مافيات مخدرات تقودها أحزابٌ تفجّر محالَ المشروبات



 بغداد/المدى
بائع شاي شاب لا يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، اتّخذ مكاناً على احد الأرصفة القريبة من إحدى الجامعات والمعاهد في منطقة باب المعظم المكتظة بالطلبة، يبيع فيه القهوة والنسكافيه، إضافة إلى الشاي، الطلاب يفضلون شرب الشاي تحديداً منه،
بعد تناول وجبات الطعام من المطعم المواجه لبسطيّته!، فاغلبهم من ساكني الأقسام الداخلية الحكومية أو الأهلية. هذا البائع الثلاثيني كان يضع حبوباً مخدرة تساعد على إدمان الشاي، الأمر الذي جعل الطلاب لا يشربونه إلا منه، ومن لم يشربه من هؤلاء الطلبة يصاب بدوار وهستيريا!، الغريب في الأمر هو أن قدح الشاي يباع للذي يشكي وجع الرأس بضعفين، أي بمبلغ 750 ديناراً، بدلاً من 250، وهكذا يبدأ الإدمان، علماً أن “الجايجي” يبيع الحبوب المخدرة إلى الطلبة. لكن أمره أنفضح، ولو بعد فوات الأوان!، إذ بلّغ عنه احد الطلبة الأجهزة الأمنية ليلقوا القبض عليه، ويعترف ببيعه حبوب “الكبسلة” إلى الطلبة، التي جني من وراءها أموالاً طائلة وبفترة قياسية .
بات الاتجار بها أمراً في غاية السهولة، كما أن الحصول عليها أَمْرٌ بسيط، وليس مُعَقَّداً؛ حيث يمكن شراء أية جرعة من تلك السموم من محال عُرِفَتْ في بغداد بدكاكين الكبسلة أو المحششين!
المخدرات وحبوب الهلوسة المختلفة الأشكال والأنواع باتت تباع في الأزقة الضيّقة والأماكن الراقية. شباب يدمنها ويتناولها، والأغرب هو أن من يريد الحصول عليها لا يحتاج إلا إلى بضعة آلاف من الدنانير لا تتجاوز 5000 دينار في أحيان كثيرة.
من يقف وراء ترويجها وانتشارها الصاروخي؟
العراق كان أحد أنظف دول العالم من حيث المخدرات والحشيشة؛ حيث سجل المرتبة الأولى عام 2000، حسب لجنةٍ تابعةٍ للأمم المتحدة، من حيث البلدان النظيفة والخالية من المخدرات في منطقة الشرق الأوسط وآسيا على وجهة العموم، غير أنّ الأرقام المخيفة التي سُجِّلَتْ خلال الأعوام الماضية منذ عام 2003، ودخول القوات المتعددة الجنسية يدُلُّ على كارثة حقيقية!
حيث أصبح العراق إحدى البوابات الرئيسة لعبور المخدرات بكافة أصنافها وأخطرها- على حياة الشباب العراقي بشكل خاص، والعربي بشكل عام، الذي تسَرَّبَتْ إليه تلك السموم من العراق عبر دول الجوار
ويُقَدِّرُ مركز مكافحة الإدمان الرئيس في العراق عَدَدَ الشبان والشابات المدمنات على المخدرات ما بين سِنّ الخامسة عشرة والأربعين بـ 5%، وهي نسبة تكاد تكون الأعلى في دول المنطقة، وكارثية على المجتمع العراقي. ويعزو المركز ذلك إلى ضعف الأمن وضعف الرقابة والقانون، ومحاولة هروب الشباب من البؤس والبطالة التي يعيشونها، والخوف من الموت المفاجئ جراء القتل العشوائي والانفجارات .
وتعتبر إيران البَوَّابَةَ الرئيسة لدخول تلك السموم التي تُزْرَعُ في جنوب إيران وشرقها، وكذلك العابرة منها من أفغانستان إلى العراق.
احد الصيادلة تحدث بمرارة قائلاً: يراجعه عدد من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين(15 إلى 30 عاما) لشراء أدوية مخدرة باتت مألوفة لديهم وهي “Parkuzol، Pulmocole، Tussiram، Valume،Libriuim “، وأشار إلى أن”هذه أسماء لأدوية يكثر شراؤها من قبل الشباب العراقي منذ العام 2003، والى الآن ويستخدمها خصوصا متعاطو المخدرات ، مضيفا: يراجعني تقريبا من 20 إلى 30 شخصا يوميا من عسكريين ومدنيين.
مافيات تنشط
قال مصدر امني عراقي: إن هناك مافيات للمخدرات والأدوية المهدئة تنشط بقوة في بغداد وعدد من مدن وسط العراق وجنوبه، وتقف وراءها شخصيات حكومية وحزبية وقيادات في المجموعات الإرهابية والميلشيات.
وأكد المصدر أن هذه المافيات تحولت مؤخرا في عمليات شبه منظمة إلى استهداف محال تجارة المشروبات الروحية ونسفها ضمن خطة لإبقاء الساحة حكراً على تجارتها من المخدرات والأدوية والعقاقير المهدئة.
وميّز المصدر بين نوعين من مافيات المخدرات، مشيرا إلى أن “النوع الأول: وهو يتصل برؤوس كبيرة، ويسعى الى تحويل العراق إلى ممر للمخدرات من إيران إلى دول الخليج وأوروبا عبر سوريا ولبنان”، أما النوع الثاني فهو:” يضم مافيات اقل تأثيرا لكنها قاسية وتصفي من يقف بوجهها، حيث أنها تتكون من مجموعات إرهابية وميليشيات مرتبطة بمراكز النفوذ في البلاد، وتستخدم تجارة المخدرات والعقاقير المهدئة لتمويل عملياتها وتجنيد عناصرها”، لافتاً إلى أن مافيات النوع الثاني “تنشط في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.”
وأكد المصدر أنه “في الكثير من الحالات التي يتم فيها القبض على عصابات ترويج المخدرات، يرفض المعتقلون المتورطون الكشف عن الشخصيات التي تدير عملهم، ويؤكدون أنهم في حال اعترافهم فان زعماء المافيات سيقومون بتصفية عوائلهم.”
وحول تعرض متاجر الكحول في بغداد للنسف وقتل أصحابها قال:” مع وجود الكحول يقل الطلب على المخدرات، ومن اجل إنعاش تجارة السموم البيضاء(المخدرات والعقاقير المهدئة) لابد من تصفية أصحاب محال الخمر”، مشيرا إلى أن “عشرات المحال المخصصة لبيع الكحول تعرضت للنسف خلال العام الجاري وقتل عدد من العاملين فيها.”
من جهة أخرى، أفادت السلطات السعودية قبل فترة من الوقت بأنها ضبطت طائرة شراعية محملة بكمية كبيرة من الحبوب المخدرة اخترقت المجال الجوي السعودي قادمة من العراق.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور تركي: أن حرس الحدود في المنطقة الشمالية المحاذية للحدود مع العراق ضبطوا طائرة شراعية مزودة بمحرك حاولت عبور الحدود بين البلدين الأسبوع الماضي وهي محملة بـ700 ألف من أقراص كبتاغون المخدرة، وألقت القبض على قائد الطائرة.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن تركي قوله: إن قوات حرس الحدود ألقت القبض على أشخاص كانوا يستقلون أربع سيارات حاولوا اعتراض القوة التي كانت في طريقها إلى موقع هبوط الطائرة.
كما اعتقلت السلطات عشرة أشخاص يشتبه في علاقتهم بمحاولة تهريب تلك الحبوب المخدرة من العراق إلى المملكة السعودية.
محافظة كربلاء
مدير مكتب مكافحة المخدرات في كربلاء الرائد رعد سعدون ينفي وجود حالات تعاطي للمخدرات المعروفة كالحشيش والهيروين والكوكايين، رغم تأكيده ضبط كميات كبيرة من المخدرات ومحاكمة المتاجرين بها، وتزايد أعداد المتعاطين للعقاقير الطبية المخدرة.
محافظة النجف
أما الناطق الرسمي باسم قيادة شرطة النجف الملازم الأول مقداد الموسوي يؤكد من جهته ضبط حالات تعاطي للمخدرات بين الزائرين الأجانب من جنسيات عربية وإسلامية ومحاكمة البعض منهم وفق القانون العراقي.
وقبل أيام عدة من شهر تشرين الأول من عام 2011 كثفت القوات الأمنية وقوات الحدود العراقية إجراءاتها.
منطقة الأهوار
من جانبها، شددت القوات الأمنية في مناطق الأهوار جنوبي العراق على الحدود مع إيران على إجراءاتها لمنع تهريب المخدرات والأسلحة وتسلل عناصر وقادة الميليشيات إلى العراق. وأقامت
أجهزة الأمن في محافظة ميسان نقاط تفتيش عائمة في الأهوار وعززت أعداد القوات،وزودتها بقوارب للدورية في محاولة لتنظيم حركة الدخول والخروج في الأهوار.
محافظة نينوى
وفي ملف المخدرات الخاص بمحافظة نينوى شمال العراق، كشف العقيد سفيان شاكر مدير مكتب مكافحة المخدرات في المحافظة عن تزايد حالات ترويج الحبوب المخدرة من نوع (بينز كز 5 ) بين الشباب والمراهقين فيها، وقال في تصريح صحفي أن “الحبوب المذكورة تصل إلى محافظة نينوى عن طريق المحافظات الشمالية إذ يقوم بإدخالها مهربون محترفون ويعملون على ترويجها في المناطق الشعبية.”
وأشار إلى انه تم إحباط محاولة لإدخال نحو 500 شريط من هذه الحبوب والقبض على المتهمين بها وإحالتهم للقضاء.
وفي مايو الماضي خلص باحثون عراقيون في محافظة بابل إلى أن في العراق 14 ألف مدمن على المخدرات، وانه أصبح مركزا لنقلها من مناطق ما يعرف بالمثلّث الذهبي( إيران وأفغانستان وباكستان) إلى دول الخليج وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى بعض مزارعه في عدد من المدن.
يذكر أن مختلف المدن العراقية وبشكل خاص مدن جنوبي البلاد المتاخمة للحدود الإيرانية قد شهدت ارتفاعا ملحوظا في أعداد مروجي المخدرات والمتعاطين لها، وهو ما دفع مجلس النواب والحكومة العراقية إلى تشكيل لجان لمتابعة هذا الموضوع الخطير.
ظاهرة قديمة
ظاهرة قديمة يرجعها الأخصائيون إلى تسعينيات القرن الماضي،ففي دراسة أعدها عدد من الباحثين العراقيين عن الأطفال المشردين، نشرت في وقت سابق،أكدت أن سياسات النظام السابق قد ساهمت بشكل فعال في توسيع رقعة الظاهرة، فقد أدت ممارساته الى انتشار الفقر بين الناس. وكان ربع العراقيين، يعيشون تحت مستوى خط الفقر. وأوضحت الدراسة كيف ظهر أكثر من ثلث الأطفال المتسولين خلال الأعوام 91-98. وكانت اليونيسيف قد قالت إن صدام رفض لسنوات الاعتراف بوجود ظاهرة أطفال في الشوارع، وحتى عندما اعترف بها فقد منع المنظمات من تقديم المساعدة. حجم الظاهرة دعا المنظمة الأممية إلى الإعلان بداية العام 2006 عن مشاريع للمساهمة في معالجة هذه المشكلة ولكن.. !
ويعد الأطفال وخصوصا الذين يعملون في الشوارع بالنسبة لمهربي المخدرات مسوقين جيدين , لأنهم يستطيعون الحركة والتنقل بسهولة ولا يثيرون الانتباه , لذلك ليس من الغريب أن تجد بعض الأطفال يقومون ببيع المخدرات في بعض أحياء بغداد الفقيرة وضواحيها وأحزمة الفقر في المحافظات العراقية الأخرى , فهؤلاء الأطفال ينتمون إلى عصابات توظفهم لهذا الغرض , حيث يقومون بإظهار أنفسهم للزبائن المعروفين لديهم وحين يتقدم الزبون بطلبه لنوع خاص من المخدرات يأتي دور الطفل الآخر بتوصيل الطلب الى الزبون.
إحصاءات رسمية
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت عام 1987 تحديد يوم 26 حزيران يوماً عالمياً لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وذلك تعبيراً عن عزمها على تعزيز العمل والتعاون لبلوغ هدف إقامة مجتمع دولي خالٍ من إساءة استعمال المخدرات، وفي هذا السياق، يقول الدكتور مشتاق طالب: إن العراق يواصل التنسيق مع جميع دول العالم لدعم برامجه في مجال مكافحة المخدرات.
من جهتها، أوضحت أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فوزية العطية: أن الحروب والظروف الاستثنائية التي مر بها المجتمع العراقي فتحت الأبواب أمام المخدرات.
وتقدم العطية صورة قاتمة عن علاقة المجتمع العراقي بالمخدرات في الظرف الراهن، مشيرة إلى انتشار تعاطيها في المدارس والجامعات.
وكشفت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات عن تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات، داخل العراق، مؤكدة أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملا آخر يضاف إلى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، ودمارا آخر يزيد من أعباء الحكومة الجديدة.
وفي سابقة تعد الأولى من نوعها في بلد مثل العراق، أعلنت وزارة الصحة، وعلى لسان مدير برنامج مكافحة المخدرات، سيروان كامل، عن حدوث العديد من حالات الوفاة الناجمة عن تعاطي المخدرات، وأغلبها وقعت في محافظة كربلاء، بعدها تأتي محافظات ميسان وبغداد وبابل وواسط، فيما سجلت الإحصائيات ورغم حداثتها وجود أكثر من 6037 متعاطيا للمخدرات وبنوعيات مختلفة في المحافظات كافة، تأتي في مقدمتها محافظتا كربلاء، التي سجلت 679 متعاطيا، وميسان 286، وفي بغداد وصل عدد المدمنين على المخدرات إلى 717، فيما سجلت مدينة كركوك 240 متعاطياً.
يذكر أن مشروع قانون جديد للمخدرات ينتظر مصادقة مجلس النواب ليحل محل قانون المخدرات النافذ حالياً رقم 68 لسنة 1965، والذي تم إدخال تعديل عليه في عام 2003، وجرى استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة السجن مدى الحياة للمتاجرين بالمخدرات. وتؤكد عضو برلمان إقليم كردستان العراق تارا الاسعدي وجود بنود جيدة في هذا القانون مشددة على ضرورة توعية سكان المناطق الحدودية حول مضار المخدرات.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *