طبق الأصل: عارهم! بقلم عدنان حسين

لا أعرف د.علاء الطاهر، ولم يسبق لي القراءة له، وهذا بالتأكيد عيبي وليس عيب الرجل.. المهم إنني قرأت له أمس “نظرات” و”عبرات” كتبها على هامش مهمة خيرية ونشرها عبر “فيسبوك”، تحدث فيها عن “عارنا” حيال بعض من أهل البلاد القدامى، المسيحيين.. انه عارهم في الواقع.. عار دولتنا والقائمين عليها من أهل الإسلام السياسي الشيعي والسنّي سواء بسواء. هنا ما كتبه:
“وأنا استقل السيارة المخصصة لذهابنا في رحلة للبحث عن بعض العوائل المسيحية المتعففة، لم يكن يدور في خلدي أني سأشاهد ما شاهدته صباح هذا اليوم.. لقد تعودت أن ارسم للعوائل المسيحية في العراق صورة في ذهني كطبقة ميسورة في كل شيء.. في التعليم .. في الثقافة.. في المال وطبعاً في الجمال. ورغم حبي لهم واعجابي بطريقة حياتهم كنت أعتقد في أحد مراحل عمري انهم مفضلون علينا من قبل الدولة فكنت أنفر من ذلك. ومما ساعد في ترسيخ هذا الاعتقاد لدي هو الإشاعات التي كان يتحدث بها المجتمع أيام الحصار بأن المسيحيين تصلهم مساعدات خاصة عن طريق الكنيسة تبعد عنهم شبح الحصار وآثاره التي ساهمت في اختفاء الطبقة المتوسطة ونكوصها الى طبقة فقراء في تسعينيات القرن الماضي، وكانت هناك إشاعات بأن نظام صدام حسين يفضل المسيحيين ويجعلهم في بحبوحة من العيش باتفاق بين طارق عزيز والامم المتحدة، يجري تنفيذه بينما يموت باقي الشعب جوعاً بسبب الحصار، وهذا ربما كان احد الاسباب المهمة للعنف الذي تعرّض له المسيحيون بعد سقوط نظام صدام.
لقد زرتُ اليوم مع مؤسسة خيرية دولية عوائل مسيحية عديدة في مناطق مختلفة من بغداد ورأيت طريقة عيش لتلك العوائل لم أكن أظن أنها موجودة.
اليوم رأيت بأم عيني مصداق قول الجواهري الخالد:
ويستقي دمها جيلٌ وينكرها
ويغتذي روحها خلقٌ وتعتفدُ
(تعتفد: تغلق بابها على نفسها فلا تسأل أحداً حتى تموت جوعاً).
عوائل مسيحية فقيرة تعاني الخوف والفقر، ونحن نزورهم كنت اقرأ في عيونهم الخوف والطيبة وعزة النفس والامتنان.
لقد أحبوا وطناً فأذلّهم. رفضوا تركه فخنقهم. التصقوا بهذي الأرض يريدون فقط الموت عليها لأنهم أصحابها الحقيقيون.
امرأة مسنّة أردت مساعدتها فغمزتُ لزميلي لكي نعطيها حقيبة مساعدات ثانية بعدما رأيتُ بؤس حالها مع ولدها المختل عقليا فاقتربت مني وقالت بأدب جمّ: “لا، نحن عائلة واحدة مو اثنين سنأخذ حقيبة واحدة” .. هل تسمعون يا قادة الفساد في بلدي يا من تتسابقون على السرقات غنائم لكم …. تباً لكم.
امرأة أخرى ترفض أن تأخذ المساعدة دون أن نُعطي لجارها المسلم ضعفَ ما سوف نعطيها لأن عائلته كبيرة، فحققنا لها مرادها.. وأخرى تُعيل عائلتها رغم عوقها ومرضها دون أن يلتفت لها أحد.. وأخرى جاءت هاربة من بعقوبة خوفاً من التهديد والقتل… وفي بيت آخر رأيت فنانة معروفة مثّلت ذاكرة جيل وعطاء لأكثر من أربعين عاماً في الدراما العراقية تُغلق عليها بابها لتموت ببطء وهي تعاني من أمراض الشيخوخة وضعف الذاكرة، كانت تتكلم بمرارة عن عطائها ومعاناتها والتزامها بفنها طيلة عقود، ثم التجاهل المتعمد لها ولتأريخها، لم تعد تنتظر الآن الا الموت.
لم أتكلم مع أحد منهم الا اغرورقت عيناه بالدموع وهو يتكلم عن جفاء هذا الوطن، وعن حبّه الذي يجعلهم يرفضون بإصرار مغادرته رغم ان معظم أقاربهم في المنافي التي تسهل استقبالهم.
كانوا يتكلمون بطيبة وخوف وتحفظ.. استمعت لهم وانا اشعر بالذنب لما فكرت فيه يوماً.. أشعر بالعار يلفني ويذهب بي بعيداً في أغوار التأريخ.. كنت أريد تقبيل يد كل منهم اعتذاراً عما فعلناه بهم.
كنت أريد تقبيل يد كل منهم نيابة عن أجدادنا الغزاة.. ولكن!!… لم أفعل!!.. فصلف البداوة مازال يجري في عروقي .
(يا ليتني متُّ قبل هذا أو كنت نسيا منسياً).
اعتذر عن نشر أي صورة تُظهر عارنا” .
(انتهى ما كتبه د. الطاهر ، ولا تعليق سوى: انه عارهم – دولتنا والقائمين عليها من الإسلاميين – وليس عارنا).

 

عدنان حسين

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *