بشينا وبشلاما المطران الجليل رمزي كرمو في اوسلو

منذ اوائل القرن العشرين كانت طلائع من ابناء الشعب الكلداني وقد وصلت الى العالم الجديد (امريكا) ليشكلوا هناك جالية كلدانية (Chaldean) وهي اول جالية كلدانية خارج الوطن (بيثنهرين) وفي اواخر القرن المذكور كانت الهجرة الى دول اخرى كالدول الأوروبية واستراليا وكندا إضافة الى امريكا، وبعد عام 2003 كانت الهجرة الكبرى للكلدان وبقية مسيحيي العراق، إلا ان الهجرة الأكبر كانت بعد سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش، على مدينة الموصل وسهل نينوى برمته، لنشهد فراغ مدينة الموصل وكذلك معظم المدن والقرى التابعة لشعبنا المسيحي من سكانها المسيحيين، وأمام هذا الواقع المرير اضطرت سفينة شعبنا الى الرسو في مرفأ الهجرة الى الخارج وها هو يشد رحاله للإبحار الى ارض الله الواسعة.


الحشد البشري المسيحي للحصول على جواز سفر للهجرة من الوطن الذي لا يقبلهم ولم يعد لهم موطئ قدم فيه.

المسيحيون العراقيون بصورة عامة والكلدانيون بشكل خاص كان رأي الكنيسة مُنصب على التواصل معهم في دول المهجر بجهة حفاظهم على تراثهم وهويتهم وتربيتهم المسيحية ولغتهم الكلدانية وطقسهم الكنسي الكلداني، الذي ورثناه من ابائنا وأجدادنا جيلاً بعد جيل، وكانت الكنيسة الأم الرؤوم، امينة ووفية، وطيلة قرون مضت، للحفاظ على تلك اللغة وتلك الهوية ولم تقبل الذوبان في كؤوس الآخرين، رغم محاولات الترهيب والترغيب عبر التاريخ، وها هي الكنيسة اليوم تنهض بواجبها في رعاية ابناء الوطن في محنتهم الإنسانية التي تعرضوا لها، بعد هيمنة مسلحي الدولة الإسلامية على الموصل ومدن وبلدات وقرى سهل نينوى، واليوم تشكل اوضاع المسيحيين في العراق وفي دول الشتات الشغل الشاغل لكل رجال الدين الأجلاء من مختلف الكنائس العراقية وفي مقدمتها الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية.


المطران الجليل رمزي كرمو كلي الأحترام وكاتب هذه السطور على يمينه

في اوروبا لا تخلو دولة من المكون الكلداني وتنتشر الإرساليات الكنسية في الدول التي فيها جاليات كلدانية ويبلغ عدد الرعايا فيها 18 رعية مع وجود 22 كاهن ويربو عدد الكلدان في هذه الدول على 40 الف نسمة، وهناك بعض الدول تفتقر الى كاهن رغم وجود جالية كلدانية لكن ليس فيها كاهن يدير شؤون الرعية وعلى سبيل المثال دولة فنلندا والنرويج التي فيها خورنة مار يوسف الكلدانية.

كان الخور اسقف فيليب نجم زائراً رسولياً لعموم الكلدان في اوروبا وأسس عدة خورنات منها خورنة مار يوسف الكلدانية في اوسلو واليوم هو مدبر البطريركي للكلدان في مصر.

وبناءً على طلب آباء السينودس الكلداني المنعقد للفترة 5-2013/10/6 في بغداد، عيّن قداسة البابا فرنسيس سيادة المطران رمزي كرمو زائرًا رسوليًا لعموم الكلدان في اوروبا مع احتفاظه بكرسيّه رئيسًا لأساقفة طهران. وبموجب هذه المسؤولية كانت زيارته لدولة النرويج، لتفقد رعيته التي كانت متعطشة لمثل هذه الزيارة الأبوية والروحية في هذه الأوضاع الحرجة التي يمر بها وطننا وشعبنا، وفي نفس اليوم استقبلنا الأب فادي القادم من مدينة يوتوبوري في السويد، وكانت زيارته لمدينة اوسلو لمرافقة المطران رمزي كرمو، إذ رافقه في زياراته وخلال إقامة القداديس وأثناء لقائاته مع ابناء الجالية الكلدانية وكافة المسيحيين الذين حضروا هذه المناسبة السعيدة.

في كرازته بعد قراءة الأنجيل المقدس في القداس الإلهي يوم الأحد الماضي، حث سيادة المطران ابناء الجالية الكلدانية على التمسك بتراثنا وتقاليدنا الأجتماعية والدينية وعدم الأنجراف لبعض السلوكيات التي تتناقض مع ابجديات تربيتنا الدينية المسيحية والأجتماعية والثقافية، فرغم الإيجابيات في هذا البلد وفي غيره من البلدان الغربية، إلا اننا يجب ان ندين بعض السلوكيات، كعملية الأجهاض المرأة الحامل، وعملية زواج المثليين والأنفكاك في الرابطة الأسرية التي تجعل الشاب او الشابة بعد العمر 18 سنة ان يصبح مستقلاً عن عائلته وهذا يؤدي الى انفكاك الأسرة، فقد ادان المطران هذا السلوك الذي يناقض قيمنا ومبادئنا وتقاليدنا الأجتماعية.

كما تطرق سيادة المطران الى موضوع آخر وهي افتقار الكنيسة الى الكهنة، وقد اهاب بأبناء الجالية ان تعمل من الآن لكي تحث الصبيان والشباب على الأنخراط في السلك الكهنوتي، ولا يهم إن كان ثمة شماساً متزوجاً وكان حسن السيرة ان يرسم كاهناً، إن الكنيسة بحاجة ماسة الى الكهنة وعلى جالياتنا العمل من اجل انخراط ابناؤهم في السلك الكهنوتي.

ويضيف انتم رسل الكنيسة المشرقية في الغرب. كما كان ابائكم رسل الكنيسة الى الصين مروراً بالهند ومدنها.

بعد إقامة القداس الإلهي يوم الأحد في اوسلو وجهت له دعوة لحضور تجمع الجالية العراقية لأشعال الشموع على أرواح شهداء العراق، وهكذا كنا برفقته وألأب فادي في هذا التجمع، حيث القى سيادته كلمة في جموع الجالية العراقية تطرق فيها على ما يطال المكون المسيحي من إرهاب وظلم وهو في وطنه، والى اوضاع العراق بشكل عام وكان لهذه الكلمة صدى كبير لدى الحضور.

وفي اليوم التالي رافقناه والأب فادي والأخ فرج اسمرو والأخ حكمت منصور وأنا الى السفارة العراقية، والتقينا بسعادة السفيرة سندس عمر علي التي اعربت عن تضامنها مع المكون المسيحي، وضرورة ان نبقى بجانب الهوية العراقية لسلامة العراق الواحد، وفي اليوم التالي اقام قداساً في مدينة فريدريكستاد وتقاطر على هيكل الكنيسة جمع غفير من الجالية المسيحية هناك. وبعد القداس كان سيادة المطران والأب فادي يلتقيان مع ابناء الجالية وتؤخذ الصور التذكارية وتدور الأحاديث حول مستقبل شعبنا الكلداني بشكل خاص والمسيحي بشكل عام.

كما كان في اليوم التالي اللقاء مع مطران اوسلو للكاثوليك وموعد آخر مع مطران اوسلو للبروتستانت وفي كلا اللقائين كان الحديث عن الأحوال المأساوية التي عصفت بالأقليات العراقية وفي مقدمتها المكون المسيحي.

بقي ان نشير الى ان المطران الجليل رمزي كرمو عراقي الأصل من مدينة تلكيف الكلدانية مواليد 1945 ومن عائلة كرمو العريقة، رسم كاهناً سنة 1975 وخدم في ايران، وفي سنة 1996 رسم اسقفاً لطهران وابتدأ رسمياً كرئيس للابرشية سنة 1999م. واليوم مضى على وجوده في ايران 38 سنة، وهو يجيد عدة لغات وهي: الكلدانية والعربية والفارسية والفرنسية والأنكليزية.

وقد افاد المطران كرمو: ان اليوم في ايران مكون مسيحي ضئيل قياساً بالمكون الإسلامي حيث تبلغ نفوس ايران حوالي 73 مليون نسمة فيهم مكون مسيحي يبلغ تعداده حوالي مئة الف نسمة اغلبهم من الأرمن الأرثوذكس، وحوالي عشرة آلاف كاثوليكي فيهم الكلدان وأكثرية آثورية الى جانب كنيسة المشرق الآشورية (النسطورية) وثمة ابرشية للاتين، ومراكز تواجد المسيحيين مدن طهران والأهواز ومنطقة اورميا وتبريز وأصفهان وللكنيسة الكاثوليكية الكلدانية مطرانين: المطران كرمو والمطران توماس ميرم في اوروميا، كما هناك مطران آثوري واحد، وبشأن التمثيل في البرلمان فثمة ممثل واحد للمسيحيين وهو اثوري يونادم بيث كليا وبرلماني يهودي واحد واثنان من الأرمن.

اقول:ـ

المطران الجليل رمزي كرمو كلي الأحترام، التقينا معه لأول مرة ورأينا انه مثال التواضع ورجل صلاة وله روحانية عميقة وخبرة اسقفية، وأنا شخصياً رأيت الحديث معه ممتعاً وراقياً ومفيداً فهو مستمع جيد مع الآخر ليستوعبه جيداً ثم يبدي رأيه السديد المفعم بإيمانه العميق معتمداً على ثقافته الدينية والأجتماعية، وهو يسكب مع حديثه كؤوس الأحاسيس والمحبة، وجالسه يحس وكأن ثالثهم السيد المسيح، كنت اسمع حديث هذا الإنسان بإصغاء وانتباه ولا اريد ان يفوتني شيئاً من درره النفيسة.

برأيي المتواضع ان المطران كرمو أفلح في سبر اغوار الروح والضمير الإنساني عن طريق نبله وعفويته الإنسانية ومسيحيته المفعمة بالمحبة لكل الناس، كل هذه الخصال عكست شخصيته الشفافة والراقية، إنه زائر محبوب مثل الطيف الرقيق والنسيم العليل، وهذا هو الإنسان القدوة الذي لم تجد كلمة الكراهية سبيلاً الى قلبه النظيف المملوء بنعمة محبة يسوع المسيح.

د. حبيب تومي
اوسلو في 2014/09/12

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *