حتى متى يستمر التجاوزُ على الكنيسة الكاثوليكية؟

منذ فترة شَنَّ فردان من بني الكلدان ولا يزالان يشنان هجوماً لاذعاً على الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، واحدهما يدَّعي بأنه شماس في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والآخر ينفي أنه شماس بل عِلمانيٌّ. يُبّرِّر الشماس هجومه بقوله< أنا لا انتقد أو اهاجم الكنيسة الكاثوليكية كرسالة سماء…وإنما انتقد واهاجم وادين الكنيسة الكاثوليكية كمؤسسة مدنية وثقافية ومالية، شأنها شأن أية مؤسسة دينية أو مدنية اخرى همُّها السلطة والمال والسيطرة. وقد وضَّحتُ ذلك في مقالاتي لا سيما عند تعلُّق الأمر بالطريقة الإجرامية التي تعاملت بها هذه المؤسسة معنا نحن الكلدان وبشهادة وثائق ورسائل كتبها بعض بطاركتنا الكلدان الحريصين والغيورين على هويتنا الكلدانية وهوية كنيستنا المشرقية الكلدانية المتمثلة بلغتها وآدابها وليتُرجيتها وأناشيدها وريازتها وفنونها وثقافتها التي حاولت ولا تزال الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية طمسها وتهميشها بشتى الأساليب> انتهى الإقتباس

عزيزي الشماس، لماذا كُلُّ هذا التلاعب بالألفاظ والتراوغ على الحقيقة؟ إن المؤسسة الكنسية هي مؤسسة إلهية وهي نفسها الكنيسة التي أسسها المسيح الرب من البشر وليس من الملائكة! هل كان زعيم الحواريين بطرس الصخر ملاكاً أم بشراً؟ ألم يوليه كامل السلطة ليحُلَّ ويربط في الأرض فتؤيده السماء؟ لماذا إذاً تفصل بين الكنيسة ومؤسستها؟ وهل تعتقد بأن تفريقك بين الكنيسة ومؤسستها ينطلي على القرّاء مهما كان مستواهم العلمي أو الثقافي؟ ومَن الذي يواصل ايصال رسالة السماء الى البشر سوى البشر الذين اختارهم المسيح؟ ألم يكن رُسُل المسيح وتلاميذه أناساً أرضيين أرسلهم لنشر بشارته الخلاصية بين البشر؟ ألم يكن وهو القادر على كُلِّ شيء بإمكانه إرسال الملائكة لنقل البشرى السارة؟ فلماذا اختار البشرَ ليعملوا على خلاص إخوتهم البشر؟ ألا ترى أن هذا الجهد الذي تبذله في النيل من الكنيسة الكاثوليكية يذهب سُدىً وإنه جزء مُضاف الى الجهود المُضنية التي يبذلها أعداؤها الذين لا يُحصون وهم يمثلون أبواب الجحيم الذين أشار إليهم مؤسِّسُها غير المنظور ربُّنا يسوع المسيح، فإن كنت مؤمناً حقاً بالمسيح ألآ ترى أنَّ هذه الجهود الشريرة هي عبث في عبث!

أيها الشماس، الكُلُّ يعرف بأنك إعلاميٌّ محترف وتتقاضى أجوراً لقاء نشرك ما يُشير به إليك الدافعون وهذا مِن حقك وإن كان فيه إساءة لدينك. ولا يمكن إغفال قابليتك في التعامُل مع مختلف الجهات المُعادية للكنيسة الكاثوليكية المقدسة والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، إسلامية كانت أو أنكليكانية بروتستانتية أو نسطوريةأو… في سبيل كسب التأييد والمُناصرة لِما تطرحه من أفكار معادية للكلدان وكنيستهم ورُعاتها، وهذا جَليٌّ في مقالاتك المُثيرة للجدل في موقعَي الإقتصادية وعنكاوا. إن الأفكار التي تطرحها يُمكن اختزالُها بموضوع واحد متعدِّد الوجوه، وفي كُلٍّ من هذه الوجوه تُحاول ايجاد مدخل الى ذات الموضوع وهو مُعاداة الكنيسة الكاثوليكية الأم والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وقادتهما متستراً برداء النقد الحر ولكنه كالعلقم مُر! وتُبادر بإصدار أحكامك قبل الأوان وحسب اجتهادك الشخصي! والكُل يلاحظ بأن كلامك هو تكرار ممل ولا يحوي جديداً بنّاءً! بل سعياً لتسليط الأضواء على بطولاتك الدانكيشوتية.

أما زميلك الآخر فمعروف بمدى عنجهيته المُفرطة “وليعذر لي لصراحتي” تكشف بجلاء عن مدى حِقدِه الشخصي واستهزائه الهزيل بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ورعاتها الأجلاء، ويتهمُها بالتبعية وغير حُرَّة بقراراتها فما فائدة عقدها للسينودس؟ ألآ يدخل هذا التطاول الإستهزائي بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ورعاتها في باب الإهانة والإستصغار، ليس للكنيسة والرعاة فقط بل للشعب الكلداني بأسره؟ إن المومأ إليه غسان شذايا قد حمل راية الهدم والإنتقام، كان يوماً وليس بعيداً أي قبل أن يُزيحه ضياء بطرس عن زعامة المجلس القومي الكلداني، من أشدِّ المندفعين في الدفاع عن الهوية والكنيسة الكلدانيتين، فما الذي حمله لإعلان عدائه السافر نحوهما؟ وما ذنب الكنيسة بما جرى؟

عزيزي غسان، الكنيسة الكلدانية تتمتع بكامل حريتها في إدارتها لشؤونها الإدارية والتنظيمية. الإختيار يتم من قبل السينودس الكلداني من حيث ترشيح الكهنة للدرجة الأسقفية، وتُعرض أسماء المُرشحين على الكنيسة الأم التي تحتفظ بملفات خاصة لكُلِّ الكهنة الكاثوليك لمختلف الكنائس الكاثوليكية في العالم، وهي الأكثر عِلماً بمسلكهم الروحي وباعهم العِلمي والإداري، ولذلك يكون قرارُها بالقبول أو الرفض هو الكلمة الفصل والصائبة! ولعلمك وعِلم الجميع بأن هذا النظام مُعتمَدٌ ليس من قبل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فحسب، بل من قبل جميع الكنائس الشرقية وغير الشرقية الكاثوليكية ومنها: الكنيسة المارونية، الكنيسة السريانية، الكنيسة الأرمنية، الكنيسة القبطية وجميع الكنائس الكاثوليكية في العالم. إن منتقدي هذا المسلك هم معادون للمسيح الذي أكَّدَ على كنيسة واحدة وراعي واحد، ينضوي تحت سلطته جميع إخوته رؤساء الكنائس الأخرى! وإذا كانت بعض الكنائس قد شذَّت وخالفت وصية المسيح ولم تُلَبِّ مشيئَته، فإن مُحاسِبَها الوحيد هو المسيح ولا يستطيع أحدٌ غيره إدانتها!

كفاكما أيها العزيزان ترويج الأفكار الهدامة ضِدَّ الكنيسة الكاثوليكية الأم وكنيستكم الكلدانية الكاثوليكية، عودا الى الروحانية المسيحية، وانتهجا طريق المحبة التي أسهب في وصفها بولس رسول الأمم فهي ضِدَّ الحقد والأنانية والخصام والإنتقام والإفتراء والنميمة، ألستما مسيحيَين؟ لا يدفعكمأ الغرور من جرّاء التأييد الذي تتلقونه من بعض المتعصبين الحاقدين على الكنيسة الأم الجامعة، واعلما بأن الإدعاء بأن الكاثوليكية ليست حكراً على الكنيسة الرومانية الأم هو ادعاء باطل، لأن الكنائس الأخرى ليست كنائس جامعة، فهي انفرادية انفصالية، وإضافتها على تسمياتها لفظة الكثلكة هي تزوير ينم عن الشعور بالنقص. الكنيسة الكاثوليكية الأم ليست ضِدَّها ولا تضمر لها إلا الخير بل تدعوها للوحدة الكنسية التي أرادها المسيح الرب.

الكنيسة الكاثوليكية اعترفت بالأخطاء التي ارتكبها بعض منتسبيها عِبر الزمن، وتداركت قدر الإمكان أن لا تتكرَّر. لا تكن مرائياً يا شماس، إنَّ الكنيسة الكاثوليكية لم تتراجع عن موقفها من الأفكار التي نادى بها نسطور! لدى قدوم رئيس الكنيسة النسطورية مار دنخا الرابع الى الفاتيكان عام 1994 للبحث في توقيع الإتحاد الإيماني بين الكنيستين، لم يصرح البطريرك النسطوري بصورة الإيمان النسطورية، وإنما استخدم صورة مشابهة للصيغة الكاثوليكية، فلم يرَ فيها الحبر الأعظم خلافاً يُذكر، ولذلك صرَّح بأنها لا تتعارض مع الصيغة الإيمانية للكاثوليك، فوقع معه الميثاق الكريستولوجي الذي بقي حبراً على ورق لأن البطريرك النسطوري ندم على فعله وتراجع. يا شماس كيف يمكن للكنيسة الكاثوليكية القبول بتعاليم بدعة نسطور ولماذا كُلُّ هذا التهريج، هل تعتبر القراء سُذَّجاً الى هذه الدرجة؟ وإليك مختصراً لتلك الأفكار:

1 – الإنسان المتجسد في رحم العذراء مريم هو غير كلمة الله الوحيد.

2 – لم يكن التجسُّد إلا حلول كلمة الله في الإنسان بمثابة هيكلٍ له.

3 – إن الله لم يلد ولم يولَد، لا تألم ولا مات.

4 – المسيح ليس إلهاً بل هيكلاً لله.

5 – أرسل الله المسيح الى العالم رسولاً كأحد الرُسل والأنبياء، وإن استحقاقه ومحبته ووساطته بين الله والبشر عادية ومتناهية.

6 – لا يجوز أن تُدعى العذراء مريم ام الله بل امَّ المسيح.

هل هناك أبشع من هذه الهرطقة؟ ظهرت هذه البدعة في الغرب، ومن أغرب المفارقات أن يتبنّاها أهل الشرق وبالذات كنيسة الشرق الكلدانية وأبناؤها دون تدقيق وتمحيص. ولهذا نبذها أحفادُهم أولاً نساطرة قبرص عام 1445 وثانياً الغالبية العظمى من الكلدان النساطرة عام 1552. وأصرَّ الأقلية منهم على التمسك بها الى اليوم وهم الذين تبنوا الإسم الآشوري منذ عام 1884 بإغراء من رئيس بعثة كانتيربيري الأنكليكانية.

منذ زمن وأنا أتجنب مجابهتكما، وكنت أربأ بنفسي النزول الى مستواكما الضحل علمياً وثقافياً وتاريخياً، وإنَّ ما تُجيدونه هو التشهير بالسلطات الكنسية كذباً وافتراءً! ألا تخشيان الله؟ إن الله يُمهل ولا يُهمل!!! لا تظنان أنني سأرد على التفاهات التي ستصدر منكما مستقبلاً، وأسأل الله أن يُساعدكما على استعادة رشدكما ورزانتكما.

 

 

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *