الطغمويون* يتفننون في الإساءة للعراق الجديد3/2 / محمد ضياء عيسى العقابي

الإساءة للعراق الجديد 2/3

17/10/2010

الإساءة الثالثة: إيران مسيطرة على العراق، فكلِّفونا لمقاتلتها 

أفلسَ الدكتور أياد علاوي وإئتلافُه فراح يرفس العراقَ أمام العالم. بالأمس ذهب إلى سوريا لتكليف الرئيس السوري بالطلب من إيران الكف عن التدخل في الشأن العراقي. واليوم طار إلى السعودية لبحث التدخل الإيراني. هذه إساءة بالغة للعراق والعراقيين وخاصة للمجلس الأعلى الإسلامي وللتيار الصدري. ليته قرأ الصحف الأمريكية والبريطانية التي رددت عدة مرات “إكتشافها” بأن العراقيين مستقلون في قراراتهم ولا يريدون تدخلاً أجنبياً في شئونهم لا أمريكياً ولا إيرانياً. قالت صحيفة الغارديان البريطانية بتأريخ 2010/9/1 : “فشلت جهود إيران وجهود أمريكا في تشكيل الحكومة العراقية. ظهر أخيراً أن الوطنيين العراقيين لا يقبلون ضغوطاً إيرانية أو أمريكية”. أريد أن أعرف كيف تدخلت إيران؟: إئتلاف دولة القانون معروف بإستقلاله عن الجميع؛ الكرد مستقلون عن الجميع، التيار الصدري : لو لم يقتنع بالمالكي، أو دعونا نقل لولا أن البدلاء سيئون، لما غيّر رأيه لصالح المالكي. والأرجح أن الإيرانيين والسوريين أبلغوا الصدريين صراحةً بإحتمال شن إسرائيل حرباُ عليهم ما يقتضي وجود رئيس وزراء عراقي قوي ومستقل غير خاضع للسعودية التي قد تقف بجانب إسرائيل سراً، “نقبله على مضض ويقبله الأمريكيون على مضض، أيضاً، وهو المالكي”. بإعتقادي، هذا الرجاء الضاغط يفسر ما صرح به السيد مقتدى الصدر من أن ضغوطاً إيرانية هائلة مورست عليه. المجلس الأعلى المعروف بكونه الأقرب إلى إيران يقف مع إئتلاف العراقية بالضد من دولة القانون. (وهذا، بالمناسبة، يدل على أن علاقة المجلس الأعلى مع إيران أرقى من علاقة إئتلاف العراقية بالسعودية المتصفة بالتبعية بدلالة موقف كل من الإئتلافين من مسألة الديمقراطية). فأين التدخل، إذاً؟ وهل يحتاج كل هؤلاء إلى إيران كي تُفهمَهُم أنهم لو وقعوا في قبضة إئتلاف العراقية لأراهم والشعبَ المسكينَ معاً نجومَ الليل في وضح النهار؟ وهل يحتاج الديمقراطيون، دينيين وعلمانيين، إلى إيران كي تجعلهم يدركون ما تعلمناه في المدرسة الإبتدائية من أن “في الإتحاد قوة وفي الفرقة ضعف”. هذا مظهر آخر من مظاهر تخوين الآخر ورفضه وتنصيب الذات فوق الجميع . في الحقيقة، بعد أن تفاهمت أمريكا وإيران والسعودية وسوريا وتركيا، كلٌ لمصلحته، على تنصيب الدكتور أياد رئيساً لوزراء العراق إبعاداً منها للمالكي الذي مدَّ يد الصداقة للجميع مع منعهم من مدِّ أيديهم داخل العراق، وإذا بالموقف يتبدل فتنقلب أمريكا وإيران وسوريا ضده إضطراراً وتتجه نحو المالكي مُكْرَهَةً. لماذا؟ قرأتُ المشهد بالصورة المختصرة التالية والتي سبق لي قبل أشهر أن كتبتُ عنها وعن مسببات التفاهم ببعض التفصيل: 

أَفْشَلَ إئتلافُ دولة القانون ما أسماه السيد المالكي بالإنقلاب الأبيض. إذ حصل تلاعب عالي التقنية وباهض الثمن (الدولارات سعودية) بالعملية الإنتخابية الذي وصف السيد نوري المالكي نتائجه لاحقا بالقول: “يعلمون جيداً أن إئتلاف دولة القانون قد حصل على 104 أصوات”، علماً أن إعادة الفرز لم يكن مكتملاً لرفض المطابقة مع القوائم الإنتخابية وإكتُفي بإعادة العد والفرز فقط. وقف التزوير عند حد نيل إئتلاف العراقية 91 صوتاً مقابل 89 لدولة القانون ربما خوفاً مما لاح في الأفق من عصيان مدني مليوني أصبح على الأبواب بانت بوادره في تظاهرات جماهيرية إنطلقت في النجف والبصرة وكادت أن تجتاح الوسط والجنوب لولا إجتماع السفير الأمريكي على عجل بالسيد المالكي حيث خرج بعدئذ السفير مصرحاً “ أكد السيد المالكي على الإلتزام بالنهج الديمقراطي”. وإذا أزحنا اللغة الدبلوماسية وإعتبارات حفظ هيبة الدولة العظمى والأمم المتحدة جانباً لقرأنا التصريح بالصيغة التالية: “إتفقنا على الإلتزام بالنهج الديمقراطي”، أي وبصريح العبارة أراد القول: “أوقفنا التزوير الواسع وإكتفينا بما سَيُفَعِّلُ المادة 76 من الدستور لصالح السيد علاوي”. هنا وقع ما لم يكن بالحسبان. إذ عاد الإئتلافان، دولة القانون والوطني، إلى التحالف كما وعدا الجمهور بذلك قبل خوض الإنتخابات ويوم الإفتراق. أصبح “التحالف الوطني” هو التحالف الأكبر؛ والتحالفات أو الجبهات أو الإئتلافات مباحة، بنظري، مهما تعددت وفي أي وقت إنفراطاً وإلتآماً أثناء الدورة البرلمانية الواحدة من دون الحاجة إلى تشريع أو دستور كما لا يحتاج شم الهواء وشرب الماء وتناول الطعام إلى تشريع. هل هناك ما يمنع أغلبية برلمانية متشكلة حديثاً من إسقاط الحكومة في أية لحظة وتشكيل حكومة جديدة برئيس جديد، في النظام الديمقراطي البرلماني؟ ومع هذا وجه التحالف الوطني الجديد سؤالاً إلى المحكمة الإتحادية قبل ظهور نتائج الإنتخابات حول أحقية التكليف بتشكيل الوزارة.

هنا لعب إئتلاف العراقية لعبته: فإما الرضوخ لمطلبه بتشكيل الحكومة وأما الجرجرة لحد الملل مستغلاً خلافات التحالف الوطني حول ترشيح السيد المالكي. لذا هيَّئوا تسجيلاً صوتياً للشيخ همام حمودي، رئيس لجنة صياغة الدستور، إدَّعوا دعمه لتفسيرهم للمادة 76 بثته قناة “الشرقية” الطغموية على الهواء .ولم يُجْدِ بثُ التسجيل هذا نفعاً إذ أصدرت المحكمة الإتحادية حكمها المنطقي والمتوقع لصالح التحالف الوطني، فأقنعَ الأمريكيين وأبعدهم عن فرسان التزوير السعودية و “حلفائها” المحليين. إذ لم يخفَ على الأمريكيين أن الطعن بشرعية ونزاهة المحكمة الإتحادية يعني الطعن بشرعية الدولة العراقية الجديدة بأكملها لأنها هي التي صادقت على نتائج جميع الإنتخابات التي أُجريت في العراق الجديد بضمنها الأخيرة وصادقت على نتائج الإستفتاء على الدستور وصادقت على مسائل قانونية كثيرة أخرى. ولم ينسوا إشادة السيد صالح المطلك نفسه، القيادي في إئتلاف العراقية، بنزاهة القضاء العراقي وذلك أيام بحث قضية خضوعه لمقتضيات قانون المسائلة والعدالة. وما زاد في طمأنة العراقيين والمجتمع الدولي أنَّ السيد المالكي وعلى طول الخط قد صرح مراراً بأن إئتلافه على إستعداد لدعم أية جهة تتمكن من تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية وفي أي وقت غير أن أحداً لم يستطع تحقيق ذلك، رغم إدعاءات إئتلاف العراقية التي أعلنت عن حصولها على الأغلبية عدة مرات آخرها تصريح السيد حيدر الملا يوم 2010/10/12 وظهر بطلانها فيما بعد. 

أما إيران وسوريا فقد أدارتا ظهريهما للسيد علاوي، بتقديري، بسبب صلافة اليمين المتطرف الإسرائيلي الذي إستهان بالولايات المتحدة وأهان رئيسها الطيب باراك أوباما عدة مرات وهدد علناً بضرب المنشآت النووية الإيرانية وربما سوريا ولبنان وحماس وحزب الله. هنا تزعزعت ثقة كل من إيران وسوريا بمقدرة الولايات المتحدة على كبح جماح اليمين المتطرف الإسرائيلي الأمر الذي جعلهما يتحوطان لحرب قد تشنها إسرائيل. وهذا بدوره دفعهما إلى تأييد مجيء رئيس وزراء عراقي مستقل عن الجميع وقوي ولا يخضع بالذات للسعودية والأردن اللتين ستؤيدان إسرائيل سراً. وهكذا طلَّقا السيد علاوي الذي لم يكن يمتلك حظاً لتشكيل الحكومة أساساً لأن ستراتيجية إئتلافه تتعارض تماماً مع ستراتيجية الأطراف الأخرى التحالف الوطني والأكراد. فأطراف التحالف الوطني رغم إختلافها على مسألة ترشيح السيد المالكي إلا أنها جميعاً مصرة على أن يكون رئيس الوزراء من التحالف نفسه لأن السيد علاوي يحمل مشروعاً طغموياً وأجنبياً ينال من إستقلال وديمقراطية العراق وبالتالي، وعلى المدى المتوسط، قد يؤدي ثانية إلى حروب وتطهير متنوع ومقابر جماعية. بعد إنتخابات 2010/3/7 مباشرة صرح الدكتور أحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي والقيادي في الإئتلاف الوطني والتحالف الوطني، بأنه ومن يتحالف معهم لا يسمحون بتشكيل الحكومة من قبل أي شخص تُشمُّ منه أية رائحة للبعث. وبالفعل تم أخيراً ترشيح السيد المالكي مع تحفظ المجلس الأعلى فقط. بقيت السعودية وتركيا الوحيدتين اللتين تؤيدان السيد علاوي. بإختصار قلب إئتلاف دولة القانون حسابات دول الجوار وأمريكا من السعي إلى المجيء برئيس وزراء ينفع كلاً منها على حساب العراق إلى القبول برئيس وزراء ولاؤه للعراق وحسب، ولا ينفع الكل إلا في إطار الصداقة المتكافئة معهم. 

أما زيارات السيد علاوي والوفد المرافق له فأراد منها، بتقديري، إقناع سوريا بتغيير رأيها ورأي إيران لصالحه؛ وأراد من السعودية الثبات وعدم الترخرخ وتثبيت تركيا معها والتأثير على أمريكا لتبديل رأيها هي الأخرى. وكل هذه الجهود حرث في بحر ورفس يائس في الهواء.غير أنها مع ذلك جهود تسيء للعراق ولا تشجع الدول الأخرى على إحترام سيادته وخياراته الديمقراطية، وبالتالي لا تساعد على تعزيز إستقراره ومكانته. 

إنهيار أحلام السيد أياد علاوي وإئتلاف العراقية 
هناك ملاحظتان ينبغي التنبه إليهما في زيارات الدكتور أياد علاوي وبعض قياديي إئتلاف العراقية الآخرين الذين يتميزون بثرائهم الحديث كالدكتور صالح المطلك، وهما: 1- إن الأهداف المعلنة لزيارات الدكتور أياد للخارج ليست بالضرورة صحيحة. فقد أظهرت زيارته إلى روسيا أنها لم تكن بالأساس لبحث الوضع العراقي بل كانت لبحث صفقة نفطية تبلغ قيمتها (500) مليون دولار (أي نصف مليار دولار) تخص شركة نفط خاصة يملكها السيد علاوي. لقد فضحت هذا الأمر إحدى وكالات الأنباء الروسية، ربما رأفةً بالشعب العراقي. 2- تُستغل هذه الزيارات بوسيلة أو أخرى وبذريعة أو أخرى لإطالة أمد الأزمة في العراق عسى أن تُسفر تلك الإطالة عن خراب للدار ومَنْ فيها. كيف؟ 

مرت مطالبة إئتلاف العراقية بوجوب تكليفها بتشكيل الحكومة بمرحلتين: الأولى: وكان هدفها تشكيل الحكومة على ظهر الإنقلاب الأبيض المؤمل نجاحه. الثانية: وهدفها التخريب بعد فشل الإنقلاب الأبيض وتخلي أمريكا وإيران وسوريا عن السيد علاوي. فيما يلي التفاصيل 

المرحلة الأولى: كانت نغمة التهديد بالحرب المدمرة والويل والثبور من جانب إئتلاف العراقية أعلى وأشد من الآن؛ لماذا؟ قَدَّرَ إئتلاف العراقية أنه ما أن ينجح في الحصول على تكليف رئيس الجمهورية الجديد للسيد أياد علاوي بتشكيل الوزارة وفق تفسير ذلك الإئتلاف للمادة الدستورية رقم 76 حتى تبدأ الدول المتفاهمة (أمريكا وإيران وسوريا والسعودية وتركيا) بضغوطها على/ وإبتزازها لحلفائها من القوى السياسية العراقية وهي الإئتلاف الوطني والتحالف الكردستاني وجبهة التوافق وإئتلاف وحدة العراق وسيكون كسب تأييدها للسيد أياد مضموناً لعدم إستطاعتها الرفض أو تحدي الدول المتفاهمة. وهكذا سينجح السيد أياد علاوي في الوصول إلى سدة الحكم حتى ولو بإهمال إئتلاف دولة القانون ودفعه إلى مقاعد المعارضة، بسبب إستقلاليته وعدم إنصياعه لأية قوة خارجية. 

هذه التقديرات والتصورات كانت، بتقديري الجازم، ستُثبتُ فشلَها حتى لو سارت بالخطى التي رسمها واضعو مخطط “حرق الأعشاش” وإئتلاف العراقية بالصورة المبينة أعلاه ، للأسباب التالية: 1- بإعتقادي لو سلطت ضغوط الدنيا كلها على رؤوس أطراف الإئتلاف الوطني لما وافقت على إسناد منصب رئاسة الوزراء لإئتلاف العراقية ليقطف ثمار ما بنته بتضحياتها الجسيمة ضد الإرهاب والتي ستظهر نتائجها الإيجابية في الدورة البرلمانية القادمة . زد على هذا مواقف إئتلاف العراقية الخطيرة من الدستور والنظام الفيدرالي وقانون مجالس المحافظات والتشكيلات الأمنية والعسكرية ومعارضتها لقانون المسائلة والعدالة وقانون مكافحة الإرهاب وإعادة الضباط السابقين، حسب مفهومه القاصر للمصالحة، ولطخ الآخرين بالعمالة لإيران والطائفية والعنصرية متغافلين عن كونهم أنفسهم طغمويين. بوضوح ودقة وأمانة: هذه مظاهر لجوهر فكري (واعٍ أو غير واعٍ) رافضٌ للآخر ومتعالٍ عليه. أصرت أطراف الإئتلاف الوطني وما تزال على أنها جزء من التحالف الوطني ونقطة الإختلاف مع إئتلاف دولة القانون كانت حول شخص رئيس الوزراء لا أكثر ولا أقل. لقد صرح الدكتور أحمد الجلبي أن التحالف الوطني لا يمكن أن يقبل رئيساً للوزراء تُشمً منه رائحة البعث، في إشارة إلى مرشح إئتلاف العراقية. 2- كذلك الحال بالنسبة للقوى الكردية فمصالحها هي الأخرى تتعارض تماماً مع توجهات كثير من الكتل داخل إئتلاف العراقية القريبة من فكر البعث الطغموي، المتميز بعنصريته وطائفيته. كفانا مثلان على هذا: رفض تولي الكرد لمنصب رئاسة الجمهورية ورفض المادة 140 من الدستور بحجة سقوطها زمنياً بعد أن عملوا على الحيلولة دون إحترام المواعيد المنصوص عليها. 

المرحلة الثانية: فشلت محاولة تشكيل الحكومة بالطريقة سابقة الذكر قبل بدءها بسبب فشل محاولة الإنقلاب الأبيض نفسها على يد إئتلاف دولة القانون والجماهير العراقية. غير أن لغط إئتلاف العراقية حول وجوب تكليفه بتشكيل الحكومة وإطلاق تهديدات مبطنة بشن حرب أهلية مازالت قائمة لحد هذا اليوم ولكن بهدف مختلف عن الهدف الأول. تمثل الهدف الجديد بمحاولة إطالة أمد الأزمة إلى أبعد مدى ممكن عسى أن يصيب الخراب التام النظام الجديد بأكمله أملين أن تتوفر لهم الفرصة، بكيفية ما، لإعادة بنائه على “الأسس الصحيحة” أي الأسس الطغموية القديمة. يتم تنفيذ هذا الهدف عبرالمناورة في مسألة الإنضمام إلى حكومة شراكة وطنية. لقد تذبذب موقف إئتلاف العراقية بين إستمرار المطالبة اللفظية برئاسة الوزراء وبين المشاركة في الحكومة وبين الإنسحاب من العملية السياسية برمتها وسط سيل من التهديدات بالويل والثبور، متحاشياً أي ذكر للعب دور المعارضة البرلمانية (وهو الدور الأنسب للعراق ولهم وفق شروط معينة). لا يشكل هذا الموقف إساءة للعراق وحسب بل يشكل خروجاً على مبادئ الوطنية أساساً. 

تتعزز قناعتي لدى متابعة ما يطرحه الطغمويون بأنهم لم يتزحزحوا خطوة واحدة عن هدفهم الرامي إلى إستعادة السلطة لشريحتهم الطغموية. بأية وسيلة كانت ولو بتخريب العراق عن بكرة أبيه!! 

* الطغمويون والنظم الطغموية: 

هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة. 
**

 
الطائفية: 

للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. 
إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. 
أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها. 

طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. 

الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. 

لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية. 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *