مقابلة اكانيوز مع الكاتب حبيب تومي

08/11/2010 12:20  

 

حبيب تومي: ولادة عسيرة للديمقراطية في العراق لانها تجري في بيئة صحراوية بعيدة عن

 معاني الديمقراطية

 

أجرت الحوار: رنا زيباري

 

اربيل8تشرين الثاني/نوفمبر(آكانيوز)-

يرى الكاتب والأديب العراقي حبيب تومي أن مسالة الهجرة عن البلد ليست مسألة مقتصرة على المكون المسيحي في العراق، فهذه الظاهرة موجودة عند كل المكونات الاخرى لكنهم لديهم أسباب مجتمعة. كما يرى أن الديمقراطية في اقليم كردستان العراق قد تطور كثيراً مقارنة مع بقية مناطق العراق، الا أن هناك هوة كبيرة بين ديمقراطية الاقليم وديمقراطية الدول الغربية، وذلك بحسب أقواله التي أدلى بها في نص المقابلة التالية التي أجرتها معه مراسلة وكالة كردستان للأنباء (آكانيوز) في أربيل.

 

* ما رأيكم عن الوضع العراقي العام في الوقت الحاضر؟هل البلد يمر بفترة ولادة

الديمقراطية وهي ولادة عسيرة ام انها امتداد للوضع السابق بأشكال ومسميات مختلفة؟

ـ ان اي راصد للمشهد السياسي وللوضع العام في العراق سيعتريه الذهول والحيرة من شدة

التعقيد والإرباك اللذين يخيمان على الوضع ، فبعد مضي حوالي 8 اشهر على إجراء

الانتخابات في العراق ،ما زالت القوائم الفائزة تتناكف وتتصارع من اجل نيل حصة الأسد ،

ولا ريب ان تلك الاستماتة والتناكف قد اوجدا حالة من الجمود السياسي والذي بدوره افرز

حالة من الفراغ الأمني ، فكان مناخاً مواتياً لتصاعد العمليات الإرهابية وفقدان الاستقرار

والأمان.

المواطن العراقي اليوم يلفه اليأس وفقدان الأمل وانعدام الثقة بالأجهزة الأمنية الحكومية ،

ولاسيما بعد تصاعد وتيرة هذه العلميات ، وباتت تهدد قلب بغداد ولعل العملية الدموية بحق

أناس أبرياء في كنيسة سيدة النجاة في الكرادة ببغداد هو خير دليل على تراجع القوات

الحكومية امام قوى الإرهاب التي تمسك بيدها زمام المبادرة في الهجوم على اية مؤسسة ،

وهي الجانب المهاجم والقوات الحكومية امامها الدفاع فحسب.

لقد أدى المواطن العراقي واجبه يوم أدلى بصوته في الانتخابات ، لكن الفائزين لحد الآن لم

يبرهنوا انهم اهل للثقة التي اولاها لهم الناخب العراقي .إن الفائزين قد ااداروا ظهورهم

للناخب العراقي وأصبح في خبر كان،  وباتت مصالحهم الحزبية والشخصية هي التي

تحركهم في الساحة السياسية .

وفق هذا السياق ، فإن الوضع الأمني متأزم وهو مرشح للانفلات والانفجار في اية لحظة ،

وكما قلت فإن الهجوم على الكنيسة ومن ثم الهجمات الدموية المنظمة في مناطق كثيرة من

بغداد  يوم الثلاثاء الموافق 2 / 11 كل ذلك يؤشر بجلاء الى ان الوضع مرشح للتدهور يوما

 بعد يوم ، هذا هو الواقع المؤلم الذي يعيشه العراق ، والذي يتحمل المسؤولية الرئيسية

القوائم الفائزة المتناكفة.

أما إن كان البلد يمر بفترة ولادة عسيرة للديمقراطية ، أجل انها ولادة عسيرة للديمقراطية

والمسالة طبيعية ، لأن هذه الولادة جارية في بيئة صحراوية بعيدة عن معاني الديمقراطية ،

فأمام هذه الولادة تبرز صعوبات جمة ، لعل اهمها وأبرزها ، انه لا احد من جيران العراق

يسعده ان يجد على تخومه تجربة ديمقراطية حقيقية ، ورغم هذه الصعوبات فإني شخصياً

انظر الى النصف الممتلئ من الكأس ، وأزعم بوجود طبقة عراقية معتدلة واسعة يهمها ان

تسود لغة الديمقراطية في ارجاء الوطن العراقي .  

*كيف التجربة في كردستان العراق؟ هل الإقليم دخل مرحلة الديمقراطية ولا خوف عليه ام

هناك مخاوف؟

ـ بغية تقييم التجربة في كردستان أرى من الأفضل النظر الى المسألة بشكل نسبي ، مرة

نقارن تجربة اقليم كردستان مع بقية أرجاء العراق وهنا سوف نستشرف على تجربة تحمل

في طياتها كثيراً من المفردات الديمقراطية إضافة  الى اجواء التعايش والأمن والاستقرار ،

وهذه تعتبر ضمان الأمان للتنمية والتقدم ، لكن إذا استمرينا في المقارنة نسبة الى

الديمقراطيات الغربية ، سينجلي امامنا هوة ينبغي على اقليم كردستان ردمها ، والعمل على

 قطع كثير من الخطوات لبلوغ حالة الديمقراطية التي نشاهدها في الدول الأوروبية والعالم

الغربي .

أما إن كان ثمة مخاوف عليه ، فمن المؤكد ان المخاوف تظل قائمة ، ما دامت المنطقة لا

تزال تعاني من المخاضات المختلفة ولحد الآن لم تسفر عن الاستقرار السياسي والاجتماعي

 ولهذا ينبغي على اقليم كردستان ان يتسم باليقظة  والحذر لكي يكتب للتجربة الديمقراطية

في إقليم كردستان  البقاء والديمومة.

*بشأن المسيحيين في العراق. من الواضح أنهم مروا بفترة صعبة جدا في السنين الماضية .

هل هذا مؤشر على نهاية المسيحيين في العراق عدا كردستان؟

ـ  نهاية الوجود المسيحي في العراق باستثناء اقليم كردستان ، الفرضية واردة إذا ما تأملنا

 في تجربة المكون اليهودي ، حيث شاهدنا نهاية للوجود اليهودي في العراق في اواسط

القرن الماضي ، والمعلوم ان اليهود من السكان الأصليين في العراق حيث قطنوا هذه الديار

 قبل المسيحيين وقبل الإسلام ، ومع ذلك كانت نهاية وجودهم اواسط القرن الماضي ، وفي

ما يخص الوجود المسيحي فإن استمرت الظروف على تدهورها بهذه الوتيرة من العنف

والدموية ، فمن المؤكد ان نهاية الوجود المسيحي هي مسألة وقت لا اكثر . لكن قطع دابر

الإرهاب وسيطرة الحكومة على مقاليد الأمور ، وفرض سيطرة الأمن والقانون ، هي عوامل

 مساعدة للأمن والاستقرار ، و بالتالي تصب في مجرى الاستقرار الاجتماعي والسياسي ،

لكن بعكس ذلك فإن الكيان المسيحي مهدد بالزوال والاندثار من الوطن العراقي الذي عاش

على ترابه الآلف السنين.

*ماذا يعني نزوح المسيحيين من جميع العراق الى كردستان؟

ـ بنظري ان نزوح المسيحيين من مدن العراق الى اقليم كردستان ناجم عن الأوضاع غير

 المستقرة في تلك المدن بجهة العنف الدموي والاستهداف على الهوية الذي طال المكونات

من اتباع الديانات غير الإسلامية كالمسيحية والمندائية والأيزيدية . إن هذا العنف النوعي

يفسر لنا الخلل الديموغرافي الخطير بأعداد المسيحيين من كلدان وسريان وآشوريين وأعداد

 المكون المندائي ، كل ذلك ناجم عن هيمنة الخطاب الديني على توجهات المسؤولين ويجري

 ترويجه على قدم وساق ، وهذا يخلق مناخاً دينياً متعصباً رافضاً لوجود الآخر ، وفي مقابل

 ذلك نستشرف على خطاب ديمقراطي علماني في اقليم كردستان ، ويجري ترويج مقولة

الدين لله والوطن للجميع ، وفي المناخ العلماني تستطيع كل المكونات الدينية بمزاولة

معتقداتها بكل سلاسة وحرية.

*يقال بأن المسيحيين ولاءهم قل في مسألة الارتباط بالوطن.هل هذا صحيح؟هل للأوطان

بدائل برأيك؟

-المواطن يعيش مع أسرته في حدود بيته ، لكن لمزاولة حياته يتنقل في محلته او قريته او

 مدينته وهذه جميعها تشكل ما يطلق عليه مصطلح الوطن ، فالوطن هو البيت الكبير

للمواطن إن كان مسيحياً او مسلماً او غير ذلك ، وفي هذا الوطن تترتب عليه واجبات ينبغي

 أداؤها ، ومقابل ذلك له من حقوق المواطنة التي يضمنها الدستور والقوانين والأنظمة ،

وكما هو معروف يأتي في مقدمة تلك الحقوق ما يعرف ( بحق الحياة ) إذ لا يوجد جهة لها

حق إنهاء حياته من الوجود ، وبعد حق المواطن في الحياة تأتي مسألة الحقوق الأخرى ،

فماذا نقول عن الوطن الذي لا يستطيع حماية وضمان حياة المواطن ، ولا يستطيع حماية

أملاكه وأمنه واستقراره ، وهنا نسأل ما هو موقف هذا المواطن من وطنه ؟ بغض النظر عن

 الهوية الدينية او الأثنية لهذا المواطن ، فالمسالة تتعلق بالحياة والموت ، اكثر مما  تتعلق

بمشاعر المواطن اتجاه وطنه.

أما إن كان للأوطان بدائل ، فهذه مسألة نسبية ايضاً ، وعلى سبيل المثال ، فإن المسالة لي

 شخصياً ليس للوطن بديل ، فجذوري الحياتية والوجدانية متأصلة في هذا الوطن ، لكن ماذا

 عن احفادي الذين سيولدون في الوطن الجديد ؟ من الطبيعي ان لا يكون هؤلاء الأحفاد

بنفس القدر من الارتباط بالوطن الأم ، إنها ظروف الحياة والإنسان يتأقلم مع محيطه الجديد

كلما مر الزمن ، فيندمج وينصهر لغوياً وثقافياً وهوياتياً مع الوطن الجديد.

* لماذا الهجرة مستمرة بالرغم من استقرار الوضع في كردستان امنيا وسياسيا .لماذا يفكر

المسيحي عادة بترك الوطن؟

– اجل إن الأوضاع مستقرة في اقليم كردستان لكن مع ذلك نلاحظ استمرار الهجرة ، بنظري

ان هذه الحالة ( الهجرة ) ليست مقتصرة على المسيحيين فحسب ، فهنالك الأيزيدية

والمندائيون ، وحتى المكون الكردي نلاحظ وجود هجرة ولو على وتيرة اقل ، فالهجرة

اصبحت متاحة بطرق ووسائل سهلة وهنالك جمعيات تنسق مع الأمم المتحدة لتنظيم تلك

الهجرة فالمسالة لها بعدها الدولي اكثر مما هي مرتبطة بمكون محدود.

أما ما يخص المسيحيين ، فالمسالة لها جوانب أخرى ، فإن ترك المسيحي بيته في بغداد

مثلاً ، فلا شك ان هذا الرجل له عائلة وهو يحتاج الى اسباب المعيشة ، ويحتاج الى عمل ،

فإن كان هذا الرجل موظفاً او له افراد في عائلته موظفون فحين الانتقال الى اقليم كردستان

سيلاقي صعوبة التفاهم باللغة ، وسيشكل ذلك واحدة من العوائق للاستقرار في الاقليم ،

وسمعت بعض الشباب يقول ، إن كان في اقليم كردستان ينبغي ان اتعلم اللغة الكردية للعيش

 في المنطقة فما هو المانع من الهجرة الى السويد مثلاً وهناك ايضاً اتعلم لغة جديدة ،

ولاشك هنالك معوقات اخرى كالحصول على وظيفة ، وإيجاد سكن وتكاليف الحياة المعيشية

، كل ذلك يشكل أسبابا مجتمعة تضع المسيحي وغيره من الأقليات ترجح الهجرة على

البقاء .

* هل للمسيحيين جالية متماسكة خارج الوطن ؟ماذا يجمعهم وماذا يفرقهم؟

-بنظري اقول نعم .هنالك جالية مسيحية متماسكة اجتماعياً خارج الوطن ، لكن من الناحية

السياسية والقومية ثمة اختلاف ، وما كان يفرقنا في الوطن هو نفسه ما يفرقنا خارج الوطن

 ، ويتحمل مسؤولية هذه التفرقة الأحزاب الآشورية القومية المتزمتة والتي تضع نفسها

بمقام الأوصياء على المكونات الأخرى كالكلدانيين والسريان.

* ماذا عن الثقافة والأدب السرياني. بعد تحرير العراق من نظام صدام هل أعطت الحرية

مساحة تكفي لازدهار الثقافة والأدب السرياني.

-وأنا في الوطن أشاهد أمامي الكثير من النشاطات الثقافية واهتماما كبيرا باللغة الكلدانية

 ( السريانية ) ، وثمة مجلات وجرائد وإصدارات كثيرة تصدر ، إن وجود مديرية عامة

تعتني بهذه اللغة وآدابها قد جعلها في دائرة الأضواء ، وإنها تعيش في عصرها الذهبي .

* الأقليات القومية والدينية ،ماذا تربح وماذا تخسر في الوضع الديمقراطي ؟

-الأقليات القومية والدينية تنتعض وتزدهر في المناخ الديمقراطي ، إنه المناخ الطبيعي

 والهواء الطلق الذي تزدهر به المكونات القومية والدينية ، وفي غياب الديمقراطية ،

تتعرض هذه المكونات ( الأقليات ) الى انتكاسة في مختلف اوجه الحياة ، فهي الحلقات

 الضعيفة من سلسلة الحلقات المجتمعية ، فلغة الديمقراطية ، هي اللغة الوحيدة التي تضمن

بقاء هذه الأقليات وازدهارها .  

* نرجو ان تتحدث لنا عن نشاطاتكم الشخصية ونشاطات الاتحاد الذي ترأسه؟

– أتشرف برئاسة الاتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان ومؤخراً كٌرمت من قبل اتحاد السلام

 العالمي كسفير من العراق  للسلام . وفي شأن تأسيس الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء

الكلدان كان نتيجة  اتصالات ومشاورات بين نخبة مثقفة من الكلدان من مختلف انحاء العالم

 ، وكانت ثمة فكرة واحدة تشكل الوشيجة التي جمعتنا ، وهي الاعتزاز والافتخار بالقومية

الكلدانية ، كقومية عراقية أصيلة ، وكشعب كلداني يعتبر من السكان الأصليين في بلاد ما

بين النهرين ، الذي هو العراق المعاصر.

 إن اهم ما قام به الاتحاد لحد الآن هو تسليط الأضواء على مجزرة بشرية ارتكبت بحق

الشعب الكلداني ، وهي المجزرة التي ارتكبها النظام السابق في قرية صوريا الكلدانية ، وقد

مضى على تلك المجزرة حوالي اربعة عقود وكان مصيرها النسيان في غياهب الزمن ، لكن

اتحادنا وضعها تحت الأضواء ، وذلك حينما بادر كتاب اتحادنا للكتابة عن تفاصيلها ،

واليوم اصبحت قضية مطروحة تهتم بها حكومة اقليم كردستان واطراف اخرى  ، نحن في

الاتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان نؤمن بحرية الجميع في المعتقد والانتماء ومنهم حق

 شعبنا الكلداني ، ونحن نناشد دائماً القيادة في إقليم كردستان ان تعيد تسميتنا القومية الى

مسودة دستور الإقليم وكما كان مذكورا  سابقاً وكما هي في الدستور العراقي ، إن إنصاف

واحترام المشاعر القومية للكلدانيين من قبل اقليم كردستان قيادة وحكومة وشعباً سيعزز من

مكانة الإقليم الإنسانية والدولية بحيث يبرهن انه يحترم الجميع ويراعي مشاعرهم الدينية

والقومية.

يذكر أن حبيب تومي كاتب عراقي كلداني مقيم في النرويج ورئيس للاتحاد العلمي للكتاب

والأدباء الكلدان و سفير السلام وعضو المنتدى الثقافي العراقي و رئيس تحرير موقع نادي

 بابل الكلداني في النرويج، لديه مئات المقالات في مختلف المواضيع، لكنه يركز على شؤون

 المكون الكلداني بشكل خاص والمسيحي والأقليات الأخرى بشكل عام، كذلك لديه كتب في

الشأن الكردي والمكونات الكردستانية في إقليم كردستان، وهو منحاز نحو الديمقراطية

والفكر العلماني في إقليم كردستان وفي عموم العراق، لديه كتاب مطبوع وهو دراسة

انثروبولوجية اجتماعية ثقافية عن مدينة القوش ذات الأغلبية المسيحية، ولديه كتاب تحت

 الطبع بعنوان “معجم الألفاظ المحكية المشتركة بين العربية والكردية والفارسية والتركية

والآرامية”، كما ولديه كتاب الآن جاهز للطبع  تحت عنوان “ملا مصطفى البارزاني، قائد من

 هذا العصر”.

  

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *