دلالات المواقف السلبية المتكررة تجاه الكنيسة الكلدانية والبطريرك “ساكو”

في البدء لابد من توضيح السبب في استخدامي لعبارة “أعراض مرض نفسي” في التحليل. كثيراً ما الاحظ من بين كتاب وسائل الاتصال الاجتماعي وبما فيها المواقع الإلكترونية، وفي تصريحات بعض السياسيين في كلماتهم عبر وسائل الاعلام يستخدمون مصطلحات ذات علاقة بوصف وتحليل شخصية الاخرين، وهذا الوصف بالطبع هو اجتهاد شخصي غير مبني على أسس علمية، وخبرة عملية في دراسة الشخصية والنفس البشرية وسبر غورها. وحتى الذي يكوّن خبرة نظرية او يقرأ شيئا عن الشخصية وبالأخص المريضة منها لا تكفي للوقوف على ماهيتها او وصفها مريضة ام سوية.

وقد أدركت ذلك، بعد ان درست الشخصية السوية والمريضة اثناء دراستي الجامعية، لم أصل الى ماهية الشخصية، الا بعد ان تدربت لمدة سنة كاملة ميدانياً لإكمال متطلبات الدراسة عام 1979 في مستشفى مدينة الطب/ قسم الامراض النفسية، تحت اشراف استاذي الذي شجعني الدكتور عدنان الفضلي الأستاذ في كلية الطب ومحاضراً في قسم الاجتماع لمادة الصحة النفسية، وزاد ادراكي بعد العمل في المراكز الاجتماعية كباحث اجتماعي، إضافة للتدريس. ذكرت المثال، لأبين للقارئ، بان كتابتي للعبارة المذكورة لم يأت اعتباطاً ولمجرد قراءة عن المرض النفسي او لاجتهاد شخصي.

يُشير المرض النفسي الى اضطراب في شخصية الفرد، يسبب عدم التحكم في المشاعر والسلوك والتفكير، ويفقد المصاب حالة التكيف الطبيعية في حياته الاجتماعية والعلائقية مع الاخرين في الاسرة او المجتمع الذي يعيش فيه. ويستوجب هنا التمييز بين الحالة النفسية والمرض النفسي، فهناك من يعاني من صحة نفسية سيئة ولكنها ليست مرضاً نفسياً، وقد تكون طارئة او لحالة جسدية او اجتماعية يمر بها الفرد كأن نقول الحالة النفسية للمراهق، فنصف حالته النفسية ولكنه ليس مريضاً نفسياً.

انما تكمن الخطورة في سوء الحالة النفسية عندما نلاحظ تكرار الفرد لسلوكه والتعبير الفكري الذي يعرّض الشخص لإصابة بالمرض النفسي. حيث تلازمه هواجس وأفكار تدفع الفرد لتكرار بعض الأنشطة السلوكية والفكرية، وهنا تظهر بوادر الصعوبة في التحكم، وتتحول الحالة الى الإصابة بمرض الأوهام “البارانويا” او الهلوسة، لعدم القدرة على مواجهة المشاكل اليومية او الضغوطات فيعكسها بحالة فكرية انفعالية غاضبة او سلوك عدواني وعنف تجاه الاخر، سواء عملياً او في الكتابة للتعبير عن ما يدور في ذهنه الذي لا يمس الحقيقة، ظناً منه انه السبب في حالته الصحية النفسية هذه ومُضطهد وهناك من يتآمر عليه ويكرهه، وذلك لأنه يكون واعياً لحقيقة تصرفاته الوسواسية غير المنطقية، ولكن يحاول تجاهلها، او تغيير مسار التفكير بها في وضع اللوم على الاخرين وانتقادهم المتكرر منطلقاً من نقطة ضعف معينة لدى المعني دون الاكتراث لمجموع الأنشطة والاعمال الإيجابية التي عملها ويعملها، فيغض النظر عنها ويتشبث بنقطة لتكون حجة التنفيس ضد المتآمر بحسب رؤيته، ليشعر بالراحة النفسية من تصرفه.

ليس بمقدوري تشخيص اية حالة بانها مصابة بمرض نفسي، بل احذر أصحاب هذه المواقف بانها مؤشر نحو الإصابة، لان تصرفاتهم هي اعراض للمرض النفسي، ولماذا لست قادراً، لأني تعلمت من عملي المشار اليه اعلاه في قسم الامراض النفسية، ان تشخيص الحالة المرضية النفسية، تحتاج الى مقياس قد يتكون من مئات الأسئلة بحسب الحالة لكي يتمكن المختص للوصول الى التشخيص. وليس لمجرد نظرة معينة تجاه الشخص او من خلال سلوك معين.

تظهر المواقف السلبية المتكررة تجاه الكنيسة الكلدانية وغبطة البطريرك الكاردينال ساكو من نفس الأشخاص سواء في الانتقادات الفكرية، او عبر سلوكيات بعض السياسيين اعلامياً وعملياً، وغالباً ما تُستغل ايضاً تلك المواقف السلبية للسياسيين من قبل الكتاب للإيقاع، والإساءة للمؤسسة الكنسية الكلدانية ورمزها الذي هو موضع احترام وفخر سواء من قبل اتباع الكنيسة نفسها او من قبل المجتمع برمته.

وقد تكررت مواقف سلبية من بعض السياسيين تجاه الكنيسة الكلدانية في العراق، سياسيون يعتبرون أنفسهم مسيحيون، او قد يكونوا من بعض الملحدين الذين يفقدون أي احترام للرموز الدينية، بينما نلاحظ ان غير المسيحيين لم يتجرأ أحدهم لتوجيه انتقاد او المحاولة للإساءة لسمعة الكنيسة والبطريرك، سواء من السياسيين او غيرهم. وكثيراً ما يكون توقيت هذه الاساءات تجاه الكنيسة الكلدانية ورئيسها عندما تقترب الانتخابات البرلمانية، وتوزيع المناصب، وكأنما البطريرك مار لويس منافساً قوياً لهم.

هنا تنطبق حالة المشاعر والتصورات الوهمية التي اشرت اليها انفاً في عقولهم، أي تلازمهم أوهام تآمر من قبل الكنيسة عليهم تحيل دون تحقيق أهدافهم، وبعبارة أخرى اسناد فشلهم المتوقع في النجاح على الاخرين، عليه لكي يشعر بالراحة النفسية، يحاول إيذاء الاخر بشتى الطرق، فما محاولة الأخيرة لاتهام البطريركية والبطريرك مار لويس والتشهير به اعلامياً وزوراً محاولة ناجمة عن تلك المشاعر الوهمية التسلطية على عقولهم والتعبير عن احتمالية فشلهم في التكيف وكسب الاخرين.
فهم يعرفون الحقيقة، كما ذكرت أعلاه، وهنا أيضا يعرفون جيداً، وبحسب ما ورد في تصريح البطريركية الأخير الواضح (بيع أملاك وقف يتطلب موافقات رسمية، الفاتيكان، البطريرك المتولي، موافقة الحكومة العراقية، وتكون عن طريق الاستبدال، والبطريرك هو رئيس الكنيسة يتمتع بشخصية معنوية وله حجة تولية من فخامة رئيس الجمهورية باعتباره متولياً على عموم اوقاف الكنيسة الكلدانية، نؤكد ان البطريرك لم يبع ارضاً ولا داراً ولا شيء). نعم يعون الحقيقة ولكن يحاولون تجاهلها او تغيير مسار التفكير بها ووضع اللوم على الاخرين وايذائهم.
يدعي بعض ساستنا من المسيحيين، ولو صح التعبير بأنهم ساسة، وبعض الكتاب ان البطريرك “ساكو” يتدخل في السياسة، هذه ايضاً تأتي في سياق الفشل لتحقيق الأهداف الشخصية او فشل جماعته في تحيق ما هو مطلوب منها، أي الجهة السياسية التي يؤازرونها، فيعكسون أفكارهم السلبية تجاه البطريرك، ولكن يدركون تماماً متى يعد الفعل تدخلا بالسياسة، ومتى يكون النشاط هو الدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين الذي يعد اسمى الاعمال التي تقوم بها المؤسسة الدينية لاتباعها، بينما يتجاهلون ذلك، ويعكسون تصرفاتهم لإيذاء البطريرك والكنيسة والإساءة لسمعتهما.

طيب لو كان جدلا ان البطريرك يتدخل بالسياسة، لماذا لا تطلب الحكومة العراقية او حكومة الإقليم منه بان لا يتدخل وليس من مهامه القيام بما يقوم به وبما يصرح به؟ ولماذا لا تلجأ تلك الجهات الى الحكومة وتعترض على تدخلات البطريرك؟ فهم يدركون تماماً سيواجهون فشلاً ذريعاً. لان الحكومة تدرك تماماً انه ليس تدخلاً بالسياسة، بل مطالبة بحقوق اتباع كنيسته، والمسيحيين عموماً ورفع الغبن عنهم.

وهذا ينطبق على تصرفاتهم حينما يصفون موقف البطريرك “ساكو” بالكنائس الأخرى متعالياً، فهي نابعة من أوهام، والا لماذا لم يصرح يوماً ما أحد رؤساء تلك الكنائس عن موقف البطريرك كما هم يتصورون؟ بمعنى ان طبيعة العلاقة بين الكنائس ليست كما يحلو لهم، ولم تسبب زيارة البابا فرنسيس الى العراق التفريق بين الكنائس في العراق، ولكن هم كانوا أدوات لتوسيع الفجوة بين الكنائس، لأفكارهم الهدامة والوسواسية القهرية.

وهكذا الذين يتصورون ان غبطته يسعى لتحقيق طموحاته ويتفرد بالعمل، طيب وهل محروم الانسان من تحقيق طموحاته؟ لا اعتقد انه يسعى لتحقيق طموحاته البطريرك “ساكو” مُستغلاً وضع ما او سينعكس ذلك الطموح المتوقع تحقيقه على الصالح العام، لأنه يدرك تماماً كيف يعمل ومتى يعمل وما هو للصالح العام. ماذا يطمح غبطته أكثر من ان يكون رئيساً لأكبر كنائس العراق، ومرتبطة بأكبر كنيسة كاثوليكية عالمياً؟ ماذا يطمح أكثر من ان يكون كردينالاً في أكبر كنيسة عالمية؟ فهو حقق بجهوده ومثابرته وأعماله ما هو عليه من مكانة، وحقُ مشروع لكل أسقف وكاهن في الكنيسة اذا يرغب في ذلك، ولم يعمل أكثر مما يفكر كل اكليروسي به.

فكل تصرفاتهم تُفسر كما اشرت أعلاه من عدم تمكنهم التكيف في المجتمع، والحصول على قبول من المجتمع او الشك في حالتهم بان تلك المناصب التي يقلدونها جاءت بطرق او في سياقات هم أنفسهم غير راضون عنها، بدليل تقلباتهم في تعاطيهم مع جهات متعددة لأغراض تحقيق الغايات. او فشلهم في تحقيق غاياتهم للمرة الثانية لتقليد منصب او كرسي في البرلمان، فتتكالب الأفكار الوهمية التسلطية الوسواسية والغيرة الجامحة على عقولهم، ولا يرون الا البطريرك والكنيسة الكلدانية وسيلة للتنفيس عن حالتهم.

ختاما أقول: هل يمتلك من يكرر انتقاده السلبي ويحاول الإساءة للبطريرك الكاردينال مار لويس ساكو الشجاعة والجرأة كما امتلكها ويمتلكها دائما بكل مناسبة في قوله اخيراً في كلمة له بمناسبة ذكرى رسامته الكهنوتية 47 (اعترف إني عصبي، لا اقبل الاعوج، لكني قدرت خلال السنوات ان أروض نفسي قدر الإمكان، اطلب المعذرة ممن قد اسأت إليهم). هل يمتلك أحد السياسيين او الكتاب الذين يحاولون الإساءة الى غبطته دائما وبكل مناسبة ويترصدون كل مواقفه ان يقدموا نفس الاعتذار لتتبين المصداقية عندهم وفي كتاباتهم واعمالهم؟ أ لم يقرأ أحدهم هذه الكلمة؟ ام انهم يغضون النظر عما هو إيجابي عند البطريرك “ساكو” منذ تسلمه السدة البطريركية في الكنيسة الكلدانية، والتي لا تُعد ولا تُحصى، ويعجز القلم من وصف مشاعره ومواقفه تجاه أبناء كنيسته والكنائس الأخرى والمجتمع العراقي بكل مكوناته في حالة المحن، ويركزون على هفوة او فلتة لسانية هنا وهناك في حالة انفعالية قد تكون ناجمة لرد فعل سلبي متكرر تجاهه وهو كبشر؟ وسبحان الذي لا يخطأ، وهنا لا ادعي بان غبطته معصوم من الخطأ ابدا، ولكن تبصير الانسان بالخطأ لا يكون كما يتصرفون كتابنا وساستنا، بحيث توحي انها اعراض مرضية. بل بأساليب وقنوات خاصة لا تعكس الإساءة للكنيسة التي يدعون انهم حريصون عليها، او الإساءة لشخصه كرمز ديني كبير على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

  د. عبدلله مرقس رابي

http://saint-adday.com/?p=42970

http://saint-adday.com/?p=42962

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *