ماكو مؤامرة تصير وعين الشعب مفتوحة

                                     ماكو مؤامرة تصير عين الشعب مفتوحة

لا زلت اذكر قصة حقيقية رواها لي المرحوم الوالد عن بطولة حقيقية حدثت صباح ذلك اليوم المشؤوم في تاريخ العراق الحديث , صبيحة يوم الجمعة الثامن من شباط عام 1963 , يوم استطاعت ثلة من الضباط المتعطشين للسلطة تساندها مجاميع من العصابات من متسكعي الشوارع ان تقفز الى مواقع السلطة في غفلة من الزمن .

بينما كانت طائرتي الانقلابيين ودباباتهم تقصف مقر البطولة والوطنية الحقة , مقر وزارة الدفاع التي اعتصم بها ضباطها الاحرار وعلى رأسهم الشهيد الخالد عبدالكريم قاسم  , هؤلاء الانقلابيين والحقيقة تقال الذين تحركو وبايعاز واسناد من بعض القيادات والحكومات العربية انذاك التي لم ترق لها التحولات الجذرية والايجابية  الحاصلة في العراق بعد ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة , وتوجه العراق نحو البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والذي بدأ الشعب العراقي يلمس نتائجها الكبيرة على الرغم من عمر الثورة القصير .

اعود الى رواية والدي حيث ذكر انه وعند سماع الانفجارات واللغط في الشارع وحركة الناس الغير طبيعية خرج من دارنا في كرادة مريم عابرا جسر الجمهورية ومتوجها الى الباب الشرقي / ساحة التحرير وفي دقائق معدودة شاهد مجموعة صغيرة من الرجال لا يتعدى عددهم على اصابع اليد الواحدة بمظاهرة سارت في اتجاه شارع الرشيد منطلقة من عند تمثال السعدون فانظم اليها حاله حال المئأت من ابناء الشعب المخلصين للثورة والوطن , كان الهتاف الرئيسي لها (( ماكو مؤامرة تصير عين الشعب مفتوحة)) , اربعة او خمسة اشخاص بداؤا هذه المظاهرة الملحمية وحسب روايته عندما كانت قد وصلت الى قرب سينما روكسي كان عددها قد وصل بالمئات , وعند وصولها الى مقر وزارة الدفاع حيث كان لا زال الضباط والمراتب العسكرية الابطال  يدافعون عن الوزارة ضد المهاجمين كانت المظاهرة قد وصل عددها الى عشرات الالاف , وما تلا  ذلك من احداث ماساوية محزنة اصبحت الان فلم مأساوي تراجيدي معروف تفاصيله للجميع .

عندما نقارن هذه الواقعة الحقيقية والشجاعة ونتصور تلك المواقف الثورية والبطولات التي سجلتها قطاعات كبيرة وواسعة من ابناء الشعب العراقي في مقاومتها للمتامريين الانقلابيين لا يسعني الا ان اقارن بما يحصل الان من اوضاع ماساوية وعلى كل الاصعدة , فعلى الرغم من المعاناة الكبيرة والفقر والحرمان الذي يعاني منه ابناء شعبنا على ايدي حكام جاؤا الى الحكم تحت شعار النضال ضد النظام الدكتاتوري ومن اجل  تحقيق الديمقراطية والرفاه والعدالة الاجتماعية الا انه بفظلهم وصلت البلاد الى اسوأ حالاتها واحلك مراحلها فقرا  وبؤسا  وقتلا ودمارا , نعم  على ايدي سكنة المنطقة الخضراء تحول العراق الى منطقة صحراء جرداء لا كهرباء ولا ماء .

ان ما يدعو الى الاستغراب والحيرة حقا ان ( مناضلي وثوار الامس… ) يتحولون اليوم الى ظالمين و مستغلين( بكسر الغاء), ولكن ما يثير الدهشة الاكبر هو هذا السبات والتردد والخوف لدى طبقات وفئات واسعة من ابناء شعبنا العراقي للاحتجاج والتنديد وحتى النزول الى الشارع في مظاهرات احتجاجية سلمية ضد حيتان السلطة في المنطقة الخضراء !!؟ شتان بين اصحاب مظاهرة ( ماكو مؤامرة تصير …) وبين ابناء الشارع العراقي اليوم .

السؤال يطرح نفسه , هل ان مرحلة الحكم الديكتاتوري البغيضة والطويلة اتت على جذوة الثورة والاحتجاج والتحدي لدى ابناء هذا الشعب المعروف بالتحدي والشموخ؟؟ بحيث وصل الى هذه الدرجة من الخوف والاستسلام , ثم اين دور الاحزاب اليسارية تحديدا هذه الاحزاب التي كانت وببيان صغير تحرك الشارع وتنظم تظاهرات تعد بعشرات الالاف , لماذا هذا الركون والسبات !! هل انطفأت عندها  شعلة الحرية والحاجة للدفاع عن حقوق جماهيرها ؟

أتساءل هل ممكن ان تتكرر مرة اخرى تلك المظاهرة الملحمية التي بدأت وبكل عفوية من عند تمثال السعدون وسجلت ملحمة بطولية في التاريخ العراقي المعاصر حتى وان لم تنجح في افشال مؤامرة /63 وحمامات الدم التي تلتها ولكنها سجلت على صفحات التاريخ وباحرف كبيرة ناصعة ملحمة بطولية لن تنسى لاجيال عديدة قادمة ,  نجحت في اثبات ان ابناء هذا الشعب اذا قرر ان ياخذ زمام الامور بيده وليقول كلمته يستطيع ان يدخل التاريخ من اوسع ابوابه .

اذا لم يستطيع انذاك ان يوقف القتلة والمتامرين من اغتيال ثورتهم وتجربتهم الديمقراطية , فمن الممكن الان لو بادرت القوى المخلصة الحقيقية وجماهيرها ان تنزل الى الشارع بمظاهرات سلمية احتجاجية تنذر وتحذر المتنعمين والمترفين بظلال المنطقة الخضراء  بان صبر الشعب قد نفذ وانه ان الاوان لازالة الفاسدين والمتلاعبين بقوت الشعب .

سؤال اخير متى تتحول وسائل اعلام قوى اليسار الوطني الحقيقي من ناقل خجول للخبر ومتفرج الى صانع له  ومشارك فاعل في المشهد السياسي  , الى الاحتجاج الى التظاهر من اجل التغيير , تغيير هؤلاء الحكام الغير مؤهلين اساسا لتاهيل انفسهم فما بالك تاهيل بلد مدمر مثل العراق .

 

عمانوئيل تومي

فنان وناشط سياسي

22/06/10

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *