جدلية التأشور الآلي

من البديهي إن للبشر درجات متفاوتة في الفهم والتفكير والوعي، وتصنف حسب وعي الإنسان نفسه بها، فما يشخص كمشكلة عند بعض البشر قد لا يعار له أهمية عند آخرين، والاعتقاد بأن انتماء الفرد لا يمثل حقيقة الحياة هو اعتقاد موغل في الخطأ، لدرجة أن التجارب المكدسة على مر التاريخ لا تكفي ربما لفهمه، وعلى الرغم من رؤية ذلك على قدر من السهولة والبساطة، إلا أن له خطورة كبيرة تخلق تراكمات قد تكون عصية على الحل عند مواجهتها للإنسان.

 بعد هذه المقدمة القصيرة جدا يمكننا المرور إلى الخطاب الأشوري القومي الشمولي على صفحات الانترنت…

انتشرت في الآونة الأخيرة آفة التعالي والتمييز لدى مجموعة أثنية معينة ومحدودة تدّعي أن لها حق التفرد والريادية في قيادة الآخرين والاستئثار بحقهم الطبيعي، ولقد انتشرت هذه الظاهرة خاصة مع ما ينشر على صفحات المواقع الالكترونية من مقالات أو أراء أو أفكار استعلائية متعصبة، والأدهى من ذلك وأكثرها مرارة، أنها تقوم بحملات منظمة لإلغاء وإقصاء الإثنيات المسيحية الأخرى التي تمت إليها بصلة العقيدة الدينية، فنجد أن المجموعتين المستهدفتين هي الكلدانية والسريانية، حيث يواجه الكلدان والسريان أبشع أنواع الإلغاء والإقصاء التي شهدها التاريخ الحديث، هي أن ” لا قومية غير الأشورية “، فتم القيام بحملة إعلامية بصورة منظمة من قبل المجموعة الأشورية المتعصبة، وقد اتخذوا من الإمكانيات المالية ووسائل الإعلام المتوفرة لهم فرصة لخدمة الأفكار الأشورية وعلى حساب الكلدانية والسريانية، بل هي تؤمن بالتمييز والأفضلية وعلى أسس عرقية في المقام الأول تمنح لها تحديد موقفها من الأخرى، فوصفت نفسها بصفات التفوق والتميز والقوة والهيمنة والاعتقاد في الأفضلية العرقية، وبالتالي حق السيطرة والهيمنة على مقدرات المجتمع المسيحي العراقي، فنجد أن الحملة الإعلامية المعلنة التي تنطلق من خلفية فكرية شمولية، تتأسس على رؤية تعصبية وغائية غير متسامحة تسعى إلى تضخيم الذات ” الأنا القومية”، والتوجه إلى تضييق هوية الشعب وحصرها في ثقافة مغلقة لا تطيق التعدد وتضيق بالتنوع، ولا بد لها من عزل الكلدانية والسريانية وتجريدهم عن أصولهم وإخضاعهما، لا في ضرورة وأهمية الالتقاء والتفاهم.

إن الاتصال بين المجتمعات ليس بالضرورة أن يولد الانفصال، فالاتصال السليم القائم على أسس الاعتراف بالآخر وعدم رغبة الهيمنة واحترام الهوية والذات لا يمكن أن يكون سببا في توليد الخلاف، وهناك مجتمعات كثيرة تقوم على أساس التعددية والثقافية والعرقية والدينية وتمكنت من خلال الدستور والديموقراطية أن تزيل أسباب التوتر الناجمة عن اختلاف الثقافات والأديان والأعراق، والانفتاح على الآخر هو الطريقة الوحيدة لعزف موسيقى الإنسانية المشتركة.  لكن نجد أن العقلية الاستعلائية الأشورية التي أقامت علاقتها مع الآخرين على أساس مبادئ الهيمنة، والتي ليس في منهجها قبول الآخر والالتقاء معه على ارض التلاقي ورص الصفوف، لأنها ذهنية استعلائية، فقد وضع الفكر الأشوري في إستراتجيته تذويب  الكلدانية والسريانية في الأشورية، لأن الاعتراف بقيم الآخر وعاداته وتراثه وثقافته يمكن أن يبقى تأثيرها، وهذا ما لا تريده المجموعة الأشورية، بل تقف موقف التهميش والإلغاء. فالقيم الحضارية هي التي تدعم هذا البعد الحضاري، لأنها عامل تقريب بين المجتمعات، فنجد أن هذا الاصطفاف للثقافات الإنسانية بألوانها كلها متساوية أو بالأحرى متعادلة تتفق حول حقوق الإنسان وتشتمل على مبادئ خاصة بهذه الحقوق، وذلك قبل أن يتم التوصل إلى إعلان حقوق الإنسان وغير ذلك من الصور القانونية التي وضعتها المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومنع ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، فالقيمة الثقافية أقدم بلا شك من القانون الذي وضع كنص تشريعي ضد الجرائم الإنسانية.

 

19 09 2010

  

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *