لا حكم ذاتي ولا محافظة مسيحية

 

 

 مع احترامي الكامل لإقتراح سيادة رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ جلال الطالباني بإنشاء محافظة لمسيحيي العراق، فكلا المقترحَين الحكم الذاتي والمحافظة لا جدوى منهما للمسيحيين بل سيكون أيّ كان منهما أكثر وبالاً للمسيحيين مِن وضعهما الحالي بكُلِّ مساوئه ومآسيه.

 

السيد الرئيس،إنك الأكثر عِلما بأن مسيحيي العراق قد انقسموا منذ زمن حيث خرج من رحم الأمة الكلدانية السريان بشقيهم الأرثوذكس والكاثوليك منذ القرن الخامس وشكَّلوا لهم طائفتين منفصلتين عبر الزمن، أما مَن يدعون أنفسهم بـالأشوريين زوراً وبهتاناً، فقد كانوا جزءاً من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية لغاية منتصف القرن السادس عشر حيث تمردوا على امتهم الكلدانية وتبنوا لهم تسمية وثنية هي “الآشورية”في أواخر القرن التاسع عشر بإغراءٍ وإغـواء من قبل البعثة الأنكليكانية عميلة المخابرات الإنكليزية، حيث وعدتهم باسم حكومة بلادهم بإنشاء وطن قومي لهم في الموقع الجغرافي الذي كان يُشغل في مرحلةٍ تاريخية من قبل الآشوريين القدماء  قبل فنائهم الأبدي في الربع الأخير من القرن السابع قبل الميلاد. إن هؤلاء هم شرذمة متمردة لا يحلو لها العيش في هدوء واستقرار، فهي تسعى وبكل خبث واستعلاء لإحتواء الكلدان والسريان، ومن ثم اختلاق المؤامرات والفتن كعهدها دائماً، ونتيجة ذلك تنعكس على الكلدان والسريان بالسوء، فهذا الأمر غير مقبول ولا يمكن الموافقة عليه .

 

إن ما يرغب به الكلدان وهم الأكثرية الساحقة من المسيحيين ويليهم السريان،التمتع بحقوق المواطنة والعيش في مختلف أنحاء وطننا الأصيل العراق كما كانوا ولا زالوا، وأن يكون لهم حقوق كاملة ومتساوية على غرار إخوتهم المسلمين من عرب وأكراد وغيرهم من الأطياف الأخرى. وأن تُضمنَ هذه الحقوق دستورياً وأن تًسند الى أبنائهم مناصب في الدولة العراقية الحديثة، والشيء هذا يُمثل شرفاً للعراق ككُل عندما يُمنح سكانُه الأصليون مثل هذه الحقوق .

 

إن محاولات الأشوريين المزورين والتزويريين المطرودين من مناطقهم في جبال منطقة هيكاري العائدة اليوم الى تركيا والوافدين الى العراق تحت حراب الإستعماريين الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى بالمطالبة بالحكم الذاتي في مناطق سكن أبناء الكلدان هوسعي خبيث منهم لإحياء الجثة الميتة لأشورييي التاريخ الذين انتحلوا تسميتهم الوثنية، وهو تآمر قذر على المكون الكلداني الأصيل والطائفة السريانية معاً.

 

إن الكلدان والسريان وكما تؤكد قياداتهم الدينية والسياسية، لا يرغبون لا بما سموها الإنعزاليون بمنطقة آمنة ولا بالحكم الذاتي ولا بغيرها من التسميات المشبوهة، وإنما يريدون العيش بأمان واستقرار في الوطن العراقي ككُل مع كافة مكوناته الأخرى يساهمون في بناء حضارته الحديثة على غرار أسلافهم الذين كان لهم الفضل في بنائها منذ القدم. إن حماية المكونات الصغيرة في العراق ومن ضمنهم الكلدان بكل انتماءاتهم الطائفية هو واجب وطني ومهمة كُلِّ مسؤول في الدولة العراقية من الرئيس والى الأقل مرتبة في المسؤولية، وعلى المجتمع الإسلامي الكبير في العراق أن يساهم في مسؤولية الحماية إذ على عاتقه يقع جزء كبير منها،لأن القائم بالعنف هو المدعي بالإسلام ويعزو عمله الإجرامي الى الدفاع عن الإسلام، فهل يا تُرى الإسلام مُعتدىً عليه من قبل المسيحي في العراق؟

 

إن حب الوطن لدى الكلدان والسريان قوي جداً، وتطلعهم الى بناء عراق جديد مزدهر ومتطور لا يُضاهى، بيد أن ما يتعرَّضون له من قتل وتهديد وتهجير قد زعزع هذا الحب وهذا التطلع، واختيارهم للهجرة هو صعب للغاية، فإن كان الى المنطقة الشمالية في كردستان الخالية من العمليات الإرهابية فيعانون من الغلاء والبطالة وعدم إلمامهم باللغة، وإن كان الى الدول المجاورة فيشعرون بالغربة وربما الإهانة الى جانب العوز. لقد ناشدت في مقالات سابقة ولا سيما في مقالي الأخير ( فاجعة جديدة للمسيحيين في العراق ) أئمة الإسلام وقلت لهم بأنهم قادرون على وقف الإرهاب ضدَّ المسيحيين إذا أرادوا فعلاً لا قـولاً، فإن كلامهم مسموع لدى المسلمين ولا سيما المعتدلين منهم، فالإمتناع عن المناداة بالضغينة وروح الإنتقام واستبدالها بالدعوة الى التسامح والمحبة والتآخي بين أبناء الأطياف العراقية هو الطريق الصحيح الى العيش المشترك والأسلوب الأمثل للمحافظة على الكرامة الإنسانية . ما أجمل أن تعيش التعددية العراقية في سلام ووئام!

 

 

الشماس د. كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية

في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

في 22 / 11 / 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *