حوار مع د. تارا إبراهيم حول توظيف الدين في الصراعات العربية ودور المرأة في نشر ثقافة التسامح وقيم العيش المشترك

حاورها من باريس عبد المجيد مجيدي

* كيف تنظرين الى العدد الكبير من الأطفال المشردين والنساء الهاربات من بطش التنظيمات المسلحة خاصة بالعراق وسوريا؟ ومن المسؤول في اعتقادك عن تلك الأوضاع، النصوص الدينية أم الفهم البشري لها؟

الامر مؤثر جدا وغير قابل للتصديق، العدد الهائل من المهجرين تجاوز مئات الالاف في بضعة اشهر، في سوريا إثر بطش تنظيم الدولة الاسلامية وغيره من التنظيمات الارهابية التي بدأت تنمو كالاشواك.. وكذا الحال في العراق بعد القتل والتهجير للمسيحيين والايزيديين وحتى المسلمين انفسهم، أمر غريب لا يتصوره العقل. هذه الجماعات أو التنظيمات تمنح الحق لنفسها ان تطال النساء والاطفال والشيوخ دون تفرقة، تحت غطاء تطبيق الشريعة أوحجة الجهاد في سبيل الله.

اما من المسؤول عن هذه الاوضاع؟ فلا نستطيع ان ننسب المسؤولية الى النصوص الدينية او الفهم البشري لها فقط بل الى العديد من الامورالتي تتعلق بسايكولوجية الاشخاص الذين ينتمون الى هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الاخرى والى خلفياتهم أيضا التي ليس بالضرورة ان تكون دينية بحتة او بما معناه ان هؤلاء الاشخاص لم يتربوا على مفاهيم الديانة الاسلامية منذ نعومة اظفارهم ولا يعرفون عن الاسلام بجميع تفاصيله من سوروآيات قرآنية وأسباب نزولها.

المسؤولية تقع على خليط معقد من الاسباب التي تدفع الاشخاص الى القيام باعمال وحشية.. اولا: النصوص الدينية التي يفهمها هؤلاء، هي نصوص تاريخها يعود الى أكثر من الف عام، نصوص يمكن ان تتلاءم مع ذلك العصرالذي كان فيه القتال والصراع بين الاضداد المعتقداتية امرا ضروريا من اجل البقاء والهيمنة والتوسع، وكسب الناس للدخول الى الاسلام مع اعطاء فرص سلمية لتبني الدين الجديد من قبل الاخرين دون اراقة الدماء. والمسؤولية الثانية: هي مسؤولية تقع على الفهم البشري للنصوص الدينية التي يمكن ألا تتناسب مع سياق الحاضر الذي نعيشه، هؤلاء أشخاص يقرؤون القرآن ويفسرونه بما تشتهي انفسهم. والمسؤولية الثالثة: هي عدم الوعي والجهل والهروب من الواقع الذي يمكن ان يكون مريرا، او ربما وسيلة للانتقام يستخدم فيه الدين كذريعة على الرغم من ان الدين في إعتقادي برىء من الجرائم التي يقترفونها.

قبل عدة اسابيع كتبت مقالا بعنوان “خلافة التائهين” أحلل فيها نفسية الاشخاص الذين يقومون باعمال العنف ضمن هذا التنظيم، فهؤلاء الاشخاص هم تائهون نفسيا ولايستطيعون ان يعقدوا السلم لا مع انفسهم ولا مع المجتمع الذي يعيشون فيه. هؤلاء يودون الترفيه عن انفسهم بالقتل والعنف وبما يشبع نفسياتهم التائهة سايكولجيا لاثبات “الأنا”. وأود ان اسرد لكم واقعة حقيقية رواها احد الاخوة المسيحيين. فعندما تمت السيطرة على سهل نينوى في العراق من قبل تنظيم داعش ولدى هروب الجميع الى اقليم كوردستان، بقيت عوائل عالقة واحداها حاولت الهرب لدى وصول التنظيم، لذا فر الرجل مع عائلته بسيارته وفي منتصف الطريق أعترضه أحد المسلحين وطرح عليه سؤالا – هل انت مسلم ؟ فقال الرجل خوفا على حياته وحياة اولاده نعم.- فأردف – إذن أتل لي سورة من القرآن ؟ فردد الرجل – بسم الله الرحمن الرحيم، ومن ثم تلا بعضا مما جاء في الانجيل..فاومأ إليه المسلح برأسه وقال- شكرا تفضل يمكنكم الذهاب. أمر قد لايصدق ولكنها حقيقة، هنالك من لايعرفون شيئا عن القرآن، ولكنهم يتخذونه كوسيلة لفعل ما يريدون .

* هل النموذج الغربي في تعامله مع التراث الديني يمكن تطبيقه في الوطن العربي، أم لابد من تنقيح فكري وترتيب سياسي معين؟

في الحقيقة، العالم العربي يعيش حاليا في فترة يمكن ان نقارنها بالقرون الوسطى التي عاشتها اوربا، وعلى الرغم من ان المجتمع العربي يختلف تماما عن المجتمع الغربي فكل مجتمع له خصائصه وامور قد لاتقارن، ولكننا في النهاية نستنتج اننا لسنا بحاجة الى الوقت فقط لنتجاوز هذا الزمن العصيب بل الى التفكير والتخطيط السياسي وحتى الديني، فعلى سبيل المثال هنالك العديد من رجال الدين الذين يدعون الى الاصلاحات في الدين الاسلامي لكي لايتم تفسيره كدين عنيف يدعو الى القتل والسلب. الجرأة السياسية والدينية هما ما نحتاجه في هذه الايام، امر معقد كوننا نعيش في مجتمعات لاتجرؤعلى طرح اسئلة متعلقة بالدين وهو ما يزال يعتبر طابوها أو محرما، مجتمعات لاتستطيع أن تناقش القانون الذي ينص على ان للذكر مثل حظ الانثيين في زمن تعمل فيه المرأة جنبا الى جنب مع الرجل وقد تعيله، وسواها من الامورالتي يجب ان تدرس وتتغيير بناء على ما يقتضيه عصرنا اليوم وليس وفق مقتضيات عصرلايمت الى عصرنا بصلة. الاصلاح ثم الاصلاح. هذا ما يجب علينا القيام به.

* هل يمكن بناء فلسفة دينية تنويرية تمكن من تربية النشء على حرية التعبير والتفكير وثقافة الاختلاف من أجل بناء مواطن قادر على المساهمة في بناء البلدان العربية وإنجاح قضاياه التنموية؟

نعم، يمكن اعتماد فلسفة دينية تنويرية ولكن الصعوبة تكمن في كيفية تعريفها وتطوير منهجها، فاعتمادنا على الدين فقط كما هو الحال اليوم في مجال التربية والتعليم أمرغير منطقي لأننا سوف نعاود ونكرر نفس الاخطاء التي نقع فيها الآن، وفي الوقت نفسه ايماني بالعلمانية التي يتبناها بعض الاحزاب القومية في الدول العربية بدأ يخفت شيئا فشيئا كون العراق وسوريا كان فيهما نظامان يدعيان أنهما من الدول العلمانية، أنظر ما حالهما اليوم. الفلسفة التي اؤمن بها هي تربية النشء على اساس مدني حضاري وعلى قيم انسانية وعلى المساواة في الحقوق والواجبات والمساواة بين الجنسين، وان اقتضى الامر دراسة الدين من قبل المعنيين بهذا الشأن ووزارات التعليم، التفكير باصلاح وتغيير المناهج الدينية وغربلتها مما يسيء الى الدين من خلال البحث عن الإجتهادات الشخصية للمعتقد التي وضعت في الماضي واصبحت من المقدسات في الحاضر، تستغلها الجماعات الارهابية والمشككون بالدين لمآربهم على حد سواء، وكذلك تهيئة معلمي الدين بشكل أفضل، وتدريس الاسلام على انه دين سلام وتسامح وليس دين إقصائي يدعو الى الكراهية والعنف.

* القوة الاقتراحية للمرأة غائبة أومغيبة عندما يتعلق الأمر بتوظيف أحاديث المستقبليات والفتن التي تموج بالعالم العربي، مع العلم أنها حاضرة في الصراع الميداني سواء كأسيرة وجارية أم لاجئة جريحة. ما هي في نظرك العوامل الذاتية والموضوعية لانسحابها القهري في هكذا مواضيع حاسمة؟

المرأة استخدمت كغنيمة حرب من قبل الارهابيين، على الرغم من أن الاسلام يدعو الى التعامل مع النساء كقوارير ولكن مع الاسف الشديد نقول ان المرأة كانت الضحية الاكثر ظلما وبربرية وهمجية عبر التأريخ. اما اليوم، الامريعود الى عوامل كثيرة وفي مقدمتها قلة احترام المجتمع لها واعتبارها ناقصة عقل ودين، وهذا طبعا من مخلفات التفسير الخاطئ للدين لذا فتربيتها على هذا الاساس تزعزع من ثقتها في نفسها وفي انجازاتها، اضافة الى ان المرأة قلما تتدخل في السياسة في مجتمعاتنا كون هذا المجال قاس ولاتتحمله في ظل مجتمع رجولي وتقاليد راسخة لاتستطيع المرأة معها ان تفرض نفسها ككيان وشخصية مستقلة للتعبيرعن رأيها.

ولكن لاننسى ايضا امثلة عن نساء رائعات يستحقن كل الاعجاب والثناء وفي مقدمتهم النائبة البرلمانية في العراق فيان دخيل التي هزت ضميرالعالم باسره لمناشدتها المجتمع الدولي في المساعدة على اطلاق سراح الالاف من الايزيديات المختطفات من قبل تنظيم داعش والتي تصدرت قائمة النساء الأكثر تأثيرا عام 2014 بحسب تقرير وكالة الاخبار العالمية CNN وكذلك المقاتلات الكورديات في غرب كوردستان “سوريا” اللواتي فضلن الموت والاستشهاد في جبهات القتال. ولكن تبقى الامثلة قليلة من محاولات نسائية فردية او جماعية في هذا المضمار.

* أقيمت من قبل مؤتمرات للتقريب بين المذاهب خاصة بين السنة والشيعة.كيف تقيمين دور المرأة في تقريب وجهات النظرة وتجاوز ظلال التاريخ العنيف ؟ وهل تم التفكير بالفعل في عقد مؤتمرات نسائية من جميع المذاهب لتجاوز حدة الخلافات وتحديد أولويات الألفية الثالثة بما يضمن تحقيق التعايش المشترك واستدماج قيم التسامح والحوار وقبول الاختلاف؟

اعتقد ان المرأة تستطيع أن تلعب دورا كبيرا في هكذا مواقف وخصوصا في التقليل من حدة الخلاف الى حد ما، لان المرأة هي اكثر من نصف المجتمع في عصرنا الحالي، وان وجود نساء مميزات واعيات قياديات واثقات من انفسهن ومن خطاهن، هو امر مهم جدا في كسب ثقة هذا النصف المهمش. نساء يؤمن بالسلام ويدعون اليه ويشجعن على التقارب وليس التباعد اعتمادا على دين أو مذهب ما. بحد علمي لم اسمع عن مبادرات عن تنظيم مثل هكذا نوع من المؤتمرات، بل انها فكرة رائعة تستطيع عبرها النساء من جميع المذاهب ان يوحدن أصواتهن ضد الممارسات الارهابية تجاه النساء في العالم العربي والاسلامي، ويحاولنا ومن خلال اختلاف اديانهن ان يدعون الى السلام والتشجيع على التسامح عبرشعارات تدعو الى انسانية أكثر في عصر فقدت الانسانية فيه قيمها وقيمتها في أوطاننا.

* من خلال تجربتك، كيف يمكن للمرأة العربية أن تسهم بشكل فعال في توجيه المسار الفكري للعقلية الإقصائية المتوسلة بالنصوص الدينية وما هي المداخل الإصلاحية لخفض مستويات الاعتماد على النبوءات الدينية في تصفية الحسابات السياسية وإبادة الأقليات في بؤر الصراع؟

المرأة هي مربية اجيال ويقع على عاتقها عبء حمل التربية والتعليم لاجيال المستقبل، باعتقادي ان الاحزاب والحركات السياسية العلمانية ومؤسسات المجتمع المدني الحقيقية هي المسؤولة والمؤهلة عن تحريك واقع المرأة الحالي ودفعه نحو الافضل، فنحن نعتقد دائما أن المرأة هى ضحية تفسيرالنصوص الدينية ولكن في الحقيقة قضية المرأة هي قضية اجتماعية أيضا يجب التعامل معها على اسس علم الاجتماع ومنظوره الخاص بالمرأة لانها ضحية تخلف المجتمع وبعض من التقاليد البالية. أما عن تصفية وإبادة الاقليات فإنها تنطلق من داء التعصب القومي الممنهج الحاكم في بعض البلدان العربية والاسلامية والتطرف الديني المنفلت التي تسيء الى كليهما في النهاية هي نتاج عقدة الشعوربالتفوق والنظرة الخاطئة بدونية افكار ومعتقدات الاخرين وبالتالي الوقوع في حبائل الجهل وممارسة العيش في نعيم الشقاء، ونحتاج فيهما الى حديث مسهب يطول ويتشعب.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *