كريستينا وأبو بكر البغدادي.. هل يعيشان في زمن واحد؟

كريستينا وأبو بكر البغدادي.. هل يعيشان في زمن واحد؟

هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الاديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

نشر بصحيفة عربية خبراً يقول: فوز “راهبة صقلية” يشعل مسرح ” ذى فويس “، والمضمون هو أن الأخت كريستينا وهي راهبة من صقلية فازت بلقب برنامج الهواة “ذا فويس” في نسخته الإيطالية، وكانت بالطبع قد تواجدت في البرنامج على مدى أسابيع في منافسة قوية وحادة مع المرشحين الآخرين، وقد أثارت على مدى البرنامج حماسة ملايين الأشخاص في إيطاليا والعالم. وما أن أعلن فوزها على منافسها مغني الروك الشاب جاكو موفولى، بحصولها على نسبة 62 في المائة من الأصوات، حتى دعت الحضور إلى تلاوة صلاة “أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك … إلخ”، وهي صلاة تقليدية تكرر في كل العبادات تشبه تلاوة الفاتحة في الإسلام، وقالت الراهبة البالغة 25 عاماَ بعد تسلمها الجائزة إن هذا حلم، ثم شكرت مدربها مغني الراب لأنه ” حماها ” من الذين كانوا ينتقدونها.

ومنذ اختيرت للمشاركة في المسابقة استمرت حماسة الجمهور لها بالارتفاع، مسجلة أرقاما قياسية، إلا أن الراهبة الشابة لم تحظ بالإجماع في إيطاليا، ويرى نقاد موسيقيون أن نجاحها عائد أكثر إلى الرمز الذي تمثله في بلد متأثر كثيرا بالكاثوليكية وإلى الاهتمام الإعلامي، أكثر منه إلى موهبتها الغنائية، وقبل فوزها باللقب أرجعت نجاحها المتوقع إلى ” التعطش إلى الفرح،” وقالت “إن هذا كله حصل بسبب العطش إلى الفرح والحب ورسائل الجمال والنقاء،” وحتى اليوم لم يصدر الفاتيكان أي رد سلبي لما قامت به، وقد علقت الراهبة على ذلك بالقول: “إن البابا فرانسيس يتحدث عن إنجيل الفرح… أعتقد بأنني على الطريق الصحيح،” ووصفت كريستينا نفسها بأنها ” خادمة متواضعة ،” مؤكدة أنها سعيدة جداً للعودة إلى حياة طبيعية، إذ قرر المسؤولون عنها في حياتها الرهبانية إنهاء مسيرتها الإعلامية، وعادت لترنم وتغني في الكنيسة لتقول : “أنا مسرورة جدا لأنني أغني مع شبان في الكنيسة ترانيم وأغان دينية أو في المدرسة وسأستمر في الغناء.”

والسؤال هو: لماذا سمح لها المسؤولون في رهبنتها ولأول مرة في التاريخ بأن تتقدم إلى المسابقة؟ ولماذا أوقفوا مسيرتها؟ لقد كان الهدف هو تصدير رسالة إلى العالم تعلن أن الدين بل أي دين لا يتعارض مع الفرح والغناء والبهجة والفن بشكل عام. والتراث الإسلامي ملئ بمثل هذا الفكر والطرب والشعر المغنى، ولا يوجد أي تعارض بين الدين كوحي من الله وبين الغناء والشعر كإلهام للإنسان، ومن أجمل ما أبدع الشعر العربي في هذا المجال وغنته السيدة أم كلثوم ” القلب يعشق كل جميل” و”ولد الهدى”، و”رباعيات الخيام”، التي أبدع ترجمتها احمد رامي، حيث يعبر عن موقف وجودي عبر عنه الفقهاء واللاهوتيون بصعوبة شديدة ووقع خلاف في تفاصيله، وهو موقف الانسان من الله وذاته والاخرين، وقد وجه حديثه الى الله هاتفًا: “يا عالم الأسرار علم اليقين”، ثم يهتف ثانية: “يا قابل الأعذار”، والمعنى هنا ان الله وحده له الحق في دينونة الانسان أو الصفح عنه، ولا يحق لإنسان مهما كان منصبه الديني أو مؤسسة دينية أن يحاسبوا أو يصفحوا، لانهم ببساطة لا يعلمون الاسرار التي دفعت الانسان الى الخطأ أو فعل الخير.  هذا فضلاً عن تراث رابعة العدوية، ومن أروع ما كتب في هذا المجال ما قاله المتنبي وأنشده صباح فخري “قل للمليحة ذي الخمار الأسود… ماذا فعلت بناسك متعبد”، والناسك يقابل الراهب وهما الاثنان بشر والحب الإلهي ينعكس في حب البشر، فعندما يملأ الله قلب الانسان يمتلئ قلبه بحب الناس والكون والطبيعة والطير والحيوان.

ويقول سيغموند فرويد إن ما يميز الإنسان المتحضر هو الإحساس بالجمال بل أن الانسان البدائي  بدأ في التحضر عندما أحس بالجمال المحيط به، ويضيف بأن البشر ليسوا جميعاً مهيئين للانضمام لركب الحضارة لذلك يتخلف بعضهم من السير في طريقها، ويأخذون طرقاً أخرى نهايتها الموت والفناء، ودليلنا على ذلك الخبر الذي نشر أيضا في نفس الصحيفة بعنوان (” دولة البغدادي” تهدد من لا يبايعها بقطع الرأس) من خلافة الزرقاوي إلى خلافة المسلمين، ولقد عرضت الفضائيات إعدام مدنيين بقطع رؤوسهم بلا محاكمة، لقد أثارت “داعش” الفزع باسم الدين ثم تحولت إلى “دولة الإسلام”، والتي بدلا من أن تبث الراحة والطمأنينة والأمان والفرح والبهجة، بثت الموت والدمار والخوف في النفوس باسم الدين وشعارهم “أعدائنا أوغاد لأنهم يحبون الحياة أما نحن فنحب الموت”. وفي هذا السياق تناقلت وكالات الأنباء العالمية معلومات عن قيام عناصر “الدولة الإسلامية” بالاعتداء على الأقليات المسيحية والشيعية و الإيزيديين في مدينة الموصل وسهل نينوى، وعملوا على تهديم عدد من الكنائس ودمروا محتوياتها وخطفوا راهبتين وثلاثة أيتام. والمشكلة الحقيقية هنا أنهم يعلنون بأنهم الوحيدون الذين يعبرون عن الدين الحقيقي، والدين منهم براء.

إن جميع الذين يحبون الله يحبون الحياة ويحسون بالجمال المحيط بهم سواء في البشر، أو الكون من جميع الأديان تجمعهم دائرة واحدة، والذين يحبون الموت ويكرهون الحياة ويتبنون العنف من جميع الاديان تجمعهم دائرة واحدة أخرى. والسؤال الذي يدعو للحيرة الحقيقية يقول:

ترى هل حقاً يعيش كل هؤلاء معاً في زمن واحد؟! وكيف؟

cnn العربية

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *