صالح المطلگ : تاريخ ، لو (گشر) بطيخ؟ / فالح حسون الدراجي

كان السياسيون العراقيون قبل عصرالأنِحطاط البعثي سياسيين فعلاً، فكانوا رغم إختلافاتهم، وخلافاتهم الكبيرة يملكون عدَّة السياسة المطلوبة، وأبرزها : المعرفة، والثقافة الشخصية، والروح السياسية المرنة، وإحترام الخصم السياسي ..

ولعل المفيد ذكره هنا، أن السياسيين كانوا ينقسمون الى قسمين، قسمٌ يضم أبناءالطبقات الكادحة، وأغلبه كان ينتمي لليسار العراقي. وهؤلاء وإن لم تتح لهم فرص التعليم العالي لأسباب معروفة،إلاَّ أنهم كانوا يسدِّون هذا النقص بالتثقيف الدائم، وبالقراءة، والمتابعة الجادة لكل ما ينتجه العالم المتقدم من إنجازات إبداعية، ليست في الميادين السياسية، والإقتصادية فحسب. إنما في الميدان الأدبي، والفني أيضاً.. وكان أبناء هذه الطبقات يتصدرون بحق الساحات الثقافية، والصحفية، والسياسية. فكان مثلاً عامل مكينة الثلج يوسف سلمان يوسف (فهد) يحاضر في الإقتصاد السياسي، ويكتب في الفلسفة، ويحلل الأوضاع، وهو لايحمل غير الشهادة الإبتدائية، فقد كان يحرر لوحده أحياناً صحيفة الحزب السرية من السطرالأول الى السطر الأخير، حتى أن الجواهري الكبير نشر له يوماً مقالة إقتصادية دون أن يقرأها،أو يفحصها،وهو أمرٌ لم يفعله أبو فرات من قبل.

بينما كان (الفلاح) شمران الياسري يكتب المقالة الشعبية التي لايستطيع أن يجاريه فيها أمهر كتبة المقالات في العالم العربي. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن (الفلاح) كاظم فرهود، وعن غيره من الفلاحين الذين تعلموا في المدارس السياسية، فتخرجوا منها بإمتياز وتفوق.

بينما نجد أن (العريف الشيوعي) جمعة حطاب (أبو إحسان) كان يناقش الشعراء والمثقفين في قصائد مايكوفسكي، وآراغون، وبودلير، وكأنه وأحدٌ من خريجي السوربون، وليس عريفا آلياً في إحدى سرايا الجيش العراقي؟!

هذاعن القسم الأول، أما القسم الثاني من السياسيين، والذي كان يضم الطبقة البورجوازية ، وكبار الإقطاعيين، والملاكين،ً وكبار الضباط، ورؤساء الإدارات الوظيفية.وهؤلاءالسياسيون، وإن كنا نختلف معهم في الكثير من الأهداف، والوسائل، والإنتماءات الطبقية، والفكرية، والوطنية أيضاً، إلاَّ إننا لانبخس حقهم، في كونهم سياسيين محترفين يجيدون اللعبة السياسية بكل تفاصيلها وفنونها، بما يحملونه من مزايا وصفات سياسية متقدمة.. خاصة في موضوع الكياسة والفخامة اللغوية والإعتبارات السياسية، وفي نوع المخاطبة مع الآخر أيضاً. وأمامي مجموعة من الرسائل التي كان يتبادلها زعماء تلك الطبقة فيما بينهم. فهذه رسالة من نوري السعيد كان قد بعثها الى الشيخ خزعل (أمير المحمرة)، يعتذر فيها عن أمر لم يكن يريد أن يفعله له. فيقول في رسالته:-

(بعد تقديم واجبات الإحترام، والإجلال الى مقام سموكم العالي. أعرض أنني قد إجتمعت بصديقي مزاحم الباچچي، وبلغني ما تفضلتم بإظهاره نحو العاجز من الإحساسات الشريفة، واللطف الزائد الذي لا أستطيع إلاَّ أن أقابله بخالص، ومزيد الإمتنان ، ولكن كم أسفت لعدم تمكني من القيام به، لأننا كنا قد تعهدنا عند إنتظامنا في سلك الجيش بعدم الإشتغال في الأمور السياسية .. وإنني أغتنم هذه الفرصة، وأقدم لسموالأمير فائق الإحترام وأخلص الأماني).

إن ما جاء في هذه الرسالة من تهذيب عال، ولغة فخمة، وجمل رنانة، ومن إحترام كبير للآخر، لهو الأسلوب الذي كان سائداً وقتها في جميع المخاطبات بين أفراد الطبقة السياسية العليا. وقد وجدته فعلاً في جميع خطابات ورسائل عبدالرحمن النقيب وجعفر العسكري ومزاحم الباچچي وطالب النقيب، وعبدالمجيد الشاوي ومحسن السعدون وعبدالرزاق النعمة، ورشيد العمري، والسيد محمد الصدر، وباقرالشبيبي، وناجي شوكت، ويوسف السويدي، وجعفر أبو التمن، وكامل الچادرچي، ومحمد حديد، وهادي العمري، وغيرهم من كبار شخصيات الطبقة السياسية.. ولا أكشف سراً لو قلت بأنني دهشت لما وجدته في كل مراسلاتهم، من أدب جم، وتقدير وإحترام كبيرين، ولما تتمتع به خطاباتهم المتبادلة، وخطبهم المعلنة،وغيرالمعلنة من لغة جميلة وفخمة، لغة مكللة بكل عبارات الود الجذاب، فرغم كل إعتراضاتنا على بعض شخصيات تلك الطبقة السياسية، وعلى ما فعلته من آثام، وجرائم بحق شعبنا العراقي، فإننا يجب أن نحتفظ لها بهذا الرقي الفاخر، وهذه الرفعة في لغة التخاطب، والحوار فيما بينها. لقد بقي هذا الأسلوب سائداً في لغة السياسيين العراقيين حتى مجيء هتلية البعث الى الحكم في شباط عام 63 حيث حلت الكارثة العظمى على العراق ، فأنقلب بإنقلاب شباط كل شيء، وسقطت كل اللغات المهذبة، خاصة بعد أن جذبت (بدلة)الحرس القومي، ورشاشة البور سعيد أعداداً كبيرة من أبناءالشوارع، والسرسرية، والفاشلين، واللقطاء، الذين لا يُعرَف آباؤهم، ولا تعرف أصلابهم وأنسابهم، مثل صدام، وسمير الشيخلي، وناظم گزار، وسعدون شاكر، وعلي صالح السعدي، وغيرهم، فتغيرت بتغير النظام الوطني أبجدية الخطاب السياسي .. وبعد أن كان القائد الشيوعي فهد يخاطب الشيوعيين قائلاً :- (قوَّوا تنظيمكم… قوَّوا تنظيم الحركةالوطنية) صار صدام يقول: 

( الما يتطوَّع للحزب … أسحَّلو وأسحَچو وأجظعَّو، وأطرَّو أربع وصَّل)

لقد أوصل صدام ذلك الخطاب الوطني المهذب الى الدرك الأسفل من لغات الحوار في الدنيا .. ولكم أحبتي القراء أن تقدروا كيف سيكون مستوى خطاب صدام مع خصومه، إذا كان الرجل يخاطب رفاقه بلغة (الطَّر، والجظع)؟!

واليوم فإني أجد للأسف الكثير من رجال السياسة في العراق الجديد، لايختلفون في أسلوبهم الخطابي مع الآخر عن إسلوب صدام وناظم گزار، وسميرالشيخلي، وبرزان التكريتي، وعلي حسن المجيد وغيرهم من هتلية البعث. وما نسمعه اليوم من إتهامات خطيرة، ولغة متدنية، وسمجة، وما يتبادله بعض السياسيين العراقيين عبر وسائل الإعلام من تشبيهات سيئة، وإنتقاصات رخيصة أقل مايقال عنهاأنها مخجلة جداً ،ومعيبة جداً أيضاً، بخاصة عندما يتبادلها سياسيونا أمام مرآى ومسمع الدنيا كلها!

وللأسف فقد بات العالم اليوم يهزأ، ويسخر من سياسيينا، وهو يرى بعينه هذه الفضائح، ويسمع هذه الخطابات الركيكة والهزيلة . بعد أن أصبح اليوم كل من هب ودب متحدثاً تلفزيونياً، وناطقاً رسمياً، ومسؤولاً، ومحللاً سياسياً فضاع الحابل بالنابل، وأختلط الخيط الأبيض بالخيط الأسود،وتاه السياسيون الشرفاء والمقتدرون في معمعة السياسيين الأميين والفاشلين، حتى تساوت للأسف الشديد (الگرعة وأم الشعر)!! وأمس شاهدت مقطع فيديو، بثته إحدى القنوات الفضائيةالعراقية وفيه يقدم (المناضل الكبير) صالح المطلگ نصيحة سياسية وتأريخية لرئيس الوزراء نوري المالكي. والحقيقة فأنا لا يهمني قط ما سيقوله المطلگ للمالكي من نصيحة، بقدر مايهمني كمتلقي، وكإعلامي عراقي، حريص على معرفة مستوى الخطاب السياسي الذي وصل اليه سياسيونا، وحريص أيضاً على معرفة اللغة التي سيتداولها هذا السياسي في نصيحته لزميله الآخر لكني فوجئت، بل وصدمت للإنحطاط الثقافي، والأدبي الذي وصل اليه مستوى الخطاب السياسي العراقي. على الرغم من أني كنت أعرف مسبقاً المستوىً الثقافي للمطلگ. لقد وجدت مثلاً في نصيحته تلك ثلاثة عشر خطأ لغوياً، ثلاثة عشر خطأ في حديث متلفز، ومنقول الى ملايين المشاهدين في العالم، والذي لم يتجاوز وقته الخمس دقائق وثلاث وثلاثين ثانية. والمصيبة أن المتحدث (اللايصها) هو دكتور وأستاذ جامعي أيضاً – حسب سيرته العلمية، والشخصية-! فضلاً عن أن هذه الأخطاء الثلاثة عشر قد جاءت عبرالجمل التي تحدث بها المطلگ باللغة الفصحى فقط، إذ لو أحصينا عليه أخطاء الكلمات العامية أيضاً، لأصبح العدد مائة وواحد (يعني سبحة وشاهود)..!!

ويؤسفني أن أقول أن لغة الدكتور في هذاالمقطع كانت لغة متدنية جداً.. و لاتختلف عن لغة الكثير من رفاقه السياسيين اليوم، سواء كانوا من رفاقه في الكتلة العراقية، أو في الكتل الأخرى؟

ودعوني أعذر(للدكتور) هذا التدني الحاد في لغته، وإسلوبه الخطابي والثقافي والسياسي، فالرجل(صناعة صدامية محضة)! لكني لن أعذره على جملة وردت في نصيحته (الأخوية) المتلفزة تلك، عندما قال:( ولايمكن أن أقبل أنا بتأريخي أن تعاد التجربة)؟ وهنا المصيبة الكبرى يادكتور صالح .. فعن أي تاريخ تتحدث، وأنت كنت ولم تزل هب بياض، فلا تأريخ لديك، ولا جغرافية، ولا تربية وطنية .. فالكل يعرف بأنك لم تكن أكثر من محاسب في مزارع عمتك (أم الليثين) .. وإن كل تاريخك يتركز في موضوع زراعة الرقي والبطيخ (والطعروزي) والطماطة في البيوت (البلاستيكية) التي جئت بها من الخارج، ولتبيع هذه المحاصيل بعد ذلك، وتضع عائداتها في حساب (سجودة)..! فالقضية إذاً كلها بطيخ أبطيخ..

فما هو تاريخك ياأبا التاريخ؟ متمنياً عليك وأنت تجيب على سؤالي، أن لا تقل لي بأن لك تاريخاً(عظيماً) سحلته في مشاركات للجيش الشعبي في الحرب الكريهة أو أن تقل لي بأنك شاركت في تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص – مع عدد من الرفاق البعثيين – بحق جنود هاربين من الجيش أبان هذه الحرب.. أرجوك رجاء يادكتور لاتقل لي ذلك .. لأن هذا الأمر سيعرضك للمساءلة القانونية.. ويضعك في دائرة الجريمة بحق الإنسانية.. وأنت ماعايز طلايب وبلاوي، إذ مازال ملفك ساخناً على طاولة رجال المساءلة والعدالة، لذا أرجو أن تنسى قضية التاريخ ولا تتحدث بها بعد اليوم أبداً، لأن من له تأريخاً أسوداً مثل تاريخك هذا، لايمكن له أن يتحدث به قط ..(فأبلع لسانك) وأصمت يارجل .. لأن تاريخك يا أبو التاريخ .. مايسوَّه گشر بطيخ ؟!

فالح حسون الدراجي
falehaldaragi@yahoo.com

You may also like...

1 Response

  1. عراقي says:

    بعيدا عن صالح المطلك وغيره وليس دفاعا عنهم فقط اتساءل كيف يمكن للمنافق الدراجي نسيان اولياءنعمته ومحاولة شطب تاريخه الانتهازي البعثي والان يدعي الوطنيه و(يبيع قييم بروس القراء) .. اليس هو من كتب من زمن ليس ببعيد (منين طلعت هالشمس ) !!
    اليس هذا الرياء الادبي او الاعلامي ؟؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *