حمورابي ملك العدالة وموحد البلاد 1792 – 1750 ق.م

اسم حمو- رابي ، يعني حمو إله الحرارة ورابي عظيم ، فتكون ترجمته ” معظم هو الإله حمو أو عمو” . تسنم حمورابي عرش بابل بعد وفاة والده سين مبلط عام 1792 ق.م وكانت بابل أنذاك مملكة صغيرة لا تتجاوز رقعتها حدود سبار المحاذية لبغداد شمالا حتى مدينة مرد ( الديوانية ) جنوبا . وفي عهده غادر ابراهيم اور الكلدانين وهاجر الى حاران ثم كنعان ( اضافة كاتب المقال ) . ان عظمة بابل كعاصمة تأريخية لعموم وادي الرافدين جاءت اصلا من عظمة المدينة التي أنشأها سادس ملوك سلالة بابل الاولى حمورابي 1792-1750 ق.م ، هذا العاهل العراقي الذي ينحدر عرقيا من الكلدان الاوائل السكان الاصليين لوسط وجنوب العراق القديم ، مما لا شك فيه ان مدنيتنا الحديثة اليوم إنما تدين بالكثير للقيم والتعاليم والقوانين التي جمعها وطورها ذلك العاهل العظيم قبل ما يقارب من اربعة الاف عام . قد يقول البعض بان حمورابي لم يكن كلدانيا وانما عموريا لذلك كثير من المصادر تشير ومنها على سبيل المثال لا الحصر : يؤكد الدكتور فوزي رشيد في كتابه الموسوم ( حمورابي … مجدد وحدة البلاد ) بأن اسم العموريين ورد في النصوص السومرية بصيغة (مار تو) ، وفي النصوص البابلية بصيغة ( عامرو ) وكلا الصيغتين السومرية والبابلية تعنيان ( الغرب ) ويعني ان اسمهمم هو الغربيون . وتؤكد هذه الحقائق بأن تسمية عمرو هي صيغة جغرافية وليست تسمية قومية .

عندما تسنم حمورابي الحكم فقد كانت مملكته محاطة بملوك اقوياء ومتمرسين ، لذلك كان الوضع بالنسبة لحمورابي مقلقا فبدأ بعقد التحالفات ولا سيما مع قريبه الملك العموري شمشي أدد الاول مؤسس الدولة الاشورية لأن كليهما يرجعان اصلا الى الكلدان الاوائل ، وهكذا ضمن عدم احتواء مملكته من قبل الملك الطموح وصاحب الخبرة الملكية الطويلة ريم سين ، ومن ناحية اخرى راح يقوي جيشه ويحسن المستوى المعاشي لسكان مملكته ويحصن أسوار بابل ويعمر المملكة فضمن ولاء شعبه المطلق ، وبعد ان ضمن تفوقه قام في السنة السابعة بالهجوم على مملكة خصمه القوي ريم سين فأقتطع منها ولايتي إيسن وأوروك ، أعقب ذلك بهجوم كاسح في السنة التالية ليضم الى مملكته منطقة يموت بعل / يموتبال التي تمثل مسقط رأس الملك ريم سين في حركة تحد لم يجسر ريم سين ان يرد عليها فقد عرف بفطنته ان حمورابي يجره الى معركة قد يخسر فيها ليس كل مملكته حسب بل وحياته ايضا . وقد واصل حمورابي توسعاته حتى السنة العاشرة من حكمه التي ضم فيها منطقتي مالقوم وشاليبي الإيشنونيتين ثم مدينة رابيقوم / الرمادي مطلع السنة الحادية عشر التي شهدت وفاة شمشي أدد الاول ، فكان لتبدل الأمور السياسية في شمال الرافدين بعد وفاة حليف حمورابي القوي شمشي أدد الاول الذي كان يمثل الحامي لظهر مملكة بابل ( الواجهة الشمالية للملكة ) ما جعل حمورابي يعيد النظر في مسألة مواصلة مشروع مهاجمة خصومه الأقوياء ، فقرر ان يتريث حتى تسنح له الفرصة المناسبة وهكذا استبدل مخططاته فراح يؤكد على تقوية مملكته وتحصين مدنها الرئيسية والتأكيد على المشاريع العمرانية والإروائية وترميم المعابد وتحسين المستوى المعيشي للشعب ، فنشطت التجارة والزراعة وأمتلأت بابل بالثروات ، لكن حكورابي لم يتوان يوما عن تقوية وتحسين جيوش مملكته لأن هدف حمورابي الرئيس كان السيطرة على ( بحر الكلدان ) ويسمى حاليا البحر العربي / الفارسي الذي كان مهيمنا عليه من قبل خصمه ريم سين ، بخاصة وأن الاخير كان يستخدمه كسكين في خاصر مملكة بابل لأهميته الحياتية ، لكونه منفذ الحياة التجارية على الدول البحرية وموانيء مكان و ميلوخا ، ومما ساعد حمورابي على مواصلة حروبه لتوحيد البلاد هو ضمان الواجهة الشمالية للملكة بعد تسلمه لرسائل من اشمي دكان تطلب من حمورابي ان يعتبر اقليم أشور جزءً من مملكة بابل ، كما ان رجال مخابراته أمثال بوقاقم وباخدي ليم كانا يعلمانه بمجريات الامور وبخاصة في ولاية ماري ، وهكذا بعد عشرين عاما من التحضيرات بدأت المعارك مع جيوش ريم سين التي تحتوي على عناصر سومرية وعيلامية علاوة على الاغلبية الأكدية ، ففي السنة الثلاثين تمكن حمورابي من سحق جيوش خصمه التقليدي ريم سين بعد معارك ضارية ومتواصلة ، فهرب ريم سين الى عيلام بينما تمكن حمورابي من توحيد وسط وجنوب الرافدين حتى السواحل الجنوبية لبحر الكلدان .

وفي عام حكمه الثامن والثلاثين كانت بابل الكلدانية امبراطورية واسعة تضم علاوة على وادي الرافدين الطبيعي مملكة عيلام ودول بحر الكلدان الجنوبية حتى مكان ( عمان وبلاد الشام) عامورو واجزاء من اسيا الصغرى وبخاصة أمد / ديار بكر التي وجدت فيها منحوتة تعود لحمورابي وكذلك جزيرة قبرص . وكان اول ما فعله حمورابي هو سن دستور خاص فصل فيه سياسة الدولة عن الدين وساوى فيه بين جميع أبناء المملكة بغض النظر عن ديانتهم وأعرافهم ، فالجميع سواسية في الحقوق والواجبات . كما جعل تقاويم البلاد واوزانها متساوية وهو ذات الأسلوب الذي أستخدمه شروكين / سرجون الكبير عند تأسيسه للامبراطورية الأكدية .

قام حمورابي بتنظيم نظام البريد ، كما كان يشرف شخصيا على نسبة الضرائب السنوية فيعفي المدن المتضررة ، ويقدر نسبة الضرائب من المدن الغنية فلا يثقل على كاهل العامة او يؤثر على موارد الاغنياء ، ومثل ذلك فعل مع الموظفين الحكوميين الكبار فيما أعفى الصغار من الضريبة . كما انتشرت في عصر حمورابي الذهبي المدارس والجامعات . ولأجل توحيد البلاد تشريعيا سن حمورابي قانونه الشهير الذي أنجزه عام 1770ق.م الذي كان خلاصة الخبرة القانونية للملوك الذين سبقوه ومضافا إليها رؤيته المتقدمة للحقوق الانسانية وكرامة البشر . ولهذا نجد ان حمورابي لم يكن راعيا لأبناء قومه من العموريين المنحدرين عن الكلدان الأوائل وإنما لجميع أطياف مملكته ، فشملهم جميعا بعدله وتسامحه رجالا ونساءً حتى ان المؤرخ جورج كونتينو يقول : لقد أعطت قوانين حمورابي للمرأة البابلية حقوقا لم تحصل عليها المرأة الفرنسية إلا مع مطلع القرن العشرين .

 

المصدر: الكلدان منذ بدء الزمان ، المؤلف عامر حنا فتوحي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *