عقوبة الاعدام بين القبول والرفض

مقدمة

في مقالٍ للاستاذ ضياء بطرس رئيس هيئة حقوق الانسان / كوردستان، المعنون ” الغاء عقوبة الاعدام بالنسبة لجميع الجرائم وايا كانت الظروف ” والمنشور في 9 – 11 -2013 على موقع عينكاوة ،أراد الكاتب من القراء أبداء رأيهم ومناقشة الموضوع . بالطبع يتميز الموضوع باهمية كبيرة لنشر ثقافة حقوق الانسان المطلوبة من الجميع ،وهو يطبق مبادىء الامم المتحدة في ايجاد ثقافة عالمية لحقوق الانسان من خلال نقل المعرفة والمهارات وتشكيل الاتجاهات ،وهي القضية التي تهم معظم الدول المنضوية تحت منظمة الامم المتحدة وكل شعوب العالم ، اذ تتصاعد الحركات والنداءات من المنظمات الانسانية لتكريس ونشر ثقافة حقوق الانسان بكل مضامينها الاجتماعية والشخصية والثقافية والسياسية. واما القضية التي أثارها الاستاذ ضياء هي جديرة بالاهتمام لانها ترتبط بحياة الانسان،فالمادة 3 من اعلان حقوق الانسان تشير الى ” كل أنسان له حق في الحياة والعيش “. وفي المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جاء ( الحق في الحياة حق ملازم لكل أنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ).

أفتخر لكون السيد “بطرس ” من أبناء شعبنا في مقدمة المدافعين عن حقوق الانسان في العراق الذي أنهكته الحروب المستمرة ،وسببت انتشار ثقافة التمييز العنصري والديني والقومي والمذهبي والجنسي ومختلف أشكال التمييز الاخرى ، فهو يذكرني بالعلامة الدكتور ” شارل مالك ” المسيحي اللبناني الذي كان من بين الثلاثة الذين كلفوا بصياغة أعلان حقوق الانسان لاول مرة ،وهما السيدة “ايلنور روزفيلت ” الامريكية والبروفيسور ” رينيه كاسان ” الفرنسي ،ومراجعته من قبل الخبير الكندي ” جون همفوي ” في سنة 1948 ،وتم أعلانه في باريس في العاشر من كانون الاول من نفس السنة.

كانت فكرة حقوق الانسان مقترحا مقدما من دولة ” بنما ” بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.ولكن أختلفت ردود الفعل للدول في منظمة الامم المتحدة تجاه هذ المقترح ،فقد رفضته الاتحاد السوفيتي حيث اعتبرته تدخلا وتجاوزا على سيادة الدولة والتدخل بالشؤون الداخلية لها . وقابلته بريطانيا ببرود بسبب علاقاتها مع مستعمراتها ،وأما الوفد الامريكي كان مترددا ومنقسما .وكانت مناقشاتهم تستند على الخلفيات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية لمجتمعاتهم. فأخذت المناقشات تعبر عن طابع الصراع الفكري والفلسفي المتأثر بالابعاد السياسية والخلفيات الثقافية للحضارات ،وكان أكثر المسيطرين على المناقشات هو ” شارل مالك “.

أن منظمة العفو الدولية هي من اولى المنظمات العالمية التي دعت الى الغاء عقوبة الاعدام ،ولكن ظلت الدول في جدل حول الموضوع بسبب خصوصية كل بلد من الناحية الدينية والانظمة العقابية التي تتيح أستخدام هذه العقوبة كحد أقصى،وعلى أثر الاهتمام بهذا الموضوع أعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1989 في 15 – كانون الثاني بروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يتعلق بالغاء عقوبة الاعدام،ودخل حيز التنفيذ في 11 – 7 – 1991 ،وصادق عليه حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي 28 دولة فقط وليس من بينها دولة عربية .

ولتعريف القارىء بالبروتوكول الاول ،فهو : جزء من الشرعة الدولية لحقوق الانسان ،يمكن اللجنة المعنية بتطبيق حقوق الانسان من أستلام الشكاوي المقدمة من الافراد الذين يدعون أنهم ضحايا انتهاكات حقوق الانسان المقرر في العهد الدولي ،وقد أُعتمد في 23 – 3 – 1976،وصادق عليه حتى اواخر التسعينات 92 دولة .

الجريمة :

الجريمة ظاهرة اجتماعية سلبية ،ترتبط بالفرد القائم بالفعل الاجرامي والمجتمع الذي يعيش فيه ،فالجريمة هي كل فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة جزائية .ويرتب القانون العقوبة للسلوك المرفوض اجتماعيا بحسب الفلسفة السياسة الجنائية والتشريعية المتبعة في الدولة والمتأثرة بالبيئة الاجتماعية من حيث معتقداتها الدينية وتراثها الحضاري والنظام السياسي والاقتصادي .فهناك اختلافات في القوانين الجزائية زمانا ومكانا في المجتمع البشري ،وهذا يضفي على الجريمة طابع النسبية . وعليه أن تعريف الجريمة قانونيا في زمن ما ومكان ما يكون مقبولا ،ألا أنه لايستمر هذا التعريف في زمن ومكان آخر .ولعله أبسط الامثلة هو :القانون العراقي،ففي نظام الحكم السابق أعتبر سلوك المعارضة السياسية فعلا أجراميا موجها ضد الدولة وأمنها ،ولكن أولئك المنفذين للقانون آنذاك أُعتبر سلوكهم حاليا فعلا أجراميا، تأثرا بالنظام السياسي السائد في المرحلتين ،أو قد تعتبر أفعالا أجتماعية مقبولة وتعد من القيم المثلى في بعض المجتمعات ولكن نفس تلك الافعال تٌعد سلوكا أجراميا ،وأبسط الامثلة على ذلك هو : الجنسية المثلية التي يعتمد تفسيرها كفعل من مجتمع الى آخر وقد يعاقب عليه في البلدان العربية ووصلت عقوبته في العراق في عهد النظام السابق الاعدام ،بينما نفس الفعل مباح في كندا ودول أوربية أخرى وتنظم العلاقة على أنها علاقة زواج .

يحدد القانون الجزائي أركان الجريمة ،كما يحدد ردة الفعل الاجتماعية عليها .ولكي يكون الفعل جريمة يجب أن تتوفر فيه الاركان الثلاثة : أولهما : الركن المادي الذي يمثل السلوك الصادر من الفرد .والثاني الركن الشرعي وهو الصفة غير المشروعة للسلوك التي تأتي من خضوعه لنص قانوني ويترتب على أنتهاكه عقوبة أو تدبير أحترازي .وأما الركن الثالث هو المعنوي ويتمثل بأدراك الفرد وأختياره ” الارادة ” عند قيامه بالسلوك لتحدد مسؤوليته الجنائية ومساءلته وبالتالي وصفه مجرما أذا ثبت ذلك أنه مخالف للقانون .

المجرم

مما تقدم يمكن تعريف المجرم، كل أنسان أقترف جريمة ،وكان أهلا للمسؤولية أثناء أرتكاب الفعل الاجرامي ،وكانت له أرادة معتبرة ،اتجهت أتجاها مخالفا للقانون.

المسؤولية الجنائية

أثارت مسألة مدى تحمل الانسان المسؤولية لارتكابه الفعل الاجرامي منذ القدم ولا يزال الى يومنا هذا أختلاف كبير بين المفكرين والمختصين في القانون وعلماء الاجرام والاجتماع والنفس ،لانه هذه العلوم مشتركة في دراسة الجريمة والمجرم وظروف أرتكابها.وعليه لايزال هؤلاء يبحثون للاجابة على هذا السؤال : هل الانسان وهو يرتكب الجريمة مجبرا ” مسيرا ” أم مخيرا الى ذلك ؟ وللاجابة عليه أنقسموا الى ثلاث اتجاهات .

الاول : مذهب حرية الاختيار

ويسمى بالمذهب التقليدي ويتلخص في تاكيده على أن الانسان يمتلك حرية في تقدير السلوك أو الفعل الذي يرتكبه ،فهو حر في الاختيار دون أن يكون مجبرا أو مسيرا من جهة خارجة عن ذاته ،وهذا يستلزم أن يكون مدركا لافعاله ووميزا لها.فاذا ارتكب الانسان وفقا لهذا التفسير جريمة فان ارتكابها هو بمحض ارادته وبامكانه تجنب هذا الفعل وعليه يكون مسؤولا عن فعله .

ثانيا : مذهب الجبر

يستمد هذا المذهب تبريراته من النظرية الواقعية التي تطبق قوانين السببية الحتمية على تصرفات الانسان .ينكر أصحاب هذا المذهب تماما أفكار المدرسة التقليدية الانفة الذكر،فافعال الانسان من منطلق أفكاره ليست وليدة الارادة الحرة ،فهو يشعر ظاهريا أنه يفعل ذلك بمحض أرادته ، ألا أن ارادته في الواقع ليست حرة بل تتكيف وتتوجه تبعا للمؤثرات الخارجية المحيطة به في الواقع الاجتماعي الذي يعيشه،أو لعوامل تكمن في تكوين شخصيته.

وقد أرتبطت أفكار أصحاب هذا المذهب بالتقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية في كشف وجود قوانين تحكم ظواهر الكون ،مما أدى بعلماءالقانون والاجتماع الى تطبيق تلك النتائج على أفعال الانسان ومنها الجريمة ،فأعتبروا الظواهر الاجتماعية نتيجة حتمية لاسباب معينة .

ثالثا : المذهب التوفيقي

يرى المختصون في العلوم المهتمة بالجريمة بعد دراسات ميدانية علمية متعددة وتبلور الافكار الفلسفية الحديثة، أن كل من المذهبين السابقين قد تطرفا في رأيهما ،ووفقا لارائهم أن الانسان لايتمتع في تصرفاته بحرية مطلقة ،ولا يخضع بصورة مطلقة أيضا الى قوانين السببية الحتمية ،الا انهم يرون ،أن الانسان كائن واع ِ يدرك مايحيط به ،كما أنه يستطيع تحديد غاياته التي يسعى لتحقيقها بافعاله .فثمة ظروف محيطة به تدفعه لارتكاب سلوك ما ،ولكن له قدرا من الادراك بما يفعله فتتيح له الحرية ولو بشكل من الاشكال للاختيار والتمييز .

العقوبة

هي الجزاء الذي يقرره القانون الجنائي لتحقيق مصلحة المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة ،تتلخص أهدافها في ضبط السلوك الاجتماعي وتحقيق المصلحة الاجتماعية والعدالة .وتقر القوانين أن تكون العقوبة واحدة لجميع افراد المجتمع بدون تمييز على اساس الانتماء الديني أو السياسي والعرقي والطبقي وما شابه.وأما فكيف تُحدد العقوبة ؟ يكمن ذلك في تأثُر الفلسفة العقابية بفلسفة المسؤولية الجنائية ،فكلما كانت فلسفة المذهب التقليدي سائدة ،كانت نظرة المشرعين لقانون العقوبات منصبة نحو الفعل الاجرامي من حيث ضخامته دون النظر الى المجرم كشخص وما الظروف المحيطة به أثناء أرتكابه للجريمة .وعليه أُنزلت بالمجرمين أشد العقوبات وكانت الفلسفة العقابية السائدة هي التخلص من المجرم في تعذيبه أو فنائه من الوجود باعدامه بشتى الوسائل.

أما بعد أنتشار آراء المذهب الواقعي في تحديد المسؤولية الجنائية بدأت الفلسفة العقابية تتغير تدريجيا ،فرفضت المدرسة الوضعية في علم الاجتماع التي بدأها الايطالي ” لومبرورزو ” في منتصف القرن الثامن عشر وثم ” فيري ” مبدأ المعاقبة المتساوية للمجرم ،أي بدأت التشريعات تأخذ بنظر الاعتبار شخصية وظروف المجرم.وعلى أثرهم أكد بعض الجنائيين ولا سيما الاجتماعيين منهم ومن بينهم ” الكونت غرامتيكا ” وزملائه ممثلوا مدرسة الدفاع الاجتماعي الايطالية،أن المجتمع هو الذي يحدد الافعال بانها جريمة، أي ان وجود الجريمة يفترض وجود المجتمع .

فاصبحت الفكرة من وضع القواعد القانونية هي لحماية المجتمع وأفراده ومصالحهم ،فلما كانت الافعال تختلف في شدة تأثيرها على المجتمع ،فأستوجب صياغة القواعد القانونية العقابية في ضوء ذلك التأثير ،فاصبحت الغاية من العقوبة الردع والوقاية عن طريق عزل المجرم عن المجتمع ،وتحددت أنواع الجرائم بثلاث مستويات هي : الجناية التي تتراوح عقوبتها بين خمسة سنوات والى الاعدام كحد أقصى ،والجنحة التي تتراوح العقوبة بين ثلاثة أشهر وخمسة سنوات ،والمخالفة التي تتراوح العقوبة بين يوم واحد والى ثلاثة أشهر أوبغرامة مالية .وهذا التصنيف يتباين من بلد الى اخر .

وقد تأثرت الفلسفة العقابية حديثا بنتائج الدراسات التي أُجريت من قبل المختصين في علم الاجتماع والنفس والاجرام فتحولت النظرة من مجرد عزل المجرم وعقابه الى نظرة عزل المجرم عن المجتمع من أجل أصلاحه وتهذيبه وتقويم سلوكه عن طريق برامج أصلاحية تُطبق في المؤسسات الاصلاحية ،فاعتبر هدف العقاب ردع المجرم وتحقيق سلامة المجتمع وأمنه بدلا من الانتقام ،ويكون العمل الاصلاحي هو مكمل للعقاب لا بديل له . وأما عقوبة الاعدام ،كان لها حيز من الاهتمام الكبير عند الباحثين والمختصين .

عقوبة الاعدام

يقصد بالاعدام عقوبة الموت ،وهي عملية ازهاق روح المحكوم عليه بوسيلة يُحددها القانون ،وهي اقدم العقوبات وأشدها قسوة ،وقُررت لعدد كبير من الجرائم.وغالبا ما كان تطبيقها بحسب مزاج الملك أو حاكم المقاطعة وثم بمرور الزمن أصبحت تُنظم بقانون.وبسبب تطور الفكر البشري الذي أستطاع تغيير الاتجاهات نحوها، بدأ تطبيقها ينحصر تدريجيا لجرائم محددة ،أبرزها جرائم المخلة بأمن الدولة والقتل العمد ولاصحاب الجرائم المتعددة والسطو المسلح والابادة الجماعية والخيانة الكبرى للدولة والتجسس .

وقد بادرت بعض البلدان الى الغاء عقوبة الاعدام ،ولكن رجعت الى تطبيقها بحسب الظروف والمخاطر التي يتعرض لها المجتمع ،كما حصل لايطاليا التي الغتها 1899 ثم اعادتها 1930،وكذلك الاتحاد السوفيتي الغتها 1947 واعادتها 1958 ، أما في العراق فلم تخلو القوانين العقابية من قواعد لتطبيق هذه العقوبة في مختلف العصور ولم يذكرنا التاريخ اية محاولة لالغائها ،وهي مقررة في القانون العراقي لجرائم خطرة مثل الجرائم المخلة بامن الدولة وجرائم التي تؤدي الى الموت من خلال الاعتداء على المرافق العامة وبعض جرائم القتل العمد.

ينقسم المفكرون المهتمون في عقوبة الاعدام الى فريقين في مواقفهم نحو الغائها أو بقائها ،حيث يرى الفريق المطالب بالغائها وجود عدة دعائم تؤيد مطالبتهم ،منها ،أن الله يهب الحياة للانسان وليس المجتمع فهو الذي يقرر،وهي عقوبة لا تنسجم مع روح العصر لانها ضد الشعور الانساني الذي يتوجه نحو فلسفة الاصلاح الاجتماعي للمجرم ،وان عملية وجود عقوبة الاعدام في المجتمع لم تشير الى ردع للجريمة .ولايمكن تدارك آثار عقوبة الاعدام اذا تبين خطأ تنفيذها .

ويرى مناصروا أبقاء عقوبة الاعدام فيبررون موقفهم بدعائم أهمها بما أن المجتمع لم يهب الحياة للفرد لكي يسلبها ينطبق هذا على تقييد حرية الفرد أيضا ،ويؤكدون على ان لا يُنظر الى الشخص فقط في القضية وانما لماذا لانفكر ما خلفه فعل المجرم من زهق ارواح ،ولا يمكننا معرفة مدى قابلية هذه العقوبة في ردع الجريمة لعدم توفر وسائل واقعية لقياس الظاهرة، وأما عدم فسح عقوبة الاعدام فرصة لاصلاح المجرم فهو زعم لا يمكن الاستناد عليه ،اذ لو ألغيت سيكون البديل السجن المؤبد ،وهذه العقوبة غير مجدية هي الاخرى لاصلاحه لان بقائه في السجن الانفرادي يكون مردوده النفسي أكثر سلبا وشقاءا من الاعدام ،وكل محاولة لاصلاحه لا تنفع لان الاصلاح يهدف الى أعادته للمجتمع .

بالرغم من هذه الدعائم لكلا الفريقين فأن المؤشرات في المجتمع البشري تؤكد على الميل نحو الغاء هذه العقوبة ،فمنذ صدور اعلان حقوق الانسان عام 1948 بدا العد التنازلي للبلدان التي تطبق عقوبة الاعدام وذلك للتكثيف الاعلامي ونشر الوعي وبمختلف الوسائل التي تقدمه منظمة العفو الدولية .وقد خصصت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي بدأ تنفيذه منذ23 – 3 – 1976 لكي توضع قواعد تخص عقوبة الاعدام ( راجع الامم المتحدة / المفوضية السامية لحقوق الانسان ).

ولعدم وجود الدقة في الاحصاءات المرتبطة بعقوبة الاعدام ولسريتها لبعض الدول ،أنما تتمكن منظمة العفو الدولية من الحصول عليها بطرق متعددة، ولكن لايمكن الاعتماد عليها في تعميم النتائج، ومن الاحصاءات التي وفرتها هذه المنظمة تبين بأن عدد الدول التي تتطبق عقوبة الاعدام أنخفض في العقدين الاخيرين وبالعكس ارتفع عدد الدول التي لاتطبق هذه العقوبة ففي سنة 1991 بلغ عدد الدول التي طبقت عقوبة الاعدام 32 دولة،وارتفع عدد الدول التي الغتها الى 48 دولة وفي سنة 2010 انخفض الى 23 دولة طبقت العقوبة، بينما ارتفع عدد الدول التي ألغتها الى 96 دولة وفق آخر الاحصاءات وكما نلاحظ من الجدول أدناه

السنة عدد الدول التي تتطبق عقوبة الاعدام عددالدول التي لا تطبقها

1991 32 48

1995 37 59

2000 27 75

2005 22 86

2010 23 96

ويمكن تصنيف البلدان بحسب مدى تطبيق عقوبة الاعدام لعام 2010 كما يأتي

لا توجد عقوبة الاعدام لكل الجرائم 96

منعت عقوبة الاعدام للجرائم العادية 9

منعت تطبيقها تحت التجربة ،أي لم تنفذها 34

لعشر سنوات الاخيرة

المطبقة لعقوبة الاعدام 58

وفيما يأتي ترتيب خمسة أعلى دول في عدد حالات الاعدام في العالم لعام2010 باستثاء الصين لان عدد الحالات فيها بالالاف سنويا فهي شاذة أحصائيا

الدولة عدد حالات الاعدام المٌنفذة

أيران أكثرمن 252

اليمن أكثر من 63

كوريا الشمالية أكثر من 60

الولايات المتحدة الامريكية 46

السعودية أكثر من 27

وتشير آخر أحصاءات العفو الدولية الى ،على الاقل 682 من الاشخاص أُعدموا في العالم ماعدا الصين بالطبع،وأنخفض عدد الدول التي تطبق عقوبة الاعدام الى 21 دولة فقط عام 2012.

ولعدم تمكن منظمة العفو الدولية من ضبط الاحصاءات لحجبها من بعض الدول فلا يمكننا من أثبات فيما اذا كانت عقوبة الاعدام رادعة، اي تنخفض الجرائم الاخرى في البلدان التي تطبقها وترتفع نسبتها في البلدان التي لاتطبقها ،أنما هناك أحصائية دقيقة للولايات المتحدة الامريكية التي تؤكد الفرضية القائلة بان عقوبة الاعدام غير رادعة ،حيث تشير الاحصاءات كما هو مبين في الجدول أدناه الى أن الولايات التي تطبق فيها عقوبة الاعدام ترتفع نسبة جرائم القتل فيها كاخطر الجرائم المرتكبة ،بينما نلاحظ انخفاض نسبة جرائم القتل في الولايات التي لا تطبق عقوبة الاعدام مما يدل بوضوح بأن عقوبة الاعدام ليست رادعة اي ان نسبة الجرائم ترتفع بالرغم من وجود هذه العقوبة.( النسبة تشير في الجدول لكل 100000 نسمة ).

السنة نسبة جرائم القتل في الولايات نسبة جرائم القتل في الولايات الفرق النسبي

التي تطبق عقوبة الاعدام التي لا تطبق عقوبة الاعدام

1991 9.94 9.27 7%

1995 8.59 6.78 27%

2000 5.70 4.25 35%

2005 5.87 4.03 46%

2010 5.00 4.01 25%

خلاصة القول :يتبين من تقارير منظمة العفو الدولية ومفوضية حقوق الانسان أن الوعي الاجتماعي والسياسي وبلورة الرأي العام العالمي يتجه صوب الغاء عقوبة الاعدام طالما أنها غير رادعة ،اي لاتوجد مؤشرات الى انخفاض نسبة الجرائم المرتكبة بالرغم من تطبيقها ،وبالعكس كما لاحظنا من البيانات المتوفرة عن الولايات المتحدة الامريكية أن الولايات التي تطبق فيها عقوبة الاعدام ترتفع نسبة جرائم القتل بينما تنخفض نسبتها في الولايات التي لا تطبقها .ومن المعروف عالميا لاتزال الجريمة متفاقمة بالرغم من تطبيق هذه العقوبة في مختلف البلدان وبالاخص النامية منها .

ولما كانت أسباب الجريمة متعددة ترتبط بشكل مباشر بالبيئة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية المحيطة بالفرد ،اضافة لعوامل ترتبط بتكوين شخصيته فأنها ستظل قائمة طالما أن اسبابها تكون مستمرة الوجود في المجتمع،فمن هذا المنطلق على الجهات المسؤول أستئصال هذه الاسباب بقدر الامكان وبالذات تلك التي تدفع بالافراد الى ارتكاب الجرائم البشعة التي تكون ضحيتها زهق ارواح الاخرين كما هي العمليات الارهابية والقتل على الهوية الدينية والقومية والسياسية والتي اصبحت ميزة من مزايا البلدان الشرق أوسطية.

حيث كبح الدوافع الارهابية يكون عاملا لميل المجتمع نحو التشجيع لالغاء عقوبة الاعدام ،ولكن طالما أنها ستكون قائمة فان الرأي العام سيطالب بانزال اقسى العقوبات بهؤلاء .فالمسالة تحتاج الى تكثيف الجهود من منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الانسان المنتشرة في الدول النامية لتنشيط التعاون بين الحكومات للقضاء على جذور الارهاب ،فالمسالة ليست بالغاء عقوبة الاعدام من عدمه ،فلو أفترضنا بان عقوبة الاعدام ألغيت في العراق المعاصر فهل سيؤدي الى انخفاض نسبة الجرائم والاخص الارهابية؟ وبالاتجاه الاخر اذا ؟ظلت عقوبة الاعدام قائمة كما هي الان فهل هناك انخفاض في نسبة الجرائم المرتكبة وبالاخص الارهابية ،اعتقد ان المؤشرات اليومية تدل على عدم الجدوى من عقوبة الاعدام في ردع الارهاب.

فمن هنا تاتي اهمية أستئصال جذور الارهاب اولا لكي نتمكن من توجيه الرأي العام العراقي نحو الغاء عقوبة الاعدام فطالما يكون الارهاب قائما فلا يمكننا من تحريك الرأي العام لالغاء عقوبة الاعدام ،لان الاثار التي يتركها الارهاب هي ابادة جماعية ويطال ضد الابرياء .وعليه أفضل بان تنصب المسالة في التوعية بهذا الاتجاه مرحليا على الغاء تنفيذ عقوبة الاعدام للجرائم السياسية والجنسية المثلية أو تعدد الجرائم وثم تأتي مرحلة الغائها لجرائم القتل العمد الفردي وهكذا .

المصادرالمعتمدة

Federal Bureau Of Investigation In U.S.A ,FBI

Amnesty International Research, Death Penalty Information Center 2013

Modern Sociological Theory , George Ritzer

The Study Of Social Problem , Earl Rubington

أصول علم العقاب ، عبدالرحمن محمد، 2001

لطيفة المهداتي، حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء، 2005

أمين مصطفى ،علم الجزاء الجنائي، 1995

ومصادر اخرى

 

د. عبدالله مرقس رابي

باحث أكاديمي

كند/ا في 17 تشرين الثاني 2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *