ذكـرياتي في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة الـثالثة عـشرة ــ

 الأب ميخائيل بـزي ، الـتـناول الأول للأطفال ، نـدوة

قـداس الوداع من اليونان إلى لبنان :

وقــُـبَـيل مغادرة الأب مكاريوس إلى وطـنه لبنان حـضرنا قـداسه في كـنيسة آخـَـرْنون ( مقـر المطرانية ) فإزدحـمَـتْ بالعـراقـيّـين المشاركـين في توديعه ، وبدأ خـطابه قائلاً : بْـشينا ثـيلوخـون = أتيتم بـسلام ، ثم واصل كـرازته باللغـة العـربية معـبّراً بحـرارة عـن حُـبّه وتعـلـّـقه بالعـراقـيّـين الذين أحـبّوه أكـثر وقـد توقــّـف هـنيهة عـن الكلام بعـد أن إغـرَوْرَقـتْ عـيناه بدموع الفـراق الـذي قـد لا يكـون بَعـده لـقاء .

دير الأم تيريزا في أثـينا :

يتميّـز هـذا الدير بأنه مؤسَّسٌ لمساعـدة الفـقـراء واليتامى والمشردين وقـد قالت مؤسّـسَـتـُه ( تيريزا الألبانية ) :

لو نعـلم أن هـناك فـُـقـَـراءَ عـلى سطح القـمر سنذهـب ونؤسّس ديراً هـناك . إن راهـبات هـذا الدير يتميّـزنَ عـن راهـباتـنا الـكلاسيكـيات بأنهـنّ لا يملكن أيّ نوع من الممتلكات الشخـصية عـلى سطح الأرض ولا أكـثر من بدلتين من الملابس ( واحـدة عـلى أجسادهـنّ والأخـرى نظيفة للإستحـمام المقـبل أو حـين يتـطـلب تبديلها ) كما أنهـن نذرنَ عـلى أنفـسهـنّ أن لا يأكـلنَ خارج الدير أياً كان السبب عـدا شرب الماء ولكـن بنفـس الوقـت يقـبَـلنَ الغـذاء الذي يؤتى به إلى ديرهـن عـلى إعـتبار أن ذلك يُحـسبُ إستعـطاءاً من الغـير وهـن فـخـورات به .

ومن الجـدير بالذكـر أنهـنّ يعـتمِـدنَ عـلى طريقة الإستجـداء في الحـصول عـلى الأموال اللازمة لمساعـدة الفـقـراء وكم من مرة رافـقـناهـنَّ في الـذهاب إلى السوق العام للخـضار فـنـطـلب أنـواع الخـضار والفاكـهة بكـميات كـبـيرة ونأتي بها إلى الـدير ، بل ونـقـلـنا آثاثاً منـزلية من بـيوت تـنازل عـنها أصحابها وكـلها تـوزع مجاناً للمحـتاجـين …. إن لـراهـبات الأم تيريزا حـق السفـر مرة واحـدة لرؤية ذويهـن كل عـشر سنوات ( إلاّ في حالات طارئة ) وحـياتهـن هي القـداسة بعـينها فـيَـذهـبنَ إلى السجـون والمستـشفـيات ويتابعـن النائمين عـلى الأرصفة والطرقات ويقـدّمنَ كل ما بوسعـهـنّ من خـدمات ومساعـدات ويستـقـبلـْنَ الجـياع والمرضى في الدير فـيقـدّمْن لهم المأكـل والدواء بفـرح ويتألـّـمْن لحال أولئك دون السؤال عـن الجـنسية أو الدين .

شاهـدنا الدير في أعـوام تـسعـينات الـقـرن الماضي وهـو يقـدم وجـبة غـذاء ظهراً لأكـثر من 70 شخـصاً / سـتة أيام في الأسـبوع ، وفي يوم الأحـد لأكـثر من 150 شخـصاً وفي الأعـياد كان يفـوق العـدد فـيتجاوز الـ 250 شخـصاً وذلك بمساعـدة العـراقـيات والعـراقـيـين المتطوّعـين للخـدمة مع الراهـبات اللـواتي أعـجـبْنَ بجـميع أصناف أغـذية المائـدة العـراقـية ولكـنها مُـكـْـلِـفة حـسب رأيهـنَّ . لقـد خـُـدِمْـنا وخـَـدَمْـنا في هـذا الدير خـمس سنوات كان أولادنا يشتـركـون في فـعاليّاته وأناشيد القـداس وصلواته كما تعـلـّموا بعـضاً من اللغة الإنـﮔـليزية في محاضرات بسيطة عـلى يد أساتـذة متطـوّعـين للتدريس .

التـناول الأول للقـربان المقـدس عام 1994 :

أخـذتُ عـلى عاتـقي التعـليم المسيحي للأطفال العـراقـيّـين والراغـبـين بتـناول القـربان المقـدس للمرة الأولى وأقـمنا الإحـتـفال في كـنيسة آخـرنون الكاثوليكـية من تـقـديس الأب توما ( ألماني من أصل ﭽـيكـوسلوﭭـاكي متـزوّج من سـورية ويجـيد اللغة العـربـية ) كان قـداساً بـيزنـطـياً مطـعـماً بأناشـيـدنا وصلواتـنا الكـلـدانية وشارك فـيه ( 4 بنين + 4 بنات ) . وبتـلك المناسبة فإن عائـلتي والكاهـن كـنا مـدعـوّين إلى وليمة غـداء بعـد القـداس مباشرة عـنـد عائلة تلكـيفـية لها طـفـلين متـناولـين ( ديـﭬـن وأخـته ) وربة الـبـيت إسمها ناريمان .

إجـتماع الجالية العـراقـية مع سيادة المطران اليوناني :

طلبنا من سـيادة المطران اليوناني ــ أنارﮔـيـروس ــ أن نجـتمع به كي نعـرض أمامه أسباب هـجـرتـنا عـسى أن يحـرّك لـنا ساكـناً بإعـتـباره مطران كـنيستـنا ومرجـعـنا في بلاد الغـربة . ولما إلتـقـَـيناه حَـكـينا له كـل ما عـندنا من منغـّـصات الحـياة في العـراق وأسباب لجـوئـنا إلى دول أخـرى ، فأبـدى إستغـرابه من كـلامنا وقال : إن ﭘـاطريَرك الكـلدان ( بـيـداويـذ ) يحـكي عـن حـياة المسيحـيّـين السعـيـدة في العـراق حـينما نجـتمع في روما ! فأجَـبْـتـُه : إن له كل الحـق عـندما يتكـلـّم في روما بإيجابـيّات النظام العـراقي ، لأنه سوف يرجع إلى العـراق ويعـلم ماذا سيكـون مصيره لو تكـلـّم ضد النظام الحاكم ؟ وفي الأخـير لم يكـن بإستطاعة المطران عـمل أيّ شيء لهـذا الجـمع الهائل من اللاجـئين .

التـناول الأول للقـربان المقـدس عام 1995:

إستمرينا في تدريس الأطفال التعـليم المسيحي وأسـلوب الإعـتراف أمام الكاهـن بالإضافة إلى أناشيد قـداس التـناول الأول للقـربان المقـدس كل ذلك في قاعة كـنيسة دير الأم تيريزا ولهـذا كـنت أقـول للراهـبات أن هـذا هـو أحـد أنـشـطة ديركم . كان عـدد الطلاب 24 ( 13 بنين + 11 بنات ) وأقام القـداس الأب توما الألماني بتاريخ 3/؟/1995 في كـنيسة آخرنون . وقـد ألقى سيادة المطران اليوناني أنارﮔـيروس كـلمة بالمناسبة ترجـمها إلى لهجـتـنا الكـلـدانية رجـل ألقـوشي يجـيـد اللغة الـيونانية يقـيم في أميركا الـذي ترجـم كـلمتي بلهـجـتـنا الكـلـدانية إلى اليونانية من أجـل المطران وغـيره .

إجـتماع أبناء الجالية فـيما بـينهـم في قاعة الكـنيسة :

إجـتمعـنا يوماً في قاعة الكـنيسة وناقـشنا إمكانية القـيام بمظاهـرة سلمية وبموافـقة الشرطة المحـلية أمام السفارة الأسترالية والأميركية والكـندية . لقـد ناقـشنا كـثيراً وإقـترحـنا أكـثر ولم نـتـّـفـق عـلى رأي لأنّ كـل جماعة كانـت تريـد شيئاً حـسب أهـوائها بالإضافة إلى عـدم تـضامن الـبعـض في وقـت الأزمات الجـماعـية ، مثل سـيـدة عـراقـية لاجـئة لم تـحـضر الإجـتماع وإنما أعـطـتْ رأيها وهي في دارها قائلة : نحـن لا نخـرج للمظاهـرة كي لا يخـسر أولادي أجـرتهم اليومية !!! وليذهـب للمظاهـرة كـل مَن يريد ، فإذا ربحـوا سـنربح معـهم ……….. وإذا خـسروا فـنحـن لا نخـسر شيئاً .

طقـوس درب الصليب :

كـنا نحـن الشمامسة في دير الأم تيريزا نقـيم طقـوس درب الصليب كـل أيام الجـمع التي تسبق عـيد القـيامة حـسب أنـظمتـنا في العـراق وبصورة رائعة بكـل ألحانها وقـراءاتها ، وكانـت قاعة الكـنيسة تـزدحم بالحـضور .

ندوة الأب الوكـيل الـﭘاطريركي ( لا أتـذكـّـر تاريخها بدقـّة ):

نحـن الكلدانيون فخـورون بقـبولنا الرب يسوع طريقا وحـقا وحـياة لنا ، وكـنيستـنا الكاثوليكية العـريقة الأصيلة تـزيـدنا فخـراً ونحـن نستـظل تحـت خـيمتها ، وإن الجـماعة الـذين إخـتاروا طريقاً أخـرى لا يدرون بأن ما يسمونه كـنيستهم تـقـف وراءها أيادي مجهولة الرأس والهوية بـدليل أنهم لا يعـرفـون سلسلة مسؤوليها وإنما كـل واحـد يعـرف الـذي يليه فـقـط ( تـنـظيم خـطـّي ) .

ومما أتـذكـره في عام 1996 أن الأب الموقـر ( الوكـيل الـﭘاطريركي في روما ) قـدِم إلى أثينا لإقامة المراسيم الدينية لجاليتـنا وشاء أن يعـقـد لـنا ندوة يجـيب من خلالها عـلى أسئلة واستـفسارات المؤمنين فـحـضَرنا في كـنيسة دير ( الأم تريزا ) وبدأها بكلام قـصير وبسيط جـداً ، ثم فـتح الباب لأسئلة الحاضرين فـدشـنها شاب مـتـكىءٌ عـلى الجـدار ( من جـماعة الإنجـيليّـين ) وطرح الأسئلة الثلاثة التالية دفـعة واحـدة :

أ- إن مريم أنجـبتْ يسوع ، فـلماذا تسمى عـذراء ؟

ب- يذكـر الإنجـيل عـن اخـوة يسوع . فـما رأيكم ؟

ج- ما معـنى قـول يسوع : إني ما جـئت لألقي سلاما ، جـئت لألقي نارا بـين الأب وابنه وبين الكـنة وحـماتها ؟

فـماذا كانـت إجابة الكاهـن ؟ إنه قال : إن الإجابة عـلى أسئلتك هـذه تـتطلـّب مني أن أذهـب وأقـرأ الإنجـيل كـله !!

( أيّ نوع من كاهـن هـذا ؟ وأيّ وكـيل للـﭙاطريرك يكـون ؟ وأي صنف من المطارنة يُـزمع أن يكـون مستـقـبلاً ؟ ) لقـد أخـجـلـَـنا فـعـلاً ، ولما لاحـظـتُ حَـيرَته وحـرَجه أمام ذلك الشاب ، سارعـتُ وأومأت إليه برغـبتي في الإجابة ، فـقال : ها هـو الشماس يجـيـبك على أسئلتك ، فـقـلتُ :

أ)

إن مفهـوم العـذراء عـندنا نحـن الكاثوليك وعـند غـيرنا من الذين يؤمنون بنزاهة وإستـقامة ، هي فـتاة ليست متـزوّجة ، وعـليه فإن مريم أمّ الله لم تـتـزوج بالمعـنى المألوف عـنـدنا ، ولم يَـمـسَـسها رجـل بل ولـدتْ يسوع بحـلول الروح الـقـدس في أحـشائها ، لذلك نعـتـز بها غاية الاعـتـزاز ونسمّيها مريم العـذراء .

ب)

إن كـلمة الأخ في الكـتاب المقـدّس تعـني أقارب بدليل أن إبراهـيم قال لإبن أخـيه لوط : لا تكـن بـيني وبـينك خـصومة فـنحـن إخـوة . وفي إنجـيل يوحـنا 25:19 ( وقـفـتْ أمه ـ وأخـت أمه مريم ـ زوجة كـليوﭘا ومريم المجـدلية ) فـهل أن مريم كانت لها أخـت إسمها مريم من أبـيها وأمها ؟ أيعـقـل ذلك عاقـل ؟ وأمثـلة كـثيرة تـدلـّـنا عـلى أن كـلمة أخ تعـني أقارب مثـل إبن العـم أو إبن الخال وحـتى الصديق ، ثم أن يسوع وهـو عـلى الصليب قال لأمه مشيراً إلى يوحـنا الحـبـيب ( يا إمرأة هـذا إبنك ) وليوحـنا تلميذه ( هـذه أمك ) ، فـهـل كان مار يوحـنا إبن مريم ؟ ثم لو كان لمريم أولاد فـلماذا يوصي تلميـذه بها ؟

ج)

إن أفـراد الأسْرة الواحـدة لم يؤمنوا جـميعـهـم بالرب يسوع ، فـمثلاً كان الإبن الأصغـر يؤمن والأب يحـتـفـظ بديانـته اليهـودية أو الوثـنية ، فـنشأ بـينهـما صراع ، كما أن الكـنـّة آمَـنـَـتْ بالرب يسوع لكـن حـماتها رفـضتـْه فـنشأ خـلاف بـينهـما مثلما يحـدث اليوم حـين نرى في الأسْرة الواحـدة إخـواناً يخـتلفـون في إنـتماءاتهم السياسية بل وحـتى المـذهـبـية الـدينية فلا ينسجـمون مع بعـضهـم البعـض . فـسكـتَ الشاب ولم ينطق بحـرف واحـد .

زيارة الأب ميخائيل بـزي إلى أثينا :

لستُ متأكـداً في أية سـنة ولكـنها قـريـبة من منـتـصف الـتـسعـينات زار الأب ميخائيل أثينا برفـقة وفـد السـيـدات من جاليتـنا في أميركا وأقام قـداساً مع شماس قادم معه ، في كـنيسة ديـر الأم تيريـزا حـضرها عـراقـيـون كـثيرون وأتـذكـره حـين أدار المروحة وثـبتها بإتجاهه وقال : إن الحَـر يـضايقـني والعـرق يتـصبَّـب من جـبـيني ، وإخـتـصر الـقـداس كـثيراً وفي وعـظه حـكى لـنا عـن زيارته للصين . وبعـد الـقـداس لاحـظـتُ عـدداً من سيدات الـوفـد يوزعـن مساعـدات نـقـدية لـبعـض العـراقـيّات داخـل ساحة الـدير ، وإحـدى اللاجـئات إستـشارتـني أنْ تـطـلب منهـن بعـض الـنـقـود ( 50$ ) كي تبعـثها إلى أهـلها في العـراق فـمنعـتها قائلاً لها : إنّ هـذا سـيُـحـسَـبُ عـليكِ .

مايكل سيبي

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *