دعوة مخلصة واستجابة رافضة

في الثالث والعشرين من حزيران 2015م أضاف البطريرك الكلداني الشجاع مار لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى آخر صرخة شجاعة تضمَّنت أفكاره الشخصية النابعة من روحانيته العميقة، طالباً اشتراكها مع أفكار أبناء شعبه الأخرى لعلَّها تتفاعل معاً وتُسهم في تحقيق مشروع وحدة كنيسة المشرق التي تعرَّضت للتقسيم المذهبي الأول في أواخر القرن الخامس فنتج عن هذا التقسيم كنيستان أكبرهما نسطورية والصغرى مونوفيزية، ورغم كُلِّ ما جرى بينهما من صراع رهيب لا يليق، طُويت صفحته على مَرِّ الزمن وأصبح أمراً واقعاً ومقبولاً. ولكنَّ الإنقسام الثاني للكنيسة النسطورية الذي وقع في منتصف القرن السادس عشر كان الأدهى والأمرَّ وصراعه المذهبي كان الأرهب ولا زال قائماً حتى اليوم ولكنه خَفَّ في القرون الأخيرة واقتصرعلى صراع اعلامي تمحور حول المذهب والقومية، ومنذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين جرت محاولات لإعادة الوحدة الكنسية بين الكنيستين، قبل وبعد اضطرار ما تبقى من أتباع الكنيسة النسطورية الإلتجاء الى العراق المستقل عقب وضع الحرب العالمية الأولى اوزارها ولكنَّ النجاح لم يُحالفها للأسف الشديد.

 

ونعود الآن الى عنوان مقالنا فنقول: إنَّ غبطة البطريرك الكلداني مار لويس ساكو يعلم جيداً بمحاولات لَـمِّ شمل الكنيستين الآثورية النسطورية والكلدانية الكاثوليكية التي جرت قبل جلوسه على سدة بطريركية الكنيسة الكلدانية على مدى اكثر من قرن، ورغم عِلمه بفشلها، لكنَّه أصرَّ وبدافع روحي كبير لإحياء المحاولة ومواصلتها من حيث انتهت. ودافعُه الأول بهذا الصدد هو تنفيذ وصية المسيح الرب < ليكونوا واحداً / يوحنا 17 – 11> والدافع الثاني يعود لبعد نظره وقراءته لواقع المسيحيين المتزعزع من حيث ما يواجهونه من تحديات كبرى تُهدِّد وجودهم وتفوق طاقتهم على مواجهتها متفرقين، وأهم هذه التحديات هي احتمال انقراضهم في وطنهم الأم وذوبانهم في أوطان الإغتراب كما أشار!

 

واختار بطريرك الكلدان أن يُعيد طرح قضية الوحدة الكنسية في هذا الظرف العصيب الذي يمُرُّ به الشعب المسيحي عامة وشعب الكنائس الثلاث المتفرعة من كنيسة المشرق الأم خاصةً، وقد يكون الطرح الأخير للذي بدأه منذ باكورة تسلُّمِه الرئاسة الأولى لكنيسته الكلدانية الكاثوليكية إذا قوبل لا سمح الله بالرفض من قبل مسؤولي الكنيستين الآثوريتين الشرقية القديمة والشرقية الحديثة، فقد وضع غبطته الكرة في ملعبيهما، برجاء أن يُحسنوا تمريرها لتُصيب الهدف المنشود! ولكنَّ الإشارات غير الرسمية التي ظهرت على السطح تُلوِّح بعكس المرجوِّ منها يُشتم منها رائحة الرفض السلبية.

 

إنَّ اول رَدٍّ سلبي صدر عن أحد اساقفة الكنيسة الشرقية الحديثة هو المطران ميليس زيا، ويبدو أنَّه الأبرز بين اساقفة هذه الكنيسة والناطق باسمهم، وقد اوحى بذلك من خلال جوابه على مذيع فضائية سركون داديشو، وإننا لنضرب صفحا عن مقدمة المذيع المليئة بالخبث والإستخفاف التي اعتبرها مدخلا للسؤال الذي وجَّهه لمار ميليس، لأنَّ ما يهمُّنا هو جواب المطران على السؤال الذي نختصره بالتالي:

هل إنَّ ما دعا إليه غبطة البطريرك الكلداني ببيانه عن اتحاد الكنيسة الكلدانية والكنيستين الآثوريتين لتُصبح كنيسة مشرقية واحدة مرتبطة بالفاتيكان/بابا روما مقبول لديكم أم لا؟

 

وإننا ندرج أدناه جواب المطران مار ميليس بتصرُّفٍ صياغي طفيف دون الإخلال بالمضمون قيد انملة!

 

أجاب سيادة المطران ميليس : أنا قـرأتُ البيان وأريد أن أقول بداية، أن كل واحد منا حرٌّ في هذا الزمن، وبهذه الديمقراطية التي يعـيشها، أن يعـطينا رأيه سواءاً بالكلام أم بالكتابة أو بالإنترنيت، ولا يحق لأحدٍ أن يقول لماذا عندك هذه الآراء ، إنـني أؤمن شخصياً ومعي إخـوتي أصحاب السيادة الباقين لهم نفـس الرأي، أن ما يكـتبه مار لـويس إنما هـو من محبته، ومن حاجـته إلى أن نتحد جميعنا وبنية صافية … أنا برأيي، إنَّ هذه الأمور يجب أن لا توضع عـلى الإنترنيت لأنها تُحدث جدالات .. لكن مار لويس قد يقول أني وضعـتها كي يبدأ الناس يفكرون من كلا الجانبين كيف نأتي بهذا الإتحاد للكـنيسة المشرقـية، فنياته صافية، ولكن تطبيقها ؟ كلاّ! غير ممكن لأنَّه ليس عـملياً .. لماذا؟ لكونها مشكلة مُزمنة مضت على قيامها 600 سنة بـين كنيستين، وكل منهـما أقامت لنفـسها مؤسسات وتبنَّت لاهـوتيات وثـقافة ولغة وعادات وتقاليد إجـتماعـية … كل منا قد بنى لنفـسه وجوداً يراه مُـلكاً له … هذه لي وهذه لك … تكوَّنت عـندنا عقدٌ خلال 600 سنة ليس سهـلاً أن تأتي بحـلـول لها عـلى ورقة! هـذه أولاً …. ثانياً: هناك أناس وأعـضاء مبتلون بهذه الأفكار لمدة 600 سنة. وكمثال على ذلك، فإنَّ الكـلـدان يعرفـون أنهم أتباع الـﭬاتيكان وأن رئيس كـنيستهم هـو قـداسة الـﭘاﭘا! كما أن قائمة قديسيهم هي قائمة لاتينية مشرقـية، الى جانب معرفتهم بأن لديهم أنـظمة وطقـوساً جاءت من اللاتين وضُمَّت الى بعـض ما قد بقيَ من طقوسٍ مشرقـية، ويعـرف أعـضاؤهم بأن إدارتهم ليست مرتبطة بالبطريرك نفـسه وإنما هي مرتبطة كلياً بـشخـص قـداسة الـﭘاﭘا، ويعرفـون أموراً كـثيرة، إدارة مالية، أملاك، قـوانين، أنظمة كلها مرتبطة بطخس يُدعى لاتيني .. ووضعوا بعض القوانين مرتبطة (نسيتُ إسمه) بمجـمع الكـنائس الشرقـية برئاسة(نسيتُ إسمه) الكاردينال سانـدري … ونحن ليس عندنا كاردينال مسؤول عـن أمور هـذه الكـنائس المشرقـية. وحين ترتبط بروما فإن هـناك نقاطاً عـليك أن تقبلها، إحداها أنْ تقبل أن الـﭘاﭘا هـو رئيس الكنيسة، كما هوعند الكـنيسة الكـلـدانية …. ولنتكلم الآن عن كـنيستنا المشرقية فإن جـميع الأمور التي ذكرناها ليست لها علاقة بنا. وكمثال : نحن أحرار في إدارتنا ، أحرار في رئاستنا وقـوانيننا، في طخسنا وثـقافتـنا، في قائمة القديسين الذين هم مشرقيّين. عـنـدنا أملاك بإسم كـنيسة المشرق الآثورية، قوانين الإيقاف مشرعة في سنهادسـنا، وأعـضاؤنا يعرفـون أن لنا طخـسنا على امتداد 1800 .. 1900 سنة، عـنـدنا عاداتنا وتقاليدنا، وحتى طخـسنا عند دخولنا الكنيسة متميز ببعض الممارسات والترانيم، وعـندنا صلوات مختلفة عـن كـنيسة الكلدانيّين …. البعض يقول عـن الكرستولوجي وبهذا ليست بيننا خلافات عـليه.  والآن لو قال الآثوريون للكلدان تعالوا نتحد معاً شرط أن ننفصلوا عـن روما ، هـل يقبلون؟ لا !!! وفي ذات الوقت لو قـلـنا لجـماعـتـنا نفس الشيء لرفضوا(وهـو يضحـك بقـوة) … وقد سبق لنا أن مررنا بهـذه التجربة منـذ أيام سيادة المطران باوَي سـورو ..

وبعـد كُلِّ هذا الكلام الطويل الزاخر بالمغالطات والمتصف بالتخلُّف الكبيرعن حضارة العصر الراهن،إختصر رأيه قائلاً: نحـن كـنيسة أخرى وُلِدنا أحراراً وإلى أنْ يأتي يسوع المسيح ثانية لـن نتنازل عـن حريتنا هذه … لكننا نأمل أن تكـون المحبة بيننا مع إخوتنا الكلدان ويكون أيضاً أخذ وعـطاء. تُرى، هل هناك تحدٍّ بهذا الحد للمسيح مِمَّن يتبجحون بأنهم أتباعه؟ أيها المسيح الفادي اغفر لهم، كما غفرت لصالبيك!

وقبل أن تُنهى المقابلة سأل المذيع بخبثٍ، اصحيح أن اسم “آطورايي” سيُرفع من الكنيسة؟ فردَّ المطران ميليس: مِن هو قائل ذلك؟ أجابه المذيع بسخرية: مار لويس ساكو في كتابته قال… فقال المطران ميليس: هو حرٌّ فيما يقول، وانا لا استطيع أن أمنعه من قوله هذا… نحن المطارنة بمجموعنا لنا رأيٌ واحد، لا نُريد أن يأتي أحد مهما كان ويفرض شروطه علينا، ولست أقصد بذلك مار ساكو…

ويعود المذيع الى بيان مار ساكو ويقرأه بلكنة عربية ضعيفة ومكسورة مشوبة بشيءٍ من السخرية مردِّداً ما قاله مار لويس: بأن الإرتباط بكرسي روما هو قوة، والإنفكاك عنه ضعف وخسارة… فكان ردُّ مار ميليس: لا أظلم تفكير مار لويس ساكو، إنَّه مهمٌّ أن نسمع منه ماذا يقصد بذلك؟ بالنسبة لي، له معنيان، وعندما تحين الساعة سأفصح عنهما… وإنَّ مَن يقرأ هذا السطر الآن سيفهم أنَّه يقصدنا نحن ان نرتبط بروما… ولكن عليهم أن يرفعوا هذه المسألة عن بالهم وينسوها… وليذكِّر المذيع مار ميليس لئلا ينسى قال: عليكم أن لا تأتوا الى ذِكر مار لويس ساكو في اجتماعكم القادم كي لا تؤجلوا قراراتكم الى عام 2016… فلم يسع مار ميليس إلا أن يُشارك المذيع بقهقهةٍ عميقة!

لا أود أن اعلق على هذا المستوى من التخلُّف المشوب بالعنجهية الفارغة، بل أدع المجال لتقدير صاحب الغبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى فهو خير من يزن الأمور ويضعها في نصابها الصحيح والصريح!!!

الشماس د. كوركيس مردو

في 1 / 7 / 2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *