( فخ السوق ) بقلم بقلم: باسل حنا

 

ليس الاقتصاد والعمليات التجارية سوى وليدة لمخاض طويل احياناً وعسير في اخرى لمراحل التطور الانساني بتجلياته(السايكولوجية , السيسولوجية)

– فا عندما بدأ الانسان يتبادل السلع فانه لم يضطر لذالك سوى لتلبية احتياجاته الشخصية والمنزلية ,لذلك يمكن القول بأن الاحتياجات الأساسية للإنسان هى تلك القاعدة التي تأسس عليها مفهوم الاقتصاد ولو بشكله البسيط

–  ان أول مايدعونا هنا هو التحليل المبسط لشكل الاقتصاد بصوره الأولية ,فاعندما كان الإنسان يتبادل مع أخيه الإنسان السلع الأساسية اناذاك,(القمح مقابل القماش والأعمال اليدوية مقابل التوابل والى ماهنالك)

فانه وبهذا أخذ يترسخ الاقتصاد على قاعدة وعقدة معقدة من الأعراف والتقاليد وأساليب الحياة التي تختلف نهاية باختلاف الشعوب بأعرافها,ويجب أن نعرف هنا بأن هذا الأختلاف المحكوم أصلا بتلك الأعراف هو ماحدد المعالم الأساسية للاقتصاد الحي وبمفهومه الحالي (علماني,ثيوقراطي ديني,رأسمالي…الخ)وهذا ماسوف نتطرق له في قادم السطور.

  • ان (ابن خلدون) الذي ناقش في فلسفته قضايا اقتصادية كثيرة  هو شاهد حي على مقولة ( الخلق الاقتصادي) وهذا ماورد في كتابه ( المقدمة),فقد وصف الأخير الاقتصاد بأنه مرآة لفلسفة الشعوب,على خلاف (الماركسية) التي تحدثت عن (البناء الفوقي للعملية والبناء التحتي للعملية)وأن التطورالحاصل في مجال اخلاقيات وقيم الحضارة ,هونتاج لتطور منظومة العلاقات الاقتصادية حينها(اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة,كارل ماركس),اما(كمال لبواني) فانه يؤكد في احدى مقالاته واقتبس,(ان البشر يعيشون ويدركون ويعانون ويكونوا حقائق ومعارف وخبرات يتم تداولها على شاكلةأفكار,أما ماينظم هيكلية هذه الأفكار فهى النظرية, انتهى الأقتباس)

  • ان محور المقال يتلخص في صراع السوق الشرس الذي يسعى جاهدا ليخلق حياة واهمة تقود الى الإنسان الذي سأسميه (الإنسان الألة) الى حالة اشبه بحالة التنويم المغنطيسي , مقال محوره الصراع على المنتج الذي لم يعد النفط ولا الذهب,بل اصبح الإنسان ذاته, محوره مقولة تسمى بالفخ التجاري, وهذه المقولة ومموليها,والمنظرين لفلسفتها على طول الأرض,والتي فيما اذا اردنا حصرها جميعها فآتها تصب في خانتين اساسيتين,(الرأسمالية,الاشتراكية),ومن المتعارف عليه فأن الذي مثل قطبي تلك الأسواق. هم طرفا العالم الشرقي والغربي والى يومنا هذا,حيث أن كلا الشكلين تطورا بتطور اسلوب الحياة والنظرة المجتمعية للقيم والأخلاق وبالأخص موضوع الإنسان.فا لكل فلسفة بنيانها النظري الفكري في سياق التعامل مع مواضيع لها علاقة بمفهوم دورة الاقتصاد بنموه وتطوره وانحداره,كامفهوم [محرك التاريخ] فاهل العالم يتحرك بتدخل ارادة الإنسان ووعيه بما في ذالك اسقاطاته الغائية التي يلقيها على الأشياء من حوله,أم أن للعالم نظامه الخاص الي يعمل دون تدخل الروح البشرية بعلاقاتها وانشطتها المعقدة.

  • ان ماسبق ماهو الا أراء فلاسفة تعبر عن القيم الموروثة بالروح للحالة الاجتماعية والدينية لكل فيلسوف.فاليبراليون امثال سميث, والأشتراكيين امثال(ماركس ولينين وغيرهم)حاولو وعملوا ليأسسو ذالك الاقتصاد الذي لطالما استوحوه من طرق الحياة والطبيعة بالنمو,ماركس وسميث وتوما الأكوينا وحمورابي لم يعرفو بأن التطور التكنولوجي والصناعي وظهور مفاهيم جديدة(العالم قرية صغيرة,والاقتصاد الواحد,مقولة الذوبان,والسوق العالمية)سيخلق فجوة بين غاية الإنسان كاموجود محكوم عليه أن يتكيف ويعيش, وبين التطبيق والممارسة.

– لقد اصبحت البشرية محكومة بجريمة سوداء, وأن الإنسان هو من غير وعبث بمسار التاريخ وجدليته الطبيعية(صاموئيل هانتغتون,صراع الحضارات) حيث اصبح (النقد) محرك الشعوب,ومقولة البقاء للأقوى اخذت تستحوذ على معتقدات الأمم.فالكل يتجهز ويحظر ويتدرب سراً,ويصنع المكائد خفية,ويتسلح سرقة,وأصبح الكسب والسباق للوصول الى رأس الهرم التطوري بمعناه الممسوخ أمر محتوم على جميع الأمم أن تدخل مضماره والا داستها الأقدام,ومن يتخلف عن هذا السباق يبقى في الحضيض وعليه أن يفعل مايريد في الإطار المقنن الكاذب ليصعد درجات هذا الهرم ولو كان ذالك على حساب قيمة الإنسان.بهذا أصبح الإنسان السلعة الأساسية لسباق السوق التي على اساسها تدور العملية الإنتاجية بكل اشكالها,بل وأصبحت المواد الاساسية التي هى  بالأصل قاعدة الانتاج موضة قديمة,فتقام الحروب وتذبح البشرية من اجل تسويق السلاح,وتدمر حضارات بحاملها الأيديولوجي وتغزى بأساليب وطرق حياة جديدة ليتحول شعوب الأرض الى ألة متحركة حسب مصلحة وحاجة السوق,لذالك يمكن القول أن الإنسان بدأ يقضم نفسه ليغدو قادر على الاستمرار والبقاء,وهو لايعرف أن نهايته أصبحت محتومة,وأن فلسفة السوق المشوهة قادت لمفهوم الإنسان المبرمج حسب الحاجة,وأن التناسخ الحاصل بين الرؤى الاقتصادية أدت بنا نحن البشر الى مايشبه العرف العام آلا وهو الاستغلال كا ألية سوق وتسويق,وكأن ذالك لاعيب فيه,بل هو حق مقدس للتاجر,ناهيك عن العلوم الاقتصادية المحدثة التي جائت تماشيا مع الحالة(التسويق والدعاية,علم النفس التجاري…الخ),علوم تصب كلها في بوتق التفنن والمهارة في اطار كيفية استغلال الإنسان كلاً حسب بنيانه النفسي,أخذين بعين الاعتبار اختلاف الثقافات.

– في الحقيقة أن مايستدعيني لأتحدث عنه,هو ان تقسيمي للمجتمعات لقسمين اساسيين(مجتمعات مبذرة ومجتمعات مقننة)ولندع التصنيف الكلاسيكي (مجتمعات نامية ومجتمعات متقدمة)خلفنا قليلاً,فاليس كل ماهو مطلق هو بالضرورة بديهة لاتقبل النقاش والتحليل,وليس كل ماقيل على لسان صناع القرار هو صحيح نهاية(ارسطو)وان تقدم الشعوب وتطورها لايكون بالصناعة والنفايات التكنولوجية,فهذاعبث.ان المعادن واخراجها وتصنيعها على شاكلة موديل(سيارة , جهاز كهربائي)لايصنع الحضارة,صحيح أن هذا التطور قد يكون تطور في مجال ولكنه بالنهاية تطور محصور وضيق.وهو تطور يصب نهايةً في محصلة التقدم الأسمى الذي مابعده تقدم,آلا وهو تقدم الإنسان,على أساس ان الإنسان من يُوجد الألة وليست الألة من تُوجد الإنسان.هذا مانوه له الأستاذ الدكتور(عزت السيد أحمد)في كتابه(قضايا الفكر المعاصر,جامعة تشرين,2006.2007) وهو جزء من كتابه(انهيار مزاعم العولمة)حيث لخص  بان الحضارة لاتكون بملاحقة احدث الصرعات على مستوى الموضة,واقتناء السيارات الفارهة.

– أن مدعاة الحديث عزيزي القارئ,هو الحديث عن المفهوم الحظي الذي وصلت اليه البشرية,دون الحاجة للتفكير لما ستكون عليه حال امم الأرض,الا في افلام هوليود,فهناك من يصور ماسيكون عليه البشر مستقبلا, وهى افلام ايضا لاتصب لصالع التوعية والتحذير ان كنت لاتعرف,بقدر ماتكون غاياتها تسويقيه بحتة. أن مايجب التنويه له هو ذالك الأنسان الذي دخل في مضمار سباق السوق والعملة,وهو سباق لاينتهي الا بموته,وانه سوف لن يكون هناك بقاء للأقوى كما يعتقد,لأن الاقوى سيبقى وحيداً ولن يجد خصوماً يقوى عليهم,الإنسان العديم المشاعر الذي خلق مجتمعات مريضة قيمياً,الحالة التي اوقعته نهاية بمايعرف ب(فخ السوق) وهو فخ لامهرب منه لطالما قرر هو ذاته ان يخوض غماره.فاليست الأمرأة بحاجة لعشرات الفحوص الطبية عالية التكلفة لوجود اعتقاد في منظومة الدول المبذرة,ألا وهو أن الولادة بعد سن الخمسة والثلاثون تصبح خطر يهدد حياتها وعليها ان تطرق ابواب العديد من الأطباء للتأكد من انها قادرة على الحمل,وليس الإنسان بحاجة للأغذية المخترعة ذات الأسماء المخترعة ايضا والمعلبة الملونة والتي تكلف البيئة انبعاثات سامة والمجتمع اموال طائلة حتى يستطيع ان يعيش,كما أن( الإنسان الآلة) في بلدان التبذير تلك لن يصدق بأن تأمين سيارته ووبيته وممكن طفله حتى ماهو ألا مناورات تجارية تخلق له معتقدات مغلوطة بهدف جره لفخ الاستغلال والتبذير,اما اذا اصبت بالزكام فهى قصة اخرة تحكيها طوابير المراكز الصحية, وبالمحاولة لتحديد رقم دقيق والبحث في المراجع لم اجد مايشير بدقة الى ذالك الوقت المهدور (للإنسان الآلة) ,ولكن كل الدراسات تؤكد ان (الإنسان الآلة) يهدر مايهدره امام سباق التطور وضرورة حشد الطاقات البشرية التي تظرب فيه الدول المبذرة عرض الحائط ,وان التطور الممسوخ التي تكلم الشعوب عنه ماهو الا خرافه لغسل دماغ( الإنسان الآلة)

للتأكيد عزيزي القارئ.فأنه وبالرجوع لتاريخ الأنسان,فشعوب الأرض انجبتها امهات دون الحاجة لتلك التقليعات المغفله,بل انه وحتى يومنا هذا يولد الكثير من الأطفال عرات من مزاعم التأمين والحضانه والرعايه الكاذبة.وفي سياق حديث جانبي مع السيدة(نينورتا تشيري) ذات الأصول العربية ,وهى مختصة برعايه العاجزين ,حاصلة على درجة المعهد في تأهيل العُجز.اكدت: ان حديث الطب عن امراض مصطنعة جعل( الإنسان الآلة )في تلك البلدان تصاب فيها بحق.فهى تؤكد ان المصابين لديها من العُجز بمرض(ديمينتس) وهو مرض قريب لما يكون بمرض فقدان الذاكرة,ولكنه سمي بهذا الأسم كما اسلفت لدواعي تسويقيه, فاحتى الأمراض هنا تروج  وتسوق وبتالي توهم (الأنسان الألة) بمصير محتوم سيصاب به عند الكبر,وانه بحاجة حينها لشركات التأمين والمتابعة والرعاية وبتالي قيادته لفخ السوق من جديد.حيث تؤكد(نينورتا تشيري) ان نسبة المصابين بالمرض المذكور انفاً في بلداننا العربية تكاد تكون شبه معدومة, وقد يقول قائل انها موجودة, ولكن دعني اقول انها قد تكون موجودة  ولكن بمسميات وهمية اخرة,أو انها لم توجد بعد لأن السوق في البلدان المبذرة مازال غني ولم يأتي دور شراء الإنسان بقسم العالم الأخر ,فهذا يحتاج لصناعة( انسان آلة) هناك كما هو الحال في البلدان المبذرة(البلدان النامية). اذا اردنا التعمق اكثر لوجدنا ان مئات الأمراض التي يعرف العالم تسمياتها اليوم لم تكن موجودة سابقاً.بهذا يمكن تحليل مقولة (فخ السوق) بشكل وبأخر,وانا هنا لست متشائم ولست ضد التقدم بأي مجال سواء آكان الطبي أو غيره,لا أدعو الى الزهد والتقشف بل اني ولست انا من يدعو لل (وسط)بوصفه فضيلة بين طرفي رذيلة كما يؤكد (سقراط) بوصفه قيمة طبيعية وتحلي الأنسان بها يجعله يساير قيم الطبيعة وبتالي نظامها المثالي البعيد عن عبث البشرية.

  • أن ماقيل سابقا عن التصورات الوهمية التي خلقها رجال السوق القلة,هدفه افراغ الإنسان من قيمته وتحويله الى آلة مسيرة مرتبطة باغرائات ليس وجودها أمر محتوم لبقاء الإنسان وتطوره بالنحو الصحيح,فاهو ليس بحاجة لتلك النفقات واطفاله يموتون جوعا بطرف العالم الاخر,كما انه ليس بهذا القدر من الغباء ليعلق جوارب في غرف نوم الأطفال المتلئلة التي تملئها موسيقى البيانو منتظرين قدوم تلك الشخصيه الوهمية(سنتاكلوز) التي خلقتها هى الآخرة( فخ السوق) بوصفه طقس من طقوس ليلة رأس السنة التي هى الأخرة تم استغلالها تجاريا,وليس الإنسان فارغاً بالقدر ذاته لينفق مليارات الدولارات على الألعاب الناريه وأطفال لاتعرف ماهو المصعد الكهربائي الذي يملئ الأبنية الضخمة لطالما ان السوق وأوهامه وجشعه لم يصل بعد لهم ويمارس امراضه عليهم فمازال هناك بقية في بلاد التبذير قبل الانتقال الى هناك والعبث بإرادة وحرية البشر.

  • أن كل مايحتاجه الإنسان هو ان يقف على نفسه قليلاً وينسلخ عن هذا العالم المعلب,ويدرك ويحس ويتصور لما تواجهه نسخته في شرق العالم, لانها صورة قد تعكس بطريقة أو بأخرى ما ستكون عليه اجياله القادمة فيما أذا صدق فلاسفة (الديالكتيك ودورة التاريخ),عليه ان يعرف بأن السحر ممكن ان ينقلب بلحظة على الساحر في وقت سوف لن يعثر فيه البشر على مكان للمراوغة,وأنه سيأتي يوم قد يصل فيه الإنسان الى ذروة التقدم الموعود, ولكنه سيكون وصول خالي الوفاض من القيمة ومغزى الوجود بوصفهم اسلحة فعالة وابدية في مواجهة ما هو أصعب بعد ذالك الوصول.

بقلم: باسل حنا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *