بين كلدانيتي وكلدانية غيري

بين كلدانيتي وكلدانية غيري
                        “الويل لامة تعصب عينيها عن اخطاء ابنائها”

بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن/ استراليا 9 نيسان 2011
 
لا انكر ان مفهومي للشعور القومي اختلف بمرور الزمن وانتقل من مرحلة الى اخرى حسب خبرتي في الحياة، ولكن كلما مرت الايام كلما زاد تعلقي والتصاقي بها كالعطشان الذي يزيد عطشه بشرب ماء البحر.
لا انكر قد اكون خطأت في الماضي في طريقة وضع جهودي لخدمة هذا الشعب حينما بالغت احيانا في تعابيري عن كلدانيتي، لكن سرعان ما اكتشفت ان الموت يحوم حولها بسبب انغلاقي الاعمي بدون مبرر.
لهذا بدأت بالانفتاح الى الاخرين  لا من اجل التنازل عن كلدانيتي،  بل من اجل رفع شأنها والدفاع عنها بواقعية حقيقية  وطرق غير ملفقة، طرق مستندة على الحقائق و الوقائع التاريخية وبطريقة موضوعية.
انا لست كلداني متعصب لا يرى نور الوجود إلا من خلال كلدانيتهِ لانني ارى هذه العملية، هي عملية انتحار ذاتي جماعي؟!، لانني اؤمن كل الايمان ان هذه الطبائع  لازالت موجودة في البشرية اصلها هي من الغرائز الحيوانية،  ولم يتم ترويضها و  لا تصقيلها لحد الان؟!،  وان الجانب الغرائزي لا زال هو السائد عند المجتمع والامم والقوميات والشعوب وحتى الدول؟!. ولا تقول كلدانيتي انها الوحيدة لها الحق في الوجود وان الاخرين  باطلون لا يستحقون  الوجود او لانهم خونة لان حينها تصبح كالاعمى الذي لا يرى فكيف يميز بين الاشياء .
كلدانيتي ليست في محل مساومة، لكنها ليست طاغية على انسانيتي، ولا على  مسيحيتي، ولا على وطنيتي العراقية.  نعم هي هويتي الذاتية، لكنها تصيح من شبابكها الكثيرة المفتوحة بإتجاه الاخرين و باعلى صوتها:
” هيا بنا نعبر الى الضفة الاخرى لعلنا نرى ما هو مستور…. لعلنا نستطيع التخلص من الانا القاتلة ونتحد مع الانا الكبيرة….. لعلنا نشفي ونتخلص من امراضنا بعد ان نتوب عن زلاتنا ”
كلدانيتي لا ترغب و لا تتمنى من اخي الاشوري ان يترك اشوريته ويلتحق بكلدانيتي، ولا تطلب من اخي السرياني ان ينزع رداءه المزكش بقصائد واشعار وجميع الفنون من ثقافة شعبنا  (على الاقل خلال الف وخمسمائة سنة الاخيرة)  وتتركه عريانا في الطبيعة. بل تشعر كل ما قدمه اخي الاشوري من النضال القومي كان قوة لي،  وكل ما أُنتج باسم الثقافية السريانية هو ثروة لكلدانيتي لانها لغتي الام. وان كلما ما ابدع الكلدان في حقول المعرفة والسياسية والفكر والكنيسة كان انجازا يفتخر به كثيرمن الاشوريين والسريان ايضا.ً
كلدانيتي لا تقبل تشويه التاريخ ، خاصة خلال الفي سنة الاخيره بعد دخولها وامتزاجها كليا مع البقية الباقية من السريان الارامين والاشوريين في الديانة المسيحية وبقاءهم ابناءً لكنيسة لا تحمل اي صفة  او اسم  قومي ككلدانية او اشورية او سريانية ، وانما تحمل اسماءً مثل كنيسة المشرق او الشرقية او النسطورية او الفارسية او كنيسة الشهداء او كنيسة كوخي او قطيسفون  بعيدة عن جميع اسماء القومية ، وان تجديد اسمائها بأسماء قومية لم يتم الا على يد رجال الكنيسة بعد الانقسمات التي حصلت فيها في القرون الاخيرة.
لهذا كلدانيتي لا تستطيع ان تغمض عيونها عن الماضي ، او تنكر حقيقة هذه الفترة الزمنية الملتصقة بحياتنا وتاريخنا الحديث وتقفز  25 قرن للوراء وتهمل الفترة الوسط الواقعة بين اليوم (2001)  و تاريخ سقوط بابل و نينوى 25 او 26 قرن.
نعم اقدس الجذور التاريخية لامتنا واقبلها بعلاتها وعيوبها وفترة سباتها وسقطاتها، اقبلها بالصورة الواقعية وما حدث لها،  وليس كما احلم او ارغب او ينتقي او يضيف او يختلقهً غيري، لانني لا استطيع تغير الماضي وانما استطيع اغير ذاتي.
     نعم لكلدانيتي طموح و شعور بالذات، ربما لانها نهضت من سباتها مؤخراُ، ولكن كما يسري الناموس الطبيعي على كل الموجودات فهو يسري فيها وعليها، لهذا تراها تدافع عن ذاتها احيانا بضراوة وبكل ما لديها ، لكنها لم ولن تقبل ان تسلب او تسحق اوتختصب حق غيرها.
لهذا انا كلداني ربما اكثر ما انا انا، ولكن لن تطغي كلدانيتي على المنطق والحق وتبتعد من الواقعية ولن تشوه الماضي ولن تتزمت او تتعصب في المستقبل، لانني ادرك ان امراض الانا الكبيرة اكثر من امراض انا الصغيرة ، و الويل لأمة تعصب عينها عن اخطاء ابنائها.
كلدانيتي لا تحتاج الى التعهدات والحَلف بالمقدسات لانها حية في ذاتي وتسري مع الدم في شراييني ، لكنني لم ولن اتركها تسبح في بحار الوهم او الانغلاق على الذات ابداُ ابداً.
ليست كلدانيتي وحدها تسير في هذا الإتجاه بل هناك الكثير مثلها .

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *