حديث عن اللغة والقومية

المؤتمر القومي الكلداني العام وتحديات المرحلة الراهنة

حديث عن اللغة والقومية

خاهه عما كلذايا

لغتنا هي اللغة الكلدانية، وهي ركن أساس من أركان قوميتنا الكلدانية، كما هي أساس في المحافظة على خصوصيتنا وهويتنا ووحدتنا، لنتمكن من خلالها البقاء والصمود في وجه الهجمات الشرسة التي تتكسر على صخرة وحدتنا وصلابتنا في ظرف هذا التكالب غير الإعتيادي علينا.

في السابق كانت لكل قبيلة أو منطقة لغة خاصة بها، أو لسان أو لهجة، كأن يقال لغة أهل الحجاز واليمن ولغة قريش وغيرها، وتم توحيد هذه اللغات وعرفت في ما بعد باللغة العربية، ونحن الكلدانيين ولغتنا الكلدانية سارت على هذا المنوال فلغتنا الكلدانية بلهجة ألقوش وبلهجة تلكيف وبلهجة كرمليس وهكذا، وكل هذه اللهجات تجمعها لغة واحدة وهي الكلدانية، وليست السريانية، فكلمة أو أسم السريانية جاء من تسمية سيريوس كما تقول المصادر وهو الجد الأول للسريان والذي تسمت سوريا بإسمه، ونحن معشر الكلدان لسنا ناطقين بالسريانية، بل هذه التسمية دخلت وفُرضت علينا،نحن لنا لغتنا هي الكلدانية وهي مرتبطة إرتباطاً صميمياً بثقافتنا ، فبواسطتها تمكنا من حفظ تاريخنا وتراثنا وكتبنا المقدسة وصلواتنا.

مقومات القومية

كما هو معروف للجميع أن مقومات القومية هي اللغة والدين ورابطة الدم والتاريخ المشترك والعادات المشتركة والمصير المشترك، وهذه المقومات جميعها ترتكز عليها القومية، ولكن اليوم وبعد ظهور مفاهيم جديدة للقومية ، وإزدياد الوعي القومي وإنتشاره بين الجماهير، ظهرت مقاييس لتبيان شدة الأواصر وقوة التماسك بين مقومات القومية، فظهرت آصرة اللغة وتغلبت على بقية الأواصر الأخرى، لنأخذ مثالاً على ذلك، إن مسألة نقاوة الدم ترفضها جميع المجتمعات الحالية، فلم تعد هناك دماء نقية مئة بالمئة، فالكلداني تزوج من دنماركية وهولندية وأمريكية وسويدية وغيرها، وتصارعت الجينات الكلدانية والهولندية داخل جسد المرأة فولدت شخصاً بحمل في شرايينه دماءً مختلطة من قوميتين، وظهر جيل جديد لا يحمل دماءً من قومية واحدة 100%، وبهذا تكون إحدى مقومات القومية قد ضعفت، ومن خلال تجدد الأجيال وولادة أجيال جديدة ستحمل دماء تختلف كلياً عن المنبع الأصلي، فهذا كلداني من أم برازيلية وآخر كلداني من أم هولندية وهكذا، الرابط الثاني هو المصبر المشترك، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الذي يربط زوجتي الهولندية أو الدنماركية بمصير أمتي الكلدانية ؟ لنكون واقعيين ونتكلم بصراحة، ما يربطها فقط هو تعاطف شعوري تضامناً مع زوجها، وليس تعاهد مصيري، يعني الإيمان ببقاء هذه الأمة وتحقيق أهدافها وتطلعاتها وتربية أبناءها تربية قومية صرفة، لا يمكن مطلقاً أن تشعر به هذه الهولندية أو الدنماركية مطلقاً، وبذلك سينشأ جيل جديد يكون فيه رابط المصير المشترك هشاً ضعيفاً، لا يقوى على الصمود، وكذلك الحال بالنسبة للعادات والتقاليد المشتركة فإن الزوجة الجديدة ستربي أبناءها على عادات وتقاليد مجتمعها وتتشابك الأحداث داخل مخيلة الجيل الجديد فيظهر جيل لا يحمل من عادات وتقاليد الأصل إلا الشيئ اليسير وستضمحل بتقادم الزمن، أما التكلم عن المصير المشترك فسيكون حديث خيال لا محالة، فأنا مهاجر وزوجتي أجنبية وولدي نشأ على الدسكو والبريك دانس والهامبرگر وغيرها فكل حديث عن مصير مشترك يكون ضرباً من الخيال، يبقى لدينا إخوتي الكرام من جميع هذه الروابط رابط اللغة، هذه الآصرة الشديدة التماسك، والتي طفت وأصبحت في قائمة مقومات القومية، لغتنا الكلدانية، فالكثير من هذه الزواجات التي أشرنا إليها نرى أن اللغة تبقى بينهم بنفس الشدة، فالكثير منهم لم يتركوا لغة الآباء والأجداد، فما زال المنگيشي يحاول أن يعلم زوجته الأمريكية مفردات لغتنا الجميلة وهي تنطقها ويستمر معها وكذلك الباقوفي وكذلك بقية أبناء أمتنا الكلدانية، وأقول لكم واقعاً عشته أن لي أحد المعارف في السويد كان لإبنه صديقة سويدية وفي زيارة لهم شاهدت وسمعت بأذني تلك الفتاة السويدية تتكلم الكلداني باللهجة الألقوشية وبلكنة سويدية ( رب سائلٍ يسأل هاي شلون دبرتها !!!!!!! تتكلم كلدانية بلهجة ألقوشية ولكنة سويدية !!!! يعني عجيب أمور غريب قضية ) ولكن صدقوني أنها الحقيقة، وبهذا أود الوصول إلى حقيقة ثابتة وهي بأن آصرة اللغة هي من اساسيات ومقوم قوي من مقومات القومية، وهذه اللغة لن تموت ما دام فينا عرق ينبض،

يقول الكتاب المقدس، في السابق كان الناس يتكلمون لغة واحدة ولساناً واحداً، وكانوا شعبناً واحداً ينحدرون من أب وأم واحدة على الأغلب، أو من أب ومن عدة أمهات من قوم واحد، وبهذا يكون تحديد مقومات القومية على الأسس التي ذكرناها في أعلاه صحيحاً، ولكن بعدما شتتهم الله وبلبل ألسنتهم في بابل، طفقوا يتكلمون بلغات عديدة، وكثرت الولادات وتعددت الأجيال وتشتت الشعب، ظهرت مفاهيم جديدة في تحديد أسس القومية وروابطها، وأصبحت اللغة الواحدة مجموعات وعوائل وأجيال كما هو معروف في سياقات تقسيم اللغة.

موطن الكلدان الأصلي هو العراق، يقول شارل فيرللو في كتابه ( أساطير بابل وكنعان ” أن كلدة بلاد صغيرة جداً ، تعادل مساحتها مساحة الدنمارك ، وكانت عبارة عن مجموعة دول مستقلة بعضها عن البعض مثل أوروك وأور واريدو ولا رسا وغيرها، وكانت كلها تتكلم بلغة واحدة وتستعمل نفس الخط فنشأت لغة قوم تنتسب إليهم “

نحن نقول وإستناداً إلى ذلك بأن لغة العرب هي العربية، ولغة الكرد هي الكردية، فالمنطق يقول بأن لغة الكلدان هي الكلدانية، وإلا لماذا يشذ الكلدان عن هذه القاعدة ليتكلموا لغة غير لغتهم؟ فهل تعرضوا إلى إستعمار تتريكي في زمنٍ ما لا سامح الله ؟ وأين كان ذلك ومتى ؟

يقول الأستاذ ساطع الحصري ( إن أهم العوامل التي تؤدي إلى تكوين القرابة المعنوية التي يشعر بها الفرد في الأمم المختلفةهي اللغة والتاريخ، فإن الإعتقاد بوحدة الأصل إنما يكون في الدرجة الأولى من الوحدة في اللغة، اللغة هي أهم الروابط المعنوية التي تربط الفرد البشري بغيره من الناس، لأنها واسطة التفاهم بين الأفراد وآلة التفكير، واللغة هي واسطة لنقل الأفكار والمكتسبات من الآباء إلى الأبناء ومن الأجداد إلى الأحفاد ومن الأسلاف إلى الأخلاف” وهذا دليل وشاهد على ما ذكرناه حيث تعتبر رابطة اللغة من أقوى الروابط القومية التي تربط الأفراد بالجماعات ، وبذلك تكون اللغة محور القومية وعمودها الفقري ونقطة الإرتكاز فيها، لا أريد الإبتعاد عن موضوع اللغة وما أهميتها ، ولكن هناك نقاط تترابط مع بعضها البعض، تدور حول اللغة والقومية، وفي هذا المجال يقول البروفسور عبدالله مرقس رابي بأن القومية مفهوم إجتماعي يدل على شعور الفرد بالإنتماء لجماعة بشرية تشترك بخصائص أجتماعية ونفسية وحضارية واحدة، وهذا يولد شعوراً قوياً ويعني الإنتماء للجماعة،

إذن لغتنا الكلدانية هي محور أساس من محاور القومية ، فلماذا يتم تجاهل كل ما يكتبه المؤرخين حول اللغة الكلدانية ؟ لقد كانت هناك مطابع كلدانية موجودة في العراق وتحديداً في الموصل ، وكانت تطبع الكتب باللغة الكلدانية وبأحرف كلدانية، وذلك قبل العام 1900م ولكن تم التعتيم على كل هذا، بعد تعرض الكلدان لهجمات شرسة، لأسباب سياسية بحتة وخاصة في العراق معقل الكلدان الأول وقلبهم النابض، ومن هذه الهجمات والتحديات التي واجهها الكلدان، كانت الهجمة على اللغة بإعتبارها المقوم الأساس والمحور الرئيس الذي ترتكز عليه قوميتنا الكلدانية ويتوقف عليه وجودنا، ألا وهو إصدار بيان منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية، ومن أعترض أبتلعته سجون أنظمة الحكم ودار في غياهب الظلم والعدوان وطواه النسيان، وقد ساندت ذلك القرار المجحف بعض الجماعات الكلدانية المستفيدة، أو من التي لا علاقة لها بتاريخ هذه الأمة، فالمهم رضى أولياء النعمة وفي وقت عصيب كانت فيه الأمة الكلدانية مغيبة من قبل السلطة وبعض أبنائها، وبعض القوى الوطنية الأخرى، بالإضافة إلى أن المتنفذين الكلدان وبسبب قلة الوعي القومي الكلداني، لا بل إنعدامه وضعفه في قلوبهم كانوا يغطون في سبات عميق يغطيه فِراش المصالح والمنافع الشخصية، وذلك حماية لمصالحهم وفرديتهم وأنانيتهم، وإلا وعتبي على رجال الدين الكلدان، كيف أرتضوا أن يعملوا تحت أسم غير أسمهم.

أحلام وتساؤلات

متى يتم تصحيح الأخطاء التي أرتُكبت بحق الكلدان؟

متى نسمع بقرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالكلدانية ؟

متى نسمع عن تأسيس دار نشر قومية كلدانية؟ على غرار دور النشر القومية الأخرى، فهذا ليس تعصباً بقدر ما هو حقاً مشروعاً، وهل هي مسؤولية المؤتمر أم مسؤولية الأفراد أم الأنظمة والدول ؟

ألا يجب أن نطالب الدولة العراقية بتصحيح الأخطاء التي أرتكبتها الأنظمة السابقة بحق الكلدان؟ وفي كافة المجالات، من بينها التمثيل الحقيقي والفعلي للكلدان في مجالس المحافظات والبرلمان وغيرها ؟ ورفع الغبن وإزالة الغبار وإلغاء التغييب والإعتداء الذي وقع على الكلدان وإعادة حقوقهم المغتصبة ؟

متى نشاهد ونسمع ونرى فضائية كلدو أو فضائية بابل وغيرها إسوة بقناة الجزيرة والعربية وغيرها ؟ولماذا لا تدعم الدولة هذا المشروع الحيوي الثقافي الهام، فاليوم الفضائيات في عراقنا الحبيب أصبحت بالمئات، هل من المعقول أن أشخاص أو أحزاب صغيرة تمتلك كل إمكانيات تأسيس فضائية وتستمر في بثها ليل نهار ونحن لا نتمكن من ذلك ؟ أين أختصاصيونا في هذا المجال؟ ولماذا لا نستضيفهم ونطلب منهم إعداد دراسة أكاديمية علمية لكونهم مختصين في هذا المجال .

اين علماء اللغة ؟ وما هو نشاطهم؟ ولماذا لا يضعون الخطط والدراسات في هذا المجال تكون ركيزة لإنشاء دار نشر ومجمع لغة كلدانية وغيرها .

متى نسمع عن إفتتاح مدارس بأسماء كلدانية تعلم اللغة الكلدانية في العراق ؟

متى نلمس من العوائل الكلدانية ، ذلك الشعور القومي وتلك النهضة القومية والإنتماء الأصيل وزرعه في قلوب أطفالهم ؟

متى نرى ونسمع من أب ينهر أبنه عندما يسأله الضيف بالكلدانية فيجيب بالعربية أو الإنگليزية ( آنه بالصف الرابع ) ليصحح له الوالد ويقول ( لا أبروني مور آنه أبصپة أد أربا ).

متى نسمع عن تأسيس مطبعة كلدانية إحياءً لذكرى تلك المطبعة التي تأسست في الموصل عام 1886 وحملت أسم المطبعة الكلدانية

وإلى أن تتحقق كل تلك الأحلام سأظل أسير أحلامي وأمنياتي

مع تقديري وتحياتي

نزار ملاخا

14/5/2013——– ديترويت

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *