حكومة الشراكة .. لصوصية سياسية / بقلم : نزار حيدر

حكومة الشراكة..لصوصية سياسية

كرر نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، القول في ان الصيغة الصحيحة لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، هي تلك التي تؤسس لحكومة قوية ومعارضة برلمانية مقتدرة في آن واحد، وان ما يسميه البعض بحكومة الشراكة الوطنية لا تؤسس لهذا المعنى باي حال من الاحوال، لانها تعتمد على صيغة مشاركة كل الكتل البرلمانية في الحكومة، ما يلغي مفهوم المعارضة البرلمانية، الامر الذي يعني الغاء احد اهم مهام مجلس النواب الجديد، الا وهي مهمة الرقابة والمساءلة والاستجواب، فالحكومة التي تتشكل من كل الكتل النيابية، لن يجرؤ احد على مساءلتها، وقبل ذلك نقدها، تحت قبة البرلمان، على اعتبار انها حكومة كل البرلمان، فمن الذي يفكر في انتقاد نفسه ومحاسبتها ومساءلة وزرائه؟.

واضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث للزميل الاستاذ ملهم الملائكة في برنامج (مجلة العراق اليوم) الاذاعي على الهواء مباشرة من الاذاعة الالمانية وعلى اثير (راديو دجلة):

ان الذي يتمناه العراقيون هو ان يسمعوا من قادة الكتل البرلمانية الجديدة التي فازت بثقة الناخب في الانتخابات التشريعية الاخيرة، حديث الصيغ الدستورية في تشكيل الحكومة المرتقبة، والذي يعتمد نتائج صندوق الاقتراع حصرا، للحصول على ما نسبته (50+1) من اصوات مجلس النواب لنيل الثقة البرلمانية على تشكيلة الحكومة وعلى برنامجها الحكومي في آن، وهذا ما نص عليه الدستور العراقي، الا اننا نسمع منهم، وللاسف، حديث صيغ الواقع السياسي، الذي اسسه السياسيون ثم راحوا يحتكمون اليه، وهناك، كما نعرف، فارق كبير جدا بين الصيغتين، فبينما تؤسس الصيغ الدستورية لنظام سياسي ديمقراطي حقيقي ومتين، من خلال التاسيس لمبدا الحكومة الى جانبها المعارضة البرلمانية، لا تؤسس الصيغ الواقعية الا الى نظام سياسي هش قابل للكسر والتفتت في اية لحظة، ولقد راى كل العراقيين كيف ان صيغ الواقع السياسي التي اخذ بها السياسيون في المرحلة الماضية، اضرت بالعملية السياسية وعقدت الامور اكثر فاكثر، كما انها اخرت الانجاز الحكومي وعرقلت مشاريع مؤسسات الدولة بسبب حالة الشد والجذب التي تخلقها مثل هذه الصيغ، ولو قلنا جدلا بان هذه الصيغة كانت مطلوبة للمرحلة السابقة، لاي سبب من الاسباب، فانها بالتاكيد ليست مطلوبة وغير مجدية في المرحلة المقبلة ابدا، لانها ستضيع اربع سنوات اخرى من عمر الشعب العراقي ومن عمر تجربته الديمقراطية الفتية، ولا اعتقد ان عاقلا يمكن ان يتصور بان الحال يتحمل مثل هذه الظروف لاربع سنوات قادمة.

ان كل دول العالم الحر، بل ان كل الدول التي تسير في طريق بناء انظمتها السياسية الديمقراطية، تحرص منذ اللحظة الاولى لاعتماد الصيغ التي تؤسس لحكومة ومعارضة برلمانية في آن واحد، لان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تتشكل وتنمو بلا معارضة برلمانية جادة وحقيقية ومقتدرة، بمعنى آخر، فان الديمقراطية لا تطير الا بجناحين اثنين، الاول هو حكومة الاغلبية البرلمانية والثانية هو المعارضة البرلمانية، فاذا كسر احد الجناحين او ضعف عن اداء مهمته، فستنكسر الديمقراطية وسيفشل النظام السياسي، اما صيغة حكومة الشراكة الوطنية التي تتحدث عنها كافة الكتل البرلمانية الحالية، فهي لا تؤسس لا الى حكومة قوية ولا الى معارضة برلمانية مقتدرة، ولذلك فان على هذه الكتل ان تعتمد الصيغ الدستورية في تشكيل الحكومة المرتقبة والتي تعتمد حكومة الاغلبية (50+1) التي نص عليها الدستور، وليست حكومة الشراكة الوطنية التي تحتاج الى كل اصوات مجلس النواب للحصول على ثقته، اي انها ستكون بحاجة الى (325) صوتا قبل ان ترى النور، فمن الذي سيؤدي دور المعارضة تحت قبة البرلمان في هذه الحالة؟ وتاليا، من الذي سيؤدي دور الرقيب على هذه الحكومة الجديدة؟ وقديما قيل {اذا انت امير وانا امير فمن الذي سيسوق الحمير اذن؟}.

عن محاولات بعض الكتل البرلمانية للمساومة على صلاحيات رئيس الوزراء القادم، للحصول على موقع رئاسة الوزراء، قال نــــزار حيدر:

لا شك ان اية محاولة من هذا القبيل تعد مخالفة دستورية صريحة وصارخة، انهم يحاولون تفصيل الحكومة ومهامها وصلاحياتها بما يضمن لهم تسنم هذا الموقع فحسب، كل حسب مفهومه واجنداته وتحالفاته المتوقعة، ما سينتج لنا رئيس وزراء ضعيف لا يقدر على اداء المهام المنوطة به، فالنظام السياسي المعمول به في العراق الجديد، كما هو معلوم، يعتمد نظام الوزارة وليس نظام الرئاسة، فاذا ضعفت الوزارة ضعف النظام وتاليا ضعفت البلاد وخسر الشعب اي امل في التمنية المرجوة.

اذا كانت الكتل البرلمانية تساوم على الصلاحيات الدستورية، واذا كان البرلمانيون، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية حماية الدستور، هم الذين يفكرون بهذه الطريقة التي تتجاوز على الدستور ومواده، فماذا سننتظر من غيرهم يا ترى؟.

ان على النواب ان لا يفتتحوا عهدهم الجديد بمثل هذه التجاوزات الخطيرة على الدستور.

لقد حدد الدستور صلاحيات مختلف مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، كما انه حدد صلاحيات الرئاسات الثلاث بشكل مفصل، ولكوننا نسعى للتاسيس لدولة دستورية ولدولة القانون، لذلك يجب ان يتسمك الجميع به من دون محاولات الالتفاف او الخرق غير المبرر، واذا كان هناك من يرى في بعض مواد الدستور عقبة في طريق تشكيل الحكومة، بعد كل عملية انتخابية، او ان يرى في بعضها الاخر تضخما في صلاحيات هذه الرئاسة او تلك، على حساب اخواتها، فان عليه ان يلج من الباب لاحداث مثل هذه التغييرات الدستورية التي يراها ضرورية، اما ان يسعى من اجل تحقيق تعديلات دستورية مزاجية وبالطرق غير القانونية، فقط من اجل ان ينال مراده في تسنم رئاسة الحكومة، على الاقل للفترة الدستورية الحالية، فهذا ما لا يجب ان يلجا اليه احد، لانه يضر بمصداقية العملية السياسية، كما انه يضر بمصداقيته ومصداقية كتلته البرلمانية، وهو سيوجه طعنة في قلب العملية الديمقراطية، وسيفرغ صندوق الاقتراع من جوهره.

يجب ان نتاكد بانه ليس من حق احد، ايا كان، المساس بنصوص الدستور، واذا كانت مسؤولية تفسيرها من واجبات المحكمة الدستورية، فانه ليس من واجباتها ولا من صلاحياتها قطعا تغيير الدستور، فلقد حددت المادة الدستورية رقم (126) الشعب العراقي حصرا كطرف وحيد له الحق في اجراء التعديلات الدستورية من خلال الاستفتاء الشعبي العام، ولقد تكرر النص على هذه المسؤولية الحصرية في المادة الدستورية المذكورة ثلاث مرات.

عن امكانية ان يكون الدكتور السيد عادل عبد المهدي مرشح التسوية بين الكتل البرلمانية لتسنم رئاسة الوزراء قال نـــــزار حيدر:

ان السيد عبد المهدي هو احد ابرز المرشحين لتولي هذه المسؤولية لما يتمتع به من عدة صفات هامة يحتاجها الموقع، والتي تقف على راسها:

اولا: التخصص، فالسيد عبد المهدي رجل صاحب اختصاص في الاقتصاد، فهو صاحب نظرية اقتصادية يمكنها ان تساعد على انتشال العراق من وضعه الاقتصادي المزري، ولقد كان السيد عبد المهدي قد قدم فيما مضى اطروحة اقتصادية متكاملة لدراستها واعتمادها في البرنامج الاقتصادي للحكومة الحالية المنتهية ولايتها، الا ان التجاذبات السياسية وتحكم المحاصصة في برنامج الحكومة ومفاصل الدولة، هو الذي حال دون الاستفادة من هذه الاطروحة.

ثانيا: الخبرة السياسية طويلة الامد، والتي راكمت عند عبد المهدي رؤية سياسية استراتيجية قلما تجدها في الاخرين، يمكن ان تساعد في بناء الدولة العراقية الجديدة.

ثالثا: علاقاته الجيدة جدا مع مختلف الاطراف السياسية، ما يمكنه من تذليل الكثير من العقبات التي حالت لحد الان دون انطلاق المشروع الوطني العراقي الذي يصبو الى تحقيقه الجميع، خاصة مع التحالف الكردستاني، ما يسهل عليه مهمة حلحلة الخلافات العويصة التي لا زالت شاخصة بين بغداد واقليم كردستان، والتي عرقلت حتى الان انجاز الكثير من المشاريع الحكومية، خاصة على صعيد التمنية.

رابعا: كما ان علاقاته الحسنة مع دول الجوار العراقي ودول الاقليم بشكل عام، عامل ايجابي آخر يزيد من حظوظه في النجاح بهذه المهمة.

خامسا: وان اتصافه بالايجابية والانفتاح على الاراء والترفع عن الانتماءات المحدودة، بكل اشكالها، وانطلاقه في افق الانتماء الوطني، قرب اليه مختلف شرائح المجتمع العراقي بكل تنوعاتهم الدينية والمذهبية والاثنية والسياسية والفكرية وغيرها، ما يساهم في انطلاق المشروع الوطني المرتقب.

ان كل هذه المميزات وغيرها، جعلت من السيد عبد المهدي احد ابرز المرشحين واكثرهم حظوظا لتسنم رئاسة الوزارة القادمة، وهي، المميزات، التي دفعت بالكثير من السياسيين والمحللين والمراقبين للشان العراقي، من عراقيين وسواهم، ليرون فيه مرشح التوافق السياسي بين مختلف الفرقاء، في ظل هذه المراوحة في المساعي الرامية الى تشكيل الحكومة المرتقبة.

بقي عليه ان يتمكن من تشكيل تحالف سياسي تحت قبة البرلمان، منسجم، يدعم سياساته، وعلى مختلف الاصعدة، قبل ان ينتقل مع فريق عمله، الوزراء، الى موقع المسؤولية الجديد، ليحقق، بمثل هذا التحالف، النجاح المرجو من الحكومة الجديدة اذا ما منحه مجلس النواب الجديد ثقته لتشكيل الحكومة المرتقبة، لان الكتلة البرلمانية المنسجمة احد اهم شروط النجاح في المرحلة القادمة، والا فان مهمة رئيس الحكومة الجديد، ايا كان، ستكون صعبة للغاية، وستكون الحكومة اقرب الى الفشل منها الى النجاح في مثل هذه الحالة، وهذا ما كنت قد اشرت اليه في مقالتي الاخيرة الموسومة (الحل..في حكومة اقلية) عندما قلت بان رئيس الوزراء القادم يجب ان يحضى بدعم كتلة برلمانية منسجمة.

بالمجمل، فان رئيس الحكومة الجديدة، ايا كان، يجب ان لا يكون تحت رحمة حزبه او كتلته الحزبية البرلمانية، ابدا، فان ذلك سيدفعه دفعا صوب الفشل المحتم، وانما يجب ان يكون رئيسا لحكومة عراقية تحت طائلة المسؤولية البرلمانية تحديدا، ما يضمن لنا التاسيس لحكومة قوية وبرلمان مقتدر ومتمكن من اداء دور الرقابة، وهو الشرط الاهم لنجاح التجربة الديمقراطية في العراق الجديد.

10 حزيران 2010

مع الشكر والتقدير سلفا
تحياتي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *