباً وتهديداً وهذا ما حدث بالفعل في عموم العراق، حيث كان عدد المسيحيين فيه مليون و800 الف شخص قبل 2003، و لم يبق منهم الأن سوى 500 الف مسيحي، يعيش100 الف منهم تقريباً في نينوى.

ولو انني أرى بخلاف الأخرين، أن هناك سببان آخران غير الاستهداف دفع المواطنين المسيحيين إلى مغادرة مدينة الموصل، أولهما الوضع الاقتصادي المتدهور في المدينة جراء الانفلات الأمني بين عامي2003 و2008، والسبب الآخر هو أزمة السكن الشديدة في الموصل وعدم توفر فرص العمل التي دفعت الكثيرين للهجرة إلى قضائي الحمدانية وتلكيف واللجوء إلى إقليم كردستان، حيث الأمن والأزدهار الاقتصادي، سيما وأن حكومة الاقليم كانت توفر السكن لهم ولباقي النازحين من مدن عراقية أخرى في ذلك الوقت.

نقاش : ما مظاهر تأثير تلك الضغوط على المسيحيين؟

معن عجاج :النزوح والرحيل هما من اهم مظاهر تأثير الاستهداف، فالقضية تكمن في أن المسيحيين لا يتمتعون بعمق عشائري أو قبلي يلجؤون إليه لحمايتهم مثل العرب والأكراد، فلم يجدوا أمامهم في ظل ضعف أجهزة الدولة، والحكومتين المحلية والمركزية، سوى خيار الرحيل الى قضائي الحمدانية (شرقي الموصل)، أو تلكيف (شمالي)، أو اللجوء الى مدن أقليم كردستان، أو النزوح باتجاه دول الجوار واللجوء الى الدول الأوربية.

نقاش: وهل كان الإستهداف على أساس ديني ام قومي؟

معن عجاج: مستهدفوا المسيحيين يحملون أجندات سياسية لا علاقة لها بالعقيدة الدينية أو الانتماء القومي، فجيراني المسلمين كانوا ولسنوات عدة يرفضون ان أغادر منزلي لقضاء حاجات البيت خوفاً على سلامتي في الأعوام التي شهدت تزايد استهداف المسيحيين، وكانوا يفعلون ذلك نيابة عني، ويرسلون أطفالي الى مدارسهم ثم يعيدونهم الى المنزل، وهناك شواهد اخرى، فالمطران فرج رحو رئيس اساقفة الكلدان في الموصل الذي اختطف وقتل من قبل احدى الجماعات المسلحة هناك في آذار (مارس) عام 2008 طلب من المسيحيين يوم سقوط نظام صدام حسين وحدوث الفوضى في الموصل حماية الجامع القريب، مثلما أوصى شيخ الجامع ذاته المسلمين بحماية الكنائس.

نقاش: كيف بدأت فكرة إنشاء محافظة أو إقليم خاص بالمسيحيين في سهل نينوى، وهل اعتمد المشروع على الكثافة السكانية ام المساحة الجغرافية؟

معن عجاج: فكرة إنشاء محافظة خاصة بالمسيحيين في سهل نينوى، أطلقها رئيس الجمهورية جلال الطالباني من باريس أثناء لقاء جمعه بأحد المسؤولين هناك، ورحبت بالفكرة أحزاب مسيحية مدعومة من قبل جهات خارجية، وروجت لها بشكل ملحوظ.
غير أن مسيحيي نينوى عارضوها منذ البداية، حتى تمكنوا في نهاية الأمر من إفشال المشروع. فغالبية الأحزاب الداعمة للمشروع لا تحظى بتأييد شعبي لكون اعضائها يعيشون خارج البلاد، كما ان تلك الأحزاب اختلفت فيما بينها حول طبيعة الكيان المطلوب تأسيسه إن كان إقليماً أم محافظة، فهناك من طالب بمحافظة مسيحية تضم أقضية الحمدانية (قره قوش، وتلكيف، والشيخان)، وهناك أحزاب آشورية رفعت سقف المساحة الى تشكيل اقليم يبدأ من قضاء الشرقاط شمال محافظة صلاح الدين إلى مدينة زاخو في أقصى شمال إقليم كردستان.
ولو كنت شخصياً أرى أية فائدة ترجى من إنشاء محافظة خاصة بالمسيحيين لكنت أول من يطالب بذلك ويناضل من أجله، غير أن في حال تحقق ذلك ستكون النتائج كارثية على الشعب المسيحي في نينوى برمته.

نقاش: لماذا ستكون كارثية؟

معن عجاج: لأن نسبة المسيحيين في سهل نينوى بين 11 الى 15 بالمئة، بينما يشكل الايزيديون 40 بالمئة تقريباً، ونسبة الشبك 25 بالمئة، والعرب 20 بالمئة، فهناك 65 الف مواطن مسيحي يعيشون في كبرى المدن التي تعتبر مسيحية وهي قرقوش أو بغديدا كما يسميها الأهالي، وهم من أصل 175 ألف نسمة يتوزعون بين شبك وأكراد في قضاء الحمدانية.
أما في قضاء تلكيف التي كانت فيما مضى تعد مدينة ذات غالبية مسيحية، فيعيش الآن ما يقرب من 25 ألف مواطن مسيحي من أصل 175 ألف من السكان، أما في شيخان فيبلغ عدد المسيحيين قرابة سبعة آلاف شخص، في حين ان تعداد سكان القضاء لا يتجاوز 37 ألف شخصا.
وفي الموصل التي يبلغ عدد سكانها مليون ومئة ألف مواطن، يعيش 18 ألف مسيحي فحسب.
وجميع هذه الأرقام تشير إلى أن المسيحيين لا يشكلون الأغلبية في مناطقهم، وأن إنشاء تقسيم إداري أو فدرالي باسمهم لن يكون في مصلحتهم أبداً، فلن يحصلوا في أية انتخابات تجري على ما يؤهلهم للحصول على أبسط المناصب، لهذا سيكون الأمر كارثيا عليهم، ولهذا السبب أيضاً فشل مشروع المحافظة المزعوم.

نقاش: أنت تتحدث بثقة كبيرة عن فشل مشروع إقامة محافظة خاصة بالمسيحيين في سهل نينوى، مالحجج التي تؤكد ذلك؟

معن عجاج: المسيحيون في نينوى مستقلون، ويؤمنون بعراق قوي وموحد، وكنيسة واحدة جامعة ومستقلة، وفي ضوء ذلك فهم لا يتقبلون تلقي الأوامر أو التعليمات من جهات لا تحمل صفةً إدارية رسمية مثل تلك الأحزاب، أو جهات خارج إطار الكنيسة، والتجربة أثبتت انهم يرفضون وبشدة الأفكار التي جاءت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، أو نشأت بعده، كفكرة إقليم أو محافظة سهل نينوى.
فالمنادون بها أنفسهم كعضو مجلس النواب يونادم كنا وغيره أكدوا فشلها لاحقا، ثم إن المواطن المسيحي لم ير أية مصلحة له في تبني المشروع أو حتى مجرد مناقشته، لعدم جدواه بالنسبة إليه.
والكل يعرف أن قرقوش كانت عبارة عن قرية، رحب أهلها كثيراً عندما تم تحويلها إلى ناحية ثم إلى قضاء لاحقاً، لأن ذلك أسهم في تطوير الخدمات فيها من خلال فتح فروع للدوائر الحكومية فيها وبناء مستشفى ومدارس وغيرها من المرافق الخدمية. ولو كانت المطالبات بجعل سهل نينوى محافظة لدواع إدارية خدمية بحتة، لقاتل المسيحيون من أجل ذلك، لكنهم تيقنوا أن السبب الرئيسي قومي وطائفي ليس إلا.

نقاش: إنشاء جامعة في قضاء الحمدانية، أليس خطوة أولى لاستقلال المسيحيين عن محافظة نينوى؟

معن عجاج: على العكس تماماً، لأن الكفاءات التي ستتخرج منها ستخدم نينوى والعراق عموماً، والظروف التي مرت بها مدينة الموصل هي التي اقتضت إنشاء الجامعة، كما أنها لن تكون فقط للمسيحيين، إنما ستفيد باقي المواطنين الشبك والعرب والكرد والككية وغيرهم بشكل أكبر، بحكم الكثافة السكانية لهم في تلك المناطق. كما أن قضاء تلعفر هو الآخر بدأ بإنشاء جامعة فهل يفكر هو الأخرى بالاستقلال عن نينوى؟

نقاش: قمتم بزيارة الفاتيكان ودول أوربية عدة للحصول على تأييد دولي لموقفكم الرافض فكرة إنشاء محافظة أو إقليم خاص بالمسيحيين، فهل دعمت تلك الأطراف رؤيتكم؟

معن عجاج: زرنا فرنسا وهولندا والسويد وأخيرا الفاتيكان، ضمن وفد كنت فيه باعتباري ممثلاً عن حكومة نينوى المحلية، وثلاثة مسيحيين آخرين من الموصل وتلكيف والحمدانية، وعقدنا ندوات عدة، كما أجرينا لقاءات مكثفة لإيصال صوت شعب نينوى المسيحي الرافض لفكرة عزله الى العالم، وكنا نحظى بالتأييد والدعم في كل مكان. وفي الفاتيكان التقينا بعدد كبير من رجال الدين المسيحي، مطارنة وكاردينالات، والجميل انهم جميعا كانوا من منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية، ولمسنا دعوات منهم تطالبنا بضرورة الالتزام بوحدة العراق والمحافظة على سيادته واستقلاله.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *